الحق في الحصول على المعلومة بين المرجعية الحقوقية والإطار القانوني :

محمد بنعبد القادر: يجب أن نركز على هذا الحق كمضمون تشريعي بوبكر لاركو: هذا الحق مطلق وعام ويتصل بجميع المواطنين
نظم مكتب فرع المنظمة المغربية لحقوق الانسان بالقنيطرة يوم 03/06/2019 نشاطا حقوقيا عبارة عن ندوة تحت عنوان «الحق في الحصول على المعلومة بين المرجعية الحقوقية والإطار القانوني» أطرها كل من رئيس المنظمة بوبكر لركو، والسيد محمد بنعبد القادر الوزير المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية.
– وسير هذه الندوة كاتبة الفرع عائشة زكري التي أشارت في البداية إلى أهمية هذا الحق في حياة الإنسان على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية والثقافية وغيرها، و لذلك فهو حق له طابع شمولي ما دام يخترق جميع مجالات حقوق الإنسان. ومن جهة أخرى يرتبط هذا الحق في الحصول على المعلومة ارتباطا وثيقا بمبادئ الشفافية والحكامة الجيدة والمساواة بين المواطنين والمواطنات لأن المعلومة كثيرا ما تكون مصدرا للسلطة وتمنح صاحبها مكانة المتحكم، وتفرق بين الناس محدثة تراتبا وتفاوتا وتمييزا . ومعنى ذلك أن هذا الحق يشكل روح الديموقراطية التشاركية والحكامة الجيدة ويفتح الطريق للمشاركة في تدبير الشأن العام وتقييم السياسات العمومية، كما يرتبط ارتباطا وثيقا بمكافحة الفساد وسوء التدبير والتضليل، بالإضافة إلى دوره في التنشيط الاقتصادي.
– ولذلك نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 19 ،كما نص عليه أيضا وفي نفس الفصل (19) العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وكذلك الدستور المغربي في الفصل 27.
نظرا لكل ذلك ونظرا للأهمية البالغة لهذا الحق، ارتأينا في فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنظيم هذه الندوة لتنويرنا وتنوير الحضور الكريم بالتفاصيل المتعلقة بهذا الحق على المستوى الحقوقي وعلى مستوى الإطار القانوني أي قانون 13-31 والذي دخل حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية في مارس 2018.
– وهنا يمكن أن نتساءل عن السياق السياسي والحقوقي لظهور هذا القانون؟ وعن المرجعيات الدولية والوطنية التي اعتمدها؟ وعن مضمونه ومواده ؟وإلى أي حد يستجيب لطموح الحقوقيين؟ وما هي إيجابياته على مستوى الحق وعلى مستوى القانون ؟وهل يمكن تسجيل ملاحظات بصدده؟ وما هي آليات أجرأته على مستوى السياسيات العمومية؟
– لا شك أن تدخلات أصدقائنا ستنير عقولنا وستشفى غليلنا وستمدنا بمعلومات وحقائق جمة في هذا الموضوع الذي له راهنيته كما قلت سابقا ،لكي نكون بالفعل في صلب الحق في الحصول على المعلومة .
مداخلة رئيس المنظمة بوبكر لركو :أشار في البداية إلى أهمية هذا الموضوع من الناحية الحقوقية باعتباره حقا شموليا يخترق جميع حقوق الانسان المختلفة والمتعددة، ولذك فوصول المجتمع المدني إلى انتزاع هذا الحق والدفع إلى تأطيره بواسطة قانون تشريعي عن طريق المؤسسة التشريعية هو مكسب عظيم يؤصل لتركيز الديمقراطية في بلدنا خاصة حينما نتذكر ما حصل في سنوات الرصاص حيث كانت الأبواب موصده أمام الحصول على المعلومة بالنسبة للجميع، وحيث عانى الصحافيون ورجال الاعمال وأحزاب المعارضة وغيرهم الأمرين، وهذا ما أوضحته آنذاك التقارير الدولية وتقارير الأحزاب الوطنية ، ومن هنا شاعت المقولة من يمتلك المعلومة يمتلك السلطة.
لكن مع مجيء حكومة التناوب من جهة، والمصادقة على تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وظهور التقرير الخمسيني، فتح النقاش واحتد حول الحق في المعلومة لكون هذين التقريرين كشفا عن الحقيقة المؤلمة للواقع على المستوى السياسي وما شابه من عنف وتعذيب وحرمان من ابسط الحقوق مثل الحق في التعبير وإبداء الرأي والمشاركة في الشأن العام وغيرها بالنسبة للتقرير الأول، والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالنسبة للتقرير الثاني.
