سفير المملكة العربية السعودية بالرباط عبد العزيز بن محيي الدين خوجة لـ: المغرب دولة فاعلة في الساحة الدولية والإقليمية وله دور واضح، سواء على المستويات الثنائية أوالمتعددة الأطراف

في حوار مفصل حول منطقة الشرق الأوسط، أجريناه مع سفير المملكة العربية السعودية بالرباط، قال السيد محيي الدين خوجة إن الخيار العسكري لحل الأزمة السورية لم يجلب لسوريا سوى الدمار والخراب في هذه الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات، ولعل كلفتها العالية على كل الأصعدة الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تؤكد أن الحل العسكري مهما كانت نتائجه في الأخير، لن يجدي إلا في تعميق أزمة هذا البلد، الذي استباح أرواح شعبه، نظام دموي، وتكالبت عليه الأطماع الخارجية التي انتهكت سيادته. وأضاف سفير السعودية لدى الرباط أن الخيار العسكري يزيد في كل يوم يمر من مأساة الشعب السوري المثخن بالجراح، والذي تعرض الملايين منه لجحيم القتل والدمار باستخدام أكثر أنواع السلاح فتكا وبالأسلحة الكيماوية ضد العزل والنساء والأطفال الأبرياء، حيث عانى السوريون ما لا يطاق من ويلات التشرد وعذاب التعرض للإذلال وانتهاك الكرامة الإنسانية، بعد أن جردتهم الحرب من أبسط حقوقهم كمواطنين وكبشر يفترسهم الخوف والمرض والجوع ويقض مضاجعهم غياب الأمن وعدم الاستقرار. وأضاف السيد عبد العزيز محيي الدين خوجة أن موقع الحوثيين لا يحتاج إلى عناء لإدراك أبعاده، فهم قوة غاشمة تشكل عصابة تمردت على النظام الشرعي المنتخب في اليمن، ولجأت إلى الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، ورفضت كل المساعي الخيرة داخلياً وخارجياً للتفاوض من أجل العودة إلى جادة الصواب، ومازالت تتمادى في غيّها، وتتقوى بالدعم السياسي والمادي والعسكري غير المحدود من إيران. أما عن قوتهم العسكرية، فهم لا يشكلون سوى نسبةٍ صغيرة من الشعب اليمني المغلوب على أمره والمظلوم من عدوان هذه الشرذمة المتمردة، التي تريد أن تتسلط على مقدراته بقوة الحديد والنار. وهم يخوضون حرباً بالوكالة ضد المملكة التي تقود التحالف العربي من أجل استعادة الشرعية في هذا البلد الشقيق، كما أنهم يقتلون أبناء وطنهم، في حرب يخطط لها في طهران، وتمول من خزائن إيران.

n السيد السفير مرحبا بك في حوار لجريدة الاتحادالاشتراكي اليومية، نريد أن ندشنه بقراءتكم للوضع العام في الشرق الأوسط بعد سبع سنوات
مما يسمى الربيع العربي؟
pp أعتقد أن ما حدث قبل سبع سنوات في عدد من الدول العربية، ضمن ما اصطلح عليه بالربيع العربي، قد أسفر عن واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط هيمنت عليه معطيات خطيرة كادت أن تتحول إلى فوضى عارمة وشاملة تعصف باستقرار المنطقة. وحقيقة الأمر أن هناك بعض القوى والجهات الأجنبية التي استغلت ما حدث لتمرير أجنداتها السياسية التي ليس من الضروري أن تكون في صالح المنطقة، بقدر ما هي حماية لمصالح تلك الجهات، واستغلال لهذا الواقع الجديد من أجل فرض تغييرات سياسية جذرية، تدفعنا نتائجها الراهنة إلى إعادة النظر في العديد من المفاهيم والمسلمات التي برزت مع صعود موجة ما يسمى الربيع العربي.

n في هذا الصدد السيد السفير تبدو السعودية كدولة قوية في المنطقة مطوقة بالضعف في دول أخرى، فالعراق يئن وسوريا انهارت، واليمن تمكن الإرهاب من مفاصله، ناهيك عن فلسطين التي تجتر أزمة وطن وقضية، زد على ذلك أوضاع اقتصادية في دول محيطة، مما يشكل سؤالا عريضا للدولة السعودية في خرائط التعامل مع هذا الوضع
كتحد يواجه المنطقة والعالم؟
pp إن المملكة العربية السعودية وعلى امتداد تاريخها السياسي المعاصر كانت ومازالت تتعامل مع الأوضاع في المنطقة والعالم، من منطلقات سياسية واضحة قوامها مبادئ ثابتة وأعراف راسخة والتزامات محددة لا مجال فيها للانتهازية والأهواء. وبناءً على ذلك فإن نظرة المملكة للأوضاع الحالية التي تشكل تحدياً يواجه المنطقة والعالم، لا تنفصل عن سياق التوجهات العامة لسياستها الخارجية القائمة على التفاهم والاحترام مع الدول الصديقة، وعلى التضامن مع الدول العربية الشقيقة والحرص على التنسيق معها من أجل حماية المنطقة من التدخلات الخارجية، ومواجهة كل الأطماع الهادفة للنيل من سيادة دولها والتدخل في شؤونها الداخلية وتهديد أمنها واستقرارها والعبث بحرية واستقلال شعوبها.

n طيب أستاذ، بالعودة إلى سنوات خلت تم الاعلان عن مجلس التعاون الخليجي والمتكون من ست دول عربية، وذلك في العاصمة السعودية الرياض، وبحسب النظام الأساسي للمجلس فإنه يهدف إلى «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها» ومن بين ذلك تعزيز التعاون الاقتصادي المشترك. ومع توالي السنوات أحرز المجلس بعض التقدم في لم الشتات الاقتصادي الخليجي، بلغة النفط وأرقام البورصة، وقالت قراءات إن حجم القوة الاقتصادية لدوله لم تنعكس بالشكل المطلوب في تداعياته على المنطقة، لكن التحولات التي وقعت أعادت الكثير من الأمور إلى نقطة الصفر، والسؤال ما مآل مجلس التعاون الخليجي اليوم خصوصا بعد الأزمة مع قطر؟
pp إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد أصبح حقيقةً تجسد طموحات شعوب المنطقة في التنسيق السياسي والأمني والتكامل الاقتصادي، وكل ما يجمع هذه الدول من قواسم مشتركة اجتماعياً وثقافياً وتاريخياً وحضارياً. وقد قطع المجلس أشواطاً بعيدة في وضع اللبنات الأساسية لهذا البنيان الذي يطمح إلى أن يتبلور إلى وحدةٍ شاملة تذوب فيها الفوارق والحدود، وصولاً إلى قيام كيان خليجي موحدٍ وقويٍ. وقد أدرك قادة دول المجلس منذ زمنٍ بعيد أن المستقبل في عالم اليوم هو للتكتلات السياسية والاقتصادية القوية، حيث سعوا إلى تحقيق ذلك من خلال القمم الخليجية المتواصلة التي وضعت الهياكل التنظيمية والأسس التطبيقية لتطوير التعاون في مختلف المجالات بين دول المجلس، مما ساهم في تحقيق العديد من الإنجازات الملموسة. ولعل أزمة العلاقات مع قطر لن تستمر إلى ما لا نهاية، فلابد أن تعود قطر إلى رشدها ولا بد أن ترجع إلى حضنها الطبيعي، وعندها يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي لديها ما يكفي من العزم والإرادة لمواصلة مسيرة المجلس من أجل استمرار الأمن والاستقرار في المنطقة وضمان تقدمها وتحقيق الرفاهية والنماء لشعوبها.

n إيران، والمنطقة تفرض التساؤل حول تطلعاتها، وحول موقعها الجغرافي الذي يستحضر أفق الوضع القائم، الذي وإن كان يجتر تاريخا فهو يتوجه بهذا التاريخ نحو تعقيدات تسائل دقة المرحلة وتحدياتها، والسؤال إلى أين تتوجه الأزمة من منظور الدولة السعودية؟
pp إن هذا السؤال يجب توجيهه إلى إيران وإلى قادتها لأنها هي التي افتعلت الأزمات في المنطقة، وهي التي أذكت فيها التوتر وخلقت حالة من العداء مع العديد من الدول، وذلك بانتهاكها لكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، من خلال عدم احترامها لسياسة حسن الجوار، ومحاولاتها المتواصلة للتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وسعيها لانتهاك سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها واستقلال قرارها السياسي، إضافةً إلى سعيها الحثيث لاستغلال الدين من أجل إحداث فتنة طائفية ومذهبية بغيضة للتفريق بين الشعوب في هذه الدول.
لقد أكدت التجارب أن إيران لا تحترم تعهداتها السياسية، وتسعى بشتى السبل إلى ممارسة سياسة الهيمنة والاستعلاء في المنطقة، سواء بشكل مباشر أو عبر بيادقها من التنظيمات المتطرفة. والآن وبعد أن كشفت إيران عن كل أوراقها في العداء للمملكة، فإن السعودية لن تلدغ من إيران مجدداً، وهذا ما أكده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع– يحفظه لله –الذي أوضح بشكل صريح أنه لا توجد أي نقاط التقاء أو توافق بين الرياض وطهران، خاصةً وأن إيران تستهدف قيادة العالم الإسلامي ولا تجد سبيلاً لذلك في وجود المملكة.

