الكبار يرحلون والصغار لا ينسون

إصرار على الحقيقة كاملة ورد الاعتبار و رفض النسيان الذي لا يخدم القطع مع الماضي الأليم، رسخه اللقاء الذي نظمه المنتدى المغربي من أجل الحقيقة و الإنصاف بمراكش يوم السبت 8 فبراير الجاري تكريما لعائلة المانوزي تحت شعار» نضال مستمر من أجل الحقيقة والإنصاف وعدم التكرار والذاكرة»، والذي حضره عدد كبير من أفراد أسرة المانوزي من أجيال مختلفة من داخل أرض الوطن وخارجه، وعدد من ضحايا الماضي الأليم للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وممثلي الهيئات السياسية والحقوقية والنقابية والجمعوية.
الحقوقي والمناضل عبد الحق عندليب نائب رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، الذي سير اللقاء بأناقة، استحضر في كلمته الافتتاحية القيمة الرمزية الفائقة لهذا الحدث، الذي ينهل مفعوله الأقوى من صيانة الذاكرة ومواجهة النسيان القسري واستمرار الفعل النبيل من أجل الحقيقة كاملة الضامنة للإنصاف، معتبرا أن المناسبة غنية بأبعادها، لأنها تهم عائلة نضالية قدم أبناؤها الذين لا يقل عددهم عن 17 مناضلا تضحيات جسيمة في سبيل الحلم بمغرب الحرية و الكرامة و المساواة، منهم من واجه قدر التغييب بالإعدام خارج نطاق القضاء، ومنهم من قضى تحت وحشية التعذيب، ومنهم من اختطف و مازال مصيره مجهولا، و من عانى محن الاعتقال التعذيب والنفي.
رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف حسان كمون، استحضر في الكلمة التي ألقاها في هذا اللقاء نضالات عائلة المانوزي وتضحياتها الجسام، مؤكدا أن أبناءها مازالوا حاملين لمشعل النضال من أجل مغرب ديمقراطي تسوده العدالة و الكرامة و الإنصاف.
وأكد أن الحاجة مازالت ملحة إلى مواصلة التحري والبحث لإجلاء الحقيقة في الملفات العالقة وفي مقدمتها ملف المهدي بن بركة والحسين المانوزي وغيرهم، مشددا على ضرورة إرساء الأسس الكفيلة بالحد من العقاب و دفع المكلفين بإنفاذ القانون باحترام حقوق الإنسان. وقال «توجد حاجة ماسة لبلورة مقترح تكميلي لتجاوز العقبات التي حالت دون الكشف عن الحالات التي مازالت معلقة، وتوفير آلية وطنية لاستكمال الحقيقة فيها. وأكد على ضرورة التقيد النهائي بأسس الدولة الديمقراطية لتفادي تكرار ما وقع من ممارسات أليمة لانتهاكات حقوق الإنسان، باعتماد حكامة أمنية متقيدة باحترام المبادئ الكونية الحقوق.
ومن جهته، اعتبر الدكتور صلاح الدين المانوزي في الكلمة التي ألقاها باسم عائلة المانوزي، هذا اللقاء مجالا للتأريخ للحظة مفصلية في مسار نضال عائلة المانوزي من أجل الحقيقة والإنصاف وعدم التكرار والذاكرة، مؤكدا أن المسعى من هذا الحدث هو تأكيد مواصلة العمل الذي باشره الجيل الأول من أجل صيانة قيم الكرامة والتضامن والتآزر دفاعا عن الحق في الحياة. وأضاف «إنه لقاء مفتوح على المستقبل يضع في صلب أولوياته دولة المؤسسات الضامنة المؤسسات الضامنة لعدم تكرار تجاوزات و مآسي الماضي الأليم، الذي مازال جيلنا يعيش تبعاته. هو ماضي الاستبداد بكل تجلياته من قمع للحريات و انتهاك للحرمات وسلب الممتلكات والحرمان من أبسط حقوق الإنسان».
