«حنظلة والموازين المختلة»: في البحث عن الهوية

«حنظلة والموازين المختلة» هو العنوان الذي اختاره الشاعر والمسرحي الدكتور «محمد فراح» لكتابـه الجديد، الصادر أواخر سنة 2017، في طبعته الأولى عن منشورات : «Edition Plus»
الإصدار عبارة عن عمل مسرحي سبق وقدم في عدة عروض من طرف مجموعة من الجمعيات والفرق المسرحية، بعناوين مختلفة، «سنمار والنار والحصار» ثم «عالم بلا ضوابط» كما أشار إلى ذلك الكاتب نفسه في ملاحظة بالصفحة رقم 4.
بغلاف الكتـاب وأسفل العنوان مباشرة خط الدكتور «محمد فراح» عبارة «احتفال مسرحي»، وبذلك يصنف كتابه ويوجه القارئ إلى نوع المنتوج الأدبي والفني الذي بين يديه ..
احتفال مسرحي يعني الانتماء إلى تيار الاحتفالية، التي أسسها ونظر لها رائدها الدكتور «عبد الكريم برشيد» «وهي نظرية درامية وفلسفية تعتبر المسرح حفلا واحتفالا وتواصلا شعبيا ووجدانيا بين الذوات، وحفرا في الذاكرة الشعبية وانفتاحا على التراث الإنساني، ومن أهدافها تقديم فرجة احتفالية قوامها المتعة والفائدة عبر تكسير الجدار الرابع الذي يفصل الممثلين المحتفلين عن الجمهــور المحتفــل بــدوره …»
ومنظر الاحتفالية ورائدها حاضر أيضا بكتابة تقديم لهذا الإصدار تحت عنوان «محمد فراح والكتابة المسرحية الاحتفالية»، والممتد من الصفحة 5 إلى الصفحة 12 «هو الشاعر والأستاذ، والممثل المسرحي والجمعوي النشيط، وهو السيناريست الذي كتب فيلم الورطة لمصطفى الخياط، وهو الكاتب المسرحي والمثقف العضوي، اسم كبير في عالم المسرح المغربي الحديث، شاعر مسرحي كبير من الزمن الجميل، زمن العطاء والسخاء بغير حساب ..»
هكذا دشن الدكتور «عبد الكريم برشيد» تقديمه للدكتور «محمد فراح» إلى القارئ، ثم واصل النبش في مسيرته الفنية قبل الوصول إلى بيت القصيد، وهو العمل المسرحي الذي بين أيدينا «حنظلة والموازين المختلة»، حيث أشار أن هذا الاحتفال القديم الجديد، يواصل عبره مؤلفه كتابة مسرحية مغربية عربية جديدة وجادة، فيها شيء من المونطاج السينمائي وشيء من الكولاج التشكيلي، وفيها وشيء من المقال الصحفي، وشيء من التنظير الفكري، وفيها شيء من الرسم الكاريكاتوري ..
نكتفي بهذا القدر مما جاء في التقديم الذي خص به الدكتور «عبد الكريم برشيد» هذا الإصدار الجديد لرفيق دربه طيلة أربعة عقود الدكتور «محمد فراح» علما بأن هذا التقديم الثري بمفرده يحتاج لأكثر من دراسة.
وشخصيا تذكرت بهذا الصدد ما يفعله بنا الملحن العبقري ونحن نستمع إلى إحدى روائعه، إذ يسافر ويتنقل بنا من مقام إلى مقام آخر مختلف ومغاير بكل يسر وسلاسة، دون أن نصاب بتصدع في آداننا وأدمغتنا، وهو بالتحديد ما سيحصل لكل قارئ لهذا التقديم الباذخ، الممتد عبر ثمان صفحات إذ سيجد نفسه قد دخل عوالم حنظلة دونما حاجة لتوقف ولو قصير ..
احتفـال « حنظلة والموازين المختلة « يتكون من ثمانية أنفاس، لكل نفس عنوان، ففي الأول المعنون ب : «ارفعوا الستار لنمثل» ودلالة العنوان واضحة، كما يتبين في الصفحــة 17 علــى لســان الشخصيــة ألــف :
– لا .. لا تقيموا لكلامهم وزنا، إنهم يتآمرون علينا، لأنهم لا يريدوننا أن نجتمع، ففي اجتماعنا الشيء الكثير .. خذوا أماكنكم أعزكم الله ودعونا نجرب أنفسنا .. دعونا نمثل، نعم لم لا نمثل ؟
