تاريخ الصراع بين واشنطن وطهران

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، مقالا بعنوان «اليوم التالي لاندلاع الحرب في إيران»، وقالت فيه إن «خروج الألوف المؤلفة، للتعبير عن حزنها على قاسم سليماني، هو أول الإجراءات الانتقامية».

وأضافت الصحيفة في مقال للكاتبة أزاده موافيني أن «الإيرانيين خرجوا من كل حدب وصوب ليرثوه، وذلك في مشاهد غير مسبوقة منذ جنازة آية الله الخميني»، معتبرة أن «رثاء سليماني كان أول إجراء انتقامي تقوم به إيران».
وأشارت موافيني إلى أن «الجنازة الرسمية لسليماني خارقة للعادة، واستمرت على مدى أربعة أيام، وفي بلدين، لا بلد واحد فقط»، معتقدة أن «الجنازة المهولة أبرمت توأمة بين بلدين، عبرت الجماهير فيهما عن الحزن وعن السخط المشترك في آن واحد».
وتاليا نص المقال كاملا:

اليوم التالي لاندلاع الحرب في إيران

كانت آخر مرة كتبت فيها بشكل جدي عن الحرب مع إيران في عام 2012. كان ذلك بشكل خاص عاماً عصيباً، أجرى خلاله الحرس الثوري الإيراني مناورات بحرية في الخليج الفارسي بينما كانت إسرائيل والولايات المتحدة تقومان بتدريبات مشتركة. حينها بدت سلامة خطوط شحن النفط في مهب الريح.
كانت أسعار النفط شديدة التقلب، وصار الجميع فجأة منهمكا في رصد السفن، وخرجت وسائل الإعلام بعناوين تتوقع قيام إسرائيل بمهاجمة المرافق النووية الإيرانية.
كانت المهمة الموكلة لي تتمثل في النظر فيما ستكون عليه الأوضاع في اليوم التالي – أي أن أتصور كيف كان الإيرانيون سيردون فيما لو تعرضت بلادهم للقصف من قبل إسرائيل. تضمنت مقالتي مشاهد للشباب الذي خيم عليهم الذهول يتجمعون عند التقاطعات المحتشدة يرددون النشيد الوطني – فجأت بات كل واحد منهم مواطناً إيرانياً مرعوباً بدلاً من عازف غيتار طموح أو عامل يومي أو وظيفة كان الواحد منهم يشغلها في اليوم السابق – كما تضمن المقال مشهداً لأم تصرخ داخل متجر مركزي وهي تشتري ما يمكن أن تصل إليه يدها من غذاء لطفلها. لا أتذكر حتى أنني كتبت هذه الأشياء. فكم مرة بإمكان المرء أن يكتب وأن يخمن وأن يحلل عرض بلاده للدمار قبل أن يبدأ عقله في استيعاب ما يجري؟
ينتابني شعور بأن كل ذلك التدريب إنما كان إعداداً لما يجري اليوم. ففي الأسبوع الماضي قصفت طائرة أمريكية مسيرة بالصواريخ موكب أكبر جنرال لدى إيران والذي يعتبر لديها بطل حرب قومي. إنه الفريق قاسم سليماني الذي قضى نحبه في الهجوم هو وأحد كبار قادة المليشيات في العراق، فيما يمكن أن يفهم على أنه عمل من أعمال الحرب.
أن أكون هنا تارة أخرى يجعلني أشعر – وأنا المواطنة الأمريكية من أصول إيرانية – كما لو أنني تواجدت هنا مرات عديدة من قبل. فدورات الحرب الوشيكة وما يمكن أن ينتج عنها من اضطراب بدت كما لو أن من نصيب الإيرانيين أن يعيشوها كل بضعة سنين، إنها الدورات التي تغذيها نزوات الولايات المتحدة وجرأة إيران المتزايدة. يشعر المرء الآن كما لو كانت هذه الدورات أشبه بإرث حضاري، أو بتركة لما شهدته أمي من قبلي وأمها من قبلها، ولما قد أورثه لأطفالي من بعدي. فما من عائلة إيرانية إلا وتأثرت بطريقة أو بأخرى بذلك الماضي.
كان انقلاب عام 1953 المدعوم أمريكيا قد دمر وظائف جدي وشقيقه، وهما اللذان كانا حتى ذلك الوقت يخدمان في الحكومة، وتسبب في لجوء الثاني منهما إلى المنفى. وكان دعم أمريكا للشاه، ثم تخليها عنه، هو الذي ساعد على تشكيل ثورة عام 1979 التي عطلت حياتنا بمجيء سلطة جديدة صادرت أملاكنا، وسجنت أحد أعمامي لمجرد انتمائه لتلك الطبقة المتعلمة الموالية للغرب والتي يعزى إليها فضل بناء إيران الحديثة، وكانت الثورة من وجهة نظرها السبب في فنائها.
ما كان من السنوات التي تلت إلا أن عمقت الهوة بين إيران والولايات المتحدة. فقد شهدت الفترة من 1979 إلى 1981 أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، والتي رغم أنها لم تتسبب في نهاية المطاف في قتل أحد إلا أنها سممت العلاقات بين البلدين حتى هذا اليوم. بالكاد، لم تخف الولايات المتحدة دعمها للعراق على مدى السنوات المدمرة للحرب الإيرانية العراقية. وفي عام 1988، وبينما كانت الحرب توشك على أن تضع أوزارها، نجم عن المناوشات المستمرة بين الطرفين إسقاط البحرية الأمريكية لطائرة ركاب إيرانية بينما كانت تحلق فوق المياه الإقليمية لإيران مما أودى بحياة 290 شخصا. بينما أعرب الرئيس دونالد ترامب عن أسفه العميق لذلك إلا أنه كرم ضباط البحرية ومنحهم الأوسمة.
لعقود مضت حتى الآن، كثيراً ما بدت الولايات المتحدة مدفوعة نحو إلحاق الأذى بإيران، في بعض الأوقات من خلال سياسات تدخل عبثية، ثم بعد عام 1979، بتصميم لا هوادة فيه على مواجهة كل ما كان يعتبر تهديداً تشكله المنظومة الجديدة.
عند نقطة معينة بدأت إيران بالانتقام: ففي ثمانينيات القرن الماضي عمدت إلى تشكيل ورعاية مجموعات وميليشيات معادية لواشنطن في المنطقة، وراحت تشجعها على احتجاز الرهائن الغربيين بل وتشن من خلال شبكاتها بعض الهجمات. وفي السنوات الأخيرة بدأت إيران تتحدى الأدوار التي تمارسها الولايات المتحدة في الحروب التي تدور رحاها في المنطقة وتتحدى ما تمارسه من تدخلات في البلدان المجاورة – ومن ذلك غزو أفغانستان في عام 2001 ثم غزو العراق في عام 2003 – وذلك من خلال دعم حلفاء لها خارج إطار الدولة ما لبثوا أن أصبحوا قوى عصية لا يمكن الاستهانة بها. أدى ذلك إلى إحداث نقلة نوعية في مستوى النفوذ الذي تحظى به إيران في المنطقة والذي ربما لم يكن يخطر لها ببال. كان الجنرال سليماني هو مهندس جل هذه الاستراتيجية.
كثيرون يحملونه المسؤولية عن موت الآلاف بسبب تدخله لإنقاذ نظام حكم بشار الأسد في سوريا. ولكن بالنسبة لكثير من الإيرانيين والعراقيين والكرد وغيرهم، كان شخصية محورية في قهر الدولة الإسلامية، حيث ساعد في وقف تمددها السريع في أنحاء العراق عام 2014. أما في سوريا، فيرى كثير من السوريين الذين عانوا من تنكيل نظام الأسد بهم على نطاق واسع أن الجنرال هو الذي قاد ما لا يمكن فهمه إلا على أنه قوة معادية. إلا أن زعماء إيران كانوا دوماً يذكرون شعبهم بأن سوريا، الدولة العربية الوحيدة التي انحازت إلى جانب إيران خلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثمان سنين، لا يمكن التخلي عنها، وأنه بدونها سينكشف ظهر إيران بشكل خطير في المنطقة.
بسبب هذه المناورات، والتي كان الهدف منها جزئياً توفير بعض الردع الإيراني في وجه العداوة الأمريكية السافرة، سيذكر الناس الجنرال سليماني. لقد تحول إلى ما يشبه الأب لبلد حائر ضال، فخرج مئات الآلاف إلى جنازته ليقولوا له غفرنا لك التجاوزات الشديدة للقوة التي كانت تأتمر بك، وما ذلك إلا لأنه أمن تراب البلاد حينما ظهرت الدولة الإسلامية تفتك بالناس يميناً وشمالاً لا ترقب فيهم إلا ولا ذمة. حينها نظر إليه الناس على أنه رجل يتحلى بصفات الشرف والنزاهة التي عز مثيلها بين السياسيين من معاصريه. (بالطبع لم ينل إعجاب جميع الإيرانيين بهذا الشكل، بل كان له منتقدون لم يؤيدوه في استراتيجياته الإقليمية).
لقد اصطف زعماء إيران خلف تركته، وتعهد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بالانتقام الشديد، وأكد على أن قتله سيضاعف من المقاومة ضد الولايات المتحدة وضد إسرائيل. وحتى رجل الدين المعتدل مهدي خروبي الثمانيني الموضوع بشكل دائم تحت الإقامة الجبرية هو الآخر أصدر بيان تعزية.