ومن جهة أخرى، فإن الحق في المعلومة تمت مناقشته على المستوى الدولي في وقت مبكر ومنذ سنة 1946 أي قبل ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أكد عليه سنة 1948 في المادة 19 التي تقول ” لكل شخص الحق في حرية التعبير،ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل ،واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية ”
– وجاء هذا الحق في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966 وذلك في المادة 19 أيضا لدرجة سمي بالحق 19 ،وتقول هذه المادة ” لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها، ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود ، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.
ونص الدستور المغربي الجديد دستور 2011 قد نص على هذا الحق في لفصل 27 قائلا: “للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور وحماية مصادر المعلومات التي يحددها القانون بدقة”.
– ولقد اجتهد المجتمع المدني سواء على شكل جمعيات أو شبكات في وضع مذكرات وصياغة مشاريع قوانين للمطالبة بوضع قانون خاص بالحصول على المعلومة، وهكذا أدت كل هذه الظروف والمجهودات إلى إيجاد قانون 13-31 الذي دخل حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية في مارس 2018.
– بعد ذلك، أشار الرئيس إلى أهمية هذا الحق المتعددة فهو مثلا دعم كبير لممارسة البحث العلمي لأنه يمد أصحابه بكثير من المعلومات والوثائق الضرورية لممارسة هذا البحث، كما أنه ركيزة لضمان المصداقية والمشاركة في تدبير الشأن العام، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإحقاق جميع الحقوق الأخرى، بما فيها الحقوق الثقافية والبيئية، وتخليق العمل الإداري، وبث روح الشفافية، وتطوير الديموقراطية وقيم المواطنة ومجتمع المعرفة والتواصل وتعزيز دولة الحق والقانون، بالإضافة إلى تنشيط الاقتصاد والرفع من القدرة التنافسية وتحفيز الاستثمار وتعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني.
– من هنا يتضح أن هذا الحق ذو طابع مطلق وعام، بمعنى أنه يتصل بجميع المواطنين والمواطنات ويتصل بجميع حقوق الإنسان فهو لا يخص فئة دون أخرى.
– وبوجود قانون الحق في الحصول على المعلومة نكون كمجتمع مغربي قد قطعنا أشواطا في بناء دولة الحق والقانون، وفي بناء الديموقراطية التشاركية.
ومن جهة أخرى، يمكن القول بأن حقوق الإنسان تبنى بالتدريج وتحتاج إلى خلق جمهور خاص بها لكي يتحقق التراكم، لأن ذلك يحتاج إلى تطور في الوعي البشري والانتقال من مرحلة إلى أخرى أكثر تطورا، وهذا ليس بالأمر الهين ،ولننظر مثلا إلى عقوبة الإعدام التي لاقت المطالبة بإلغائها مقاومة شديدة من طرف عامة الناس، لكن المطالبة بوقف لتنفيذها أتت أكلها، وهذه خطوة إلى الأمام في سبيل الوصول إلى إلغائها.
وككل قانون يحتوي قانون الحق في الحصول على المعلومة على جوانب إيجابية تحتاج إلى التركيز عليها ، ويجب انتظار الدخول في مرحلة التطبيق لكي نرصد الجوانب السلبية، لذلك لا يجب التسرع في إصدار الأحكام بشكل مسبق.
– مداخلة محمد بنعبد القادر : أشار في البداية إلى المجهودات التي تبذلها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في سبيل التعريف بهذا الحق وبالقانون المؤطر له حيث سبق لفرع الدار البيضاء أن عقد ندوة في الموضوع، وهاهو فرع القنيطرة الآن يقوم بهذه المبادرة الطيبة الآن. وأشار إلى أن قانون الحق في الحصول على المعلومة يعتبر القانون الوحيد الذي حظي بالاهتمام الكبير أكثر من غيره الشيء الذي يظهر مدى أهميته على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والإدارية وغيرها.
– ثم تحدث عن أربع ملاحظات أساسية استوحاها من النقاش الذي أثاره هذا القانون وهي:
-1- الملاحظة الأولى: تتعلق بردود فعل المحامين والصحافيين الذين اعتبروه تضييقا وتقييدا لعملهم، في حين، يقول محمد بنعبد القادر، أنه قانون عام وليس قانونا فئويا أو مهنيا خاصا بفئة أو مهنة دون أخرى، لأن الدستور في المادة 27 يتحدث عن حق المواطنين والمواطنات في الحصول على المعلومة ولذلك فهو لا يخص فئة دون أخرى، ومعنى ذلك أنه حدث خلط بين المعلومة والخبر خاصة عند الصحافيين.
