في الذكرى الاربعين لتأسيسها (2018/1978) : من النقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين الى النقابة الوطنية للتجار والمهنيين

 

أربعون سنة بالتمام والكمال مرت على تأسيس النقابة الوطنية للتجار والمهنيين (2018/1978) والمناسبة فرصة جيدة لتسليط الضوء على جوانب ومحطات مهمة من المسار التاريخي للنقابة، وكيف جاءت إلى الوجود، وماهي المعطيات التاريخية والنضالية التي أدت بمجموعة من المناضلين السياسيين والنقابيين التجار والمهنيين والحرفيين ركوب هذا التحدي ،رغم الصعوبات والعراقيل والحواجز التي تحاول دائما فرملة أي فعل نضالي..؟ وما هي الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمهنية التي رافقت مسيرة النقابة قبل التأسيس وبعده ..؟ وكيف استطاع التجار والمهنيون والحرفيون خوض ومسايرة      هذه التجربة التي تحتاج للصبر والتضحية…الحديث عن النقابةالوطنية للتجار والمهنيين، مناسبة لاستحضار المسار التاريخي والنضالي لهذا التنظيم النقابي المهني التقدمي العريق، والذي سطر المناضلون والمنخرطون الأوفياء لمبادئه وخطه النضالي، بمداد الفخر والاعتزاز صفحات خالدة من تاريخ النضال والكفاح والصمود الدؤوب والمستمر وعلى مدار عقود من الزمن كلها جهد وتضحية ونكران الذات والعمل من أجل تنمية وتقوية الفعل النضالي في المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والسياسية والحقوقية والمهنية، وجعل النقابة الوطنية للتجار والمهنيين قوة تنظيمية اقتراحية ومطلبية فاعلة ونشيطة وقادرة على التأطير الإيجابي للتجار والمهنيين والحرفيين والخدماتيين والمقاولات الصغرى والمتوسطة وبالتالي الدفاع عن مطالبهم العادلة والرفع من مستواهم المهني وتحسين ظروف العمل لممارسة المهن التجارية والحرفية والعمل على ترسيخ ثقافة الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحق في الممارسة النقابية والتشبع بمبادئ المصلحة العامة والتعاون مع جميع مكونات المجتمع التي تسعى إلى الرفع من شأن المغرب وتنميته على جميع المستويات.
السياق التاريخي والذي على أساسه جاء التنظيم النقابي للتجار والمهنيين لم يأت من فراغ أو من مبادرة عابرة، بل جاء بناءه من تراكمات كفاحية ونضالية وتضحيات  خاضها التجار والمهنيون ومن يقود كفاءاتهم على مدارالعشرات من السنين ،  حيث كانوا يشكلون النواة المتحركة والصلبة والفاعلة في مشاريع الكفاح والنضال الوطنيين واللذين شهدهما المغرب خلال عقود من الزمن  الطويلة تحت السيطرة وهيمنة الإستعماروادنابه.
قد لا يختلف اثنان القول بأن فئة التجار والمهنيين والحرفيين تعتبر من الشرائح الإجتماعية الوطنية التي كان لها مشاركة فعلية ودور ريادي كبير في صنع محطات تاريخية مشرقة من تاريخ بلادنا، وعلى جميع المستويات اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفي المجال السياسي والنضالي والكفاحي ضد قوى الإستعمار المحتل للبلاد والعباد  منذ معاهدة الحماية سنة 1912،دور يسير على طريق  تحرير الوطن  من الهيمنة الإستعمارية والتصدي لأعوانه، فمن خلال الحركة الوطنية انبثقت نخب من المناضلين العاملين في مجالات التجارة والمهن الحرة وكانت لهم مساهمات ملموسة وقوية في بناء نسيج المقاومة وجيش التحرير فبالإضافة إلى مساهمتهم الفعلية في مقاومة الاستعمار بكل قوة وعزم عندما بدأ ينتشر في ربوع الوطن للسيطرة على كل أجزائه، حيث كانت المقاومة الشعبية قوية في مناطق عديدة من المغرب خاصة في المناطق الجنوبية والأطلس وبفضل هذه المقاومة لم يستطع المستعمرون بسط نفوذهم على هذه المناطق إلا في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي. وقد كان التجار الذين هاجروا من المدن التي يتواجدون فيها إلى مناطق ميلادهم في الأرياف في طليعة المقاومة الشعبية وتدعيمها ماديا وبشريا.