بعيدا عن هذه التظاهرة الرسمية المعبرة عن الوحدة والتضامن، صدرت الصحف بمختلف توجهاتها السياسية وقد سودت صفحاتها الأولى تعبيراً عن الحداد، ونشرت فيها صوراً للجنرال سليماني في جميع أحواله التي كان يظهر بها، من الزي العسكري الكامل بكل ما يزينه من أوسمة إلى السترة السوداء اللامعة. وحتى الصحف الأكثر ليبرالية خرجت بعناوين رثائية وبكائية مثل «الحزن لا يكاد يصدق».
كتب محمود دولت آبادي، أحد أبرز الروائيين المعاصرين والذي كثيراً ما تتعرض كتاباته للحجب والمصادرة قائلا: «ماذا عسى المرء أن يفعل وقد غُرزت الشوكة في القلب؟ هل هذا هو مصير جميع المرموقين من أبناء هذه الأرض، بغض النظر عن الفكر أو الانتماء؟» وقال عن الرجل: «لقد أنشأ سداً منيعاً في مواجهة تنظيم داعش المتعطش للدماء وأمن الحدود حتى يحول دون أن تحل بنا مصيبتهم».
قد خرج الإيرانيون من كل حدب وصوب ليرثوه، وذلك في مشاهد غير مسبوقة منذ جنازة آية الله روح الله الخميني نفسه. فاض ميدان أصفهان المركزي بالبشر، ذلك الميدان الذي يعود إلى القرن السابع عشر ويعتبر منبع التاريخ الفارسي، وفاضت كذلك جسور وشوارع الأهواز بالناس من جميع خلفيات المجتمع الإيراني.
يمكن القول إن رثاء الجنرال كان أول إجراء انتقامي تقوم به إيران، حيث استمرت الجنازة الرسمية الخارقة للعادة على مدى أربعة أيام، وفي بلدين لا في بلد واحد فقط. لقد أبرمت الجنازة المهولة توأمة بين بلدين عبرت الجماهير فيهما عن الحزن وعن السخط المشترك في آن واحد، بينما تحركت الجنازة عمداً عبر هلال من الذاكرة التاريخية الشيعية. كانت البداية في مدن العراق الجنوبية التي أصر صدام حسين على إبقائها خانعة متخلفة، مدن العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، ومن هناك إلى إقليم خوزستان الإيراني، والذي شهد أشد المعارك دموية أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وهنا خرجت الجماهير ذات الأصول العربية في حشود عزائية هاتفة باللغة العربية، وكان يقصد من شمولها في عملية الرثاء التعبير عن وحدة الهدف بغض النظر عن الانتماء الجغرافي والعرقي.
قبل ما يقرب من أربعين عاماً، بدأ الجنرال سليماني عمله في خنادق الحرب الإيرانية العراقية. تلك كانت الدراما التي شكلت الجمهورية الإسلامية، حيث كان معظم الإيرانيين يشيدون ببطولة مقاتليهم وقد أحسوا بأن بلدهم بات ضحية هجوم خارجي وأنه كان يتعرض للعزل والحصار. مازال الإيرانيون اليوم، ورغم أنهم سيتكبدون أيضاً أي تداعيات تنجم عن موته، يعانون حصارا اقتصادياً وتفرض عليهم العزلة وإن كانت شكلياً معطلة. ومازالت بلدهم تئن تحت وطأة العقوبات الأمريكية، التي شملت حرمانهم من الحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة وتسببت في شح الأدوية وارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي يبقى الأفق من أمامهم ضيقاً وينال من قدراتهم الكامنة. في هذه الأثناء، يجد الإيرانيون أنفسهم محشورين بين مطرقة نظام يشعر بشكل متزايد أنه لم يبق له ما يخسره وسندان الانتقام الشامل الذي تمارسه ضدهم الولايات المتحدة بلا هوادة، ولا عجب إذن أن تعيش إيران منذ عقود في حالة أشبه ما تكون باقتصاد الحرب.
أذكر حينما كنت طفلة، خلال سنوات الحرب مع العراق، أن أمي أخبرتني عن أقارب لنا داخل إيران تبرعوا بمجوهراتهم دعما للمجهود الحربي. هذه المرة، وفي مواجهة تغريدات الرئيس ترامب التي يهدد فيها بالهجوم على إيران وتدمير مواقع الإرث الحضاري فيها، لا أجدني بحاجة إلى إثارة موضوع الوحدة التي لا مفر من أن تتعزز في اليوم التالي. لقد اجتمعت الأمة لترثي فقيدها، ومازالت مجتمعة.

الرد والتأهب عنوان المنطقة

من جانبها نشرت صحيفة «روسكايا فيسنا» الروسية تقريرا تطرقت فيه إلى تعليق رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط في موسكو، يفغيني ستانوفسكي، بشأن اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على يد الجيش الأمريكي.
ونقلت الصحيفة، عن الخبير الروسي أن تصفية اللواء قاسم سليماني، المسؤول الرئيسي عن عمليات التوسع العسكري والسياسي الإيراني خارج البلاد، تعتبر خطوة غير محسوبة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومن شأن هذه الخطوة أن ترمي المنطقة في النار.
وأفادت الصحيفة بأن إيران يمكن أن تهاجم إسرائيل ردا على الخطوة الأمريكية، لاسيما أن الإيرانيين لطالما طمأنوا أنفسهم بالفكرة القائلة إن تحكم الصهاينة في الولايات المتحدة سيجعل الأمريكيين يخافون حين تتعرض إسرائيل لهجوم.
وعلى هذا الأساس، لدى إيران صواريخ في كل من لبنان وغزة جاهزة لمهاجمة إسرائيل، إلى جانب المسلحين. كما أن حزب الله اللبناني وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مستعدان لشن الحروب باسم إيران.
وأضافت الصحيفة أن الخيار الثاني قد يتضمن استهداف المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، وقد تليها الإمارات العربية المتحدة. ولكن الاحتمال الأخير غير مرجح، لأن ميناء دبي مهم لنقل البضائع الإيرانية، بينما من المرجح أن تتضرر صناعة النفط السعودية بشكل كبير، ما يعرض بدوره المصالح الأمريكية للخطر.
أما الاحتمال الثالث، فيشتمل على توجيه ضربة لمضيق باب المندب وهرمز، خاصة أن السفن التي تعبر هذه الطرق البحرية هي بالأساس سفن أمريكية. والاحتمال الأخير يشير إلى إمكانية استهداف الجيش الأمريكي (الذي أصبح الآن هدفا مشروعا لإيران) والمصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مكاتب الشركات والمصانع والبعثات الدبلوماسية.
وأوضحت الصحيفة أن سليماني لطالما حاول جعل سوريا جسرا لشن ضربة ضد إسرائيل، ناهيك عن أنه كان يتمتع بنفوذ كبير في سوريا وفي السياسة الخارجية الإيرانية. بناء على هذه المعطيات، من المتوقع أن يندلع صراع كبير في المستقبل في المنطقة، وقد تطرأ تغييرات كبيرة. ومن الممكن القول إن ترامب قام بحركته في المنطقة، والآن يجب انتظار الرد المتوقع، الذي لا يعلم أحد كنهه. ولكن في كل الحالات، بدأ العد التنازلي وانطلقت اللعبة.
ومن جهة أخرى، نشر موقع «إنسايد أوفر» الإيطالي تقريرا تطرق فيه إلى تداعيات مقتل سليماني، بعد أن استهدفته غارة أمريكية بالقرب من مطار بغداد. وفي الواقع، قد يؤدي هذا الحدث إلى مزيد اختلال التوازن الهش لمنطقة الشرق الأوسط، سيما أن طهران أعلنت استعدادها للرد.

