أغرب الطرق التي درس بها العلماء السرطان

 

الخلايا المزروعة بنسبة منخفضة في أورام الثدي تموت في غياب عنصر السيلينيوم وتنشط عند ظهوره وهذا ما يدعو للقلق، كذلك فحص العديد من الباحثين توابع السيلينيوم كوسيلة تمنع ظهور السرطان ولكن على الرغم العديد من الدراسات التي أجُريت لا يوجد دليل قاطع على وجود سُبل للوقاية منه، وعوضًا عن ذلك يتساءل الدكتور تارديتو ما إذا كانت تلك التوابع تشكل خطرًا إذ يسمح عنصر السيلينيوم للخلايا السرطانية بالبقاء في مجموعات متفرقة فقد يجعل الأمر أسهل بالنسبة للأورام التي تنتشر في الأعضاء الأخرى من جسم الإنسان وقال الأستاذ فاندي فوردي: «لابد من متابعة الدراسة على الحيوانات».

ابتكر الطبيب المعالج الأمريكي هاري إيغل سنه 1959 مزيجًا مكونًا من أهم العناصر المحورية في التاريخ الطبي، وهو مزيج أحمر اللون يحوّي السكر والملح والفيتامينات والأحماض الأمينية، مما أتاح لهذا المّكون فرصة زراعة خلايا الإنسان والحيوان في دوارق مخبرية بنجاح. واعتمد هذا الخليط السائل قاعدة ثابتة تستخدم في إجراء اختبارات البحوث البيولوجية وسميEagle’s minimal essential medium ويرمز له (EMEM) ، إذ مازال الباحثون يستخدمون ذلك المّكون ومشتقاته بكثرة حتى بعد ستين سنة من الابتكار، وذلك متى أرادوا فحص خلايا الحيوان سواء للكشف عن الفيروسات المعدية للإنسان أو لمعرفة ماذا يحدث للخلايا عند تحولها لخلايا مسرطنة.
تشير صياغة المسمى (EMEM) إلى سهولة فكرة المزيج الذي يتضمن كل ما تحتاجه الخلية لتنمو. كما أدرك العلماء في السنوات الأخيرة أن الفحص في مكونات مصغرة قد تفسد نتائجهم من خلال تشويه الطريقة التي تتم فيها معالجة الغذاء في الخلية كما لو أنهم قضوا عقود في دراسة صحة الأشخاص الذين يتناولون حصص غذائية فقط.
لكن ربما من الأفضل ابتكار الوسيط الذي سيعكس الصورة الكيمائية لأجسامنا بدقة، بدلًا من استخدام “الوسائط التي تساعد على نمو الخلية” المعروفة مثل “EMEM” أو الصيغة الأكثر تركيزًا منها المسماة “Dulbecco’s Modified Eagle’s Medium, known as DMEM”. وهذا ما فعله الدكتور سافيريو تارديتو سنة 2012 عند انضمامه إلى معهد أبحاث السرطان في مدينة غلاسكو، المملكة المتحدة إذ ذكر: “تتمركز الأبحاث السرطانية بنسبة 90 بالمئة حول أثنين أو ثلاث من الوسائط المتداولة تجاريًا، كما ندرك نحن الباحثون بأن الوسيط الذي يرشح للبحث في البداية سيؤثر على المعطيات، فإنه من السهل فتح المجمدة واختيار ما يعجبك لكن نحن نبدو كسولين بعض الشيء.”
أجاد الدكتور سافيريو تارديتو صنع مزيج على مدى عدة سنوات أطلق عليه البلازماكس والذي يضم 80 بالمئة من المواد الغذائية والكيميائية نفس تلك المستويات الموجودة في الدم عند الإنسان، قال الدكتور سافيريو: “لقد كان مشروعًا جانبيًا، وهي مجرد وسيلة للحصول على أداة أفضل للقيام بأبحاث أكثر دقة ولأننا منذ البداية لاحظنا أثر الوسيط على نتائج الأبحاث.”
وأدرك زميله يوهان فاندي فوردي بأن الخلايا السرطانية عند نموها في المّكون البلازماكس تتصرف مثلما في الأورام الحقيقة تقريبًا، بعيدًا عن التصرفات المبهمة تلك التي تشير إليها المّكونات المربحة تجاريًا، فعلى سبيل المثال يحتوي المزيج DMEM على مادة البيروفات أكثر من المعدل الطبيعي في الدم عشر مرات، و تسمح تلك المستويات غير الطبيعية بنمو الخلايا السرطانية كما لو أنها متعطشة للأكسجين، بالرغم من ظهور الغاز بوفرة في DMEM ستتظاهر الخلايا كما لو أنها تتعرض للخنق بعكس ما يحدث عند البلازماكس.
يوجد عنصر السيلينيوم في البلازماكس بخلاف DMEM وهو عنصر معدني أساسي استخلص نتيجة المقارنة بين اثنين من الوسائط المبتكرة، وكما ذكر الأستاذ فاندي فوردي بأن الخلايا المزروعة بنسبة منخفضة في أورام الثدي تموت في غياب عنصر السيلينيوم وتنشط عند ظهوره وهذا ما يدعو للقلق، كذلك فحص العديد من الباحثين توابع السيلينيوم كوسيلة تمنع ظهور السرطان ولكن على الرغم العديد من الدراسات التي أجُريت لا يوجد دليل قاطع على وجود سُبل للوقاية منه، وعوضًا عن ذلك يتساءل الدكتور تارديتو ما إذا كانت تلك التوابع تشكل خطرًا إذ يسمح عنصر السيلينيوم للخلايا السرطانية بالبقاء في مجموعات متفرقة فقد يجعل الأمر أسهل بالنسبة للأورام التي تنتشر في الأعضاء الأخرى من جسم الإنسان وقال الأستاذ فاندي فوردي: “لابد من متابعة الدراسة على الحيوانات.”
ابتكر أستاذ معهد الأبحاث الطبية الحيوية ديفيد ساباتيني مّكونه الذي يحاكي مستويات الغذاء في الدم عند الإنسان، وأشار أيضًا سنة 2017 إلى أن الخلايا السرطانية التي تنمو في المّكون الذي ابتكره أقل حساسية للعلاج الكيميائي المسمى أدروشيل.
ناضل الباحثون لترجمة نتائج التجارب الأساسية التي تخص علاج الخلايا التي ستساعد مريض السرطان بالفعل، بالرغم هناك العديد من الأسباب المحتملة لتلك المشكلات، يتساءل تارديتو عما إذا كان هو وزملاؤه سيحصلون على نتائج أفضل إذ قاموا بزرع خلاياهم في مزيج أكثر واقعية، وهنا أتت النتائج في وقت مناسب ففي السنوات الأخيرة صارع علماء أحياء السرطان مع مشكلة النتائج المتكررة حيث لا يمكن إعادة العديد من تجارب الخلايا التي زُرعت في المختبرات من قبل فرق أخرى.
يضيف تشي فان دانغ من معهد ويستار: “إذًا هل ستتمكن هذه الوسائط الجديدة من كشف نقاط ضعف الخلايا السرطانية بشكل أفضل مما سبق؟”، كما يسعى لمعرفة كيف يمكن أن تتفاعل الخلايا المناعية في ظل هذه الظروف الفسيولوجية بسؤاله: “هل يمكن أن تساعدنا هذه الوسائط في فهم العلاج المناعي بشكل أفضل؟”
تقول جينا دينيكولا من مركز موفيت للسرطان: “حققت تلك الدراسات تقدم كبير في عالم السرطان، ولكن كي يطبق هذا النهج على نطاق أوسع، ستحتاج هذه الأنواع من الوسائط إلى تسويقها. بحيث يمكن توفيرها في أحد المعامل، فعلى فعاليتها إلا أنها مكلفة للغاية وتستغرق الكثير من الوقت، فالتحضيرات التجارية أكثر ثباتًا وأعلى الجودة، والتي سوف تساعد على الانتشار بين المعامل، في الواقع هذا هو السبب في أن الباحثين كانوا بطيئين للغاية في الانتقال إلى ما بعد الوسائط التقليدية مثل DMEM».
وستساعد الاستعدادات التجارية أيضًا الأستاذين ساباتيني وتارديتو، اللذين شحن فريقهما ونقل مخزون من الوسائط الخاصة بهما إلى المتعاونين حول العالم. يقول الأستاذ تارديتو: “أجد صعوبة في ملاحقة الطلبات، فنحن نتعامل مع الموردين و لكن ليس الأمر بتلك السهولة ويرجع ذلك إلى أن الوسائط الفسيولوجية أغلى ومن المحتمل أن يكون عمرها الافتراضي أقصر.”
بالنسبة للباحثين الذين يتطلعون إلى فهم كيف تلتهم السرطانات العناصر الغذائية، توضح الأستاذة ناتاشا بافلوفا من مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان: “الكشف على الشخص في وسط مثل بلازماكس سيضيف بلا شك صرامة لا مثيل لها، ونأمل أن يصبح هذا الاختبار أكثر انتشارا.”
ولكن لاحظت الأستاذة بأن مثل هذه الوسائط ليست مثالية بعد حيث يمكن الاعتماد عليها فحسب؛ لأنها ما زالت تفتقد إلى العديد من مكونات الدم المهمة بشكل كبير، بما في ذلك الدهون والبروتينات. فهي لا تلتقط المكونات الكيميائية المختلفة الموجودة في الأنسجة والأعضاء الأخرى. ولا تعكس الخلايا الكيميائية المصابة الموجودة في قلب الأورام، والتي تنمو بسرعة كبيرة بحيث لا يمكن أن توفر لها إمدادات الدم ما يكفي من العناصر الغذائية. أظهر ألكساندر موير من جامعة شيكاغو الشهر الماضي أن السوائل الموجودة داخل الورم، والتي تنتشر بين خلاياها السرطانية، تحتوي على مستويات مختلفة من العناصر الغذائية لتلك الموجودة في الدم.
يقول الأستاذ بافلوفا: “ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو أن العديد من الباحثين في مجال السرطان يعتمدون على سلالات الخلايا السرطانية التي أُنشئت منذ عقود. نمت هذه الخطوط في الوسائط التقليدية مثل DMEM منذ ذلك الحين، ومن المرجح أن تتكيف مع ذلك. إذا كانوا الآن غارقين في بلازماكس، فهل هذا سيجعل الباحثين أقرب إلى بيولوجيا الحياة الحقيقية، أم أبعد؟ هل سيتعين على الباحثين إنشاء خطوط جديدة تمامًا للخلايا وتزرع منذ البداية في البلازماكس؟
وأخيرًا يصرح الأستاذ تارديتو: ” لن يكون هناك أي وسيلة مثالية أخرى تحاكي البيئة السرطانية التي تبدأ في نهايتها، فكل ما يمكننا فعله هو محاوله تقليل هذه العيوب قدر الإمكان.”


الكاتب : هبة هشام

  

بتاريخ : 27/06/2019