إنترسبت: هل توجد خطة للتعامل مع مقاتلي «الدولة» بسوريا؟

نشر موقع «ذا إنترسبت» تقريرا للصحافي عمر فاروق، يقول فيه إنه بالرغم من النتائج الكارثية لسياسة دونالد ترامب في سوريا، فإن الرئيس كان محقا في جانب واحد: لم يفعل العالم إلا القليل جدا لإيجاد حل للأشخاص الذين شكلوا يوما ما تنظيم الدولة.
ويشير التقرير إلى أنه عندما تم سحب القوات الأمريكية، قال ترامب إن تركيا ستكون مسؤولة عن آلاف مقاتلي تنظيم الدولة في المناطق التي ستسيطر عليها، وهدد بفرض عقوبات على أنقرة لدخولها الأراضي السورية، وقال المسؤولون الأتراك إنهم يعملون على خطة للتعامل مع المحتجزين من مقاتلي تنظيم الدولة، وإنه لن يتم إطلاق سراحهم، مستدركا بأنه بناء على تجارب تركية سابقة فإن أولئك المقاتلين لن يقضوا وقتا طويلا في السجن.
ويلفت فاروق إلى أن قوات سوريا الديمقراطية، التي تدعمها أمريكا، كانت حتى أيام قليلة هي التي تحتجز أكثر من 70 ألف مشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة، في معسكرات مختلفة في شمال شرق سوريا، فيما هناك على الأقل 10 آلاف يصفهم البنتاغون بأنهم مقاتلون، بينهم حوالي 2000 ليسوا عراقيين ولا سوريين، و800 منهم من دول أوروبية، مشيرا إلى أن كثيرا منهم قضوا في تلك المعسكرات وقتا طويلا دون أن تتم عملية فرز للخطيرين منهم ومن يمكن إعادة تأهيله.
وينقل الموقع عن الباحثة في ملف الإرهاب ومكافحته في «هيومان رايتس ووتش» ليتا تايلور، التي زارت معسكرات اعتقال أعضاء تنظيم الدولة، قولها: «لم تفعل الديمقراطيات الغربية شيئا عدا التلكؤ في إعادة رعاياها، وقبول عدد قليل فقط، معظمهم من الأطفال، وعادة اليتامى».
وينوه التقرير إلى أن أمريكا قامت بإعادة 16 مواطنا من سوريا، فيما أعادت كل من تركيا وكازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وروسيا وكوسوفو حوالي 1250 مواطنا، معظمهم أطفال، مشيرا إلى أن أصعب الحالات هي حالات المواطنين الأوروبيين: فأقل من 50 شخصا، كلهم أطفال، أعيدوا إلى فرنسا وألمانيا والنمسا والسويد والنرويج، وهناك على الأقل 30 مقاتلا من خارج العراق وسوريا أرسلوا على عجل إلى العراق، حيث سيحكم عليهم بالغالب بالإعدام، بعد محاكمات سريعة ترى جمعيات حقوق الإنسان أنها ليست ملائمة أبدا، وهذه الممارسة هي عبارة عن محاولة من الدول الغربية للتخفف من عبء مواطنيهم باستخدام النظام القضائي العراقي.
ويورد الكاتب نقلا عن الزميلة الباحثة في مركز مكافحة الإرهاب الدولي في لاهاي، تانيا مهرا، قولها: «إنه في الواقع قرار سياسي من ناحية الدول الأوروبية.. سيكون من الأفضل من منظور أمني على المدى الطويل إعادة المقاتلين وعائلاتهم بطريقة خاضعة للرقابة، لكن إن تركوا هناك فقد يزدادون تطرفا أو يهربون كما فعل البعض»، وأشارت إلى أنه إن فر السجناء من معسكرات الاعتقال، «فلن نعلم أي شيء عن مكانهم أو ماذا يفعلون».
ويذكر الموقع أن المسؤولين الأوروبيين اجتمعوا على مدى الأسابيع القليلة الماضية، ليناقشوا كيف يتعاملون مع الاختفاء الواسع للقوات الكردية التي حرست معسكرات اعتقال مقاتلي تنظيم الدولة منذ هزيمته قبل أكثر من عام، مشيرا إلى أن هذه الدول لم تعلن بعد أي سياسة بشأن ما يجب فعله.
ويفيد التقرير بأن فكرة إنشاء محكمة دولية، التي كانت قد طرحت في السابق، لم تعد مطروحة، فمثل هذه المحكمة لن تصادق عليها دول مثل روسيا والصين في مجلس الأمن، خاصة أنهما صوتتا ضد اقتراح عام 2014 كان سيؤدي إلى محاكمة المجموعات الموالية للحكومة السورية والمتهمة بارتكاب جرائم حرب، فيما دفع ترامب باتجاه محاكمة المقاتلين في بلدانهم.
ويشير فاروق إلى أن «هناك عدة احتمالات لمصير مقاتلي تنظيم الدولة في سوريا، فبحسب الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري، فإن دمشق ستسيطر على الحدود مع تركيا، وربما أيضا تحمل مسؤولية السجناء، ويمكن أن تقوم أمريكا أو غيرها بأخذ المقاتلين للعراق وتسليمهم للسلطات هناك، وكانت هناك تقارير بأن أمريكا كانت تريد أن تأخذ 50 منهم على الأقل للعراق، لكن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أن اثنين تم نقلهما للسيطرة الأمريكية».
ويقول الموقع إن «الحكومتين العراقية والسورية هما السلطتان الأكثر ملاءمة لمحاكمة المشتبه بهم، الذين يمكن إدانتهم بالجرائم الرئيسية التي ارتكبها تنظيم الدولة على أراضيهما، ويمكن للنظام القضائي في البلدين أن يحكم عليهم بالسجن لفترة طويلة أو حتى الحكم عليهم بالإعدام، لكن تلك المحاكمات ستكون أكثر من زائفة: فالمحاكم السورية سترغب بالتأكيد بأن تعاقب تنظيم الدولة بسرعة، خاصة أنه عارض النظام، أما القضاة العراقيون فأثبتوا أنه لا مشكلة لديهم في إصدار عقوبات قاسية في محاكمات بالجملة، وأشارت مهرا إلى أن (المحاكمات في العراق لا تتجاوز أكثر من 10 دقائق، وظروف الاعتقال سيئة هناك، ويقومون (القضاة) بإصدار أحكام بالإعدام «).
ويجد التقرير أن «النظام السوري قد يحتفظ بالمقاتلين ليكونوا ورقة ضغط لاستبدالهم مع حكومات تريد مواطنيها مقابل استرجاع أراض، أو قد يقوم نظام الأسد، كما اتهم في بداية هذه الحرب، بإطلاق سراح الجهاديين المتطرفين ليغذي سرديته بأنه يحارب ضد مجموعات إرهابية متطرفة، فيمكن مثلا للمقاتلين الذين يطلق سراحهم التوجه إلى إدلب لإعطاء النظام الحجة في مهاجمة آخر معقل للمعارضة».
ويرى الكاتب أن «أكثر السيناريوهات حكمة هو أن تتسلم تركيا مسؤولية المقاتلين المسجونين، لكن حتى ذلك محفوف بالمشكلات، فليست لدى تركيا القوانين التي تسمح لها بسجن المقاتلين لفترة طويلة، بالإضافة إلى أن نظامها القضائي مثقل الكاهل بعشرات آلاف القضايا للمتورطين في محاولة انقلاب عام 2016 الفاشلة، حيث تتم محاكمة أتباع فتح الله غولن، المتهم بالوقوف خلف محاولة الانقلاب، بتهم إرهاب، بالإضافة إلى آلاف الناشطين السياسيين الأتراك المتهمين بعلاقتهم بحزب العمال الكردستاني».
ويلفت الموقع إلى أن هناك حوالي 1500 مقاتل إرهابي أجنبي في سجون أنقرة، بحسب إحصائيات وزارة الخارجية، ما يجعل تركيا تأتي في المرتبة الثانية بعد العراق من حيث عدد المعتقلين من تنظيم الدولة، مستدركا بأن محاكمتهم لم تكن أمرا سهلا، بحسب مؤلف «شبكات تنظيم الدولة: التطرف والتنظيم والأمور اللوجستية في تركيا» دوغو إروغلو.
ويفيد التقرير إلى أن هناك 75480 شخصا من 151 دولة على قوائم «المحظورين من الدخول» إلى تركيا، بناء على معلومات استخباراتية مشتركة مع حكومات أخرى، بالإضافة إلى 7445 شخصا تم ترحيلهم أو عدم السماح لهم بالدخول للاشتباه بعضويتهم في تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة، مستدركا بأنه بالنسبة للمشتبه بهم الذين تقرر تركيا محاكمتهم، فإن إثبات أنهم ارتكبوا جريمة لن يكون مهمة سهلة.
ويبين فاروق أنه عادة ما توجه التهمة للمشتبه بهم بعضوية منظمة إرهابية أو دعم منظمة إرهابية، وكلاهما لا يحمل عقوبة سجن أكثر من سبع سنوات، مشيرا إلى أنه مع أن تركيا تسمح بمحاكمة المشتبه بهم بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية»، فإنها لم توجه أي تهمة كهذه ضد عضو في تنظيم الدولة؛ لأن تركيا تفتقر إلى القدرة على جمع الأدلة التي تحتاجها لذلك.
وينوه الموقع إلى أن العدد القليل من الذين حصلوا على أحكام طويلة كانوا متورطين في هجمات داخل تركيا، مثل عبد القادر ماشاريبوف، وهو مواطن أوزبكستاني، أدين بقتل 39 شخصا في ملهى ليلي في 2017.
وبحسب التقرير، فإن تركيا قامت بعد الانقلاب الفاشل بعملية تطهير في صفوف المدعين والقضاة، الذين كانوا هم المسؤولين الأكثر خبرة في مكافحة الإرهاب في البلد، ولذلك تسلم قضاة بعضهم غير مؤهل تماما، ففي إحدى القضايا ضد عضوة في تنظيم الدولة قام القاضي بتبرئتها بالرغم من وجود بصماتها على مواد تصنيع قنابل، وكانت متزوجة من رجل مدان بالمشاركة في تفجيرات في تركيا، وحكم القاضي بأنه لا يمكن أن تكون تلك المرأة عضوة في تنظيم الدولة لأن أيديولجية التنظيم تقول إن «الوظيفة الوحيدة للنساء هي عمل البيت وتربية الأطفال وخدمة أزواجهن».
ويقول الكاتب إن هناك حالات أخرى تم فيها إطلاق سراح المشتبه بهم مقابل الوقت الذي قضوه في السجن، مشيرا إلى أن ذلك أدى أحيانا إلى مسارعة بلدانهم بالمطالبة بهم لمحاكمتهم.
ويختم «ذا إنترسبت» تقريره بالقول إنه «بعد الفوضى في شمال شرق سوريا فإن المجتمع الدولي يريد أن يرى مقاتلي تنظيم الدولة يحكمون أحكاما طويلة، ومن الواضح أن هناك حاجة للقيام بجهد مشترك لفعل ذلك».


بتاريخ : 26/10/2019