n من هذا المنطلق اشتدت الأزمة في بؤر التوتر سوريا والعراق واليمن، وبدا الخيط الرابط في مجموعات أعلنت ولاءها لإيران من منطلق طائفي ديني، اثني، لم يزد المنطقة إلا اشتعالا، من أين منبع هذه التعقيدات، هل من الفكر أم الدين أم توظيف الدين في بناء مشاريع اجتماعية، تخدم الأجندات السياسية، تجر تاريخا مستعملا بالفعل والقوة ضد مصالح الإنسان نفسه واستهتارا بأمنه الروحي؟
pp إن سؤالك يحمل في طياته الإجابة الواضحة والمباشرة عن منبع هذه التعقيدات، إذ أن ما يحدث في سوريا والعراق واليمن، يجعلنا نقول دون مواربةٍ فتش عن إيران.

n ما موقع الحوثيين في هذا الصدد، وهل يشكلون قوة عسكرية أم حربا بالوكالة ضد الدولة السعودية؟
pp موقع الحوثيين لا يحتاج إلى كثير عناء لإدراك أبعاده. فهم قوة غاشمة تشكل عصابة تمردت على النظام الشرعي المنتخب في اليمن، ولجأت إلى الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، ورفضت كل المساعي الخيرة داخلياً وخارجياً للتفاوض من أجل العودة إلى جادة الصواب، ومازالت تتمادى في غيّها، وتتقوى بالدعم السياسي والمادي والعسكري غير المحدود من إيران. أما عن قوتهم العسكرية، فهم لا يشكلون سوى نسبةٍ صغيرة من الشعب اليمني المغلوب على أمره والمظلوم من عدوان هذه الشرذمة المتمردة، التي تريد أن تتسلط على مقدراته بقوة الحديد والنار. وكما ورد في سؤالك فلا شك أنهم يخوضون حرباً بالوكالة ضد المملكة التي تقود التحالف العربي من أجل استعادة الشرعية في هذا البلد الشقيق، كما أنهم يقتلون أبناء وطنهم، في حرب يخطط لها في طهران، وتمول من خزائن إيران.

n طيب لنعد بكم إلى المنطقة والتدخلات الروسية الأمريكية، في تدبير النزاعات وحلها عسكريا،
أقصد تحديدا سوريا؟
pp إن الخيار العسكري لحل الأزمة السورية، لم يجلب لسوريا سوى الدمار والخراب في هذه الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات، ولعل كلفتها العالية على كل الأصعدة الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تؤكد أن الحل العسكري مهما كانت نتائجه في الأخير، لن يجدي إلا في تعميق أزمة هذا البلد، الذي استباح أرواح شعبه، نظام دموي، وتكالبت عليه الأطماع الخارجية التي انتهكت سيادته. كما أن الخيار العسكري يزيد في كل يوم يمر من مأساة الشعب السوري المثخن بالجراح، والذي تعرض الملايين منه لجحيم القتل والدمار باستخدام أكثر أنواع السلاح فتكا، وبالأسلحة الكيماوية ضد العزل والنساء والأطفال الأبرياء، حيث عانى السوريون ما لا يطاق من ويلات التشرد وعذاب التعرض للإذلال وانتهاك الكرامة الإنسانية، بعد أن جردتهم الحرب من أبسط حقوقهم كمواطنين وكبشر يفترسهم الخوف والمرض والجوع ويقض مضاجعهم غياب الأمن وعدم الاستقرار.