وفي هذا النفس نقترب من شخصية بريتاليوس المهددة إمبراطوريته بالسقوط، والذي لا يملك غير الحب للحفاظ عليها وإنقاذها من العدو المتربص بها ..
« لن تسقط أمبراطوريتي، ولن يسقط بريتاليوس، لأن بريتاليوس عندي هو الحب لكل الناس، وإذا سقط بريتاليوس سقط الحب .. من أحب الناس لا يسقط .. « هكذا خاطب بريتاليوس ملازمه دليوس في النفس الأول دائما ..
وفي النفس الثاني المعنون ب «الطبل يغني والكل يغني»، نلتقي شخصيات أخرى، أسماؤها ليست غريبة علينا، لأنها تنتمي لتراثنا الإنساني ..
النعمان، الغلام/ دعد ومجموعة من السعاة، إنها شخصيات وإن كانت تنتمي لحقبة زمنية بعيدة، أو هي فقط من وحي خيال فناني ومبدعي تلك الحقب الزمنية البعيدة، فإن سلوكياتها والصراعات الدرامية فيما بينها، تتقارب مع سلوكيات إنسان هذا العصر، والصراعات الإنسانية هي هي وإن تبدلت الأزمنة ..
وبالعودة إلى الاحتفال المسرحي الذي هو قيد الدرس والاحتفاء، فإن بطله الرئيسي سيطل بداية من النفس الثالث، الذي اختار له الدكتور «محمد فراح» عنوانا هاما ودالا هو أيضا «كنت الباحث وكنت القضية»
وفي مستهل هذا النفس يقدم حنظلة نفسه للجمهور على طريقته الخاصة «
« أنا المغدور به في واضحة النهار والناس قيام على أرجلهم ينظرون .. لا تسألوني عن هويتي .. أنا لست ككل الأشخاص لقد أتلفت هويتي، فقدتها في خضم الأعاصير والأنواء، فأخذت مني الأعاصير ذاك الذي تبحثون عنه، أنا مثلكم في حاجة إلى تحديد هويتي، أريد بطاقة هوية تماما كالتي تحملون .. آه ما أخجلني، أليس خجلا حين يسأل المرء عن هويته فلا يعرف عنها إلا ما يعرف عن العتقاء والعدم، انا لا اعرف شيئا عن هويتي …»
بلغة سلسة شاعرية ومسرحية في الوقت نفسه، سنتتبع مسار حنظلة وهو يبحث عن هويته، في خضم ذلك سيعيش مغامرات لا تخطر على البال، وسيلتقي شخصيات نعرفها بالأسماء والألقاب، وهي إن كانت تنتهي لزمن مضى فإنها تشبهنا كثيرا، تشبهنا في كل شيء، وحده الزمن تغير ..
أحنظلة كائن أم غير كائن تلك هي المسألة ؟ وبتعبير آخر : هل سيعثر حنظلة على هويته ؟ أم أنه سيعود من رحلة البحث عنها بخفي حنين ؟
على وقع هذه الأسئلة بعلامات استفهامها أقترب من وضع نقطة نهاية لهذه الورقة العاشقة، وسميتها كذلك لأنني قرأت المسرحية أكثر من مرة وسافرت عبر أنفاسها الثمانية، واستمتعت ووجدتني مشاركا في طقوسها الاحتفالية ..
ومن لم يأخذ بعد كتاب «حنظلة والموازين المختلة» بيمينه ما عليه إلاالإسراع لذلك، فالمعرفة مضمونة والمتعة متحققة كذلك، ومن خبر جيدا الشاعر المرموق والمسرحي المحنك والأكاديمي المتخصص الدكتور «محمد فراح» يعرف أنني لست بصدد رمي الورود مجاملة، فكل ما خطه قلمي ونطق به لساني نابع من خالص قلبي، وكل من أصغى واستمع إلي بقلبه أيضا، سيدرك لا محالة صدق ما عنيته وقصدته ..
هامش:

قدمت هذه الورقـة/ الشهـادة ضمن حفل تقديم وتوقيع مسرحية «حنظلة والموازين المختلة»، الذي أشرفـت على تنظيمه جمعية ورشة للتربية والثقافة والفن، احتفالا منها باليـوم العالمي للمسرح، بتاريخ :24 مارس 2018 بفضـاء الشبـاب اسباتـة،


الكاتب : عبد الحق السلموتي

  

بتاريخ : 15/09/2018