صعوبات أمام إيمانويل ماكرون بفرنسا وأوربا

يواجه الرئيس الفرنسي صعوبات متعددة على المستوى الداخلي تميزت بتراجع شعبيته الكبير، وصعوبات على المستوى الأوربي بسبب ضعف المستشارة الألمانية على المستوى السياسي وتصاعد قوة اليمين المتطرف المعادي للهجرة واوربا بعدد من البلدان الاوربية وأصبحت تتزعم هذا التيار إيطاليا. وهو ما يجعل قاطن قصر الاليزيه يواجه حواجز لم تكن في الأفق عند انتخابه مند سنة ونصف. وهذه الصعوبات الحارجية تزامنت مع الصعوبات الداخلية التي تعرفها باريس. وذلك بسبب الدخول الاجتماعي  والسياسي الصعب، والذي يتميز باستمرار ارتفاع البطالة وتأجيل بعض الإصلاحات المهمة التي اعلنها الرئيس اثناء الحملة الانتخابية وكذلك انتقادات المعارضة لرئيس التي تنعته «برئيس الأغنياء» خاصة وسط أحزاب اليسار بسبب اختياراته الاقتصادية، التي يصفونها بالاختيارات الليبرالية التي «تخدم الأغنياء». كما يتهمه بذلك انصار حزب «فرنسا الابية». احد تهم الأحزاب المعارضة بفرنسا والمحسوبة على اليسار.
هذه الصعوبات التي تعرض لها الرئيس الفرنسي في هذا الدخول اججتها استقالة وزيرين من حكومته، وكانا يتميزان بأكبر شعبية داخلها خاصة نيكولا هيلو الذي كان يرمز الى الإصلاحات من اجل بيئة مستدامة وطاقة نظيفة، واستقالته تعني فشل هذا الورش، وانتصار لوبيات الاستمرار و الاعتماد على الطاقة النووية والطاقات الكلاسيكية التي تبعث نسبة كبيرة من الغازات او ما يسمى الطاقات الغير النظيفة واستعمال المبيدات في الزراعة. بالإضافة الى استقالة وزيرة الشباب والرياضة لورا فليسيل من منصبها التساؤلات حول هذه الاستقالة ما بين من اعتبرها بسبب غياب الإمكانيات وبين من ارجع هذه الاستقالة الى فضيحة تهرب ضريبي للوزيرة مما من شأنه ان يزيد من صعوبات هذه الحكومة في حالة تعرضها الى المتابعة وهي في منصب وزيرة..
هذين الاستقالتين نتج عنهما تعديل حكومي جزئي وسريع فرض على الرئيس وأغلبيته الذي كان ينتظر نتائج الانتخابات الاوربية المقبلة من اجل اجراء تعديل حكومي من المؤكد انه سيأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات. فهل يستطيع الرئيس تجاوز هذه الازمة ورص صفوف الجبهة الداخلية لعائلته السياسية والاستمرار في الإصلاحات التي وعد بها، في مقدمتها اصلاح نظام الصحة وقانون انعاش النمو الاقتصادي، فضلا عن اصلاح نظام التقاعد والضمان الاجتماعي؟ ام ان الجبهة الخارجية خاصة بأوربا ومواجهة ارتفاع قوة اليمين الشعبوي المعادي للهجرة سوف تطغى على انشغالاته في افق الانتخابات الاوربية المقبلة التي ستكون حاسمة حول مستقبل اوربا.
طبعا هذه تساؤلات متعددة حول تضارب الأولويات بالنسبة لرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون ما بين ضرورة الاستمرار في الإصلاحات الداخلية والحفاظ على الدينامية التي رافقت وصوله الى الحكومة مند سنة ونصف وكذلك مواجهة التحديات الخارجية خاصة داخل اوربا في ظل ارتفاع موجه الأحزاب الشعبوية التي تفوز في الانتخابات، وضعف الموقف السياسي للمستشارة الألمانية انجيلا ماركيل بسبب موقفها الليبرالية تجاه الهجرة، ورغم القمة التي اجراها الطرفين في مدينة مرسيليا في الأسبوع الأخير، وإعادة تأكيدهما على المواقف من تدبير الهجرة على المستوى الأوربي، فان الجميع كان يعرف ان موقف المستشارة الألمانية اصبح ضعيفا وأصبحت عاجزة عن فرض رأيها حتى على حلفائها داخل الاتلاف الذي تقوده مع حلفائها المحافظين في الحكومة. وتصاعد محور اخر باوربا تقوده إيطاليا احد البلدان الجنوبية والمؤسسة للاتحاد الأوربي والتي ادارت ظهرها لفرنسا بعد وصول اليمين المتطرف الى التحالف الحكومي من اجل التعاون مع بلدان محافظة ومعادية للهجرة بشرق اوربا، وبالتالي أصبحت إيطاليا تقود محورا جديدا متكونا من المجر،بولونيا وهو محور مناهض للهجرة وضد القيم الاوربية التقدمية التي تقودها بلدان مثل فرنسا اليوم، وهي ضد قيام اوربا بواجبها في استقبال جزء من اللاجئين بسبب الحرب او بسبب ظروف جفاف البيئة، ولو بنسبة صغيرة كما حدث هذه السنة حيث لم تستقبل بلدان الاتحاد الأوربي الا حوالي 650 الف طلب قدمت لأول مرة (احصائيات اوروستات، مكتب الاحصاء الأوربي) ، وهو تراجع بنسبة 46 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، وتبقى المانيا هي اكبر بلد مستقبل لهذه اللجوء بنسبة الثلثين، هذا العدد الذي تستقبله اوربا هو رقم جد ضعيف وهامشي مع العدد الذي تستقبله بلدان مثل الاردن،لبنان او تركيا وهي بلدان صغيرة والتي تستقبل كل واحدة عدة ملايين من اللاجئين وليس لها القوة البشرية او المالية لبلدان الاتحاد الأوربي وهي المفارقة التي يعيشها عالمنا اليوم.
بالإضافة الى هذه التحديات الخارجية التي تجعل الرئيس الفرنسي وحيدا على مستوى الجبهة الاوربية من خلال السياسة التي ينهجها او التي يريد نهجها في غياب حلفاء، فان الرئيس الفرنسي يواجه اليوم جبهة أخرى على المستوى الداخلي، وذلك بسبب
الازمة السياسة والاجتماعية التي تعيشها فرنسا اليوم والتي تعود الى تراكم المشاكل وكثرة الوعود التي قدمها الرئيس الفرنسي وهو ما جعل شعبيته تتراجع بشكل كبير في اخر استطلاعات الرأي ، فبعد الشعبية التي رافقت الفوز بكاس العالم، تعرض الرئيس لسلسلة من الصعوبات منذ بداية الصيف والتي ارتبطت بقضية بنعلة لتستمر حتى استقالة وزيرين من حكومته.
قمة مرسيليا الاخيرة بين ميركيل وماكرون لمواجهة محور إيطاليا والمجر لن يدعمها رأي عام فرنسي و اوربي خائف من الهجرة واصبح يرى فيها كل مشاكله، ورغم عدم صحة هذه المقاربة، لكنها مقاربة يتجاوب معها الرأي العام.
الأجنبي والمهاجر بصفة عامة اصبح اليوم يخيف الاوربيين وأصبحت قارتهم منطوية على نفسها وتتحول بالتدريج الى جدار مغلق تجاه الهجرة القادمة من الجنوب، والمحور الذي يقوده الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون والمستشارة الألمانية انجيلا ماركيل اصبح ضعيفا، امام تقوي جبهة تتشكل خصوص من بلدان شرق اوربا تحكمها أحزاب شعبوية وتتزعمها إيطاليا احد بلدان الجنوب المؤسسة للاتحاد وهو توجه جديد اصبح يخيف شركاء اوربا في الجنوب المتوسطي والإفريقي. هذا المحور الذي يريد ان يحول بلدان الجنوب المتوسطي مثل المغرب وتونس الى مراكز لحجز المهاجرين القادمين من افريقيا والهاربين من ويلات الحرب والجفاف والكوارث الطبيعية ، وهو موقف بدأت تعبر عليه المؤسسات الاوربية من اجل التخلص من الانعكاسات التي تخلفها صور اللاجئين المتدفقين على اوربا عبر البحر وما يواكب ذلك من مأسي إنسانية تنقل مباشرة عبر الشاشة.
اليوم الجبهة التي يتزعمها ايمانييل ماكرون والمستشارة الألمانية انجيلا ماركيل والمنفتحة على الهجرة أصبحت ضعيفة، في مقابل جبهة تتزعمها إيطاليا بمؤازرة المجر وبولونيا، وتعززت بالتقدم الانتخابي للاحزاب الشعبوية واخرها كان بشمال اوربا وببلد كان هو الأخر منفتحا وهو السويد.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 12/09/2018

أخبار مرتبطة

طهران تعلن نجاح الهجوم على إسرائيل، وتل أبيب تتوعد بالرد الحازم   خول مجلس الوزراء المصغر للاحتلال الإسرائيلي رئيس الحكومة

مجلس الأمن: خطوة مهمة نحو وقف إطلاق النار في غزة   أكدت البعثة الدائمة للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة بنيويورك،

كان لا يزال في السجن قبل عشرة أيام فقط     إلى حدود منتصف نهار أمس الاثنين، سجل المرشح المعارض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *