احتفاء بالإبداع النسائي الوطني«مبدعات من شمال المغرب»

تابع الأستاذ محمد البشير المسري ترصيص حلقات نبشه في سير أعلام منطقة الشمال، بإصدار كتاب تصنيفي جديد، تحت عنوان «مبدعات من شمال المغرب»، وذلك سنة 2018، في ما مجموعه 172 من الصفحات ذات الحجم الكبير. ويمكن القول عموما، إن هذا العمل يشكل ترسيخا لمسار عام من الكتابة ومن التأليف ومن البحث، ارتبط باسم الأستاذ المسري، عاشقا لوجوه الشمال، ومحبا لأصواته الخفيضة، ومتيما بمعالم نبوغه، ومهووسا بتفاصيله التي تصنع معالم البهاء الثقافي والسمو الحضاري الذي طبع/ويطبع منطقة الشمال المغربي العميق. فمنذ صدور كتابه الأول تحت عنوان «هؤلاء حاورتهم» (2009)، ثم كتاب «نساء ورجال من تطوان» (2014)، ثم كتاب «الشيخ والمريد.. رحلة ربع قرن» (2017)، ظل الأستاذ المسري متفرغا –بالكامل- لبلورة شغفه الفريد في البحث وفي التقصي وفي الكتابة عن كل نقاط الضوء المشعة داخل عتمات الواقع الضاغط وظلامه القاتل. والحقيقة، إن الأستاذ المسري قد حمل –معه- مشروعه هذا، بين جنباته، إذ ظل هاجسا موجها لمجمل انشغالاته الثقافية والمعرفية التي سلخت الكثير من الجهد ومن الوقت ومن الصبر من حياته. فمنذ أن عرفته عند مطلع القرن الحالي إلى جانب صديقنا المشترك وفقيدنا الكبير الأستاذ خالد مشبال، على هامش انخراطه في مغامرة تأسيس جريدة «الشمال» باعتبارها أول جريدة جهوية بالمغرب، ظل الأستاذ المسري حريصا على بلورة عشقه لأصقاع منطقة الشمال ولعوالمها العميقة، الهادئة، الفاعلة، المؤثرة، المنتجة للخصب وللتميز وللسمو. باختصار، ظل الأستاذ المسري مسكونا بعوالم الشمال وبمعالم نبوغه وبسكينته التي تصنع هويته الثقافية والحضارية المميزة داخل نسيج المجتمع المغربي المتنوع والمركب والمتداخل.
لقد اختار الكاتب محمد البشير المسري –هذه المرة- إنجاز «بطاقات» تعريفية برائدات مبدعات أنتجهن الزمن الثقافي الراهن، ممن كان لهن فضل تحقيق تراكمات إبداعية ظل تداولها في الظل أو بعيدا عن مسار التداول الإعلامي الاستهلاكي. ولعل هذا ما اختزلته بدقة، الكلمة التصديرية المركزة التي جاء فيها: «هذا الكتاب يهدف إلى تسليط الأضواء على مجموعة من السيدات المبدعات اللائي لم ينلن حظهن بعد من الشهرة والبروز». ويفيد هذا التصدير الموجز، حرص المؤلف على تسليط الضوء على أسماء لازال تداولها على هامش المنتديات الإعلامية الموجهة، على الرغم من القيمة التأسيسية الكبرى لعطائها ولإبداعها ولإسهاماتها الثقافية والاجتماعية. وبخصوص الإطار العام الموجه للمضامين، فقد لخصته الأستاذة سعاد الناصر بشكل دقيق في كلمتها التقديمية، عندما قالت: «يأتي كتاب مبدعات من شمال المغرب للبشير المسري ليقدم للمكتبة المغربية إضافة نوعية للتعريف بشخصيات نسائية مغربية، من خلال التعريف بهن، والوقوف على المراحل التي شكلت عطائهن. فالكتاب يدخل في مجال الكشف عن واقع إبداعي نسائي في شمال المغرب، حاول فيه الباحث تغطية المسير الإبداعي لاثنين وأربعين مبدعة من شمال المغرب، وحاول تقديم صورة مشرفة عن كفاح المرأة المغربية وطموحها، وتوثيق جانب من جوانب إبداعها في مجال الفن والأدب والكتابة. ذهب فيه من حيث التصنيف والتبويب مذهبا خاصا، اتبع فيه رؤيته الخاصة عن المرأة وتصوره لها. لذلك جاء التوثيق والتبويب على غير مثال…» (ص. 6).