فبعد الظهير البربري الذي حاول المستعمرون من خلاله تشتيت صفوف المغاربة والوحدة الوطنية التي بدأت تتقوى ضده وضد ظهيره المشؤوم الذي واجهه المغاربة، متحدين وبكل قوة وتصدوا له حتى فشل في تحقيق الأهداف التي كان المستعمرون يريدون تحقيقها من ورائه، وقد كانت مساهمة التجار والبقالة والحرفيين في إفشال مشروع المستعمرين قوية وصلبة حيث تصدوا لهذا العبث الاستعماري بكل حزم ومسؤولية ،وذلك من خلال الإضرابات والاعتصامات وقراءة اللطيف ومناصرة إخوانهم في كل مكان.
وفي هذه المرحلة جاء الإعداد لوثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944 والتي أعدها الوطنيون بتنسيق تام مع الملك محمد الخامس رحمه الله، مما مهد الطريق لخروج المقاومة ضد المستعمرين إلى العلنية والفعل الميداني، فبعد نفي المغفور له محمد الخامس قامت حركة نضالية قوية ضد المستعمرين  ساهم فيها الوطنيون الحقيقيون من المثقفين والتجار والمهنيين والحرفيين والبقالة والطبقة العاملة ومختلف شرائح المجتمع المغربي الوطني، فكان الإعلان عن الإضراب العام سنة 1953 لمدة ثلاثة أشهر وأتذكر رغم سني الصغير آنذاك أن بداية هذا الإضراب صادف حلول عيد المولد النبوي الشريف، وبعد بداية تنفيذه، قامت السلطات الاستعمارية الحاكمة وخاصة بمدينة الدار البيضاء، بحركة قمعية قوية توجتها بمجموعة من الاعتقالات في صفوف الوطنيين لأن هذه الفترة كانت قوية بالعمليات الفدائية، وقامت أيضا بنفي عدد كبير من التجار والبقالة إلى مسقط رأسهم انتقاما منهم بتنفيذ الإضراب العام المذكور.. ومن هذه المنطلقات بدأ التفكير في تنظيم صفوف التجار والمهنيين والعمل على إدماجهم في تنظيمات فاعلة للدفاع عن مهنهم بالا ضافة  انهم يشكلون نواة صلبة  في صفوف  المقاومة وجيش التحرير، حيث كانوا إما عناصر فاعلة في التأطير والتنفيذ إلى جانب إخوانهم الوطنيين من مختلف الشرائح الاجتماعية الوطنية أو كانوا يشكلون قواعد خلفية للدعم والتواصل وتضليل المستعمرين، ولا يتسع المجال هنا لذكر  الأسماء الكبيرة والكثيرة لهولاء المقاومون الوطنيون منهم من اعتقل واعدم  او استشهد او تم نفيه ،وجميع المغاربة يعرفون الدور الكبير الذي قام به التجار والمهنيين في مقاومة الاستعمار الفرنسي وأذنابه من الخونة.
وبعد الاستقلال، كان للتجار والمهنيين أيضا دورا فاعلا في تشكيل القوى التقدمية المنفتحة والمتحالفة مع الجماهير الشعبية والطبقة العاملة وقضاياه العادلة، في حركة تحررية هدفها النضال ضد التدجين والهيمنة ومن أجل بناء دولة مغربية قوية بمملكة دستورية ديمقراطية شعارها الحق والقانون.