الغارة الأمريكية

ذكر الموقع أن الغارة الأمريكية في الليلة الماضية نُفذت بأمر من ترامب وجاءت ردًا على الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية في بغداد. وأسفر هذا الهجوم عن مقتل قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، اللذين يعتبر كلاهما شخصيتان رئيسيتان في استراتيجية إيران للشرق الأوسط خاصة في العراق.
وقد أعلن القائم بأعمال وزارة الدفاع الأمريكية مارك إسبر عن نشر مئات الجنود لحماية المسؤولين الأمريكيين في الشرق الأوسط. كما تحدث رئيس البنتاغون نفسه عن اتخاذ «تدابير وقائية» ضد أي هجوم إيراني قد تكشف عنه المخابرات يستهدف الاستراتيجيات الأمريكية. لكن هجوم الليلة الماضية، تجاوز ذلك ليصل إلى مستوى جديد في الصدام بين إيران والولايات المتحدة.

الشرق الأوسط ينتظر مصيره

أشار الموقع إلى أن الانتقام لمقتل الجنرال سليماني يضع الشرق الأوسط بأسره في حالة تأهب، لاسيما أنه بإمكان الحرس الثوري وفيلق القدس استهداف القوات الأمريكية وحلفائها في المنطقة. وقد تصل المحاولات الانتقامية إلى سوريا ولبنان وإسرائيل، فضلاً عن التسبب في توتر الخليج الفارسي.
وأضاف الموقع أن المناورات المشتركة بين إيران وروسيا والصين قبالة خليج عمان، ونشر الآلاف من الجنود الأمريكيين في شبه الجزيرة العربية، دليل على أن عملية اغتيال سليماني لن تكون لها تداعيات على العراق فحسب. يمكن لشراراته أن تطال أفغانستان أيضًا، فضلاً عن تأجيج الوضع في اليمن أو الحرب في سوريا مرة أخرى.
إسرائيل في حالة تأهب

أوضح الموقع أن إسرائيل وضعت منذ فترة طويلة سليماني على رأس قائمة الخصوم الأكثر خطورة والأهداف المحتملة لجهاز المخابرات الخارجي. ومباشرة بعد هجوم بغداد، قال راديو الجيش الإسرائيلي إن الجيش في حالة تأهب قصوى، ورفعت وزارة الدفاع من مستوى التأهب للجيش المنتشر عبر الحدود وأغلقت جبل الشيخ على الفور أمام الزوار.

الخليج الفارسي وخطر الانفجار

أضاف الموقع أن جميع الوحدات الأمريكية في الخليج الفارسي تستعد للتحرك. كما أن الطائرات من دون طيار في طهران جاهزة لإطلاق الصواريخ متوسطة وطويلة المدى، ويخشى الكثيرون من هجوم انتقامي على الآبار السعودية على شاكلة الهجوم على حقول أرامكو.
ويعتقد الكثيرون أن الحرس الثوري الإيراني بإمكانه استهداف الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين. وسيعود مضيق هرمز إلى مركز الاهتمام العالمي بعد أيام قليلة من وصول وحدات من الأسطولين الروسي والصيني للقيام بمناورات مشتركة مع إيران في خليج عمان. إن هذا السيناريو ألقى بظلاله على أسعار النفط، بعد أن لوحظت أولى الزيادات الحادة في سعره في أعقاب مقتل سليماني.

