الدينامية والقرب : حصيلة تسهيل اندماج المغاربة المقيمين بالخارج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي لبلدهم الأصلي

تنفيذا للبرنامج الحكومي بادرت الوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة إلى بلورة استراتيجية وطنية تشاركية ومندمجة موجهة لفائدة مغاربة العالم، وذلك من أجل المحافظة على هويتهم المغربية وتعزيز الروابط الثقافية بينهم وبلدهم الأم وحماية حقوقهم ومصالحهم، وكذا تعزيز مساهمتهم في تنمية المغرب. وفي هذا الصدد، فقد تم وضع وتنفيذ مجموعة من البرامج التي تهدف إلى تسهيل إدماج هذه الفئة من المغاربة ببلدان الاستقبال التي يفوق عدد أفرادها خمسة ملايين من نساء ورجال يتوزعون عبر ما يقارب 120 دولة، وذلك على عدة مستويات ثقافية واجتماعية واقتصادية وتربوية ودينية …إلخ. وبالإضافة إلى هذه البرامج الموجهة لمغاربة العالم ببلدان الإقامة، فإن الحكومة قد وضعت برامج متنوعة لفائدتهم خلال عودتهم إلى أرض الوطن، والتي تنقسم إلى نوعين أساسيين يتعلق كل منهما بسياق مختلف:   – العودة الموسمية، ــ العودة النهائية (اضطرارية أو طوعية).

 

