اكتشاف صورة للشهيدة فاضمة وحرفو يكشف الأسرار والجراح الماضية.. زج بها في العديد من زنازن سنوات الرصاص

تشاء الصدف المؤلمة أن تنبعث «صورة فريدة» لشهيدة سنوات الجمروالرصاص بإملشيل، فاضمة وحرفو، قبل شهر وأيام قليلة من الذكرى 43 لوفاتها بمركز الاحتجاز السري بأكدز، في دجنبر 1976، وتطفو هذه «الصورة»لتنفض النسيان عن الذاكرة، وتجبر كتاب الماضي الرهيب على العودة للصفحة التي يراد طيها قبل قراءة تفاصيلها، وكشف أسرار طاحونة جحيمها التي ابتلعت المئات من الضحايا، بينهم فاضمة وحرفو، المختطفة خلال أحداث مارس 1973، هي وشقيقتها عائشة وحرفو، وأفراد أسرتها ممن تم الزج بهم بمحتجزات السونتات وبوزمو، قبل صدمة الحكم بالإعدام، الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة بالقنيطرة، على الوالد، موح أموحا وحرفو، والذي تم تنفيذه في السابع والعشرين من شهر غشت 1974.
لم يكن يوم الاثنين تاسع شتنبر 2019 كباقي الأيام ببيت أسرة الشهيدة فاضمة وحرفو، حيث تجدد المأتم والبكاء والجرح بالبيت الكائن بقصر/ دوار سونتات، على مشارف إملشيل، حيث نقل لنا الصديق الحقوقي والباحث في التراث الثقافي، لحسن آيت الفقيه، عن شقيق المعنية بالأمر، زايد وحرفو، لحظة العثور المفاجئ على «الصورة الفريدة» لفاضمة وحرفو، وكيف جاءت هذه الصورة بمثابة الملح المنثور على الجرح، وعادت بالجميع إلى تذكر يوم اختطاف الأخيرة، بتهمة استضافة المبحوث عنه في أحداث 1973، الراحل زايد أوخويا، في منزلها.
الشهيدة فاضمة وحرفو ظل اسمها موضع اهتمام، وهنا أتذكر جيدا الصديق الراحل ادريس بنزكري يوم طلب مني المساعدة في توثيق كل ما يتعلق بحياة هذه الشخصية النسائية، حيث استأثرت باهتمام هيئة الانصاف والمصالحة إلى أن تمكنت، يوم 20 دجنبر من العام 1976، من تحديد مكان وفاتها نتيجة ظروف الاختطاف القسري والتنكيل والتعذيب، ما بين معتقلات مركز بوزموو الكوربيس ودرب مولاي الشريف، قبل أن تقضي بقية حياتها بسجن أكدز الذي نقلت منه جثة هامدة إلى مقبرة أكدز، ولعل قبرها ظل «معتقلا» هو الآخر إلى حين جرى ترميمه وتتويجه بشاهد نقش عليه اسم صاحبته التي بقيت حية في الذاكرة المحفوظة وقصص مآسي الأمس التي لا ينبغي أن تتكرر.
وبينما تعذر علينا الحصول على ما نريد من أسرة فاضمة وحرفو، جرى الاتصال بالصديق الباحث لحسن آيت الفقيه الذي كتب لنا بأن شقيق المعنية بالأمر، زايد وحرفو، «رفض البوح والافصاح عن كل شيء، على أساس أن ذلك سيعمق جروحه»، وهو «نفس الموقف الذي اتخذه قبل 11 سنة»، وأمام إصراره على الكتمان، طلب منه آيت الفقيه أن «يجعل من أنفسنا بشرا يخدم التاريخ، وأن نسجل الحقيقة في شريط قد يحتفظ عليه الدهر في الأرشيف الشخصي، إلى أن يأتي يوم يعثر عليه من يهتم بإحياء الذاكرة وكتابة التاريخ»، وهنا فات للصديق آيت الفقيه أن تمكن من تسجيل تصريح لزايد بالأمازيغية، ولما حدث العثور على صورة فاضمة، عاد فرغب في البوح بكل شيء.
