ارتفاع الضغط الضريبي يولد «الاقتصاد الوهمي» حول تجارة الفواتير.. قطاع مقاولاتي جديد مزدهر ويتعامل بالملايير دون أن ينتج شيئا

لم يعد الاقتصاد الوطني يعاني فقط من وجود ازدواجية بين اقتصاد “مهيكل” وآخر “غير مهيكل”، بل من ولادة وتطور “اقتصاد واهمي” بكل معنى الكلمة، بالموازاة مع الاقتصاد الحقيقي المنتج بشقيه “المهيكل” والغير مهيكل”، نتيجة ازدهار ظاهرة تجارة الفواتير بهدف التهرب الضريبي.
الاقتصاد الوهمي الجديد يدير أعملا وهمية ويبيع خدمات ومنتجات وهمية، لكن بملايير الدراهم. له رجاله الذين يتجولون في شوارع المدن الكبرى بسيارات فارهة وعليهم آثار الثروة الفاحشة. وله شركاته التي تفرخ يوميا في مراكز تشجيع الاستثمار، حيث أصبح بالإمكان تأسيس شركة ببضع نقرات على الكمبيوتر واستكمال الإجراءات في أيام معدودات، تمكن المقاول الوهمي من التوفر على الأختام وهي كل ما يحتاج إليه لممارسة تجارته. ولا يقتصر الأمر على شركات جديدة أحدثت لهذا الغرض، بل أيضا على شركات قائمة، وبعضها ينتمي للقطاع العام، والتي يتاجر بعض مسؤوليها الفاسدين في الفواتير.
فما الذي يدفع المقاولات، خصوصا تلك التي يفترض فيها أنها عصرية ومهيكلة، لشراء الفواتير؟. الجواب الوحيد هو الضغط الضريبي، الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 20 في المائة، والضريبة على أرباح الشركات بنسبة 31 في المائة، وبعد استيفاء جميع الضرائب والرسوم وتتبقى الأرباح الصافية يكون على المقاول أداء ضريبة إضافية بنسبة 15 في المائة على حصته من الأرباح الصافية الموزعة.
قد يستغرب الجبائيون بشكل خاص من جدوى تهرب المقاولة من الضريبة على القيمة المضافة. فبالنسبة إليهم المقاولة غير معنية بهذه الضريبة التي يتحملها في آخر المطاف المستهلك النهائي للمنتوج. فالمقاولة هنا مجرد جابي، دورها يقتصر في تحصيل الضريبة على القيمة المضافة لصالح إدارة الضرائب، دون مقابل طبعا. غير أن الأمر يختلف من منظور المقاولة. فالهم الأساسي واليومي للمقاول هو ضمان تنافسية منتجات مقاولته، فكل جهده ينصب في اتجاه تخفيض تكاليف الإنتاج، سواء مدخلات الإنتاج أو الأجور أو غيرها من المصاريف. وأحيانا يجبر على القبول بهوامش ربح صغيرة ليتمكن من عرض بضاعته بثمن تنافسي في السوق. ثم يأتي الجابي ويقول له “زد 20 في المائة من الثمن على حسابي. لن تتأثر أعمالك لأنك مجرد محصل، ولن تؤدي شيئا من عندك”. لكن هذه ال20 في المائة الإضافية تشكل هوة غير قابلة للتحمل في سوق تواجه فيه المقاولة سلعا مهربة وأخرى مزورة أو مقلدة وأخرى مهربة من الضرائب. لا يجد رجل الأعمال في هذه الوضعية من خيار أمامه سوى الإغلاق أو شراء الفواتير الوهمية. فشراء الفواتير يمكنه من تهريب جزء من إيراداته من الضريبة على الأرباح، إذ تدخل الفواتير في خانة المصاريف والتكاليف. كما تمكنه من أن يصبح مدينا للدولة بقيمة الضريبة المضافة على الفاتورة، بدل أن يكون مدانا بها. ثم هي تمكنه من سحب المال من خزينة المقاولة دون حسيب ولا رقيب، الشيء الذي يشكل بديلا عن توزيع الأرباح وأداء 15 في المائة من الضريبة عليها.
فعلى سبيل المثال، شراء فاتورة بقيمة 100 ألف درهم تكلف، بالأسعار الحالية في سوق الفواتير، ما بين 3 إلى 5 في المائة، أي بين 3000 و5000 درهم. مقابل هذا المبلغ يمكن للمقاول أن يسحب 100 ألف درهم من خزينة المقاولة مقابل إيداع الفاتورة في سجلاتها. أي أنه يحصل على مبلغ نقدي بقيمة أعلى من 95 ألف درهم. وبما أن الشركات “الوهمية” التي تشتري الفواتير شركات قائمة و”مهيكلة”، يمكنه أن يدفع لها شيكات أو يؤدي القيمة الإجمالية لمبلغ الفاتورة عبر تحويلات بنكية. ويعاد إليه المبلغ نقدا، بطريقة أو بأخرى، بعد خصم ثمن الفاتورة. وبالتالي فرفع سقف الأداءات النقدية إلى 5000 درهم لم يعد يمثل حاجزا أمام المعاملات الوهمية.
وبالتالي فإن التشدد وحده غير كاف لمعالجة الوضع. فالمنافسة بين الضريبة وسعر الفاتورة الوهمية يفترض البحث عن سعر الضريبة الناجع. فبالنسبة لسعر الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 10 في المائة مثلا يمكن أن يكون أكثر تنافسية في هذه السوق. إذ أنه يمكن أن يعادل سعر 5 في المائة في سوق الفواتير إذا أضيف إليه مستوى المخاطرة التي تتحملها المقاولة.


الكاتب : مواسي لحسن

  

بتاريخ : 02/05/2019