هي إضاءات مشرعة على آفاق الكتابة والتأمل، وقبل ذلك، هي «بطاقات» ود وامتنان وعرفان تجاه جزء من نخب العطاء الثقافي المبادر بمنطقة الشمال، من خلال صيغته المؤنثة التي اختزلتها النماذج المنتقاة والمتعلقة بكل من حفيظة أعراس، ونبيلة الصباحي، ونسرين بن إدريس، وعشوشة مغوز، وعواطف أعجوض، ووفاء الميموني، ومليكة الجباري، وسكينة أيت ناصر، وأمينة الجباري، ورحيمة العرود، وفاطمة البشيري، وسهام حلي، وحسناء أثوارب، وفنة شاكر العلوي، وخديجة بوزكري، وثريا الحساني الخروبي، ولبنى المزابي، وسعيدة أكدي، وسميرة زيان، ومليكة شهيبي، ونادية الأجراوي، وزكية الحداد، وجليلة الخليع، وشمس الضحى البقالي، ونبوية العشاب، وهدى المجاطي، وسعاد أنقار، وفطيمة الكنوني، ونجاة الصباحي، وبشرى لعلام، ومليكة العمراني، ونادية الصمدي، ومريم كرودي، وحسناء البطاني، ودنيا الدليرو، والزهيرة الطليكي، وأمل الشريف الطريبق، وخلود بولعيش، وأمال الدردابي، ومحجوبة العوينة، ونادية بولعيش، وكريمة الشيخ الفلوس.
وبذلك، نجح الأستاذ المسري في تقديم عمل تصنيفي غير مسبوق، لا شك وأنه يساهم في توفير المادة الضرورية لتنظيم الاشتغال على مصادر التاريخ الثقافي الراهن لمنطقة الشمال. وعلى الرغم من أن الأستاذ المسري قد بذل جهدا واضحا في تجميع مظان ما استطاع الوصول إليه من معطيات توثيقية ومعلومات بيوغرافية، فالمؤكد أن العمل مازال ينتظر جهود الإغناء والتطوير، عبر توسيع الأبعاد الجغرافية لجهة الشمال، بكل المدن والأقاصي المترامية لمنطقتي جبالة والريف. لقد ركز المؤلف كثيرا على رائدات مدينتي طنجة وتطوان، وحسبه أنه فتح الباب أمام الباحثين لتطوير العمل المستقبلي المرتبط بهذا الموضوع. فكل مدن الشمال غنية بعطائها، رائدة بنسائها، ملهمة بإبداعها.
أسماء على أسماء، وتجارب على تجارب، وإضافات على إضافات، تصنع لهذا الشمال الواسع ألقه المستطاب وتميزه المشتهى وسحره الأخاذ.


الكاتب : أسامة الزكاري

  

بتاريخ : 15/04/2019

أخبار مرتبطة

أقيم مساء السبت 20 أبريل 2024 بالمقهى الأدبي للمعرض المغاربي للكتاب « آداب مغاربية» بمدينة وجدة، حفل تقديم وتوقيع ديوان

في إطار سلسلة معارضه التي يشارك فيها الفنان التشكيلي كريم ثابت سنويا وطنيا ودوليا، يشارك الفنان هذه المرة في المعرض

  على الرّغم من أن رولان بارثRoland Barthes، منذ أواسط ستينات القرن الماضي، أي في مرحلته البنيوية، كان قد أعلن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *