تطارد 200 مليار من أموالها المنهوبة

الجزائر تعيش عزلة اقتصادية وانحباسا سياسيا وإنتخابات الرئاسة رهن المجهول

يصر الشارع الجزائري على أن يكون لكل أسبوع جمعة، وكل جمعة بطعم ولون مغايرين لما سبقهما، حيث يستمر الحراك الذي أسقط الرئيس المتعب عبد العزيز بوتفليقة وحطم أحلام من معه في ولاية خامسة أتى الإصرار عليها على تكسير كل أدوات النظام والإخلال بناموسه، الذي استمر عشرات السنين، ظل العسكر الجزائري وباسم التحرير والشرعية الثورية وصيا على بلد ظل خارج امكاناته الطبيعية وخاصة ثروة الغاز والمحروقات، وعوض النمو والتطور بحصار سياسي عميق عزل البلاد عن محيطها الجيوسياسي، وبحث قسريا عن سبل رفض الاندماج المغاربي والسعي دون هوادة لتجزيء المنطقة رغم قرارات الثورة الحقيقية التي كانت مغاربية ووحدوية وحريصة على جماية الدول المغاربية.

جُمعات الجزائر الداعية إلى إسقاط كل من تسميهم بقايا النظام البائد لعبد العزيز بوتفليقة والدعوة إلى مرحلة انتقالية تواجه من قبل قيادة الجيش الوطني الداعية إلى انتخابات رئاسية في ظل الوضع الحالي حيث قال أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، إن كل الجهود يجب أن تركز على تنظيم الرئاسيات في أقرب وقت.
وجدد رئيس الأركان تمسكه بالحل الدستوري، كما يراه، معتبرا إياه الطريق الأمثل للخروج من الأزمة. وقال في هذا السياق “المرحلة التي تمر بها البلاد تتطلب التحلي بالحكمة والروية والتبصر” مضيفا “ترجيح الشرعية الدستورية تجنبنا المراحل الانتقالية الوخيمة العواقب”.
من جهة أخرى، قال المتحدث أيضا إن ”أطرافا تروج لمرحلة انتقالية خدمة لمصالحها الضيقة ومصالح أسيادها وسنكشف قريبا عن حقيقة أصحاب المراحل الانتقالية، لدينا معلومات مؤكدة حول تورط هذه الأطراف»، كما أثنى أحمد قايد صالح في الكلمة التوجيهية التي ألقاها خلال زيارته لوهران، الناحية العسكرية الثانية، على جهود لجنة الوساطة والحوار التي يقودها كريم يونس. وأضحت الزيارت للمناطق العسكرية منصات سياسية يطلق منها قايد صالح مواقفه السياسية وبشكل مبطن مواقف الجيش، القوة المنظمة الأكبر بعد سقوط باقي الأجهزة المخابراتية والأمنية وأحزاب الواجهة ومقربي بوتفليقة وضمنهم أخوه السعيد الموجود رهن الحجز.
ويعتبر قائد صالح رفقة الخيرين من أبناء الوطن «أن المطالب الأساسية قد تحققت وبشكل كامل، وبقيت مرحلة الانتخابات الرئاسية « وتابع صالح «ومع ذلك نسجل أن بعض المجموعات الصغيرة المرتبطة بالعصابة، تصر على رفض كل المبادرات المقدمة والنتائج المحققة، من خلال رفع شعارات مغرضة ونداءات مشبوهة، تستهدف التقليل من أهمية ما تحقق، والتشبث بمطالب غير معقولة تجاوزتها الأحداث والإنجازات».
وأشاد بعمل لجنة الحوار التي كلفها الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح إجراء مشاورات بشأن ترتيبات الانتخابات الرئاسية المرتقبة. وقال «إننا في الجيش الوطني الشعبي، نثمن جهود الهيئة الوطنية للوساطة والحوار في مسعاها النبيل، ونشجع مبادراتها الرامية إلى الإسراع في تنظيم جولات الحوار واتخاذ كل الإجراءات التي تؤدي إلى تحقيق الهدف المنشود» .
