الأسواق النموذجية مبادرة حميدة في مركب تدبيري معتل.. لا تدر درهما واحدا على الخزينة الجماعية ومنها ما تحول إلى أطلال

 

يبقى أحسن نموذج يمكن وضعه كعنوان للأسواق النموذحية على صعيد العاصمة الاقتصادية، وبشهادة الفاعلين والمتتبعين، هو المشروع الذي أشرف على إنجازه عامل عمالة سيدي البرنوصي السابق محمد علي حبوها، حيث استطاع المشروع أن يخفف من ضغط انتشار الباعة الجائلين، إذ تم توفير مساحة ضمت مختلف مهن التجارة وتم بالموازاة مع ذلك التعامل بصرامة مع أي فعل تجاري في جنبات الشوارع وداخل الأزقة، المشكل أن المشروع كان يتابعه هو كفرد من موقع مسؤول خصص جهدا لهذا الموضوع، لكن بعد مغادرته كرسي المسؤولية من المنطقة بدأ التراخي وبدأ الجائلون ببضائعهم يزحفون إلى جنبات هذا السوق النموذجي الذي كانت تجربته ستعمم على صعيد العاصمة الاقتصادية .
بعيدا عن هذا «الموضيل» ومن خلال اتصالات أجريناها مع منتخبين ومهنيين وفاعلين، سنستخلص أن هناك شبه إجماع على أن تجربة الأسواق النموذجية لم توف أغراضها، بل هناك من يذهب إلى أنها فشلت في القضاء على التجارة العشوائية ومن خلالها الباعة الجائلين، اختلفت المسببات على ألسن من اتصلنا بهم، لكن معظمهم يذهب إلى أن الدراسات لم تكن دقيقة بالشكل المطلوب.
خلال الولاية السابقة من عمر مجلس مدينة الدارالبيضاء كانت هناك مبادرة من طرف المجلس المسير، منها انبثقت فكرة الأسواق النموذجية، هذا البرنامج لم يعرف طريقه للنجاح حيث تم تكليف شركة بشكل مباشر وبدون أدنى منافسة صاحبها الآن متابع في قضايا مالية، كي تبني مجموعة من الأسواق لإيواء الباعة المتجولين، لكن الأمر انتهى إلى «قربالة»، حيث هناك من أدى واجب الاستفادة ووجد نفسه خارج أسوار السوق ثم تم اكتشاف أن منتخبين استفادوا من محلات كما أن صاحب الشركة لم يكن يمد الجماعة بمستحقاتها وأحيانا يخرج ليعلن بأن خزينة المدينة مدينة له، وحتى الأراضي التي تم تقديمها من لدن الجماعة للشركة كي ترسم المشاريع تم فقط استغلال أجزاء منها فيما استغلت أجزاء أخرى لمآرب غير الهدف المنشود، ما جعل بعض الأسواق تتحول إلى أطلال وأخرى لم تنجز بالمرة بمعنى أننا فشلنا في علاج مشكل بمشاكل أعوص، يتداخل فيها المالي بسوء التنظيم مع ماراطون من الاحتجاجات…
مؤخرا، وخلال انعقاد دورة يناير لمجلس مقاطعة الحي المحمدي، أثار عضو المجلس مروان راشدي مشكل الأسواق النموذجية ومدى نجاح الاستراتيجية المتبعة، ليثير الانتباه إلى أن ما تعيشه منطقة الحي في هذا الباب يستوجب أخذ قسط للتأمل، مبرزا أن الباعة المستهدفين للاستفادة من هذه الأسواق لم يتم توفير شروط استمرار نشاطهم التجاري بها، فهؤلاء هم باعة جائلون كانوا يقصدون ببضاعتهم الشوارع الحيوية حيث يتواجد الناس ليتم نقلهم إلى سوق مثلا كسوق الفتح المحاذي للملحقة الإدارية 43، موقع ناء بعيد عن السكان وهو أمر غير مقبول ولن يوفر النجاح للمشروع بدليل أنه بني لاحتواء أكثر من 240 بائعا ولا نجد فيه اليوم إلا حوالي 20 بائعا، إذ عادت البقية لشوارعها القديمة، مبديا ملاحظة أخرى مهمة تجعل المتبضعين يحجمون عن الذهاب إلى هذه السوق، ألا وهو الارتكاز على نشاط تجاري واحد وهو بيع الخضر لا غير، في حين يبحث المتبضع عن سوق توفر مجمل السلع كالدجاح واللحوم والبيض والسمك والتوابل وغيرها مما يحتاجه الإنسان المغربي في مطبخه، مشيدا بدور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مثل هذه المشاريع التي تهدف إلى تنظيم القطاع التجاري ومحاربة ظواهر العشوائية وأيضا محاربة الفقر والهشاشة، مسجلا غياب المصاحبة للباعة إلى حين الاستقرار في المشروع الجديد.