ومع بداية الاستقلال ظهر إلى الوجود أول تنظيم نقابي للتجار والمهنيين يحمل اسم « الإتحاد المغربي للتجارة والصناعة» وكان وراء تأسيسه مجموعة من المناضلين نذكر من بينهم لا للحصرحسب ما توصلنا به من معلومات ، مولاي عبد السلام زغنان، محمد بركات وآخرون وقد كان لهذا التنظيم أثره الإيجابي في تأطير التجار الصغار والمتوسطين وتفعيل أنشطتهم الجمعوية والنضالية، حيث كان لهذا التنظيم الدور الكبير في اكتساح المناضلين التقدميين لأول انتخابات مهنية وبلدية جرت في سنة 1960، احترمت فيها  المقاييس  الديمقراطية وأسفرت عن أغلبية ساحقة بغرفة التجارة والصناعة للدار البيضاء لمرشحي «الإتحاد المغربي للتجارة والصناعة»، التي يتكون أغلب أعضاء ها من مناضلي « الإتحاد الوطني للقوات الشعبية»، وكان ذلك سببا مباشرا في تأسيس إطار نقابي جديد تحت اسم «الإتحاد الجهوي للتجارة والصناعة»، حيث كان وراء تأسيس هذا المولود النقابي التقدمي ثلة من المناضلين الإتحاديين مولاي عبد الله أكلد، بركات محمد، مولاي عبد السلام زغنان، محمد إقبال، محمد بن حمو، س أحمد أسخان، مولاي عبد الله الفلالي، وقد أدى هذا التنظيم إلى تأسيس 12 نقابة جهوية وكان مقرها بزنقة «ناسيونال» الدار البيضاء.. وبعد الحصول على الأغلبية الساحقة بغرفة التجارة والصناعة للدار البيضاء خلال انتخابات 1960 تم انتخاب الأخ محمد منصور كأول رئيس منتخب لغرفة التجارة والصناعة، وبالمناسبة س محمد منصور مقاوم ومناضل اتحادي وعضو سابق للمكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية رحمه الله  .
وفي هذه الفترة التحق بالمناضلين المرحوم مولا عبد الله المستغفر كما أكد لنا ذلك الحاج محمد إقبال، وبعد أول انتخابات بلدية ومه مرت نزيهة و لم تتدخل السلطة في توجيه نتائجها، بدأ الوضع يتغير وملامح هذا التغيير لم تتوضح بعد، رغم أن بوادر مرحلة أخرى من تاريخ المغرب بدأت في الظهور، بعد إقالة الحكومة الوطنية للأستاذ عبد الله ابراهيم ،تم تأسيس ما يسمى (جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية)  من طرف مستشار الملك احمد رضا اكديرة وكان الهدف هو محاربة الأحزاب الوطنية والتقدمية ،حيث انظم الى الجبهة كل الأحزاب اليمينية باستثناء حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبيةوجاء  وضع أول دستور للمملكة في بداية الستينيات وانتخاب أول برلمان مغربي، وجاءت مرحلةاتسمت بالتشدد والقمع الشرس للمناضلين والمحاكمات المختلفة والاختطافات ، وكان من بين المناضلين المعتقلين 1963 مجموعة كبيرة من الأطر النقابية، حيث كانت فترة الستينات مليئة بالأحداث المتنوعة، حيث تم اعتقال مجموعة من المناضلين ولجوء آخرين إلى الخارج، وفي هذه الفترة التي تميزت أيضا بقمع شرس لأصحاب المحلات التجارية بدعوى الزيادة في الأسعار. فقد كانت هذه المرحلة من تاريخ المغرب متميزة بالزيادات المتتالية في الأسعار وخصوصا في المواد الأساسية للإستهلاك وخاصة مادة السكر، وعوض أن تكون الحكومة ووزيرها فيالداخلية صريحة مع المواطنين في إعطاء الأسباب الحقيقية لسن هذه الزيادات من طرف الحكومة  والدوافع الصريحة لها، عمدت إلى البحث عن كبش فداء تعلق عليه مشجب المسؤولية عن هذه الزيادات ولم تكلف نفسها غناء طويلا للبحث حتى وجدت «الحل»، وكان الضحية هو التجار الصغار والمتوسطين والبقالة، فقد عمدت وزارة الداخلية ومعها الأقسام الإقتصادية بالعمالات والأقاليم إلى ابتكار فيالق من «السيمي» سموها الشرطة الإقتصادية وكان ذلك سنة 1969، حينما سلطوا قمعا شرسا على التجار وأصحاب المحلات، وعمدوا إلى إغلاق عدد كبير من المحلات التجارية وتعليق لافتة على واجهة المتجر (مغلوب من اجل الزيادة في الأسعار ) واعتقال أصحابها والإشهار بهم بدعوى الزيادة في الأسعار، وكانت الدعائر كبيرة جدا ضدهم، وكانت أعنف وأشرس حملة في هذا الإطار حدثت بالمدن الكبرى وخاصة الدار البيضاء وذلك انتقاما من التجار والمهنيين الذين شاركوا بقوة في إضرابات 1965، وقد كانت عملية دهم المتاجر واعتقال أصحابها وإغلاقها وحشر المعتقلين في شاحنات وسيارات ضيقة كان بعضها مخصصا لنقل اللحوم.. وكما قلت فإن ما جرى انتقام مما حدث سنة 1965، حيث كان وزير الداخلية آنذاك هو الجنيرال محمد أفقير وعامل الدار البيضاء هوالكولونيل أبو الحمص ورئيس القسم الاقتصادي بها محمد بن الطالب ، كان هذا الثالوث في ذلك الوقت خصما قويا للتجار بالدار البيضاء، وبعد هذه العملية القمعية الشرسة قام المناضلون النقابيون من أمثال، مولاي عبد الله المستغفر ومولاي عبد الله اكلد، محمد إقبال، ومناضلين آخرين بالدعوة إلى اجتماع عاجل للتجار بمقر غرفة التجارة والصناعة للدار البيضاء، حيث لبى دعوة الحضور لهذا الاجتماع عدد كبير جدا من التجار الصغار والمتوسطين، لم تستوعبهم مكاتب وممرات ومحيط الغرفة الخارجي بشارع محمد الخامس حيث تم إغلاق الشارع بالحضور الكثيف وغير المسبوق ،وأتذكر أنه خلال هذا التجمع الضخم صعد المرحوم مولاي عبد الله أكلد فوق مكتب قاعة الاجتماعات وقال جملتين مفيدتين كانتا كافيتين لإشعال فتيل الحماس والتضامن قالهما باللغة الأمازيغية «نسظوقر كلو البيبان نوفاتن قن اختكام اركازن قنات إمواننون»، ( قمنا بدق جميع الأبواب فوجدناها مغلقة، إذا كنتم رجالا فأغلقوا أنتم أيضا أبواب متاجركم)، وبعد هاتين الكلمتين انصرف جموع الحضور، وفي الغد أصبحت جميع محلات الدار البيضاء مغلقة في إضراب عام قوي، زعزع كيان خصوم الحق والقانون وأسفر عن فتح مفاوضات مع النقابيين، وقد أدت هذه المفاوضات إلى إلغاء جميع الدعائر ضد التجار وإطلاق سراح المعتقلين منهم والذين كان عددهم كبير وعدد ملفات الدعائر 6000 ملف، ووقف هذه الحملة الشرسة، وكانت هذه الأحداث بداية أخرى  لانتصار تضامن التجار والمهنيين وتحقيق مكاسب ضد القمع  مما فتح المجال للعمل من أجل تنظيم نقابي فاعل ومثمر يؤدي إلى تأطير وتنظيم التجار والمهنيين بشكل جديد وقوي يساعد على طرح مشاكلهم المهنية على المسؤولين بمختلف مستوياتهم… وبالرجوع إلى فترة الستينات لا بد من التذكير بتأسيس أول تعاونية للمواد الغذائية خاصة بالتجار الصغار والمتوسطين وقد جاء تأسيس هذه التعاونية سنة 1963 للتصدي للاحتكار والامتيازات التي كان ثلة من الأشخاص يتمتعون بها، حيث تمنح لهم « البونات» لاحتكار توزيع الشاي والسكر والدقيق وتمنح هذه الامتيازات للأعيان والمقربين ورجال السلطة، وقد كانت هذه الفترة مليئة بالرشوة والزبونية والمحسوبية ساهمت في إغناء غير المشروع لأشخاص معينين سواء كانوا داخل أجهزة سلطة الداخلية وبعض موظفي المكاتب الاقتصادية بالعمالات والأقاليم.
