«حزب وول ستريت» يمول الصراع الطبقي دون توقف

 

ظل حزب وول ستريت مسيطرًا لفترة طويلة جدًا بلا منافسة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سيطر الحزب على سياسات الرؤساء لأربعة عقود على الأقل إن لم يكن أكثر بغض النظر عن كونهم موالين للحزب من عدمه!!
كما أُفسِد الكونجرس بشكل قانوني باعتماده على تبعية مجموعة من السياسيين في كل الأحزاب السياسية فقط بما يحوزون من قوة المال، وكذا قدرتهم على الولوج إلى التيارات الإعلامية التي يسيطرون عليها.
وبفضل التعيينات التي أجريت وتمت الموافقة عليها من قِبِل الرؤساء والكونجرس أصبح الحزب مسيطرًا على الكثير من أجهزة الولاية؛ بالإضافة إلى سيطرته على السلطة القضائية وخصوصًا المحكمة العليا وأحكامها الانحيازية بما تناله من فوائد الرشاوي المالية في المجالات المتنوعة مثل الانتخابات، العمالة، البيئة، قوانين التعاقد.
علينا أن ندرك أن مبدأ حزب وول ستريت العالمي الأوحد: «أن التحديات الخطيرة لا تستطيع الوقوف أمام قوة المال المطلقة لتمنعها من الحكم المطلق»، وأن هذه القوة يجب أن تُمارس بهدف واحد:
«هؤلاء الذين يملكون قوة المال لن يكونوا فقط متميزين بتراكم ثرواتهم اللانهائية؛ بل بأحقيتهم في وراثة الأرض و ليس فقط باستخدام وسائل مباشرة أو غير مباشرة للسيطرة عليها وعلى كل مصادرها وطاقتها الإنتاجية، ولكن أيضًا بافتراض قيادة مطلقة على العمالة والإمكانات الإبداعية للآخرين. أما بقية البشرية فتبدو كما لو كانت معروضة للبيع».
وهذه المبادئ والممارسات لم تنشأ من الجشع الفردي أو قصر النظر أو الموروثات (المخلفات) المجردة- بالرغم من توافر كل هذا في تلك المبادئ بكثرة- إنما أيضًا لأن هذه المبادئ أصبحت محفورة بالكيان السياسي في عالمنا من قِبِل الإرادة الجمعية للطبقة الرأسمالية التي تحرك القوانين القسرية للمنافسة.
«إذا موّلَت جماعة الضغط الخاص بي أقل مما موّلَت أنت جماعتك، إذًا فسأحوز أنا على أفضليات أقل».
«إذا موّلَت السلطة القضائية رغبات الشعب، إذًا ستعتبر خارج المنافسة».
إن الكثير من الأشخاص المهذبين يخوضون في بناء نظام متعفن العمق، فبالرغم من حصولهم على دخل معقول إلا أنهم لا يملكون أي فرص عمل سوى إعطاء الشيطان مبرراته «فهم فقط يطيعون الأوامر» كما ادّعى إيخمان «القيام بما يأمر به النظام».أو كما يوصف الأمر الآن بــ بربرية وول ستريت و ممارساتها اللأخلاقية.
إن القوانين القسرية للمنافسة تجبرنا جميعًا بدرجة ما على طاعة قوانين هذا النظام القاسي الغير مبالي.
فالمشكلة منهجية وليست فردية.
إن دعم الحزب لشعارات الحرية لضمان حقوق كل من الملكية الخاصة، السوق الحرة، التجارة الحرة ما هي إلا ترجمة لاستغلال عمالة الآخرين بحرية وبيع أصول عامة الشعب عند الحاجة؛ ونهب ثروات البيئة لصالح فوائد فردية أو جماعية بمجرد السيطرة على أجهزة الدولة.
إن حزب وول ستريت عادة ما يخصخص كل «الفُتَات الغضّة» بأقل من قيمة السوق لإتاحة سبل جديدة لتراكم رؤوس أموالهم، حيث يقومون بترتيب تعاقدات من الباطن «الصناعات الحربية المعقدة على سبيل المثال»، وممارسات فرق الضرائب «المنحصرة في تجارة متفق عليها وتحصيل الضرائب من رؤوس المال المنخفضة»، مما يخولهم حرية نهب خزائن الشعب.
فهم يتبَنون وعن عمد مثل هذه القواعد التنظيمية المعقدة، وكذا عدم الكفاءة الإدارية المذهلة المستشرية بين بقية أجهزة الدولة.