في جمعات الجزائر لم يعد الجيش لاعبا وحيدا بحيث تأتي الجمعات بمواقف رافضة لاتجاه قايد صالح وأضحت وسائل الإعلام لسان حال الشارع بعيدا من الأحزاب قريبا منها في الصيغ المتداولة وسط المطالبة بالمرحلة الانتقالية كحل وبديل، وقالت إحدى الافتتاحيات بجريدة الخبر الواسعة الانتشار حول من أسمتهم ببقايا السلطة: «وتفتقت عبقرية بقايا السلطة عن فكرة بعث لجنة للحوار مهمتها إنشاء جهاز وطني للتزوير يحل محل هذه الأحزاب وغيرها من أدوات تزوير الانتخابات. الفكرة هي تزوير الرأي العام بالدعوة إلى أن الشعب يريد انتخابات رئاسية بهذه المؤسسات غير الشرعية القائمة وبهذه الوجوه في الحكم الآن، وكأن البلاد لم تعرف ثورة شعبية تعدادها بالملايين يطالبون بحق الشعب في انتخابات حرة  ما يؤكد هذا القول هو أن لجنة الحوار تعمل كأنها حزب جديد وليست لجنة للحوار.. والطريقة التي تعمل بها تذكرنا باللجنة التي حضرت لانتخابات زروال.. اللجنة تستخدم مقرات للدولة وتستخدم الأموال من الدولة وتريد أن تفتح لها لجانا على مستوى البلديات والأحياء، أي تعميم الاستفادة من تعاونية هذه اللجنة.. وهذا معناه أن اللجنة هي حزب سياسي غير معلن ممول من طرف الدولة لدعم مرشح الدولة الذي سيظهر لاحقا.. وفي هذه دلالة على أن الأمر بدايته تزوير!»، واضافت الجريدة:
«ستشاهدون في الأيام القادمة صورا لتزوير إرادة الشعب لا قبل لكم بها، ستشاهدون عودة المسيرات العفوية بكاسكروط الكاشير تشرف عليها اللجنة لدعوة الشعب إلى المطالبة بانتخابات رئاسية، وهي عملية مفضوحة»، في السياق جدد محند واعمر بن حاج، الأمين العام بالنيابة للمنظمة الوطنية للمجاهدين، طلب المنظمة بسحب اسم جبهة التحرير الوطني و»دسترته» ليكون ملكا لكل الشعب الجزائري.
وبمناسبة تقديم التهاني بالعام الهجري الجديد، قال الأمين العام للمنظمة الوطنية «يتعين استحداث مادة دستورية تؤكد أن جبهة التحرير الوطني ملك لكل الجزائريين للحيلولة دون استغلال هذا الاسم من قبل أشخاص لتحقيق مآرب مشبوهة كما حدث سابقا».