وقد كانت هذه التعاونية نشيطة في التصدي للاحتكار وكانت تتوفر على ثلاثة مراكز للتوزيع بالمدينة القديمة ودرب السلطان و «روش نوا» ولكن بعد مدة تكالب عليها مجموعة من أصحاب «البونات» وحاربوها بكل الوسائل حتى قضوا عليها ورجعوا إلى سيطرتهم وهيمنتهم على السوق بمباركة وتعاون مؤدى عنه لجهات رسمية نافذة لا تريد الخير للمغرب وشعبه.
وفي هذه الفترة ايضا  أسس مولاي عبد الله المستغفر  نقابة «بائعي المواد الغذائية بالتقسيط» على صعيد الدار البيضاء  والتي جاء منها فكرة تأسيس نقابة كبيرة تم الإعداد لها منذ ذالك التاريخ حتى تأسيس النقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين.
كما أسلفنا كانت فترة الستينيات مليئة بالأحداث والمواقف، وكان النقابيون الإتحاديون في مجال التجارة الصغرى والمتوسطة يقضين ومتواجدين في قلب الأحداث رغم القمع الشرس الذي كانوا يواجهون به من طرف السلطات العمومية، فإن صبرهم وتضحيتهم وصمودهم كانت له إيجابيات فيما بعد على القطاع الذي يمثلونه، فأسماء أمثال مولاي عبد الله المستغفر ومولاي عبد الله أكلد، مولاي عبد الله الفلالي، والحاج الخالدي، مولاي عبد السلام زغنان، الحاج علي المانوزي، مروان الزوين، عبد السلام الحيحي، والحاج العسيبي وقبلهم ابراهيم الروداني، عبد الله الصويري، محمد منصور وغيرهم كثير، وقد تعرض أغلب هؤلاء المناضلين لإعتقالات ومتابعات لم تنل من عزيمتهم في الدفاع عن الحق والبحث عن القوانين المهضومة، التي تضمن للجميع العيش الكريم إلى جانب هذه النضالات كان أيضا النقابيون المناضلون في صفوف التجار والمهنيين جزءا قويا من نضالات الحركات السياسية التحررية الوطنية وخاصة الحركة الاتحادية، فكل النضالات والمعارك التي خاضها الاتحاديون والتقدميون شارك فيها بفعالية شرائح كبيرة من التجار والمهنيين فبحكم تواجد أصحاب المحلات التجارية في كل مكان سواء داخل المدن أو خارجها، فإن ذلك يؤهلهم للقيام بمهام نضالية قوية لأنهم مكون أساسي لحركة التحرر الوطنية المغربية، التنظيم النقابي في صفوف التجار والمهنيين كان وراءه أيضا سياسيون كبار يدعمونه ويؤطرونه ويتابعون خطواته، من أمثال المهدي بنبركة، عبد الرحيم بوعبيد، عمر بن جلون، محمد اليازغي، نوبير الأموي، المرحوم البوزيدي، الطيب منشد، عبد الرحمان شناف وغيرهم من المناضلين.