غير بعيد عن الحي المحمدي وبالضبط بديور لامان بمنطقة عين السبع، يعيش السوق النموذجي البركة على إيقاع الاحتجاجات التي يخوضها الباعة هناك بين الفينة والأخرى لذات المشاكل التي يعيشها سوق الفتح وأيضا لأن الجماعة الحضرية رغم انخراط الباعة الجائلين في التنظيم، مازالت ترخص لمحلات تجارية قرب السوق المفروض أنه شمل الكل ما يجعلهم أمام منافسة كانوا في غنى عنها عندما كانت كل الشوارع حوانيتهم.
من خلال كل هذا يتضح بأنه ليست هناك رؤية شاملة وموحدة، رغم أن المبادرة الوطنية في مبادرتها جاءت لتصلح ما فسد من قبل، وأيضا لتسهم في محاربة احتلال الملك العام من كل ما يخدش صورة المدينة ويدفع بها للعشوائية مع فلسفة محاربة الفقر والهشاشة وضمان عيش كريم لهذه الفئات، وهي الرؤية التي تتطلب شراكة واسعة وفاعلة من لدن المدبرين للشأن المحلي على اعتبار أن تنظيم الأسواق يدخل في باب اختصاص البلديات وأيضا من لدن الخواص، لكن في الواقع نجد أن كل طرف «يلغي بلغاه»، فمن جهة نجد أن جل هذه السواق تفتقد للأهم، وهي الإنارة والماء الشروب بالإضافة للمراحيض والنظافة، وتشرف عليها شركات لاصفة ضبطية لها لاستخلاص الصنك أومقابل الاستغلال والخدمة، ثم إن اختيار مواقعها في معظمه غير مشجع، كما أن الإحصاءات التي تهم الباعة الجائلين غير دقيقة، إذ لا يعقل أن نبني 100 موقع للبيع في هذه الأسواق والحال أن المستهدفين منهم يصل عددهم إلى 1000 شخص تظل 900 منها بدون اهتمام وعناية لتتكاثر بعد أشهر قليلة . غياب الجماعة يثير التساؤل هنا فمعظم هذه المشاريع مقامة على عقارات تابعة لها، وهي من يجب أن تستفيد من المداخيل المالية، خاصة أن خزينتها غارقة في الديون، ومع ذلك لم تبادر إلى مشاركة فعلية تذهب بها إلى نتيجة تقليص عدد الباعة الجائلين في المدينة، بل أكثر من ذلك تظل تتفرج كأي جهة غير معنية في أسواق لا تليق إلا للأشباح دون ابتكار منهج ييسر نجاحها .
النتيجة أننا اليوم في هذه المدينة مازلنا أمام جيش يجهل عدده من الباعة الجائلين مع خدش للمنظر العام، وإزعاج حركة السير والجولان وخلق تنافسية لا شرعية للتجار الذين يؤدون الضرائب وكل المستلزمات القانونية مع تشغيل مئات المواطنين وضرب خزينة المدينة التي لا تستفيد لا من محاولات التنظيم هذه أو من البيع العشوائي المنتشر في الشوارع والدروب والساحات.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 23/01/2020