هذا التصريح يعد تأكيدا لما قاله محند واعمر بن حاج منذ أيام على ضرورة إدخال اسم جبهة التحرير المتحف بعد أن أصبح يستغل من قبل أشخاص لتحقيق مصالحهم الشخصية، وهو ما جلب له انتقادات الأمين العام، ومعارضة الانتخابات في شكل مبطن من طرف نقابة القضاة التي اشترطت في مقترحها بخصوص القانون العضوي المتضمن السلطة العليا لتنظيم الانتخابات، على أعضائها والمنتمين إلى هياكلها، أن لا يكون واحد «ممن ثبت عنهم مناشدة رئيس الجمهورية المستقيل الترشح لعهدة رئاسية جديدة أو اتخذ موقفا صريحا ضد الحراك الشعبي». وطالبت النقابة في المقترح بأن يتمتع جميع أعضاء السلطة العليا بصفة الشرطة القضائية في ما يتعلق بمعاينة الجرائم الانتخابية». وأوضحت النقابة، في المقترح عممته على الاعلام «هذه الورقة تهدف إلى تقديم التصور العام للنقابة الوطنية للقضاة لعملية تنظيم الانتخابات في ظل الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد، والتي تقتضي رؤية مستبصرة يتم الانتقال بها من وضعية كان فيها تنظيم العملية الانتخابية يهدف إلى إضفاء الشرعية على النظام القائم وضمان استمراريته إلى وضعية جديدة». وترى النقابة أن «التنظيم الجديد يهدف من خلال تنظيم الانتخابات كمرحلة أولى، إلى إعادة السلطة للشعب وتكريس الانتقال الديمقراطي، ثم تجسيد هذه الديمقراطية عن طريق تنظيم انتخابات يسودها الحياد والنزاهة والمصداقية والشفافية. وفي سبيل ذلك، يضع السادة القضاة كل ما لديهم من خبرة قانونية وتجربة ميدانية في إدارة الاستحقاقات الانتخابية تحت تصرف الإرادة الشعبية». وضمن عرض أسباب المقترح، ذكرت نقابة القضاة أن»توفير النصوص القانونية الملائمة التي تتوافق مع معطيات المرحلة الخاصة التي تمر بها البلاد، والتي تمخضت عن الحراك الشعبي الذي يعتبر حاضنة الإرادة الشعبية، يشكل السند الرئيسي لتكريس الانتقال الديمقراطي المستند إلى الشرعية الشعبية».
وتنظر النقابة في مقترحها إلى أن «دور السلطة العليا المكلفة بتنظيم الانتخابات يظهر جليا كمتدخل محوري لضمان مبادئ نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، فيما تأتي مراجعة القوانين المنظمة للعملية الانتخابية كضرورة إنسانية يقتضيها التغير والتطور المجتمعي الطبيعي الذي يسير في فلكه المجتمع الجزائري». نهاية هيمنة الإدارة..  ويعهد هذا المشروع، حسب المقترح، إلى «السلطة العليا لتنظيم الانتخابات كافة الصلاحيات التي كانت تهيمن عليها الإدارة، وتتولى في هذا الشأن القيام بكافة العمليات ذات الصلة بالانتخابات بداية من استدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية الإعلان النهائي عن نتائج الانتخابات، وهي مسؤولة بذلك عن ضبط البطاقية الانتخابية الوطنية وتنظيم كل العمليات المتصلة بها، بالإضافة إلى التحكم في تأطير الحملة الانتخابية، والتحكم في الموارد المادية والبشرية أثناء سير العملية الانتخابية، والإعلان عن نتائج الانتخابات».
ويتوزع مشروع القانون إلى 34 مادة ضمن 7 فصول، تتعلق بتعريف الهيئة وضوابطها في الفصل الأول، فيما الثاني يخص رئيس السلطة العليا للانتخابات، والثالث فيه إحاطة بالمكتب الوطني للسلطة ومهامه، والرابع يفصل في تركيبة المجلس الوطني للانتخابات، والخامس مخصص للأجهزة الإقليمية للسلطة، والسادس يختص بالأحكام المالية والفصل السابع والأخير موجه للأحكام الخاصة والجزائية. وتشير المادة 3 إلى تولي «السلطة العليا القيام بجميع العمليات المرتبطة بتنظيم الانتخابات وإدارتها والإشراف عليها وفقا لنظام الانتخابات، وتلتزم بضمان صحة العملية الانتخابية في إطار مبادئ الشفافية والنزاهة والمساواة والحياد». وتلزم المادة 4 «جميع السلطات العمومية بتقديم جميع أنواع الدعم بشكل مباشر إلى السلطة العليا من خلال تسخير الموارد المادية والبشرية التي يتطلبها عمل السلطة، وذلك ضمن اختصاصاتها والمسؤوليات المناطة بها، بما فيها تزويدها بأي وثائق أو معلومات تراها لازمة. وتحاط السلطة العليا بكافة التدابير الأمنية المتعلقة بالعملية الانتخابية المتخذة من طرف الجهات المختصة». تأدية القسم والحماية من أي تهديد.. أما المجلس الوطني للانتخابات فيتشكل من 162 عضوا، يعينون لمدة 3 سنوات غير قابلة للتجديد، يتم تعيينهم بمرسوم رئاسي.