بالنسبة للعودة الموسمية، خاصة تلك التي تتم خلال فترة الصيف، والتي تعرف بعملية عبور «مرحبا»، فإنها تحظى، بدورها، باهتمام ملكي خاص يتجسد في الرئاسة الفعلية لجلالته لهذه العملية وتعليماته السامية لحسن استقبال أفراد الجالية المغربية بأرض الوطن وحرص جلالته القوي على توفير كل الإمكانيات اللازمة لكي تمر عملية مرحبا في أحسن الظروف. وفي هذا الإطار، يتم اعتماد مقاربة تشاركية في تدبير هذه العملية بهدف تطوير وتنزيل جميع البرامج المرتبطة بها.
وهنا لابد من التذكير أن تظافر الجهود حول هذه العملية خاصة في ظل التراكم الذي حققته منذ بدايتها مكن من إنجاح العملية خلال السنوات الأخيرة والتي عرفت توافد عدد كبير من مغاربة العالم الذي يجسد مدى ارتباطهم الوثيق وصلتهم الوطيدة بوطنهم الأم والذي يفوق سنويا 4,7 مليون عابر في الاتجاهين خلال الفترة الصيفية. وقد وصل عدد الوافدين إلى المغرب خلال هذه السنة، منذ الانطلاق الرسمي للعملية يوم 05 يونيو 2017، إلى غاية نهاية غشت 2017، أكثر من 2,5 مليون فرد بزيادة تقدر ب 9,63% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية عبور عرفت نضجا مهما خلال السنوات الأخيرة نظرا للمجهودات التي يقوم بها جميع المتدخلين في العملية، وخاصة مؤسسة محمد الخامس للتضامن التي توفر كل الإمكانيات البشرية والمادية لهذه العملية التي تعتبر فريدة من نوعها ورائدة عبر العالم، وكذا بفضل تطوير الإمكانيات المتعلقة بالبنية التحتية للاستقبال وتسهيل المساطر الإدارية عند شرطة الحدود والجمارك والرفع من جودة الخدمات على متن الباخرات والطائرات. ولابد هنا من الإشادة بمستوى التعاون المغربي الاسباني في عملية عبور بفضل التنسيق الجيد بين جميع الهيئات والإدارات في البلدين على المستوى الأمني، وكذلك في ما يخص سلطات الموانئ وشركات النقل البحري.
فبالإضافة إلى التدابير التي يتم اتخاذها من أجل تيسير عبور مغاربة العالم بين بلدان إقاماتهم وبلدهم الأصل من خلال اعتماد خطة عمل وطنية تستند إلى ثلاثة مرتكزات أساسية وهي الانسيابية في حركة العبور والسلامة والأمن والمواكبة عن قرب، فإن الحكومة قامت بإعداد وتنزيل مجموعة من البرامج لفائدة مغاربة العالم خلال مقامهم بأرض الوطن، أهمها :
المواكبة الاجتماعية والقانونية والإدارية لمغاربة العالم خلال فترة إقامتهم ببلدهم الأم وذلك عن طريق ضمان الديمومة بمختلف المؤسسات على المستوى المركزي واللامركزي، إضافة إلى تفعيل «الشباك الخاص بالمغاربة المقيمين بالخارج بالإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية» التي تعرف توافدا كبيرا على خدماتها من قبل أفراد جاليتنا المقيمة بالخارج، وذلك بموجب منشور السيد رئيس الحكومة الصادر بتاريخ 20 يوليوز 2015 .
تنظيم تظاهرات بالمغرب عبر تنفيذ برنامج ثقافي متنوع، يشارك فيه أفراد الجالية المغربية بالخارج، خاصة :
الاحتفالات بعيد العرش المجيد، حيث دأبت الوزارة على تمكين مغاربة العالم من المشاركة الفعلية فيها تجسيدا للتلاحم القائم بين العرش العلوي المجيد ورعايا جلالة الملك في كل مكان.
الاحتفال باليوم الوطني للمغاربة المقيمين بالخارج الذي يصادف 10 غشت من كل سنة، والذي يتم تنظيمه على صعيد مختلف ولايات وعمالات وأقاليم المملكة من أجل تقريب هذه المناسبة من مغاربة العالم بمناطقهم الأصلية بالمغرب.
تنفيذ برنامج تواصلي، يتجلى في إعداد دليل بعدة لغات وتوزيعه على مغاربة العالم، من أجل التواصل معهم وتوجيههم حول مختلف القضايا التي تهمهم، وكذا إطلاق برامج تلفزية وإذاعية حول مختلف الأنشطة التي تعنيهم.
بالنسبة للعودة النهائية، إما طوعية أو اضطرارية : فتتميز العودة الطوعية بكون المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج، يختارون الرجوع لبلدهم الأم والاستقرار فيه بمحض إرادتهم، خاصة من أجل الاستثمار فيه. أما العودة الاضطرارية فتتميز بكون المهاجرين يجدون أنفسهم في وضعيات صعبة، نظرا للأزمات السياسية والاقتصادية التي تعرفها مجموعة من بلدان الاستقبال التي يعيشون فيها، وبالتالي يكونون ملزمين بالعودة إلى أرض الوطن.
ومن أجل مواكبة عودتهم واندماجهم بالمغرب، وضعت الحكومة مجموعة من التدابير الاجتماعية والاقتصادية، أهمها:
على المستوى الاجتماعي :
لأجل تسهيل الاندماج الاجتماعي لمغاربة العالم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي لبلدهم الأصلي، تم تنفيذ مجموعة من البرامج الاجتماعية أهمها :
المتابعة اليومية لأوضاع المغاربة المتواجدين في وضعية استغاثة وتأمين ترحيل الراغبين منهم في العودة النهائية إلى أرض الوطن.
إعداد مشروع المرسوم المتعلق برصد ومواكبة المغاربة العائدين اضطراريا إلى أرض الوطن المحال على الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 18 أبريل 2016 قصد الدراسة وعرضه على مسطرة المصادقة. يهدف هذا النص التنظيمي إلى تحديد مسؤوليات الجهات المتدخلة في هذا الشأن، وضمان الالتقائية في معالجة الحالات الاجتماعية الناجمة عن العودة الاضطرارية لمغاربة العالم إلى أرض الوطن، وذلك بغية ضمان انسيابية الخدمات المقدمة لهذه الفئة من مغاربة العالم وتيسير اندماجها ببلدها الأصلي.
إدماج العائدين اضطراريا في المنظومة الصحية» RAMED» وتقديم المساعدات الطبية للحالات الاستعجالية التي تستدعي إجراء عمليات جراحية، بتنسيق مع وزارة الصحة.
مواكبة طالبي التشغيل وإدماجهم في سوق الشغل من خلال التنسيق مع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل ودعم حاملي المشاريع المدرة للدخل على مستوى اللجان المحلية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فضلا عن مماثلة رخص السياقة المسلمة ببلدان الإقامة بنظيراتها المغربية قصد تعزيز فرص الإدماج المهني.
تمكين عدد من شباب مغاربة العالم، من الجزائر وتونس واليمن وليبيا، من تكوين مهني وحرفي بالمغرب، وذلك قصد تسهيل اندماجهم في سوق الشغل بالمغرب أو ببلدان الإقامة أو ببلدهم الأصلي.
إعادة إدماج أطفال وأبناء المغاربة المقيمين في الخارج في المنظومة التربوية و دعم تمدرسهم، وذلك من خلال العمل على تيسير وتسهيل تسجيلهم بمدارس وجامعات ومؤسسات التعليم العمومي بتعاون مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي وتسريع وتيرة معادلة الشواهد والدبلومات المتحصل عليها ببلدان الإقامة وتوفير الدعم البيداغوجي اللازم .
ضمان حقوق العمال المغاربة بالخارج وذويهم وخاصة المرتبطة بالضمان الاجتماعي، من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير أهمها :
توسيع وتقوية الحماية الاجتماعية، حيث تم وضع مخطط لإدراج المغاربة العاملين ببلدان لا تربطها والمغرب أية اتفاقية في مجال الحماية الاجتماعية ضمن الفئات المستفيدة من نظامي المعاشات والتأمين الإجباري الأساسي عن المرض.
تطوير وتفعيل اتفاقيات الضمان الاجتماعي واليد العاملة، وذلك بتنسيق مع القطاعات الحكومية.
التنسيق مع باقي القطاعات الحكومية والمؤسسات المعنية من أجل توسيع الاتفاقيات لتشمل بلدان أخرى خاصة تلك التي يتواجد بها عدد كبير من أفراد الجالية ولا يستفيدون من أي نظام للحماية الاجتماعية، والعمل كذلك على تتبع توصيات أشغال اللجن المشتركة المكلفة بتتبع تنفيذ الاتفاقيات الموقعة، خاصة ما يتعلق بنقل الحقوق الاجتماعية المكتسبة ببلدان الاستقبال إلى المغرب. كما يتم العمل على تنفيذ برنامج تواصلي وإخباري لفائدة مغاربة العالم من أجل تعريفهم بمضامين الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين المغرب وبلدان الاستقبال، خاصة الاستفادة من حقوقهم عند عودتهم إلى أرض الوطن.
وبهدف تعزيز ارتباط مغاربة العالم ببلدهم الأصل المغرب وبثقافته وتاريخه واطلاعهم على مؤهلاته الاقتصادية والطفرة التي يشهدها، يتم تنظيم مجموعة من البرامج الثقافية بأرض الوطن، خاصة لفائدة الشباب، أبناء المغاربة المقيمين بالخارج، أهمها :