دعونا لا ننسى وكالة حماية البيئة في عهد «ريجان»، والوكالة الفيدرالية «براون في عهد بوش» لإقناع الشعب المتشكك بطبعه أن الدولة لا يمكنها أبدًا لعِب دور بنّاء أو مساند لتحسين ظروف الحياة اليومية، أو الآفاق المستقبلية لأي فرد.
وأخيرًا، فإن العنف الاحتكاري الذي تطالب كل الدول ذات السيادة باستعماله يستبعد الجماهير من أغلب ما يُمْنَح لهم من مساحة عامة (للتعبير وحرية الرأي) و يقوم بمضايقتهم ومراقبتهم وإن لَزَم الأمر تجريم وسجن كل من لا يرضخ لاملاءاتهم.
إنهم يتفوقون في ممارسة التسامح القمعي الذي يكرس لوهم حرية التعبير؛ طالما أن هذا التعبير لا يكشف وبلا مواربة الطبيعة الحقيقية لأجهزتهم القمعية التي يقوم عليها مشروعهم.
إن حزب وول ستريت يمول الصراع الطبقيي بلا توقف.
«بالطبع هناك صراع طبقي»، كما يقول وارين بافيت «إنها الطبقة التي أنتمي إليها، طبقة الأغنياء التي تقوم بتفعيل الصراع لصالحنا».
وأغلب هذه الصراعات تُمَوّل في الخفاء، وراء سلسلة من الأقنعة والمشوشات التي من خلفها تتشكل أهداف حزب وول ستريت.
إن الحزب يعلم جيدًا أنه عندما تتحول الأسئلة السياسية والاقتصادية العميقة إلى مسألة ثقافية فإنها تصبح بلا إجابة.
إنهم باستمرار يروجون وعلى نطاق واسع لآراء (الخبراء) الآسرة؛ التي يوظف الجزء الأكبر منها في نطاق الأوعية الفكرية والجامعات التي يقومون بتمويلها ليتشكل لديهم مفكرين ومعتنقين لتلك الآراء التي تتناثر في وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها؛ لخلق الخلافات بكل الطرق بشأن مواضيع غير مهمة ببساطة؛ ولاقتراح حلول لأسئلة غير موجودة.
ففي لحظة لا يتحدثون سوى عن الزامية التقشف لكل الأفراد لعلاج العجز، وفي اللحظة التالية يقترحون إقلال الضرائب الخاصة بهم بغض النظر عن تأثير هذا على العجز.
الشيء الوحيد الذي لا يمكن خوض نقاش مفتوح فيه، هو الطبيعة الحقيقية للصراع الطبقي الذي يمولونه هم بلا توقف وبلا رحمة.
إننا كي نصف شيئًا مثل «الصراع الطبقي» في المناخ السياسي الحالي وفي ظل حكمهم المطلق، أو حتى لمجرد وضعه محلّ دراسة جادة وإن كانت باهتة- يُوصَف من يقترح هذا بالأحمق؛ وإن لم يكن بالمُحرِض.
ولكن! الآن وللمرة الأولى تواجدت حركة صريحة لمواجهة حزب وول ستريت وقوته المالية المحظورة الاقتراب .
إن «الشارع» في وول ستريت أصبح مشغولًا- ياللهول رعب فوق رعب- بآخرين!!
المنتشرون من مدينة لأخرى، حركة «احتلوا وول ستريت» و التي كان من استراتيجياتها أخذ مساحات مركزية عامة، حديقة، ميدان بالقرب من مقاليد السلطة المركزية عن طريق وضع الأجساد البشرية في تلك الأماكن لتحويلها إلى مشاعات سياسية وأماكن للنقاشات المفتوحة للجدال بشأن ما تفعله السطات وكيفية معارضة سلطتها بأحسن الطرق.
هذه الاستراتيجيات عُرِضَت بوضوح في الصراع النبيل والمستمر في ميدان التحرير بالقاهرة، وقد انتشر في كل العالم «بورتا دي سول بمدريد»، «ميدان سنتجما بأثينا»، «كاتدرائية القديس بولس بلندن» و «وول ستريت» نفسه.
إن هذا يثبت لنا أن قوة الأجساد المجتمعة في الأماكن لا تزال أكثر الأدوات فاعلية في المعارضة عندما تُسَّد كل الطرق الأخرى للوصول.
ما أظهره ميدان التحرير للعالم كان حقيقة واضحة:
إن هذه الأجساد في الشوارع و ليست ثرثرات الفيسبوك وتويتر العاطفية هي التي تُهِم.
