رحيل الأستاذ ومربي الأجيال عبد الله حارص .. النضال في الدم والروح والوجدان

حين كان يدخل الى القاعة بثانوية عقبة بن نافع بالحي المحمدي ذات عام، لم نكن نستقبله كأستاذ محترم فحسب، بل كان يخطو بهدوء كصديق عزيز.. صديق تعلمنا منه أسرار النصوص الأدبية ودُررها التي تنمو في العمق، من نثر وقافية وبلاغة وعروض.“ إنه صاحب منهجية الشجرة، كما كان يحلو لنا تسميتها.. رزين في هدوئه، وهادئ في رزانته.“ كبير في تواضعه“ العالي، يحترم آراء التلاميذ ولو كانت معاكسة لما يخالج قناعته..
لا“ لم تكن تهمه النقط بقدر اهتمامه بالإفادة والتحصيل والدرس والاستفادة.. وليس بكلام مجاملة إن قلنا محبوبا كان من طرف الجميع، حتى أولئك التلاميذ الذين كانوا يحجون، عن عمد وبحب كبير، من أقسام أخرى للحضور معنا داخل قاعة مملوءة عن آخرها“ بالعقول المستكشفة والباحثة عن المعرفة..
في تلك القاعة الغاصة، يعم الاطمئنان لطرح الأسئلة كيفما كانت. «ليست هناك أسئلة ساذجة أو غبية»، يقول؛“ فكل الاسئلة والتساؤلات جديرة بالطرح مع الاستاذ عبد الله حارص“ وعلى الدنيا السلام، يحثنا على البحث. فشهادة الباكالوريا ليست نهاية العالم، بل بداية التفكير في مستقبل مشرق“.
يقترح علينا أستاذنا حارص مشاهدة هذا الفيلم أو ذاك، في هذه القاعة أو تلك.. يدفعنا إلى مشاهدة الاعمال والمسرحية حينئذ نناقشها كأصدقاء.. ومن تلك المساحة التي صنعها لنا استطاع العديد منا أن يكتشف علامات الطريق، وأن يشق منفذا إلى الحياة الجديرة بالعيش..
يشهد شهود من أهل القسم بأنه منحنا الجمال وحب الجمال، بدون عقدة أو ادعاء.. ترك لنا اسما راسخا في المسار، وموشوما في الذاكرة، والحق يقال..
فخورين كنا حين نشاهد أستاذنا العزيز في برنامج الوقت الثالث على شاشة قناة واحدة، في ذلك الحين.. وفخورين أكثر حين كان يجمعنا يوم الجمعة، في كل شهر بدار الشباب بالحي المحمدي.. يحضر التلاميذ والطلبة وبعض الاساتذة والمعلمين داخل قاعة مملوءة بحب الاطلاع والرغبة في النقاش والمناقشة“. يقدم الاستاذ محاضرته والحضور انتباه.. فلنناقش عائد إلى حيفا» لغسان كنفاني، ونسبح بعد ذلك في بحار المهدي عامل وحسين مروة وعبد الله العروي والجابري وما أطول اللائحة.. قد نبقى أحيانا إلى أن يجن الليل دون أن يفقد السي عبد الله هدوءه. وكل هذا، يا ناس، بالمجان والتضحية.. ونكران الذات“. فهو، يا ناس، مناضل بالدم والروح والوجدان.. إنه العمل التطوعي بقوة الإيمان“.
وبعد ذلك أبلى البلاء الحسن في العمل الجمعوي، كما يشهد بذلك العباد..
رحيلك خسارة يا أستاذ، فهل نبكيك أم نبكي أنفسنا على هذا الفقدان.. نم هنيئا مريئا، فنحن لن ننساك.


الكاتب : حسن نرايس

  

بتاريخ : 13/02/2018