وأوضح أن مواجهة هذا الواقع هي ما دفع الشاب إبراهيم المانوزي وقاسم المجاهد والحسين المانوزي إلى الانخراط مبكرا في النضال الوطني الديمقراطي، حيث كان الثمن باهظا، فأعدم الكومندار إبراهيم المانوزي خارج القانون و بدون محاكمة يوم 13 يوليوز 1971، و استشهد الشاب مجاهد قاسم تحت التعذيب في درب مولاي الشريف يوم 20 شتنبر 1970، واختطف النقابي والمناضل السياسي الحسين المانوزي من تونس في أكتوبر 1972.
و قال صلاح الدين المانوزي أيضا» دفاعا عن حق هؤلاء و رفاقهم في الحياة، انخرطت عائلة المانوزي في النضال من أجل عودتهم إلى الحياة، أموات أو أحياء.» وأضاف أن الدولة اعترفت بمسؤوليتها في اقتراف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأردت طي صفحة هذه التجاوزات بقراءة إقصائية لصفحاتها دون الكشف عن حقيقة ما جرى والالتزام بالأسس الأربعة المؤسسة للعدالة الانتقالية. و هي الأسس التي شكلت مرجعية هذا النضال المستمر لعائلة المانوزي من أجل الحقيقة والإنصاف.
وبإصرار صلاح الدين المانوزي، قال صلاح الدين المانوزي إن نضال العائلة مستمر على النهج الذي حدده والده المرحوم الحاج علي المانوزي، مضيفا «نريد الحقيقة التي تتوخى الإنصاف وليس الانتقام، فلا يكفي الوقوف عند ويل للمصلين بل ينبغي وضع حد لكل أشكال الاستبداد والاستهانة بالمسؤولية والإفلات من العقاب. من هنا يأتي تأكيدنا على أهمية مراجعة المحيط المؤسساتي وتعزيز الجانب القانوني والتربوي لنكون قد وفرنا حماية مغربية لهذه الحقيقة. مرآتنا هي المغرب، مغرب المواطنة واحترام حقوق الإنسان ودولة الحق و القانون..»
الحقوقي والمناضل الأستاذ طاهر أبو زيد، أكد في الكلمة التي ألقاها باسم المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على ضرورة إرساء أسس دولة الحق و القانون التي تكفل احترام حقوق الإنسان بمبادئها الكونية، وتحول دون تكرار ما حدث من انتهاكات جسيمة، وتضون مستقبل الحرية والكرامة والمساواة، مشددا على أن الصفح يقترن بالكشف عن الحقيقة كاملة و الإنصاف بالحد من الإفلات من العقاب، وداعيا إلى استكمال الحقيقة في الملفات العالقة التي تهم المختطفين ومجهولي المصير.
وبدروه، أكد الحقوقي عمر أربيب في الكلمة التي ألقاها باسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن ملف الانتهاكات الجسيمة مازال مفتوحا، لأن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لم تنفذ كاملة و خاصة في الشق الذي يخص الضمانات التي تحول دون تكرار ما وقع، و الحد من الإفلات من العقاب و الكشف عن الحقيقة في القضايا الجوهرية التي تهم ملف الاختفاء القسري والاختطاف و مجهولي المصير.
الحقوقي والمناضل نعمان أقباب، استحضر في الكلمة التي ألقاها باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تضحيات عائلة المانوزي فداء للوطن والديمقراطية في بلادنا ضد الاستبداد وإبان سنوات الجمر و الرصاص التي امتدت على مدار أربعة عقود.
وأكد الأستاذ نعمان أقباب على مطلب الكشف عن مصير المناضل الحسين المانوزي، وتسليم رفات الشهيدين إبراهيم المانوزي وقاسم مجاهد المانوزي لدفنهما وفق الشعائر المعمول بها. وقال في هذا الصدد «إننا في الاتحاد الاشتراكي كحزب وطني ديمقراطي اشتراكي عانى طيلة عقود القمع والتنكيل وقدم قافلة من الشهداء والمعتقلين السياسيين والمنفيين والمتشردين مازلنا نطالب الدولة باستكمال الحقيقة في ما حدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على مدار أربعة عقود وبتسوية أوضاع كل ضحايا سنوات الجمر والرصاص، وبوضع كل الإصلاحات الدستورية والقانونية والسياسية والمؤسساتية الكفيلة بحماية بلادنا من أقدار الجمر العودة إلى ممارسات الماضي التي كادت مخلفاتها أن تتسبب في السكتة القلبية لولا صبر وصمود حزبنا ومعه كل القوى الوطنية والديمقراطية وانخراطها في مسلسل التغيير والإصلاح، كما نؤكد مرة أخرى على إعادة الاعتبار لكل ضحايا سنوات الجمر والرصاص من خلال حفظ ذاكرة ما حدث من انتهاكات ليس من باب تقليب المواجع و الجراح ولكن من أجل تحصين الحاضر والمستقبل من أي انحراف قد يقود بلادنا إلى الأفق المسدود.»
وبدوره، أكد لحبيب أوشن في الكلمة التي ألقاها باسم حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي أنه رغم الأشواط التي قطعتها بلادنا في ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في سنوات الجمر والرصاص إلا أن ملف المختطفين ومجهولي المصير مازال عالقا، داعيا الحقوقيين إلى المزيد من النضال من أجل الكشف عن الحقيقة كاملة في الملفات العالقة وفي مقدمتها ملف الشهيد المهدي بن بركة و الحسن المانوزي والرويسي وغيرهم، وشدد على أن التراجعات المسجلة في حقوق الإنسان تطرح أمام الجميع تحديات كبيرة ينبغي مواجهتها بالمزيد من الإصرار للحيلولة دون عودة ممارسات الماضي الأليم.
أما كلمة حزب اليسار الاشتراكي الموحد التي ألقاها نور الدين بلكبير، فأكدت على أن الوقت قد حان لكي تتحلى الدولة بالجرأة لكشف الحقيقة في ملف المهدي بن بركة والحسين المانوزي وباقي الملفات العالقة. ودعا بكبير في نفس السياق، إلى رص صفوف الحقوقيين والقوى الديمقراطية لتثبيت أسس دولة الحق و القانون الضامنة لعدم تكرار ما حدث، معبرا عن دعمه لمقترح المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف لوضع آلية وطنية لكشف الحقيقة في الملفات العالقة.
وحفل هذا اللقاء التكريمي لعائلة المانوزي بكلمات مؤثرة فاضت فيها دموع الحاضرين، وفي مقدمتها الكلمة التي ألقتها نصيرة المانوزي نجلة الشهيد إبراهيم المانوزي و التي من ضمن ما جاء فيها:» أريد أن ألتصق بهذا العهد الجديد،لكن لكي تكون ثقتي أكيدة، لابد أن أدفن موتاي لأنه في هذه الحالة فقط يمكنني أن ألبس الحداد..سأثق في هذا العهد عندما يظهر عندما يظهر المختطفون وأحتفل برجوعهم.. لابد من قراءة لكتابة تاريخ جديد يرد الاعتبار للشعب ولمقاوميه، تاريخ لا ينسى جميع هؤلاء الشباب الوطنيين الذين أدوا الثمن غاليا ومن حياتهم من أجل مغرب حر.»
وتوالت شهادات عدد من المناضلين كالحسين المانوزي و عبد الرحمن شوجار و الدكتور الوردي باسم الجمعية الطبية لضحايا التعذيب و أحمد خيار باسم عائلة قاسم مجاهد، مثلما عرف اللقاء تقديم هدية تكريمية من قبل قدماء الشبيبة الاتحادية لنصيرة المانوزي قدمتها لها الحقوقية جميلة جودار، و تركيم قيدوم عائلة المانوزي عبد الله المانوزي الذي دعا في كلمة مؤثرة اليسار المغربي إلى رص صفوفه من أجل تثبيت دولة الحق و الديمقراطية، مستعيدا فصولا من محنته التي لاحقته إلى اليوم بحرمانه من حقه كاملا في التقاعد.
وتوج اللقاء بإعلان مراكش الذي تبناه الحاضرون والذي شدد على ضرورة استكمال الحقيقة في الملفات العالقة و الحد من الإفلات من العقاب وصيانة الذاكرة وتوفير الشروط اللازمة لعدم تكرار ما حدث.


الكاتب : مكتب مراكش : عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 13/02/2020