n أمام تواري أمتنا العربية في الحديث عن دور اقتصادي لها في المنطقة العربية وشمال إفريقيا، ظهرت خطوط اقتصادية وتكتلات، في بدايتها خط طريق الحرير بقيادة الصين وروسيا، ماهي قراءتكم لذلك السيد السفير من موقعكم كدولة هامة في انتاج النفط؟
pp لا جدال في أنه من حق كل الدول في العالم أن تبحث عن مستقبل أفضل وعن ما يناسبها من مخططات سياسية واقتصادية، وأن تدافع عن مصالحها الوطنية بدون انتهاك حقوق الدول الأخرى، وذلك في إطار الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية التي تنادي باحترام سيادة كل دولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. كما أن من حق الجميع البحث عن بدائل عالمية للنفط. والمملكة تؤمن بهذه التوجهات وتعمل على وضع لبنات مستقبلية لاقتصادها من خلال رؤية (2030) تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وبقيادة صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع– يحفظهما لله –. وهذه الرؤية تؤمن بأن الاعتماد على النفط كداعم أساسي لاقتصاد المملكة، ليس خياراً استراتيجياً سليماً. ولذا فإن رؤية (2030) اقترحت البدائل للتقليل من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة. والكل يدرك أن المستقبل هو للطاقات المتجددة والنظيفة. وهذا ما دفع المملكة للتعاقد مؤخراً من أجل إقامة أكبر مشروع من نوعه في العالم للطاقة الشمسية بالمملكة.

n الكل يتحدث اليوم عن تحولات كبرى في المجتمع السعودي، في وضع التعليم والمرأة ومحاربة الفساد، وتدبير الشأن الديني والمدني والسياسي، وهي تحولات فتحت فيها السعودية الباب أمام الرأي العام الوطني والدولي،
ماهي مرجعية هذه التحولات؟
pp إن المرجعية الوحيدة لهذه التحولات الكبرى في المجتمع السعودي، هي مرجعية ترتكز على المفاهيم الإسلامية الحقيقية التي تمثل الإسلام السمح والوسطي والمعتدل، مثلما هي مرجعية النظرة الاستراتيجية الواعية لقيادة المملكة، التي تطمح إلى إحداث تغييرات عميقة في واقع المملكة تجعلها قادرة على مجابهة التحديات المستقبلية. فالمملكة تسابق الزمن من أجل تطبيق رؤية (2030) التي تعمل على منح الاقتصاد السعودي أبعاداً جديدة لمزيد من القوة والتطور وتنويع مصادر الدخل، وذلك تحسباً لمرحلة ما بعد النفط. ولمواكبة هذه الطفرة الاقتصادية لابد من إجراء تغييرات فكرية واجتماعية وثقافية عميقة تفتح الأبواب أمام جميع أبناء المملكة من أجل المشاركة الفاعلة في بناء وطنهم. وهذا يتطلب بالتأكيد التحرر من كل قيود التشدد والتطرف و«التابوهات» التي ليس لها أي مرجعية دينية أو أخلاقية، مما جعلها تشكل كوابح أمام المواطن السعودي التواق لأن يكون إنساناً فاعلاً في وطنه ومتفاعلاً مع ما حوله في العالم ،ومساهماً حقيقيا في مسيرة التطور الإنساني. ولتحقيق كل هذا لابد من أن ينطلق أي تغيير من مرجعية وطنية داخلية تستند إلى قيم ديننا الحنيف وإلى تراثنا وموروثاتنا الاجتماعية والأخلاقية الأصيلة، وذلك لتغيير أنفسنا أولاً، حتى نستطيع استيعاب التغيرات الخارجية ونحن محصنون برؤيتنا وفهمنا لواقعنا، لنتمكن من اختيار ما يناسبنا من مختلف أشكال التطور في هذا العالم الذي تضاءلت فيه الفروقات الثقافية والاجتماعية، وانمحت الحواجز الإنسانية حتى صار العالم كقرية كونية صغيرة.

