السبابة و الإبهام

سلّم يمينا ثم شمالا، وأسرع الخطو، يلتقط حذاءه من على الرفوف ،الأحذية مكومة والمصلون بين واقف ومتربص يتلمس الطريق، وعيناه لا تفارقانه، أتراه هو! كأنه هو! نفذ إلى الخارج ، ونزل الدرج حثيثا فحاذاه، أحس الرجل بظل يلامسه، كأنما يقصده، نظر بطرف العين ولم يلتفت، وأكمل المسير، مازال الظل يلاصقه، فقرر هذه المرة أن يلتفت.
استدار. بالفعل هو! بالتمام و الكمال، عدا ما فعله الدهر بشعر الرأس و البشرة، ما زالت الملامح كما عهدها، و الوقفة الصلدة الشماء ثابتة كشجر السنديان.
عرفه، فابتسم ومد يده يصافحه ويعانقه….
في اللحظة التي أمسكت الكف بالكف، أحس وكأن دوارا يلف رأسه، تجمدت الكف مكانها، وانصعق …! يتكلم ويجيب ولا يكاد يسمع لصاحبه…
عرفه أيام الصبا، نمرا شرسا بإحدى قاعات الرياضة، مقاتل يحسب له ألف حساب، ما تقدم قط إلى نِزال إلا ربحه.
كان يرى فيه نفسه، يختلس إليه النظر من بين الواقفين. في أوج العطاء اختفى واندثر، سأل عن صاحبه ولم يدلّوه على عنوان.
مرت ثلاثون سنة، بلعته ثنايا المدينة النامية، و انمحى…
عانقه وانسدل الحزن على العينين،عضت الكف على الكف تنتحب وتبكي كأنما تعزيها …
الكف الجرحى مازالت تنزف … لا سبابة ولا إبهام…

في غمرة الحياة،و في غفلة من النّمِر ، حذفتهما آلة الحياة الشحيذة.


الكاتب : عبد الحكيم برنوص

  

بتاريخ : 10/01/2019