الوضع السياسي مرتبط طبيعيا بالوضع الاقتصادي حيث سجلت عدة مؤسسات دولية ومحلية في الجزائر أن الأخيرة تعيش أزمة حقيقية وأن اختلال التوازنات المالية للبلاد وتراجع الاحتياطات النقدية مع انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، إضافة إلى العزلة الاقتصادية التي دخلتها منذ إطلاق العدالة الجزائرية حملة «الأيادي النظيفة» بدعوة من المؤسسة العسكرية تفاقم هذه الأزمة. ولعل أبرز المؤشرات التي تؤكد بوضوح صعوبة الوضع المالي والاقتصادي الذي تمر به البلاد حاليًّا، الأرقام الخطيرة التي كشفها البنك المركزي الجزائري، وأظهرت تراجعًا كبيرًا في الاحتياطات النقدية مع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وحسب التقرير الذي نقلته «وكالة الأنباء الجزائرية»، فإن الانخفاضات السنوية لاحتياطات الصرف تعكس ارتفاع النفقات الداخلية لمجموع العناصر الفعالة الاقتصادية عن الدخل الوطني، وفي مذكرة رسمية نشرها بموقعه على الإنترنت كشف بنك الجزائر المركزي أن احتياطات العملة الأجنبية انخفضت إلى نحو 79.9 مليار دولار بنهاية العام الماضي مقابل نحو 97.3 مليار دولار قبل عام، وأرجع البنك المركزي، في مذكرته الظرفية، أسباب هذا التراجع إلى عجز الرصيد الكلي لميزان المدفوعات بسبب تأثير التثمين السلبي بنحو 1.73 مليار دولار، المرتبط بانخفاض قيمة اليورو أمام الدولار في الفترة الممتدة بين ديسمبر من العام 2017 وديسمبر 2018. وحسب التقرير الذي نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، فإن الانخفاضات السنوية لاحتياطات الصرف، تعكس ارتفاع النفقات الداخلية لمجموع العناصر الفعالة الاقتصادية عن الدخل الوطني، بمعنى ارتفاع الواردات مقارنة بالصادرات، رغم القرار الذي اتخذته الحكومات المتعاقبة في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة المتعلق بكبح الاستيراد. وما زاد الطين بلة هو العزلة الدبلوماسية التي دخلت فيها الجزائر منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 من فبراير الماضي، بعدما كانت قبلة لكبار الزعماء في العالم، فمنذ بداية الأزمة السياسية تقلص عدد زيارات الوفود الأجنبية إلى البلاد، فلم يتجاوز عدد الذين وطئت أقدامهم الجزائر أصابع اليد الواحدة، وهم كل من وزير خارجية دولة سيراليون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج وقبله نائبه أحمد معيتيق.
هذا الوضع دفع قائد المؤسسة العسكرية الفريق أحمد قايد صالح إلى الخروج عن صمته، وطمأن في آخر خطاب ألقاه من مدينة بشار أقصى جنوبي البلاد، الأربعاء الماضي، شركاء الجزائر الاقتصاديين بقوله: «مؤسسات الدولة حافظت على مكانتها لدى الشركاء الأجانب»، مضيفًا «لا مكان للأزمة الاقتصادية بعد تحرر الجزائر من العصابة والمفسدين»، مؤكدًا أن عجلة التنمية في البلاد تسير بوتيرة أسرع وبأهداف أسمى، ولا مكان لأزمة اقتصادية ولا لغيرها بعد تحرر الجزائر من العصابة والفساد والمفسدين ومنتهكي الأمانة.