المقامات الثقافية التي تنظم لفائدة الشباب والأطفال المغاربة المقيمين في الخارج لاطلاعهم على الثقافة المغربية وحضارة بلدهم الأم والإصلاحات السياسية التي عرفها. ويتضمن هذا البرنامج زيارات ميدانية إلى مؤسسات حكومية وغير حكومية وتنظيم لقاءات تواصلية بعدد من المؤسسات الثقافية والتعليمية للاطلاع على مرافقها وتجربتها في ميدان البحث العلمي، وكذا زيارة عدد من مدن المملكة للتعرف عن قرب على ثقافة وحضارة بلدهم الأصل المغرب. وفي هذا الإطار، نظمت الوزارة ما بين سنة 2013 وسنة 2017 ما يزيد عن 34 مقاما ثقافيا.

الجامعات الصيفية لفائدة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، والذين يتابعون دراستهم بجامعات ومعاهد بلدان الإقامة، وذلك بتعاون مع الجامعات المغربية.
ففي كل سنة خلال الفترة الصيفية، هنالك ما بين 200 و300 مشارك من عدد من بلدان الإقامة يستفيدون من العديد من الأنشطة والندوات التي تغني معرفتهم بوطنهم وبثقافتهم، وتمكنهم من مفاهيم تساعدهم في تطوير مكتسباتهم الشخصية. وقد شارك خلال دورة هذه السنة أزيد من 260 شابا وشابة من 23 بلد استقبال والتي نظمت بتعاون مع جامعة عبد المالك السعدي بتطوان خلال الفترة الممتدة ما بين 14 إلى 23 يوليوز. وبهدف توسيع دائرة الاستفادة من هذا البرنامج والتجاوب مع طلبات وتطلعات الطلبة، أبناء المغاربة المقيمين بالخارج واستكمال العرض الثقافي الموجه لهم، ستعمل الوزارة، في المدى القريب، على تنظيم أربع جامعات موسمية (دورة شتوية في شهر دجنبر وربيعية في شهر أبريل ودورتان في فصل الصيف) .
تنظيم المخيمات الصيفية لفائدة أطفال الجالية المغربية المنحدرين من أسر معوزة بشراكة مع عدد من المؤسسات العمومية وشبه العمومية خلال الفترة الممتدة ما بين فاتح يوليوز و31 غشت من كل سنة. حيث يستفيد سنويا من هذا البرنامج ما يزيد عن 200 طفلة وطفل تتراوح أعمارهم بين 08 و13 سنة.

