ثلاثة أسئلة …الأستاذ عبد الجليل القريتي لـ الاتحاد الاشتراكي …. التربية على المواطنة قضية مجتمعية ….

– اختارت وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي انطلاق الموسم الدراسي الجديد تحت شعار « مدرسة المواطنة « ما هي في تقديركم دلالة هذا الشعار ؟

– في تقديري الشخصي أن اختيار وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني و التعليم العالي والبحث العلمي لشعار «مدرسة المواطنة» كمدخل لإعطاء انطلاقة الموسم الدراسي الحالي2018/2019 يحمل أكثر من دلالة فهو من جهة أولى تنفيذ للتوجيهات الملكية لجلالة الملك الذي سبق و أن أكد في رسالته السامية بمناسبة الندوة الوطنية حول المدرسة و السلوك المدني المنظمة في ماي 2007 على» أن التربية على السلوك المدني لابد و أن تجد امتدادها الطبيعي والعلمي في العلاقات و الفضاءات التربوية، سواء داخل الفصول الدراسية أو في المحيط المباشر للمؤسسات التعليمية، حيث يتعين أن تشكل الحياة المدرسية و الجامعية مثالا حيا للسلوك المواطن المسؤول، و نموذجا لاحترام النظام والقانون، و تجسيدا للممارسة الديمقراطية و فضاء لتنمية الأنشطة الثقافية و الرياضية والإبداعية».
و أيضا يندرج هذا الشعار « المدرسة المواطنة « في إطار تفعيل مقتضيات دستور 2011 التي تؤكد:«إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.» و في نفس السياق ، فإن هذا الشعار هو ترجمة فعلية من أجل تنزيل الرافعة الثامنة عشر من الرؤية الاستراتيجية « و المتعلقة بترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية والمساواة» .
و المناسبة شرط دعني أؤكد لكم هو أن شعار المدرسة المواطنة هو ثمرة لمجهود كبير عكفت عليه المديرية المكلفة بالحياة المدرسية التي شهدت و منذ السنة الماضية عدد من اللقاءات الوطنية والجهوية والإقليمية لتحسيس مختلف الفاعلين التربويين والجمعويين بأهمية الانخراط في مشروع مدرسة المواطنة من خلال فتح نقاش تربوي يسائل الجميع كل من موقع مسؤوليته للبحث عن الآليات القمينة بجعل الفضاء التعليمي فضاء للمواطنة يستجيب للأفق المجتمعي الذي يرى في المدرسة المغربية الفضاء الأمثل لاكتساب القيم التي تحدد معالم شخصية المتعلم الحالية والمستقبلية بالنظر للدور المهم الذي تلعبه في التنشئة الاجتماعية، وقدرتها على تثمين المواطنة و ترجمتها لسلوكات وممارسات و أعمال ذات دلالات ينبغي على النشء التشبع بها منذ التحاقهم بالمؤسسة التربوية التي تعد المسؤولة عن صياغة الرموز في الأذهان على حد تعبير «بيير بورديو».