هذا واتصلت عدة سفارات بوزارة الخارجية الجزائرية للاستفسار عن الوضع الاستثماري في الجزائر بعد إيداع رجال أعمال جزائريين الحبس المؤقت بتهم فساد مدوية، على غرار السفارة الألمانية التي طلبت حسب تقارير إعلامية محلية تقريرًا مفصلاً عن مصير استثماراتها بعد إيداع شريكها المحلي في مصنع تجميع سيارات «فولكس فاغن» مراد عولمي السجن يوم 17 من يونيو الماضي في ملف فساد. وليست ألمانيا وحدها من استفسرت عن وضع مشاريعها بل حتى كوريا واليابان وفرنسا المنزعجة من تغير موازين القوى في البلاد وسقوط النظام السابق وإيطاليا المتخوفة كثيرًا من فتح قضايا الفساد في قطاع النفط، ولعل أبرز قضية فساد تفجرت خلال حكم الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة قضية «سايبام» التي جرت 19 مسؤولاً جزائريًا إلى أروقة العدالة الجزائرية بتهم تشكيل عصابة والاستيلاء على أموال عامة وتبييض أموال وفساد في إطار إسناد الصفقات لشركات أجنبية بما ينافي التشريعات. ولسوء حظ الجزائر شهد سعر خام البرنت تراجعًا حادًا وصل إلى حدود 62 دولارًا للبرميل الواحد بعد أن تجاوز حاجز حدود 70 دولارًا في الفترة الماضية، إضافة إلى تراجع كميات المحروقات المصدرة التي شهدت انخفاضًا كبيرًا خلال السداسيين المواليين، حيث انخفضت من 96.54 مليون طن نفط المكافئ في أول سداسي 2017، إلى 27.53 مليون طن مكافئ في السداسي الثاني من نفس السنة، وإلى 15.52 مليون طن مطافئ في السداسي الأول من سنة 2018، وكشف البنك المركزي الجزائري أن وتيرة الانخفاض تسارعت لتصل إلى 7.47 مليون وهو انخفاض بنسبة 5.8% مقارنة بالسداسي الأول من السنة .
ورقة أخرى يلعبها العسكر الجزائري وهي مطاردة ساحرات نهب المال العام والتي قدرتها مصادر ب 200 مليار دولار، مع تسجيل صعوبة استردادها ومطالبة البعض باتباع الطريقة السعودية، حيث تم حبس رجال أعمال مشتبه بهم والتفاوض معهم لاسترجاع أموال منهم وعقارات وأسهم وغيرها بشكل تفاوضي منذ تنحي الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة من الحكم في 2 أبريل الماضي تحت ضغط الحراك الشعبي، وأصدر القضاء أوامر حبس أودع بموجبها رجال أعمال ومسؤولين سياسيين السجن بتهم الفساد وتبديد أموال عمومية قدرها اقتصاديون بمئتي مليار دولار خلال فترة حكم بوتفليقة. وبدأت حملة مكافحة الفساد وإيداع رجال الأعمال في الجزائر السجن برئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد بتهمة التزوير واستعمال التزوير وتقديم معلومات كاذبة، ويستمر التحقيق معه في قضايا فساد. ثم أودع الحبس بعده يسعد ربراب أغنى رجل في الجزائر، للاشتباه في تورطه في التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وشبهة تضخيم الفواتير. والتحق بهما في سجن الحراش الإخوة كونيناف بتهمة إبرام صفقات عمومية مع الدولة دون الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية، وتحويل عقارات وامتيازات عن مقصدها الامتيازي واستغلال النفوذ. وقبل أسبوع أودع الحبس رجل الأعمال محيي الدين طحكوت وأفراد من عائلته برفقة 45 آخرين -بينهم وزراء ومسؤولون نافذون- بتهم الفساد وتبييض أموال وتبديدها واستغلال النفوذ. كما استقبل سجن الحراش -الذي أصبح مأوى للأغنياء أول أمس الاثنين- مدير «مجمع سوفاك» لتركيب السيارات رجل الأعمال مراد عولمي بتهم تتعلق بقضايا فساد. ويبدو أن القائمة لن تتوقف هنا، حيث يحقق الدرك الوطني مع رجال أعمال آخرين في ملفات فساد.