على المستوى الاقتصادي :
يجب الإشارة إلى أن المملكة عرفت خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا ملموسا في عدد المقاولات المنشأة بمبادرة من المقاولين والمستثمرين المغاربة المقيمين بالخارج. وقد وضعت الوزارة ضمن أولوياتها تشجيع هذه الدينامية المقاولاتية عبر خلق خلية للمعلومات والتوجيه، ووسائل خاصة قابلة للولوج الرقمي، وكذا برامج المواكبة والمساعدة لإنشاء المقاولات.
كما تم العمل على تهيئة الآليات والإجراءات الهادفة إلى تحفيز وتنويع ومواكبة استثمارات مغاربة الخارج داخل أرض الوطن، عبر إعادة تفعيل صندوق دعم استثمارات مغاربة العالم واعتماد برامج لمساعدة مغاربة العالم على إنشاء مشاريع استثمارية صغرى ومتوسطة.
من جهته، بادر الاتحاد العام لمقاولات المغرب بشراكة مع الوزارة المنتدبة، إلى إنشاء فضاء جهوي مخصص لمواكبة المقاولين المغاربة المقيمين بالخارج وذلك لتسهيل انخراطهم في المنظومة الاقتصادية المغربية من خلال خبراتهم وتجاربهم من جهة، والاستفادة من التجربة المغربية في مختلف المناطق من جهة أخرى.

لتنفيذ الشراكة بينهما، وقع الاتحاد العام لمقاولات المغرب والوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة يوم الخميس 09 فبراير 2017 اتفاقية إطار يطمح من خلالها الطرفان إلى توحيد جهودهما وتنسيق مبادراتهما في أفق تطوير تعاون اقتصادي واجتماعي مع المغاربة المقاولين المقيمين بالخارج، في المجالات ذات الاهتمام المشترك، عن طريق إنشاء موقع مخصص لهم، وإطلاق مبادرات لفائدتهم وكذا تشجيعهم على تبادل الخبرات والتجارب الناجحة والممارسات المثلى بينهم.
وفي هذا الصدد، تم مؤخرا إعطاء الانطلاقة الرسمية «للجهة 13 « الخاصة بمغاربة العالم المقاولين والتي ستمكنهم من الولوج إلى الخدمات المختلفة المقدمة من طرف الاتحاد العام لمقاولات المغرب، كما ستوفر لهم، من خلال الفضاء الإلكتروني www.membycgem.ma إمكانية التواصل والتشبيك بينهم وبين مختلف الفاعلين الاقتصاديين بالمغرب. كما تهدف هذه الجهة إلى تشجيع رجال الأعمال المغاربة المقيمين بالخارج على الاستثمار في بلدهم الأصلي وإدماجهم في النسيج الاقتصادي المغربي وفق الأعراف المتوافق عليها في عالم الأعمال، مما سيساهم في تنمية التبادل الاقتصادي بين المملكة والخارج.
وفي يوم 10 غشت المنصرم نظم لقاء حول استثمارات مغاربة العالم، تحت شعار «استثمارات مغاربة العالم : الفرص والتحديات» والذي مكن من التعريف بالمؤهلات الاستثمارية التي تتوفر عليها بلادنا على صعيد الجهات والأقاليم. كما شكلت هذه التظاهرات فرصة للتواصل وتبادل الأفكار حول موضوع الاستثمار.
واطلاعا على برنامج الوزارة فإن هذه الأخيرة رسمت مخططا ديناميا على المدى القصير والمتوسط والبعيد سنعمل على متابعته على صفحات الجريدة .


الكاتب : عبد الكريم بنعتيق

  

بتاريخ : 13/09/2017