الفنانة الموهبة لطيفة لكحيحلي الملقبة بالشعيبية التازية.. طباخة تحول مطبخ الداخلية إلى رواق فني بجماعة باب المروج بتازة أرسم الجداريات حين أنتaهي من إعداد وجبات الطعام لتلاميذ الداخلية

 

لطيفة كحيحلي هو اسمها الحقيقي، لكن محيطها الأسري والمقربين منها يدعونها « مها « وتعتبر سنة 1976 تاريخ ميلادها بجماعة باب مروج 30 كلم شمال مدينة تازة . أما حالتها الاجتماعية وموهبتها في الفن التشكيلي فتعتبر نموذجا يقتدى في مواجهة الحياة .
وإذا كان من المؤكد أن السيدة لطيفة فنانة موهوبة في الرسم رغم أنها لم تتلق دروسا تكوينية في المادة ، فإنها ليست الأولى في هذا الدرب من العصامية ، فالحقل الفني بالمغرب مليء بتجارب وأسماء ونجوم كبيرة ولدت بالموهبة وتشبعت بها وتألقت وتمكنت من تخليد الأثر الجميل في نفوس الجماهير وتركت بصماتها عميقا في الذاكرة الفنية للمغرب والعالم .
يتعلق الأمر إذن بسيدة فشلت في تجربة زواج لم يعمر طويلا لكنه أثمر ابنة جامعية في غاية التوقد والذكاء. إنها دلال أشقم من مواليد 30/12/1997 طالبة جامعية بالسنة الثالثة شعبة القانون ، وهما الآن يرسما معا بكل الإصرار الممكن تجربة جديرة بالحياة ويخططا لحياتهما مسارا مختلفا تماما، مسار مؤطر بحب الفن والمعرفة ، وحب المهنة والإخلاص في العمل
تقول لطيفة لكحيحيلي «بدأت الرسم وأنا في السنة الثانية إبتدائي عندما كنت أرسم رسوماتي لحظتها هنا وهناك ، كانت تغمرني الفرحة لا سيما وأنا أتلقى الإعجاب والاستحسان من أصدقائي و صديقاتي في القسم ، وكذلك من أساتذتي ، خصوصا في حصة التربية الفنية ولما وصلت إلى مرحلة الإعدادي، كان رصيدي يكبر ويكبر ، وأنجزت العشرات من اللوحات بكل الألوان ورسومات كثيرة ، وكنت أهديها لأصدقائي بمحبة صادقة. وفي لحظة حاسمة ، حصلت القطيعة ، و توقف عداد الرسم ومعه تطوير موهبتي في هذا الفن النبيل ، ليفسح المجال لحياة الزوجية ، وكما لا يخفى على الجميع، فمسؤوليات بيت الزوجية لم تترك لي مجالا كافيا لممارسة موهبتي وتنميتها على النحو المطلوب
مها اليوم طباخة تسهر بكل ما أوتيت من تفان وضمير على إعداد وجبات التلامذة بالقسم الداخلي لمؤسسة تعليمية بتازة ، ورغم أنها لم تسعفها الظروف لمتابعة دراستها ، ولم تتلق أي تكوين في الرسم ، إلا أن ثقتها بنفسها وحبها للحياة جعل منها إنسانة عصامية موهوبة ومحبة للرسم منذ الصغر، ما جعل رغبتها في تزيين القسم الداخلي للمؤسسة ، هدفها الأسمى ، رغبة أحيت فيها بكل عفوية وطواعية تلك الطفلة المبدعة سلاحها في ذلك فرشاة، ذخيرته مخيلتها الواسعة وموهبتها الربانية الكثيرون يلقبون لطيفة لكحيحلي ب الشعيبية التازية
وحين انفصلت لطيفة عن زوجها لم تتوقف عقارب الحياة ،بل واصلت السير بنضج ، فمطالب العيش اليومي وانتظاراته لا تحتمل التأجيل،وانطلق العداد ، في البداية اشتغلت طباخة في المؤسسة التعليمية إعدادية إبن حزم بجماعة باب مروج ناحية تازة لكسب قوت يومها وحتى تتمكن من تربية ابنتها دلال وتوفير حاجاتها الضرورية ، العمل الجديد حسن من منسوب الاستقرار وكان لها متسع من الوقت، ما جعل عشق الرسم وحنين الموهبة يعودان بقوة وشغف جميلين، وبمجرد ما بدأت ترسم لوحاتها على جداران مطعم الداخلية بألوان وأحجام مختلفة وبشكل تطوعي ، شرعت تتلقى التشجيعات من الجميع تلاميذ وأساتذة ومسؤولين بالمؤسسة . ولعل من بين رسومات الفنانة الأولى لوحتين لضريح الولي سيدي أحمد زروق ، أهدتهما إلى عامل عمالة إقليم تازة كان ذلك قبل 10سنوات
ولعل الفضل كل الفضل في اكتشاف هذه الموهبة الفنية وإبرازها يعود للأستاذ عبد الإلاه عبيدي المفتش والإطار في التوجيه التربوي بالمديرية الإقليمية تازة. الذي كان في مهمة رسمية تتعلق بالملاحظة بالامتحان الجهوي للسلك الثانوي الإعدادي بإعدادية بن حزم بباب مروج أيام 17-18-19 يونيو2019 بمديرية تازة ، وحينها لفت انتباهه جداريات جميلة بالمؤسسة، الرجل اعتقد أول وهلة أن العمل من وحي أستاذ لمادة الفنون التشكيلية بالمؤسسة أو لرسام ينتمي لإحدى الجمعيات النشطة في هذا المجال، لكنه سيذهل عندما سيكتشف أن الجداريات الرائعة الألوان من إنتاج طباخة أي نعم طباخة بمطعم الداخلية.