– و ما هي ، في تقديركم أستاذ ، الطرائق البيداغوجية المساعدة لبناء مدرسة المواطنة في البيئة التعليمية المغربية؟
– من المؤكد أن هناك العديد من الطرائق البيداغوجية والعلمية التي يمكن أن تيسر بناء مدرسة المواطنة في ظل البيئة التعلمية المغربية بالإكراهات الموضوعية التي تعانيها ، و لكن بنقط الضوء القوية كذلك التي تميزها ، فالسؤال البيداغوجي في علاقته بمدرسة بتعدد رهاناته تحديات كبيرة ، لكن دعني أقدم من موقع تجربتي المهنية و انشغالي بالأسئلة الكبرى و المؤرقة لمنظومة التربية و التكوين بعض الاقتراحات العملية المساعدة على بناء المدرسة المواطنة ، من ذلك مثلا ضرورة إعادة الاعتبار لمدخلي التربية على القيم والتربية على الاختيار كأحد ركائز المنهاج الدراسي المغربي مع يتطلب ذلك من تحيين دائم للمضامين القيمية وخاصة المرتبطة بالتربية على المواطنة والتربية الإسلامية .. من جانب آخر ينبغي الاهتمام بالتكوين المستمر لمختلف الفاعلين في الحقل التربوي الأمر يقتضي التعاقد حول مرجعيات موحدة …تفعيل شعار يتطلب الاهتمام بأنشطة الحياة المدرسية وذلك بتخصيص حيز زمني قار لأنشطتها تدرج ضمن الزمن المدرسي يكلف بها أستاذ مكون ومؤهل وفق برنامج محكم حتى نخرج من منطق العمل الموسمي الاحتفالي إلى العمل المؤسساتي ، و هذا يقتضي بكل موضوعية التخفيف من زمن التعلمات الذي يثقل كاهل المتعلم ولا يمنحه الفرصة لممارسة أنشطة الحياة المدرسية علما أن المنظومة التربوية تتوفر على كفاءات كبيرة تعج بها المؤسسات التعليمية آن الآوان لتشجيعها و تحفيزها ..
‌و لمأسسة أنشطة الحياة المدرسية لابد من وضع آليات لتتبع تنفيذ برامج أنشطة الحياة المدرسة في مختلف المؤسسات التعليمية..لذلك فالمطلوب اليوم إعادة الاعتبار لأنشطة الحياة المدرسية لأنها هي المشتل الطبيعي لقيم المواطنة لذلك ينبغي أن يكون تكوين الفاعلين التربويين في هذا الإطار ضمن الهندسة البيداغوجية لمراكز التكوين مستقبلا ..

– في نظركم كيف ستساهم مدرسة المواطنة في تعزيز المشروع القيمي المجتمعي و تكوين جيل جديد يؤمن بقيم العيش المشترك ؟
– أعتقد شخصيا أن المدرسة المغربية بأطرها التربوية والإدارية قادرة اليوم وغدا على تحمل مسؤوليتها في خلق جيل مفعم بحقوق الإنسان يؤمن بالمواطنة في بعدها الوطني و الكوني ، وذلك من خلال تفعيل مضامين وقيم المنهاج الدراسي المغربي عامة والمنهاج المنقح خاصة ، لذلك فإن الفصل الدراسي ينبغي أن يكون فضاء إنسانيا بامتياز .. فيه يتعلم المتعلم قيم إعمال العقل والإيمان بالحق و التسامح و الكرامة و الاحترام و التعدد و الاختلاف و كل القيم الإنسانية الرفيعة .. ولكنني لا أخفيكم سرا إذا قلنا أن الرهان على المدرسة لوحدها لتعزيز المشروع القيمي المجتمعي و تكوين جيل جديد يؤمن بقيم العيش المشترك في زمن يشهد فيه العالم تحولات كبرى و متسارعة لها ثأتيرها الكبير على المنظومة القيمية ، هذا الرهان قد يكون أكبر من تتحمله المدرسة لوحدها . ويدفعنا من موقع المسؤولية كفاعلين تربويين لطرح أكثر من تساؤل حول مدى انخراط باقي الفاعلين والشركاء السياسيين والاقتصاديين و الجمعويين والإعلاميين في هذا الورش الكبير ،لذلك فقد آن الأوان ليتحمل الجميع مسؤوليته ويتقاسم مع الوزارة عبئ الإصلاح برهاناته المتعددة .. لأن التربية على المواطنة في نهاية المطاف قضية مجتمعية لا يمكن أن تنهض إلا على قاعدة المسؤولية المشتركة والمصير المشترك والعمل الدؤوب الممتد في الزمان والمكان، وهذا رهين بإرادة تجديد التعاقد المجتمعي قوامه دولة الحق والقانون و تكريس ثقافة الحق و الواجب فالمدرسة انعكاس طبيعي للمجتمع كلاهما يتفاعلان ، متى تناغما تصالحا ومتى اختلفا تنافرا.


بتاريخ : 11/10/2018