إن غرض الحركة في الولايات المتحدة بسيط. حيث تقول: «نحن الشعب مصممون على استرجاع لبلادنا من السلطات المالية التي تديرها حاليًا. غرضنا هو إثبات أن (وارين بافيت) على خطأ. إن طبقة الأغنياء لن يحكموا دون نزاع أو يرثون الأرض تلقائيًا بعد الآن، ولن يكون الفوز حليفًا لطبقتهم ومقدرًا لهم دائمًا».
كما تقول:
«نحن تسع وتسعون بالمائة أغلبية وهذه الأغلبية تستطيع و يجب و سوف تسود.
بما أن كل قنوات التعبير مغلقة أمامنا بسيطرة المال، فإننا لا نملك أي خيار سوى شغل حدائق وميادين وشوارع بلادنا؛ حتى يُسْمع رأينا ويُعتنى باحتياجاتنا».
لكي ننجح؛ هذه الحركة يجب أن تصل لأكثر من تسع وتسعون بالمائة و هذا ما نفعله بالفعل خطوة بخطوة.
بداية. يوجد هؤلاء الذين سقطوا ضحايا بؤسهم بسبب البطالة؛ و كل هؤلاء من تم أو يتم تجريدهم من منازلهم والاستيلاء على أصول ممتلكاتهم من قِبِل كتيبة وول ستريت.
الحركة يجب أن تُشَكِل تحالفات عريضة بين الطلاب، المهاجرين، العمالة الناقصة، كل من هددته السياسات التقشفية شديدة القسوة وغير الضرورية بالمرة التي تلحق بالأمة والعالم تحت وصاية حزب وول ستريت.
يجب أن تزيد الحركة من تركيزها على مستويات الاستغلال المذهلة في أماكن العمل من عمال المنازل المهاجرين الذين يتم استغلال منازلهم بلا رحمة من قِبِل الأغنياء؛ عمال المطاعم الذين يصبحون عبيدًا للاشيء في مطابخ المؤسسات التي يأكل بها الأغنياء.
يجب أن نجمع معًا العمال المبدعين والفنانين الذين غالبًا ما تُحول مواهبهم إلى منتجات تجارية تحت سيطرة قوة المال الكبيرة.
فالحركة يجب قبل كل شيء أن تصل إلى المنفور منهم، والمستاءين، والمنقطعين وكل من يدركون ويشعرون بداخلهم أن هناك خطًا عميقًا و أن النظام الذي وضعه حزب وول ستريت ليس فقط بربريًا غير أخلاقي!
بل أيضًا محطم ومكسور.
كل هذا يجب أن يتم تجميعه بديمقراطية إلى معارضة متماسكة؛ ويجب على هذه المعارضة أن تفكر بحرية لتحديد ملامح مستقبل مدينة بديلة، نظام حكم بديل، وفي نهاية المطاف طريقة بديلة لتنظيم الإنتاج، التوزيع، الاستهلاك لخدمة الشعب.
وبخلاف ذلك فإن مستقبل للشباب يسير إلى مديونية خاصة و تعميق لسياسة التقشف العام فقط لإفادة الواحد بالمئة المتبقية ليس بمستقبل على الإطلاق.
وفي خضم الاستجابة لحركة احتلوا وول ستريت؛ فإن الولاية المدعمة من قِبِل القوى الطبقية الرأسمالية تقوم بادّعاء مذهل:
«إنهم هم! و هم فقط من لهم الحق الحصري لتنظيم أو التخلص من المساحات العامة»!
وإن العامّة ليس لهم الحق المشترك في المساحات العامَة!!
بأي حقّ يخبرنا المحافظون، رؤساء الشرطة، ضباط الجيش، مسؤولو الولاية ! نحن الشعب!
أن لهم الحق في تحديد ما هو عام في مساحاتنا (العامَة)، و من له الحق في شغل هذه المساحات ومتى؟!
ومتى فرضوا أن يطردونا نحن الشعب من أي مساحة نقرر جماعيًا و سلميًا أن نشغلها.
إنهم يدّعون قيامهم باتخاذ إجراءات لصالح الشعب (ويسّنون القوانين لإثبات هذا).
إنما نحن هو الشعب! أين هو (صالحنا في كل هذا)؟ وبالمناسبة أليس هذا (مالنا) الذي تستخدمه البنوك ومموليها بشكل صارخ لتراكم (مكاسبهم)؟!