لم تتوقف مكافحة الفساد عند رجال الأعمال فقط، بل تلاهم إيداع مسؤولين سياسيين من «الوزن الثقيل» السجن، آخرهم الوزيران الأولان السابقان عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، بالإضافة إلى وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس ومسؤولين آخرين. ووجهت لهؤلاء تهم «تبديد أموال عمومية ومنح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية والعقود، وإساءة استغلال الوظيفة، وتعارض المصالح». في حين وضع القضاء وزراء آخرين تحت نظام الرقابة القضائية -آخرهم وزير النقل السابق عمار تو ووزير المالية السابق كريم جودي- بتهم «تبديد أموال عمومية، وإساءة استغلال الوظيفة، وتعارض المصالح».
بخصوص مطالب الجزائريين باستعادة الأموال المنهوبة، قال وزير العدل سليمان براهمي إن القانون «سيطبق على الجميع من دون حياد ولا استثناء». وأوضح براهمي خلال مراسم إشرافه على تنصيب عبد الرشيد طبي رئيسا أول للمحكمة العليا خلفا لسليمان بودي أن «التحقيقات في جرائم الفساد ستطول، لأن الجرائم الاقتصادية متعلقة بالصفقات العمومية والمبالغ المالية الضخمة التي نهبت من الخزينة العمومية». ويرى القاضي السابق والمحامي عبد الله هبول أن الآليات القانونية لاسترجاع الأموال المنهوبة موجودة.
وقال هبول للجزيرة -نت إن «قانون الوقاية من الفساد ومكافحته يسمح في خضم التحقيق بحجز أو تجميد الأموال والعائدات غير المشروعة عن هذه الجرائم كإجراء تحفظي، وبعد صدور قرار الإدانة يمكن مصادرة هذه الأموال والعائدات».
بالنسبة لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة خارج الوطن، يقول نقيب المحامين الجزائريين عبد المجيد سيليني إن «الاتفاقيات الدولية تساعد، ولكن لا بد على الدول الأخرى غير الآمنة مثل الإمارات وهونغ كونغ أن تقبل بالتعامل مع هذه الاتفاقيات، أما على المستوى الأوروبي فالأمر أسهل».ويتوقع علوان أن تمتد مدة استرجاع الأموال إلى 10 سنوات، لأن الجزائر لا تملك الخبرة الطويلة والأدوات الفعالة لمعالجة مثل هذه القضايا الاقتصادية، بالإضافة إلى أن تفعيل الاتفاقيات الدولية لا يتم إلا بعد صدور الحكم النهائي.
وكحل لتسريع وتيرة استرجاع الأموال المنهوبة يقترح الخبير الاقتصادي علوان آلية التفاوض المباشر مع رجال الأعمال والمسؤولين الموجودين رهن الحبس المؤقت بسجن الحراش، والإمضاء على بروتوكول اتفاق لتحويل الأموال التي يصعب استرجاعها قانونيا إلى استثمارات محلية، والاقتداء بالتجربة الروسية التي نفذها الرئيس بوتين. واعتبر المتحدث أن هذا الحل ممكن جدا شريطة أن تتم معالجته حالة بحالة، وأن تأخذ العدالة هذا المعطى -أي تعاون الفاسدين- بعين الاعتبار أثناء التحقيق مع المسؤولين السابقين في عهد بوتفليقة
تبقى الجزائر عالقة في انتقالها الديموقراطي إلى حين تسوية ملفات كبيرة وشائكة متشابكة محليا وإقليميا ودوليا، في ظل اقتصاد ينحو نحو الأسفل، ووجود مجتمع أغلبيته خارج الدورة الطبيعية للإنتاج، ويحتاج مزيدا من الإمكانيات المالية ونسبة نمو اقتصادي للحفاظ على وحدة البلاد وتماسك دولتها، في الوقت الذي يسعى العسكر إلى إعادة رسم نفس الخارطة بوجوه تختلف تسمياتها عن حقبة بوتفليقة ولكن تشبهها من حيث المنطلقات والأهداف والمصالح .


الكاتب : محمد الطالبي - وكالات

  

بتاريخ : 04/09/2019