الرائــــدة بهيجة إدريس

صوت يحمل ملامحه الخاصة التي تميزه عن مئات الأصوات غيره، فيه بحة وفيه دفء، ما أعذب صوتها وهي تترنم بتحف من فن الملحون مثل (المالحة – ذابل العيان)، إنها المطربة بهيجة إدريس والتي صاحبنا صوتها زمنا طويلا، هي أول مطربة تلج مجال الغناء وتستمر فيه لفترة أطول، ولعل انحدارها من سلالة فنية ساعدها على ذلك، بينما الكثيرات أمثالها انسحبن مبكرا أو اعتزلن في منتصف الطريق تحت ضغط مجتمعنا الذكوري.
كان احمد البيضاوي من المحتضنين لها فأجرى صوتها على القصيد في ألحان تنطبع بأسلوبه الشرقي محاولا أن يخلق منها كوكبا مغربيا يداني كوكب المشارقة أم كلثوم فغنت من ألحانه (حبيبي تعالى – هجران – يد الشعب – شهر التقى…) ولقد أسعدني الحظ بالاستماع إلى قطعة (هجران) تنشدها بهيجة في إحدى الحفلات العامة، كانت حقا قمة في الطرب، تسلطنت فيها بهيجة ولونت وأبدعت، وكان عزف الموسيقار احمد – البيضاوي على العود في أقصى درجات الثمالة، أغنية ذكرتني بطربيات أم كلثوم على ألحان زكرياء أحمد، وعلى نفس النهج شاركت بهيجة عبد الهادي بلخياط في أداء سمفونية المغرب (القمر الأحمر) لعبد السلام عامر، ومن ألحان المعطي البيضاوي غنت للشاعر ابن زيدون (الشوق القاتل) والتي تعتبر من الوزن الثقيل المجهول في الغناء المغربي الأصيل، وغنت لأحمد بنموسى قصيدة (ليلتي) ولعبد اللطيف السحنوني قصيدة الشاعرة نازك الملائكة (سنواتي)، كما أنشدت ببراعة متناهية أغنية كتبها الشاعر السوري نزار قباني تحمل عنوان (اغضب كما تشاء) بلحن مغربي مغاير لما أنشدته المطربة السورية أصالة نصري، ولها أيضا قصيدة رائعة تحت عنوان (لا تلوميني)، واستطاع الفنان عبد النبي الجراري ان يمزج في صوتها بين الأنغام الغربية والإيقاعات المغربية في قطعة (من غير ميعاد). وأما الملحن محمد بن عبد السلام فقد موج صوتها على زجليات موسومة بالطابع المغربي الشعبي الخفيف مثل (عطشانة – الشمس غربات – الخطاب – يا ختي – يالداخل الدرب …) وعدة محاورات مثل (سيد القاضي – أنت هاني – عندي وحيدة …) وقد أكسبتها هذه الأعمال شعبية كبيرة، وحاول الملحن عبد- الرحمان الكردودي أن يواصل معها هذا الخط الزجلي الشعبي من خلال عدة ألحان نذكر منها (مقدر لي نعشق – ماتفهمناش …) .
قصدت بهيجة إدريس في إحدى الفترات الشرق باعتباره قبلة جذابة للفنانين العرب، وترنمت هناك بألحان شرقية لعل أشهرها هو لحن محمد الموجي (يا جميل يا للي).
عندما تراجع فن الغناء وفقد جوهره، آثرت مطربتنا بهيجة إدريس الانسحاب بهدوء من الميدان الفني، فتوارت أخبارها عنا ولكن بريق صوتها ظل محفورا في أسماعنا من خلال تراثها الغنائي المتنوع.


الكاتب : عبد المجيد شكير

  

بتاريخ : 12/09/2018