بالنسبة لمها فإن الفطرة والعصامية هي المفتاح والموهبة هي دينامو الإبداع لدى المبدعة ولا شيء غير ذلك.  فالفتاة التي لم تتلق أي تكوين في مجال الرسم، مستواها التعليمي لا يتجاوز الثالثة اعدادي، إلا أن رغبتها في إضفاء الجمال على مكان عملها، وحبها للريشة والألوان وتطوعها لخدمة الفضاء لتحبيبه لرواده ، جعل من المؤسسة فضاء جذابا ومفعما بالحيوية والجمال .وحينما تسألها متى يحلو لك الرسم وعن الوقت الذي يناسبها لهمس الألوان؟ تجيبك بعفوية ودون تردد، أرسم الجداريات حين انتهي من إعداد وجبات الطعام لتلاميذ الداخلية.
لا حاجة للقول أن ظروفها المادية ضعيفة جدا حتى أن أجرتها كطباخة لم تتوصل بها منذ شهر دجنبر من السنة الماضية الى اليوم. وأنها لم تلق أي دعم من أي جهة او جمعية أو مؤسسة باستثناء الولوج إلى فضاء العمل الفني المفتوح، ويعتقد كل من عرف هذه الطاقة المبدعة أن التعريف بها وبقدراتها ومؤهلاتها أحسن هدية يمكن أن تتلقاها «مها
عند زيارتك للثانوية الإعدادية ابن حزم بباب مروج، تستوقفك جمالية الجداريات بالمؤسسة وكذا بقسمها الداخلي، وعند السؤال عن مبدعها يجيبونك إنها «مها»
انفصلت مها عن زوجها وفي ذمتها ابنة ، لذلك كان لابد من مواجهة الوضع الجديد ، ولعل ما يسجل بمداد الفخر والاعتزاز هو أنها لم تستسلم للظروف القاهرة التي أحاطت بها بعد فشل زواجها ، بل تابعت التكوين لتحصل على ديبلوم مهني في الطبخ ، هو ما أهلها لشغل منصب طباخة لتجد الفضاء مناسبا في إحدى المؤسسات التعليمية بذات الجماعة لتطلق بذلك العنان لموهبتها في الرسم والطبخ.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 15/07/2019