إن هذه الحركة الناشئة في وجه القوة المنظمة لحزب وول ستريت للحكم والسيطرة؛ يجب أيضًا أن تتخذ واحدًا من المبادئ المؤسسة لها؛ بأن لا تنقسم أو يتحول مسارها حتى يعود حزب وول ستريت إلى رشده.
-لرؤية أن الصالح العام يجب أن ينتصر على فوائد المرتشين الصغيرة- أو ليركع حزب وول ستريت!
إن الامتيازات الفاسدة التي تُمْنَح كحقوق للأفراد بلا مسئوليات تجاه المواطنين الحقيقين يجب أن تردع.
إن الصالح العام بما فيه من خدمات تعليمية ورعاية صحية يجب أن يقدم للشعب ويجب أن يكون متاحًا بالمجان.
إن السلطة الاحتكارية للإعلام يجب أن تُدَمَّر، كما إن شراء الانتخابات يجب أن يُحْكم غير دستوريًا، وكذا فإن خصخصة المعرفة والحضارة يجب أن تُمنْع.
إن حرية الاستغلال وسلب الآخرين يجب أن يتم كبحها بشِّدة وأن تُحْظَر في نهاية المطاف.
إن الأمريكيين يؤمنون بالمساواة، كما تشير بيانات الاقتراع إلى أنهم يؤمنون (بغض النظر عن رأيهم السياسي العام) أن عشرين بالمئة من تعداد السكان مسّوغ لهم الحصول على ثلاثون بالمائة من الثروة الكلية ولكن سيطرتهم الآن على خمس وثمانون بالمئة منها غير مقبولة.
وإن أغلب الثروة التي يتحكم فيها واحد بالمائة أمر غير مقبول على الإطلاق.
فما تعرضه حركة احتلوا وول ستريت هو أننا نحن شعب الولايات المتحدة الأمريكية مُلزمين بتصحيح هذا المستوى من اللامساواة عكسيا- ليس فقط من ناحية الثروة و الدخل ولكن الأكثر أهمية هو ناحية القوى السياسية فهذا التفاوت يتكاثر ويُتداول.
إن شعب الولايات المتحدة فخور بديمقراطيته ولكنها دائمًا مهددة من قِبِل فساد سلطة العاصمة والآن بما أنها مُهَيْمَن عليها من قِبِل هذه السلطات فالوقت قريب، وكما اقترح “جيفرسون” من مدة طويلة بضرورة إقامة ثورة أمريكية أخرى:
«تستند إلى العدالة الاجتماعية، المساواة، و مقاربة مدروسة بعناية للعلاقة بالطبيعة».
إن الصراع الذي اندلع- ما بين الشعب و حزب وول ستريت حاسم و مصيري بالنسبة لمستقبلنا جميعًا.
إنه صراع عالمي، طالما أنه يجلب معًا..
-الطلاب المعتقلين في صراع حياة أو موت مع السلطة السياسية في «تشيللي» لخلق نظام تعليم مجاني على قدر من الجودة للجميع، وهكذا يبدأ تفكيك النموذج الليبرالي الجديد الذي فرضه «بينوشيه» بوحشية.
– كما أنه يعانق المحرضين والمحركين في ميدان التحرير، الذين يدركون أن سقوط مبارك (مثل نهاية ديكتاتورية بينوشيه) ليس إلا خطوة أولى في الصراع التحرري للتخلص من سلطة المال.
– إنه يتضمن انديجاندونس بأسبانيا، العمال المضربين باليونان، المعارضة المقاتلة التي تنشأ في كل أنحاء العالم من لندن إلى دربن، بيونس ايريس، شنتشن، بومباي.
إن السيطرة القاسية لسلطة العاصمة و قوة المال المطلقة في كل مكان في حالة دفاع.
فأي جهة كل منا كأفراد سيتم الانحياز لها؟! أي شارع سنشغله؟!
الوقت فقط كفيل بإخبارنا، لكن ما نعرفه حقًا هو أن الوقت الآن، النظام ليس فقط محطمًا ومكشوفًا؛ بل غير قادر على القيام بأي استجابة سوى القمع.
إذًا فنحن الشعب ليس لنا خيار سوى الصراع من أجل الحق الجماعي لنقرر كيف سيتم إعادة بناء النظام، وفي صورة من؟؟
إن حزب وول ستريت نال أيامه وفشل فشلًا مزريًا.
إن إعادة بناء بديل على أطلاله هو فرصة و أيضًا التزام لا مفر منه.
لا أحد منا يريد أو سوف يريد تجنبه.


الكاتب : دافيد هارفي ترجمة: سوزان عواد

  

بتاريخ : 17/07/2019