n في رد على ما يدور في وسائل الإعلام و شبكات التواصل الاجتماعي حول العلاقات السعودية المغربية أكدتم السيد السفير أن «العلاقات الأخوية بين قيادات البلدين على مر العصور تزداد متانة ورسوخا مما يمنح العلاقات الثنائية زخما و قوة يجعلانها في مأمن من كل التقلبات والأهواء، ذلك أنها علاقات تقوم على مبادئ واضحة وتستند إلى قيم أساسها التضامن والتكافل و الإخاء يرتبطان بمصالح مشتركة كبيرة لا حدود لها، إذ أن آفاقها تمتد رحبة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية»، نريد منكم السيد السفير في هذا الحوار أن تتحدثوا للجريدة عن أفق مشترك في الجوانب المذكورة، من موقعكم الدبلوماسي
المدبر لهذا الأفق ؟
pp إن حقيقة متانة العلاقات السعودية المغربية، لا تحتاج إلى تأكيد أو براهين فالمملكة العربية السعودية ترتبط بالمغرب الشقيق بعلاقات أخوة وصـداقة متينة وروابط تاريخية متميزة، كما أن هنالك الكثير من القواسم المشتركة التي تجمع بين البلدين والشعبين. ويعتبر المغرب إحدى الدول النشطة والفاعلة في الساحة الدولية والإقليمية وله دور واضح سواء على المستويات الثنائية أو المتعددة الأطراف. ويدعم البلدان مواقف كل منهما، ويساندان الجهود التي تبذلها الدبلوماسية السعودية والمغربية في سبيل ترسيخ الأمن والاستقرار الدوليين واحترام قواعد القانون الدولي والعمل بمقومات الشرعية الدولية وقراراتها. وهناك تطابق في وجهات نظر البلدين تجاه أهم القضايا الراهنة عربيا وإسلامــيا ودوليا، ويجمع بينهما أيضــا الكـثير من الســـياســات الوسطية والمواقف البناءة في الاعتدال ومحاربة الإرهاب، إلى جانب وقوف المملكة المغربية باستمرار مع المملكة العربية السعودية وبلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مختلف القضايا وتضامنه معها في كل التحديات وضد الأطماع التي تواجهها. وعلى الصعيد الاقتصادي يتطلع البلدان لتطوير علاقات تعاونهما إلى آفاق أرحب، إلا أن واقع التبادل التجاري بينهما لا يرقى إلى المستوى المنشود. وفي ضوء خصوصية العلاقات السياسية المتينة والروابط المميزة بين قيادتي البلدين، فمن الضروري العمل على دفع مسيرة العلاقات الاقتصادية من خلال استكشاف المزيد من أوجه التعاون الثنائي وسبل تعزيزها في العديد من المجالات وتطوير وإقامة وتوسعة المشاريع التنموية الحالية والمستقبلية في المغرب والتي تساهم فيها المملكة، سواء عن طريق الاستثمارات أو المنح أوالقروض التمويلية. وكذلك توثيق العلاقات المالية والتجارية والصناعية والزراعية بين المؤسسات السعودية والمغربية وبين رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم في المغرب، وتحويل العلاقات الاقتصادية إلى علاقات شراكة متعددة الأبعاد، لا تقتصر فقط على التجارة المتبادلة والاستثمارات، بل تنطلق إلى آفاق أرحب في جميع ميادين التعاون الثنائي. والواقع أن النظرة إلى العلاقات السعودية المغربية لا يمكن اقتصارها على مجرد مناقشة القضايا والملفات التي تتحكم في مسار هذه العلاقات على المستوى الثنائي سياسيا واقتصاديا وأمنيا فحسب، بل ينبغي وضعها في سياق رؤية استراتيجية شاملة لمصالح البلدين على أكثر من صعيد، عربيا وإسلاميا ودوليا. إضافة كذلك إلى ضرورة الاهتمام بكل الجوانب الثقافية والإعلامية والاجتماعية والتعليمية، نظرا لأهميتها في إضفاء التكامل والتوازن على علاقات البلدين. كما أن وضع المغرب كدولة عربية وإسلامية وموقعه في شمال القارة الإفريقية وعلى أبواب أوروبا، وما يحظى به من استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني في محيط مضطرب بالمنطقة، وتبنيه لسياسة وسطية طابعها الاعتدال مقابل انتشار موجات التطرف الفكري والديني، كلها عناصر ينبغي أخذها بعين الاعتبار لأهميتها الواضحة في سياق تطوير علاقات ذات طابع استراتيجي للمملكة العربية السعودية مع المملكة المغربية، تستلهم الإرث التاريخي وتستفيد من الرصيد الحالي للعلاقات المتينة بين البلدين، حتى يمكن تطويرها والارتقاء بها إلى المستوى الذي يجعل منها شراكة ثنائية فاعلة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي والإعلامي والتعليمي والاجتماعي.

