« أنتم مسؤولون على مصير لغتكم» هكذا توجه الكاتب الإسباني خيسوس غريوس إلى طلبة المعهد العالي الخاص للصحافة و الإعلام بمراكش خلال اللقاء الذي نظمه نادي الكتاب بهذه المؤسسة، يوم الأربعاء 13 دجنبر 2017.
الكاتب الإسباني، أضاف أن مسؤولية الصحافي لا يمكن اختزالها في مهمة تقنية تمارس بنمطية، تقتصر عند حدود نقل الأخبار، وإنما تتجاوزها إلى نطاق أشمل وأكثر حساسية يهم التصرف في أعظم إرث يمكن أن يحوزه شعب ما، وهو لغته.
وقال في هذا السياق: « أشعر بمرارة كبيرة و أنا أرى هذا التدمير اليومي الذي أضحى يقوم به بعض الصحافيين للغة، غير مدركين لخطورة ذلك، محولين نشر الابتذال إلى واجب مهني يسوق على مدار اليوم باسم القرب و التجاوب مع تطلعات الجمهور. يحدث هذا بإسبانيا و بكثير من البلدان الأخرى. و هو عمل لا يمكن أن يوصف إلا باعتباره حربا على حق هذه الشعوب في تملك لغتها بعمقها الجمالي و قوتها و فتنتها الرائعة .»
وأضاف أيضا: « إن الابتذال الذي يصر هؤلاء الصحافيون على نشره على أوسع نطاق لا يهم القضايا التي يُعالجونها فقط، و إنما اللغة المستعملة في هذه المعالجة. «
وأكد صاحب « رواية زرياب» أن من مهام الصحافي كما الكاتب أن يحمي اللغة، و أن يصونها بإصرار، بالتصدي إلى القرصنة التجارية لمهمته النبيلة، و عدم التنازل عن إحساسه بالمسؤولية اتجاه ثقافة مجتمعه، لأن هذا التنازل سيكون بكلفة تاريخية غير قابلة للسداد.
خيسوس غريوس، الذي تفاعل بحماس مع أسئلة طلبة المعهد العالي الخاص للصحافة و الإعلام وكذا تدخلات عدد المثقفين الذين حضروا اللقاء، توقف عند ظاهرة التخلي التدريجي عن عادة القراءة في المجتمعات المعاصرة، معتبرا ذلك انعطافة مقلقة نحو مجتمع بدون حلم فاقد لمصادر التهذيب. متسائلا في هذا الصدد» كيف لشخص لا يقرأ أن يغني واقعه بخصوبة الخيال، و أن يلقح علاقته بالغير بجرعات مستدامة من الجمال و المحبة، و أن يتعامل مع الحياة بأناقة تُبعد شبح الحرب و الخوف و الحقد؟»
وعن أسباب تأليف رواية عن الأندلسي « زرياب» استحضر خسيوس أجواء إعداده لهذا العمل السردي، و ما استلزمه من بحث في الأرشيف و الوثائق التاريخية لمدة تجاوزت سنة، معتبرا أن اختياره لحياة هذه الشخصية كمجال سردي لروايته الشهيرة، كان بسبب ما يمثله من قيمة راقية في فن العيش و جمالية الحياة، حيث قال في هذا الصدد» ربما نحن في حاجة اليوم لزرياب جديد.»
وتحدث خيسوس عن عادات الكتاب و طرائفهم في خلق طقوس تُسعفهم عن الكتابة، متوقفا عند أساليب غريبة لدى عدد من كبار المؤلفين في العالم، مثل غارسيا مركيز، وإدغار آلان بو، وكابوتي، وبول بولز، و محمود درويش، ويورسونار، وبروست، وليوباردي، وهمنغواي.. وخلص إلى أن كل كبار كتاب العالم، يُجمعون على أن المرحلة الصعبة في ابتكار أعمالهم تتمثل في الوصول إلى الفكرة، و عندما تنضج فإن عملية الكتابة تصبح سهلة لكونهم كتابا محترفين متملكين للتقنيات التي ينفذون بها أعمالهم.
وعن أهمية الإلهام في عملية الكتابة، قال خيسوس غريوس» بالنسبة لكاتب محترف، الانضباط أهم من الإلهام، بل إن هذا الأخير يأتي مع العمل المنضبط. شخصيا، كنت أعمل تسع ساعات متواصلة يوميا، تبدأ في السابعة صباحا. لكنني مع التقدم في السن قلصتها إلى خمس ساعات يوميا.»
وأوضح أن الكاتب ينوع مصادر إلهامه بالسفر، الذي لا يمكن اختزاله في مجرد انتقال بين جغرافيات متنوعة، بقدر ما هو إبحار في الاختلاف الثقافي للشعوب. مضيفا أن المنبع الرئيسي لطاقة الكاتب هو الحياة، لذلك فهو أكثر الكائنات في حاجة للمغامرة.
وأكد أن ما يحتاجه الكاتب حقا، هو حواس حية شرهة تمكنه من التواصل مع عمق الحياة و حكمتها، موضحا أن الحكاية توجد دائما في مكان ما بالقرب منا، لكن ما يلزمنا حقا هو عيون مفتوحة قادرة على التقاطها.
خيسوس غريوس تحدث أيضا، عن علاقته بالموسيقى، مستحضرا تجربته كعضو في فرقة غنائية مشهورة، و مشاركته فيها كعازف على آلات مختلفة للإيقاع. و هي التجربة التي كانت مصدر إغناء لرؤيته كصانع قصص. حيث أشار إلى أهمية الإيقاع في الحياة و في بناء النصوص الروائية، معتبرا إياه لحظة مهمة في استقطاب الإمكانات الجمالية التي تجعل الحياة ممتعة و الكتابة جذابة.
وتميز اللقاء بحضور عدد من الوجوه الثقافية كالشاعر والإعلامي مصطفى غلمان، والمفكر عبد العزيز بومسهولي والإعلامي و الباحث عبد اللطيف سندباد والمسرحي والفاعل الثقافي محمد القريشي.
وكان الروائي خيسوس غريوس، قد جاء إلى مدينة مراكش بتوصية من الشاعر محمد بنيس في نهاية القرن الماضي، وأقام فيها لمدة 16 سنة قبل أن يقرر مغادرتها في سنة 2015 في اتجاه مدينة هافانا الكوبية، وأثمر تواجده بالمدينة الحمراء عدة أعمال روائية ومجاميع قصصية وسيناريوهات سينمائية ونصوص مسرحية.
الكاتب الإسباني خيسوس غريوس في لقاء بمراكش: الصحافيون مسؤولون على مصير اللغة.. والكاتب أحوج الكائنات للمغامرة

الكاتب : مكتب مراكش: عبد الصمد الكباص
بتاريخ : 21/12/2017