في آخر تقرير لمنظمة اليونيسكو … التربية على المواطنة و المواطنة الرقمية لمواجهة خطاب الكراهية..

التربية على المواطنة ترتكز على تهيئ الأفراد لكي يصبحوا مواطنين واعين و مسؤولين من خلال تعلم الحقوق و الحريات و المسؤوليات . و قد تم تطبيقها بشكل متنوع في المجتمعات الحديثة العهد بالنزاعات العنيفة ، و من بين أهدافها الرئيسة تجد التوعية بالحقوق السياسية و الاجتماعية و الثقافية للأفراد و المجموعات ، بما في ذلك حرية التعبير و المسؤوليات و التداعيات الاجتماعية التي تترتب عليها. في بعض الحالات أدرجت الحجج الناجعة و المهارات الضرورية لصياغة المعتقدات و الآراء الشخصية بطريقة محترمة من بين النتائج التعليمية المتوخاة التي وضعت في إطار برامج التربية على المواطنة .
إن اهتمام التربية على المواطنة بخطاب الكراهية يتألف من مستويين : فهو يغطي ، من جهة ، المعرفة و المهارات من أجل التعريف بخطاب الكراهية و تحديده ، و عليه ، من جهة أخرى يمكن الأفراد من مواجهة رسائل الكراهية. فمن بين تحدياتها الحالية نجد تكييف أهدافه و استراتيجياته مع العالم الرقمي ، و ذلك ليس بتقييم الحاجات فقط و لكن أيضا بمعرفة التكنولوجيا و المهارات التي قد يحتاجها المواطن من أجل التعرف على خطاب الكراهية على الانترنت . كما أن هناك مفهوم جديد للمواطنة الرقمية أصبح يقترح من قبل بعض المنظمات المدرجة في هذه الدراسة التي أعدتها اليونيسكو، و يشمل الأهداف الجوهرية لثقافة الوسائط و الإعلام التي تهدف إلى تطوير مهارات تقنية و انتقادية لدى مستهلكي الوسائط و منتجيها تربطهم بأخلاق و تحضر أوسع .
و نجد من بين الأمور الصميمة في هذا السياق ( Global Citizenship Education (GCED) ) التربية على المواطنة و هي من بين المجالات الاستراتيجية لعمل البرنامج التربوي لليونسكو ( 2014 – 2017 ) و إحدى الأولويات الثلاث للمبادرة الأولى التعليمية العالمية للأمين العام للأمم المتحدة ( GEFI التي تم إطلاقها في شهر شتنبر 2012 . و التربية العالمية على المواطنة تهدف إلى تمكين المتعلمين من كافة الأعمار من هذه القيم و المعارف و المهارات التي ما فتئت تحترم حقوق الإنسان و العدالة و التنوع و المساواة في النوع الاجتماعي و الاستدامة البيئية . التربية على المواطنة العالمية تعطي للمتعلمين المهارات و الفرص من أجل تحقيق حقوقهم و الوفاء بالتزاماتهم في سبيل تشجيع الوصول إلى عالم و مستقبل أفضل للجميع .
و من هذا المنظور الأوسع ، تعزز يونسكو أيضا ثقافة قرائية الوسائط و الأعلام . يتعلق الأمر هنا بمفهوم واسع يغطي مجموعة من الآليات القرائية ( في الانترنيت و خارجها ) . و يشمل تطوير مهارات و قدرات تقنية لاستعمال التكنولوجيا الرقمية و المعارف و القدرات الضرورية لإيجاد و تقييم و تحليل و تأويل نصوص وسائط خاصة ، و خلق رسائل الوسائط و التعرف على التأثيرات الاجتماعية و السياسية.