n السيد معالي الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة، نسألكم من موقعكم كمثقف وكاتب ومفكر، عن آخر إنتاجاتك الأدبية والفكرية، وهل لكم مقترح في تعزيز العلاقات الثقافية المغربية السعودية، كما اعتدنا في تجربتكم الدبلوماسية السابقة التي كنتم تتواجدون فيها في كافة الواجهات الثقافية المغربية حتى اعتدنا أن نرى اسمكم الثقافي
في لائحة المثقفين المغاربة؟
pp إن عملية تطوير العلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية لا يمكن نجاحها إلا ضمن سياق شامل لتطوير علاقات البلدين. وهناك عدة مجالات للتعاون ينبغي تعزيزها وتطويرها لدعم العلاقات الثنائية خاصة على مستوى التواصل القائم بين البلدين والشعبين الشقيقين وربطهما من خلال قنوات مباشرة تترجم عمق الصلات ومتانة العلاقات بينهما، لاسيما وأن هناك مشاريع ساهمت في منح تلك العلاقات طابعاً أخويا يعكس التضامن الحقيقي بين الجانبين. فعلى الصعيد الثقافي ثمة صروح ثقافية وتعليمية تقف شاهداً على عمق التعاون الثقافي بين السعودية والمغرب، حيث أن أكبر وأهم مؤسستين للتعليم العالي هما نتاج لذلك التعاون، مثل جامعة الأخوين بإيفران التي تم تشييدها عام 1995م بهبة سعودية من خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز بلغت خمسين مليون دولار. وتوجد أيضاً مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بمدينة طنجة التي تعتبر واحدةً من أكبر المعاهد الجامعية في المنطقة لتعليم تخصصات الترجمة في مختلف اللغات الحية. كما توجد بالدار البيضاء مكتبة الملك عبد العزيز آل سعود التي أسست عام 1985م بتبرع من خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وهي واحدة من أضخم المكتبات العامة التي تتيح للطلاب والباحثين المغاربة والأجانب الاطلاع على عشرات الآلاف من أمهات الكتب في كل فروع المعرفة والمراجع العلمية والتاريخية. ومن أجل ترسيخ علاقات البلدين على الصعيد الثقافي والإعلامي والتعليمي يمكن النظر في إمكانية تطوير آليات للتعاون الثنائي ثقافيا وإعلاميا وتعليميا بالتنسيق بين الجهات المختصة في البلدين وذلك من خلال تبادل زيارات الوفود الإعلامية بين البلدين، وإقامة المعارض التراثية والفنية والأسابيع الثقافية والندوات الفكرية في البلدين وتبادل الزيارات المنتظمة سنويا بين وفود تضم مختلف الفعاليات الثقافية والفكــرية والفنية. وأذكر أنه أقيم في عام 1989م بالدار البيضاء، معرض الحرمين الشريفين الذي لقي إقبالا منقطع النظير وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ المعارض بالمغرب. ومن المستحسن كذلك تعزيز المشاركة السعودية والمغربية في معرضي الكتاب اللذين يقامان سنوياً بالدار البيضاء والرياض، وذلك بصورة جدية ومدروسة تعكس ما وصلت إليه حركة النشر والتأليف والمستوى الثقافي والفكري والعلمي في البلدين.
وإلى جانب ذلك لابد من التنسيق والتواصل بين مختلف المؤسسات الثقافية والأكاديمية والجهات المكلفة بالبحث العلمي في البلدين، حيث تتبادل الجامعات والمعاهد العليا الخبرات العلمية والثقافية والتعليمية والعملية من خلال الوفود والمؤتمرات والزيارات، إضافة لإتاحة الفرصة للطلاب السعوديين والمغاربة لنيل منح للدراسات العليا في البلدين. وبالإضافة إلى ذلك لا بد من تشجيع التعاون بين مختلف الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في البلدين لتبادل الخبرات والزيارات ونقل التجارب وفق ما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين ويسهم في تطوير العلاقات بينهما.

n في كلمة أخيرة توجهها للمغرب؟
pp المغرب وشعبه الكريم أهلي وناسي. وأنا مسرور بأن أكون سفيراً لوطني ولملكي للمرة الثانية في هذا البلد الطيب المضياف الذي أسعد برؤيته وهو يقطع واثقاً خطوات مسيرته نحو التقدم والازدهار بقيادة جلالة الملك محمد السادس.


الكاتب : حوار بديعة الراضي / تصوير زليخة

  

بتاريخ : 16/04/2018