فيلق القدس جاهز للتحرك

أورد الموقع أن الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني – التي يوحدها فيلق القدس- على استعداد للهجوم.
يمكن أن يبادر حزب الله بالهجوم أولا، وينطبق الأمر ذاته على الميليشيات الحوثية، ضد القواعد الأمريكية المنتشرة حول محيط الحدود الإيرانية، خاصة أنه للأجهزة السرية الإيرانية والحرس الثوري تفرعات في كل مكان. والآن، تدرك الولايات المتحدة أنه مع غارة بغداد، أصبح كل شيء موضع شك.
في سياق متصل، أورد موقع «مودرن دبلوماسي» الأمريكي أن الضربة الجوية التي استهدفت سليماني أثارت شكوكا حول مستقبل الوجود العسكري للقوات الأمريكية في العراق، بعد مرور 17 سنة على الإطاحة بنظام صدام حسين.
وجاءت هذه الضربة في الوقت الذي كان يطالب فيه المتظاهرون العراقيون حكومة بلادهم بالقيام بإصلاحات جذرية في النظام السياسي، ووضع حد للنفوذ الإيراني في البلاد، لتصبح مطالبهم، بعد هذه الحادثة، تتمحور حول ضرورة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد.
ونوه الموقع بأنه من المحتمل أن تعزز هذه الهجمات الجهود الرامية إلى مواجهة تحركات السعودية لتعزيز هيمنتها في العالم الإسلامي كقوة مالية، ومكانتها كوصي على المدينتين المقدستين، مكة والمدينة المنورة.
لكن دعم الجهود التي يبذلها حلفاؤها والدول التي تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على العلاقات التي تربطها بها، وأحيانًا وجود بعض العلاقات المعقدة بين الدول، بما في ذلك ماليزيا وتركيا وقطر، يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة لإدارة ترامب.
وأشار الموقع إلى أن هذه الجهود شملت المبادرتين المشتركتين اللتين توجتا الشهر الماضي بعقد قمة إسلامية في كوالالمبور خارج حدود منظمة التعاون الإسلامي، التي تتخذ من الرياض مقرا لها والتي تضم 57 دولة ذات أغلبية إسلامية.
في نهاية المطاف، تلاشت آمال القمة في تحدي السعودية، وذلك بمواجهة القضايا الكبرى التي تواجه العالم الإسلامي، وسعت بدلا من ذلك إلى مواجهة تأثير السعودية في الشرق الأوسط.
فضلا عن ذلك، تتنافس دول مثل السعودية، وحليفتها الإمارات، وتركيا وإيران مع بعضها البعض على الصعيد الدولي باستخدام القوة الدينية الناعمة، وذلك من خلال الاستثمار في بناء المساجد والمؤسسات الدينية في بلدان مثل كوبا ونيوزيلندا.
علاوة على ذلك، تتقاتل الدول المتنافسة أيضا على الصعيد الجيوسياسي في ليبيا، والتسابق على الغاز في شرق البحر المتوسط.
وذكر الموقع أنه من المحتمل أن يكون منتقدو السعودية من الأطراف المستفيدة من الهجمات العسكرية الأمريكية، التي اعتُبرت انتهاكا لسيادة العراق.
فقد سارعت كل من روسيا وإيران لإدانة هذه الهجمات في الوقت الذي التزمت فيه بقية الدول الصمت إلى حد الآن.
من جهة أخرى، تعتمد الميليشيات الموالية لإيران على حقيقة أن المنتمين إليها هم في الأصل مواطنون عراقيون تربطهم صلة وثيقة بالمؤسسة الأمنية العراقية، ومن المتوقع أن يقع استبعادهم من التحركات الرامية إلى سحب القوات الأجنبية التي تستهدف الولايات المتحدة بشكل أساسي.
من المتوقع أن تعتمد إدارة ترامب على القوة المالية السعودية والإماراتية لمنع الأزمة العراقية من إثارة موجة من المشاعر المعادية للولايات المتحدة في أماكن أخرى من العالم الإسلامي.
وقد تمكنت السعودية، بفضل سخائها، من إقناع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي يُعتقد أنه أحد الأطراف التي سعت إلى تنظيم قمة كوالالمبور، بعدم حضور الاجتماع المقرّر.
كما تفيد التقارير بأن السعودية هددت بسحب نحو 10 مليارات دولار أمريكي من الاستثمارات والمساعدات المالية لباكستان في حال مشاركة خان في هذه القمة.
ونوّه الموقع بأن الولايات المتحدة تخاطر بسمعتها وصورتها على الصعيد الدولي مثلما حصل عند اقتحام سفارتها في طهران سنة 1979.
ولكن هذه المرة، سيكون السبب في ذلك فقدانها لمصداقيتها بصرف النظر عما إذا كان ذلك بشكل متعمد أو نتيجة تقصير منها.


الكاتب : عبد السلام انويكًة* وكالات

  

بتاريخ : 13/01/2020