في السنوات الأخيرة بدأ الذين يركزون على ثقافة قرائية الوسائط ، بالتعامل مع البعد الاجتماعي لمفهوم استعمال التكنولوجيا ، و تداعياتها الأخلاقية و الحقوق المدنية لمستعمليها و المسؤوليات الملقاة عليهم . و لا يمكن لثقافة قرائية الإعلام اليوم أن تتفادى مسائل من قبيل حرية التعبير و الحريات الخاصة ، و المواطنة الانتقالية و تعزيز التمكين من أجل المشاركة السياسية . و هكذا فإن تعددية المهارات أصبحت مسألة حاسمة و ضرورية . و لعب ظهور تكنولوجيات و وسائط اجتماعية جديدة دورا مهما في هذا التحول . فالأفراد تطوروا من مجرد مستهلكين لرسائل الوسائط إلى منتجي و مبدعي خالقي المعلومة، الأمر الذي أنتج نماذج جديدة من المشاركة التي تتفاعل مع النماذج التقليدية كالتصويت أو الالتحاق بالحزب السياسي . أما استراتيجيات التثقيف و التوعية فإنها أصبحت تتغير تبعا لذلك منطلقة من تعزيز التلقي الانتقادي لرسائل الوسائط لتصل إلى التمكين من خلق محتوى الوسائط ، و مفهوم ثقافة قرائية الوسائط و الإعلام ذاته لازال قيد التطور حيث يتوسع بتوسع ديناميكيات الانترنت و أصبح يعانق قضايا من قبيل الهوية و الأخلاقيات و حقوق فضاء الانترنت .
بعض هذه المهارات يمكن أن يكون مهما بشكل خاص عند التعرف على خطاب الكراهية على الانترنت و عند مواجهته ، لذلك فإن هذا الجزء يحلل سلسلة من المبادرات التي تهدف في نفس الوقت تزويد معلومات و وسائل عملية لمستعملي الأنترنت لكي يكونوا مواطنين رقميين نشيطين فعالين . أما المشاريع و المنظمات التي تمت تغطيتها في هذه المراحل من ردود الفعل فهي :
«لا مكان للكراهية» من طرف Anti – Defamation League ADL الولايات المتحدة الأمريكية ( رابطة محاربة تشويه السمعة )
«مواجهة الكراهية على الأنترنت» من طرف ميديا سمارت كندا .
« حركة لا خطاب كراهية « من طرف قسم الشباب لمجلس أوروبا
«الكراهية على الأنترنت « من طرف معهد محاربة الكراهية على الأنترنت ، استراليا .
و لعل نظرة مقارنة لكل المشاريع المذكورة ، و مادتها المرتبطة بخطاب الكراهية على الأنترنت قد تم إنجازها ، إضافة إلى إنجاز حوارات مع ممثلي منظمات أو أشخاص مسؤولين عن برامج التوعية و التربية .
و على الرغم من أن المبادرات و المنظمات التي قدمت أعلاه و التي تتوفر على خصائص و أهداف مميزة ، إلا أنها تشترك في تركيزها جميعا على أهمية ثقافة الوسائط و الإعلام و استراتيجية التربية و التعليم كوسائل ناجعة ضد خطاب الكراهية . إذ أنها تعتمد على مقاربة تنبني على التوعية كردة فعل مهيكلة و ممكنة ضد هذا الخطاب ، إذا ما تم النظر إلى بالمقارنة مع قرارات منع محتويات الأنترنت أو فرض الرقابة عليها أو بالمقارنة مع مدة و تكلفة الدعاوي القانونية للوصول إلى نتائج ملموسة . كثيرون من يدفعون بأن مجموعة متكاملة من الاختصاصات داخل ثقافة الوسائط و الإعلام يمكن أن تمكن الأفراد و أن تقدم لهم المعرفة و المهارات التي يحتاجونها من أجل التفاعل بطريقة أسرع مع خطاب الكراهية كما يتصورونه . هذه المهارات يمكن أن تكون مهمة بشكل خاص بالنظر للتركيز الذي تضعه منصات الشبكات الاجتماعية على تقارير الأفراد عن حالات التعسف أو التحريض على الكراهية أو التحرش.


بتاريخ : 11/10/2018