عبد الرحيم العطري: الجائحة أخذتنا إلى مأزق «اللامخرج»، حيث لا وثوقية حول مجتمع الغد وسياقات بنائه

استضافت لقاء «حديث الخميس» الذي أطلقته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط أول أمس الخميس 21 ماي الجاري، في إطار المحاضرات التفاعلية ، أستاذ السوسيولوجيا والأنتربولوجيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس الدكتور عبد الرحيم العطري للحديث عن موضوع «التفكير في اللايقين وفي العولمة» ضمن ورش للنقاش وللتفكير، يروم فتح آفاق أخرى للنظر في تداعيات جائحة كورونا وما أفرزته في العديد من مناحي الحياة، عبر مرافقة علمية هادئة تحاول التفكير في وضع اللايقين الذي نعيشه اليوم وخطاب العولمة المطمئن.

اعتبر د. عبد الرحيم العطري في مداخلته الموسومة بـ»المحلي والعولمي وعسر المعنى» أن الجائحة اليوم تدعونا إلى مساءلة هذين العنصرين، مساءلة تضعنا أمام شموخ اللايقين واللامعنى، مضيفا أن الموضوع المطروح في هذا الورش للنقاش «التفكير في العولمة..التفكير في اللايقين»، يستوجب من الباحثين والمهتمين بحقل العلوم الإنسانية، الإسهام والتفكير بطرح أسئلة بصدد الحدث ، طرحا إبستيمولوجيا مرتبطا بالاحترازات المنهجية، وبالحذر الإبستيمولوجي خاصة أننا أمام حدث ساخن يفترض تناوله بنوع من الحياد، وبنوع من التباعد المعرفي .
الحياد الذي طرحه مؤلف «السلطوية والربيع والانتقال العسير» يجعل من هذا التناول محاولة للتأويل والاستشراف في نفس الوقت، بالنظر الى أهميته النابعة أولا من تعدد الروافد والمضامين التي تصب وتندلق فيه أيضا، كما تتأتى مما أسماه» مديح التفكير» الذي أفرزته هذه المحنة، بمعنى التفكير وإعادة التفكير وإعادة الوهج للسؤال حتى نتمكن من فهم ما يحدث في الواقع، وباعتبار كذلك أن الجائحة أضحت منتجة ومحينة للأسئلة التي يفترض أن ينشغل بها الباحثون والمفكرون.
إن الجائحة ، يقول الدكتور العطري، تضع اليوم واليقين، واللايقين أيضا، أمام مختبر السؤال لأن الروابط الاجتماعية والعلاقة مع الآخر ومع الدولة كمؤسسة، أصبحت تفرض تجديد أدوات وأسئلة البحث في العلوم الإنسانية، كما أنها سببت الكثير من الرجات وزعزعت العديد من القناعات والمفاهيم وحركت اليقين دافعة إياه باتجاه اللايقين، ما يقتضي فتح نقاش عميق وعقلاني وجماعي أصبحت الحاجة ملحة إليه اليوم أكثر من ذي قبل.
وفي مقاربته لموضوع اللقاء، انطلق الباحث السوسيولوجي من أربع عتبات يمكن أن تكون مدخلا لكل تفكير عقلاني وبحث عن بديل، حددها في:

مفارقات العولمة:

يرى العطري أن كل القراءات التي طرحت بخصوص العولمة تعاني التعدد والمفارقة والتناقض، كما يحضر فيها الآتي متلبسا بالإيديولوجيا، بما يعنيه هذا التلبس من اصطدام بالرهانات الإيديولوجية التي تخص أصحابها، أو بصراعات هوياتية مادام أن أي نقاش حول العولمة إلا ويُستحضر فيه التضخم الهوياتي. وأضاف صاحب»صناعة النخبة بالمغرب» أن من مفارقات خطاب العولمة كذلك، الحضور المستمر لخطاب النهايات : نهاية التاريخ، القيم، الإنسان، أي أن خطاب النهاية هو ما يؤطر الخطاب التأسيسي للعولمة.
ولم يفت العطري في هذا السياق الإشارة الى سيادة نوع من التعاطي مع العولمة في بعدها الاقتصادي أكثر من كونها نمط عيش وسيرورة في إطار تحول تاريخي، لأن الحديث عن العولمة يجب أن يُستحضر كحديث عن فكر وتغيير وعن سياق ثقافي وكنص أيضا، نص رامز ودال يجب قراءته في تعدده ورؤيته للعالم التي تسعى إلى إنتاج نوع من الخضوع لمنطق اقتصادي وسياسي واحد بهدف صناعة إنسان عولمي.
هذه الأهداف لم تكن لتتحقق، يقول العطري، لو لم توفر لها العولمة آليات وصيغ لإرسائها تختلف بحسب الغايات والسياقات، أوجزها في:
الآلية السياسية: عبر خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان وجعل هذا الخطاب أفقا كونيا لا ينبغي الخروج عنه.
الآلية العسكرية: من خلال استثمار قوة الرعب، حيث إن العولمة عممت نموذجا يتأسس على القوة من خلال الشركات العابرة للقارات أو المتعددة الجنسيات، لفرض هيمنتها.
الآلية الاقتصادية : عن طريق سلطة الرأسمال الذي يتحرك بحرية بين القارات، ويتفوق على سلطة الفكر.
آلية معلوماتية: من خلال القنوات الاتصالية التي تؤطر فكر العولمة، وتعمل على تشبيك المجتمع العالمي.
إننا، يؤكد العطري، أمام قوة وتأثير هذه الآليات، أصبحنا أمام عولمة تشبيكية لأدوات الإنتاج وللرأسمال، وللإفراط في التقانة وأمام إغراق في فردانية فجة وتذرير للمجتمع، مضيفا أن الجائحة اليوم فضحت اللاعدالة واللامساواة الاجتماعية في السكن كما في الصحة، وهي اللامساواة التي تشكل العقل المؤسس والمبنين لفكر العولمة.
جاذبية المحلي:

إلى جانب بروز الرؤى والممارسات الهيمنية للعولمة وتسيد الأنانيات الفردية، برزت ج اليوم جاذبية مضادة هي جاذبية المحلي الذي أصبح يشكل بديلا لدى العديدين، مجتمعيا وسياسيا واقتصاديا أمام فشل العولمي حيث أفرزت الجائحة، في إطار البحث عن الخلاص، عودة إلى الذات والى المجال الجغرافي والحيز السوسيو ثقافي، وبتعبير أدق عودة للخطاب الهوياتي. فالحجر الصحي اليوم ألهب التفكير حول الذاتي والمحلي وحول الدولة الاجتماعية والوطنية بعد أن أصبح الجميع ينظر بعين الريبة الى التكتلات والاتحادات الكبرى التي أضحت محل تساؤل.
ويضيف العطري أن الحجر الصحي فرض على الإنسان، الإقامة في المحلي بعد إغلاق الحدود وحظر التنقل، إلا أنه يلفت إلى كونه ليس محليا «خالصا» لأنه تعرض لاختراقات بسبب العولمة حتى أصبحنا أمام «محلي مفتوح» أو «محلي معولم».
إن هذا الاختراق هو ما يجعلنا اليوم – حسب العطري – نعيش هذا الصراع بين القطبين، والذي سيؤدي غدا إما إلى مزيد منه، أو إلى التنافس للتخفيف من حدته، أو في أحسن الأحوال إلى البحث عن تسويات من خلال التوافقات.

مآزق اللامعنى:

إن المآزق التي يثيرها الصراع بين المحلي والعولمي خاصة أمام الجائحة، يمكن أن نتلمسها من خلال:
+أفول النبوءات: فما قدمته العولمة والعقلانية المفرطة وخطاب الاطمئنان انهار اليوم وتفكك، وبالتالي أثبت لاجدواه. فكان من نتائجه، يقول العطري، انهيار جدار اليقين ليعلو بدله جدار مرآوي هو جدار اللايقين الذي نرى فيه خيباتنا وعجزنا وانكساراتنا.
+شموخ اللايقين: جميع الخطابات، سواء السياسية أو الاقتصادية، لا تقدم في هذا الوضع الذي نعيشه اليوم بسبب جائحة كورونا ،أجوبة مقنعة أو جازمة، كما لا تمتلك بديلا لتداعيات هذه الجائحة ، وهو ما يمكن أن نخلص معه الى القول بأن الجائحة أخذتنا الى مأزق «اللامخرج»، حيث لا وثوقية حول مجتمع الغد وسياقات بنائه.
+قلق النموذج: يعتلق الأمر هنا بضبابية التصور المتعلق بالنموذج السياسي الذي ستنتصر له العولمة غدا، وهو ما يجعلنا أمام قلق النموذج القادم، مجتمعيا، ساسيا، عولميا.

التفاوض الممكن

تساءل الدكتور عبد الرحم العطري عن إمكانيات التفاوض المتبقية لنا، وما يجب الانخراط فيه لتجاوز هذه المآزق في المستقبل، إذ يقتضي سؤال المستقبل التأسيس لنوع من التوازن بين المحلي والعولمي، والبحث عن الوسائل التي تمكننا من الإفادة من العولمة دون الانزلاق والخضوع لمنطقها الهيمني وقوانينها، مشيرا في نفس الوقت إلى البحث عن سبل الانتصار للمحلي دون الانزواء في ية شوفينية أو هوياتية قاتلة.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 23/05/2020