الاتفاقيات الجبائية وأثرها على تشجيع الاستثمارات الخارجية

 

عرف المغرب حزمة واسعة من الاستثمارات الأجنبية في العقود الأخيرة من خلال توقيعه على مجموعة من الاتفاقيات ذات الطابع الجبائي في إطار التعاون الدولي.وقد كان لهذه الأخيرة أهمية في رسم السياسة الجبائية للمغرب داخل المنتظم الدولي.
كما أن جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المغرب ليس بالأمر السهل، لأن المستثمر الأجنبي يعتمد في قراره للاستثمار على الموازنة بين المداخيل المحتملة وبين الخسارة والأعباء التي يتحملها، فبالرغم من أن الضرائب تبدو في الوهلة الأولى أحد أهم المؤثرات على العجلة الاقتصادية و الاجتماعية، ولكن المتفحص يرى أن زيادتها وثقلها هي من أهم معوقات الاستثمار والتنمية، لذا لابد من جعل الضريبة أداة فعالة في خلق بيئة استثمارية ناجعة.
ومن المعلوم أن الاتفاقيات الجبائية أكثر فعالية في مواجهة المشاكل الضريبية الدولية من الإجراءات التي تتخذها الدول بصفة انفرادية ومن هنا يمكن القول أن القانون الجبائي لكل دولة يبقى قاصرا على الإحاطة بجل المشاكل ذات الطابع الجبائي.
ومن خلال إبرام الاتفاقيات الجبائية يتحدد نطاق المعاملة الجبائية للاستثمار الأجنبي الوافد. وأيا كان الأمر، فإن الدولة تعمل على التخفيف من العبء الجبائي الواقع على عاتق المستثمر الأجنبي والذي يكون عن طريق الحد من العوائق الجبائية التي تعترض سبيل المستثمر الأجنبي وتقديم له الحوافز والامتيازات الجبائية.

1 – أهداف الاتفاقيات الجبائية
إن حقيقة الاتفاقيات الدولية كنظام قانوني في المجال الضريبي لا تتضح فقط بإبراز آليات سن وصياغة هذه الاتفاقيات وإخراجها إلى المجال المكتوب المجرد في شكل نصوص وقواعد قانونية، وإنما يقتضي ذلك إبراز الوجه العملي المتمثل في رصد و دراسة آليات تطبيق نصوص وقواعد الاتفاقيات الدولية، لأن الهدف الأساسي المتوخى من إبرام هذه الاتفاقيات سواء الثنائية أو المتعددة الأطراف هو دورها المهم في تشجيع الاستثمار و الدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام كما أنها تلعب كذلك دورا توفيقيا بين القوانين و الأنظمة الضريبية. اذ نجد الدستور المغربي، نطق في اتجاه دسترة سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية مع اهتمام واضح بالقانون الدولي في نصوص متعددة، وفي هذا الصدد حاول التقليل من حدة نظرية التحكم في مسطرة الاتفاقيات الدولية وذلك بتوسيع لائحة الاتفاقيات التي يوافق عليها البرلمان. ذلك أن الدولة أثناء وضع نظامها الداخلي تعمل على احترام المواثيق الدولية وإعطائها مكانة مهمة في هرمية تشريعاتها الدولية، مع تلك المواثيق، ناهيك عن ما يترتب من مسؤولية دولية في حالة عدم الالتزام ببنود الاتفاقية.
ومن هذا المنطلق تعتبر الاتفاقيات الجبائية أداة فعالة لتنظيم وتقنين العلاقات بين الدول وذلك من خلال أحكام وبنود التي تحتوي عليها، كتبادل المعلومات الضريبية بين الدولتين المتعاقدتين و المساعدة المتبادلة في تحصيل الضرائب وهذا ما يدل على الاهتمام الذي توليه الاتفاقية الجبائية للمشاكل الضريبية الدولية، و العمل على توفير وسائل مناسبة لحلها، و الفضل يعود كله إلى منظمات الدولية مثل عصبة الأمم التي وضعت حجر الأساس لهذا العمل، و منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية التي قدمت مقترحا أي نموذج الذي أصبح يمثل المرجع الأساس تستند اليه معظم الدول عند إبرامها للاتفاقيات الجبائية.

2 – أثر الاتفاقيات الجبائية على الاستثمارات الأجنبية
إن حاجة الدول إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار والمساهمة في تنفيذ خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية جعلها تحدد معاملة خاصة لهذه الأموال.ويتحدد نطاق المعاملة الجبائية للاستثمار الأجنبي من خلال تلك المعاملات المتمثلة في التخفيف من العبء الجبائي الواقع على عاتق المستثمر الأجنبي والذي يكون عن طريق الحد من العوائق الجبائية التي تعترض سبيل المستثمر وتقديم له الحوافز والامتيازات الجبائية وذلك تماشيا مع الواقع الحالي للترابط الاقتصادي و تنامي رغبة الدول في تحفيز الاستثمارات الخارجية،و الاستقرار على ترابها الإقليمي و تقوية المبادلات التجارية مع الدول بحيث نجد المغرب وقع على ما يقارب 65 اتفاقية تهم مجال الاستثمارات عامة والمجال الجبائي خاصة.
وإذا كان للمغرب ارتباطات دولية سياسية و اقتصادية و تجارية فان توقيعه على مجموعة من الاتفاقيات المتعلقة بالمجال الضريبي تعدد بمثابة رسالة لإعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والاستثمارية للدول المتعاقدة من خلال اتخاذ الإجراءات التي تستهدف الزيادة في حجم الاستثمارات الدولة واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
يمكن القول في الأخير، بأن السياسة الضريبة المنتهجة في دولة ما يمكن أن تكون عامل لطرد أو جذب الاستثمارات الأجنبية، لأن المستثمر الأجنبي قبل إقباله على الاستثمار في بلد معين يوازن بين كل من القوانين الجبائية و التحفيزات المقدمة والآليات المتاحة في حالة نشوب نزاع داخل الدولة المستقبلة للرأسمال الأجنبي ومن ثم فهي تساعده على اتخاذ قرار الاستثمار من عدمه.

*باحثة بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الأول بوجدة
أخصائية في المالية العامة والاستشارة الضريبية


الكاتب : جهان زروالي

  

بتاريخ : 06/01/2020