وبحسب المتوفر من سيرتها، فإن الشهيدة فاضمة وحرفو، ابنة المقاوم موحى وحرفو، امرأة من عشيرة ايت عتو وعمرو، التابعة لقبيلة أيت يعزة الحديديوية، تنتمي إلى قصر/ دوار السونتات، الكائن على الضفة اليسرى لواد أسيف ملول، بجماعة بوزمو القروية، دائرة إملشيل، إقليم ميدلت (حاليا)، والتي رأت النور عام 1934، وتزوجت بالمرحوم زايد أوبا، المتوفى خلال عام 2009، ولم يكن لها أي أبناء، وقد جرفها جحيم الاختطافات لاستضافتها المبحوث عنه في أحداث 1973، الراحل زايد أوخويا، في منزلها، ووقتها حاولت عبثا «عيون العهد البائد» تشويه سمعتها بترويج إشاعة مسمومة تدعي أنها دلت أجهزة الأمن لمكان زايد وخويا ورجاله.
ولما كانت في عداد مجهولي المصير انتشرت إشاعة أنها شوهدت بالرباط مجنونة وتائهة، ما حمل شقيقها زايد إلى الانتقال للعاصمة بحثا عنها في الشوارع والأزقة، دون جدوى، ولما قيل بأن فاضمة وحرفو قد تعرضت للتعذيب بمقهى بارو بمركز بوزمو، لمدة ثمانية أيام، قبل نقلها إلى الكوربيس، تم الكشف حديثا عما يفيد أنها لم تكن من بين ضيوف هذه المقهى، وأن دركيا من الريش (يدعى الملازم ب. براهيم)، كان يصاحبها معه، طيلة أيام بحثه عن المتهمين، وخوفا من افتضاح أمره عمد إلى نفيها، رفقة المختطفين، لظلمات الكوربيس ثم إلى درب مولاي الشريف، قبل الزج بها بالسجن السري أكدز، حيث ظلت مجهولة المصير إلى أن تأسست هيئة التحكيم المستقلة، في منتصف غشت 1999، واتضح أن فاضمة وحرفو توفيت ودفنت بمقبرة أكدز.
وإثر العثور على صورتها الفريدة والنادرة، تأكد الكثيرون من جمالها الذي لا يتوقف معارفها بالحديث عنه وعن الرموز الموشومة بجسدها، والتي لم يفت الباحث في الثقافة الشعبية الأمازيغية، لحسن آيت الفقيه، قراءتها، وهي الشمس التي قال بأنها رغم رمزيها لقوة الشمس القاسية، فهي رمز الحياة، علاوة على كونها من المعبودات الأمازيغية القديمة، أما رمز المعين فيعني في الرموز القديمة المرأة والخصوبة واستمرار الحياة، كما رمز الحمل يدل على القوة والطبيعة، وهو أصلا رمز إله أمون الذي اتخذ له بمعبد سيوة المصرية، فضلا عن رمز النجم، الشعرى اليمانية (Sirus)، ويشار إلى أن بعض المهتمين لم يستبعدوا أن تكون فاضمة وحرفو قد اختطفت لجمالها.
وترسيخا لشخصها في ذاكرة الأجيال، سبق لشبكات الجمعيات التنموية لواحات الجنوب الشرقي، في إطار مشروع حفظ الذاكرة ومصالحة نساء السونتات، أن نادت بحفظ ذاكرة فاضمة وحرفو، والبداية من وزارة التربية الوطنية التي بادرت إلى إطلاق اسم فاضمة وحرفو على مجموعة مدارس آيت علي ويكو، بجماعة بوزمو، بدائرة إملشيل، من خلال مراسلة إخبارية موجهة إلى المؤسسات التعليمية، في الثامن من يوليوز 2009، بقرار وزاري رقم 189/09،غير أن المديرية الإقليمية للتعليم لم تنفذ الأمر، ولم تجتهد، بعد إحداث إقليم ميدلت، في تدارك الأمر.
وخلال دجنبر 2009، جرى التفكير في تهيئة المقبرة التابعة للمعتقل السري أگدز، لتجد الفكرة طريقها للفعل في سنة 2014، وبعدها بثلاث سنوات تم تدشين المقبرة، بحضور الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار، مع التذكير بتنظيم شبكة الجمعيات التنموية لواحة الجنوب الشرقي، وشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة،»قافلة المصالحة فاضمة وحرفو»، والتي تهدف إلى تحسيس الفاعلين المحليين بمعاناة النساء خلال ماضي الانتهاكات، وتقديم مشاريع نموذجية، وذلك تحت إشراف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي أصدر وقتها دراسة، من إنجاز الانثروبولوجية ذة.نادية كسوس، حول «النساء والعنف السياسي في المغرب»، بهدف توثيق روايات مفصلة وشخصية لنساء عانين من عنف الدولة خلال سنوات الرصاص.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 17/09/2019