-2- الملاحظة الثانية : تتعلق بالنقاش الدائر داخل الحركة الحقوقية والذي انزلق في ثنائية بين أنصار حقوق الإنسان وخصومه. فالمناصرون يدافعون عن توسيع هذه الحقوق، والمعارضون يناهضونها في كليتها ، بينما التوتر الحقيقي هو القائم بين الحق في الحصول على المعلومة كوجود وبين قدرة الدولة على توفير شروط الحصول عليها ، ذلك أن التقابل بين الحق كحق فردي وبين حق الدولة ليس بالأمر الهين مما يوضح أن النقاش حول الحق في المعلومة هو نقاش متشعب بشكل كبير، وأن حصره في الزاوية الحقوقية وحدها امر غير مفيد، لأنه يخفي البعد الفلسفي المؤطر لتشريع هذا القانون.
-3- الملاحظة الثالثة: تتعلق بالهيئة التي كانت السبب في الإتيان بهذا النص، بحيث يمكن القول بأنه كان في الأصل عبارة عن مقترح قانون طرحه الفريق الاشتراكي داخل البرلمان ، ومعنى ذلك أنه جاء نتيجة اجتهادات ومبادرات المجتمع المدني لذلك فهو ليس نصا حكوميا.
-4- الملاحظة الرابعة: إن هذا القانون جديد وما زال في بداية صدوره. فهو قد صدر في الجريدة الرسمية في مارس 2018 ودخل منذ مدة قصيرة جدا حيز التنفيذ . لذلك يجب تركيز النقاش الآن على التفعيل وليس على إبراز العيوب، والواقع المعيش هو الذي سيختبره ويبرز محاسنه ومساوءه.
– بعد ذلك انتقل محمد بنعبد القادر إلى الحديث عن مضمون هذا القانون الذي يتكون من سبعة أبواب موزعة على 30 مادة .
– الباب الأول عبارة عن أحكام عامة تحدد مجال تطبيق الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، وكذلك شروط وكيفيات ممارسته، ثم تحديد مفهوم المعلومات ،والمؤسسات والهيئات المعنية، مع الإشارة إلى مجانية الحصول عليها.
-الباب الثاني : يحدد الاستثناءات من الحق في الحصول على المعلومة : مثل المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني وبأمن الدولة الداخلي والخارجي وبالحياة الخاصة للأفراد والتي تكتسي الطابع الشخصي.
الباب الثالث: يتعلق بتدابير النشر الاستباقي من طرف المؤسسات والهيئات المعنية بواسطة جميع وسائل النشر المتاحة مع مراعاة الاستثناءات الواردة في هذا القانون .
– الباب الرابع : يتعلق بإجراءات الحصول على المعلومة ابتداءَ من تقديم الطلب وفق نموذج محدد إلى رئيس المؤسسة المعنية مع ضرورة تلقي الجواب في أجل لا يتعدى 20 يوما من أيام العمل ،ويمكن تمديده لمدة مماثلة إذا لم تتمكن المؤسسة من الاستجابة.
– الباب الخامس يتعلق بلجنة الحصول على المعلومات مكوناتها والمهام المنوطة بها .
– الباب السادس : تتعلق بالعقوبات في حالة امتناع الشخص المكلف عن تقديم المعلومات .
– الباب السابع: أحكام عامة تتعلق بتاريخ دخوله حيز التنفيذ.
– بعد ذلك، أشار إلى أهداف هذا القانون وهي كثيرة ومتنوعة. فبالإضافة إلى تلك التي ذكرها رئيس المنظمة، أكد محمد بنعبد القادر على كون هذا القانون يدخل في إطار إصلاح الإدارة، وهي المسؤولية التي يتحملها حاليا معالي الوزير، ويعتبر هذا القانون مساعدا أساسيا على القيام بهذه المهمة مادام يساعد على تعزيز الشفافية والديموقراطية مما يوضح أهميته العظيمة.
– وأشار في الأخير إلى كون الحق في الحصول على المعلومة يمثل جيلا جديدا من الحقوق التي ستفتح المجال لحدوث حيوية كبيرة على مستوى تعميق المساواة والحريات داخل المجتمع ، وهو شيء يؤكد على أن حقوق الانسان متدرجة تتحقق وتتطور من خلال التراكمات المتصاعدة ، والتجارب الحياتية داخل المجتمع .
وعليه، فنحن الآن في مرحلة البناء. ويجب أن نحرص على تطبيق القانون، ونركز عليه كمضمون تشريعي، وعلى المكتسبات الإيجابية التي يحققها على أرض الواقع،ونؤجل مرحلة النقد والبحث عن الهفوات السلبيات إلى ما بعد مرور زمن مهم على مستوى التطبيق والاختبار ، كما يجب ايضا أن نحاول اجتناب انتقاد الأحداث السابقة على ظهور القانون .
وانتهت الندوة بنقاش مثمر غني، عرف تدخلات كثيرة تعكس اهتمام الحضور وتتبعه وحرصه على الاستفادة والإفادة معا، من خلال الإدلاء بالملاحظات والاقتراحات والتوصيات.


الكاتب : بقلم عائشة زكري

  

بتاريخ : 13/06/2019