بعد فترة الستينيات جاءت حكومة كريم العمراني بقانون سنة 1971، ويتعلق بموضوع الزيادة في الأسعار، حيث كان قانونا مجحفا لم يشرك في إعداده المهنيون، تم إعداده فقط في مكاتب وزارة الداخلية التي يعطي لموظفيها في المركز وفي الأقسام الاقتصادية بالعمالات والأقاليم سلطات زجرية واسعة استغلت بشكل ممنهج من طرف هذه الجهات تحت إشراف رجال السلطة لفرض هيمنتها وشروطها المجحفة ضد التجار وخاصة الصغار والمتوسطين منهم، وهذا الأمر أعطى أجهزة الداخلية السيطرة الكاملة على التجارة الداخلية في غياب تام لوزارة التجارة الوصية على القطاع، والمفروض فيها حماية المهنيين  من التجاوزات غير القانونية.
وبعد القرار السياسي 30 يوليوز 1972، الذي أتخذه المناضلون الإتحاديون في أفق عقد المؤتمر الاستثنائي سنة 1975 بدأ مجموعة من المناضلين يفكرون جديا في تأسيس تنظيم نقابي للتجار والمهنيين وذلك في خضم الإعداد لتأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 1978. وفي شهر يونيو من نفس السنة انعقد المؤتمر التأسيسي للنقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين، وقد شارك في عملية التأسيس مناضلون حزبيون ونقابيون من الدار البيضاء والرباط ومراكش والقنيطرة ومناضلي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل،  الرئيس المؤسس مولاي عبد الله المستغفر الذي انتخب كاتبا عاما للنقابة، محمد إقبال، حسن إقبال، أيت سليمان العربي، الحاج الزوين، الحاج عبد القادر الخالدي، حسن الرجراجي، بوقنطار، كورس امحمد، أوسي ابراهيم، تالوست أحمد الحاج زريكم  وغيرهم ..(أبو ابراهيم عبد السلام، مولاي الحسن باجدي ،احمد ابوه ، الحاج  رحال)، وغيرهم من المناضلين الأوفياء، وقد تم انتخاب لجنة إدارية ومكتب وطني، وفي نفس السنة تم تأسيس عدد من فروع النقابة بعدة مدن وطنية من بينها مدينة المحمدية التي تأسس المكتب النقابي بها في شهر غشت سنة 1978 وكان ضمن المؤسسين ثلة من المناضلين نذكر من بينهم عبد ربه كاتب هذه النبدة التاريخية مولاي الحسن باجدي ،أبيهي بوجمعة، الحاج الهلالي، امرتيني ابراهيم الراعي الحاج أحمد، حسن بوتزاز إلخ…
وبعد التأسيس دخلت النقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين مرحلة جديدة من النضالات المستمرة، حيث شاركت في إضرابات 1979، تضمانا مع نضالات رجال ونساء التعليم والصحة الذين تعرضوا للإعتقالات والتوقيفات والطرد من العمل، وكانت هذه المرحلة تتسم بصراعات اجتماعية أفرزت فيما بعد ما يسمى بالتقويم الهيكلي في عهد حكومة المعطي بوعبيد في بداية التمانينات، مما يلزم تقوية شرايين تنظيم النقابة لأن الظرفية تتطلب من المنظمة النقابية الدفاع عن مطالب التجار والمهنيين وحقوقهم المهضومة وأيضا العمل على التضامن مع الطبقة العاملة المغربية التي تخوض بدورها نضالات صعبة من أجل انتزاع مطالبها العادلة في تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية المتدهورة وقد شهدت هذه الفترة إعداد أول مذكرة مطلبية مكتوبة تتضمن المطالب المشروعة للتجار الصغار والمتوسطين وتقديمها إلى السلطات الحكومية والتفاوض حولها من أجل تحسين الأوضاع المعيشية والمهنية ونسبة الأرباح الهزيلة المخصصة لهم، وكانت نضالات التجار الصغار والمتوسطين مسترسلة في تلاحم تام مع الطبقة العاملة.. وجاء الإضراب العام سنة 1981، وما تلاه من أحداث، أدت إلى اعتقال مجموعة كبيرة من المناضلين سواء من النقابات العمالية وخاصة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف المدن وكان أكثر المعتقلين من مدينة الدار البيضاء التي شهدت قمعا شرسا للمضربين، كان بينهم محمد نوبير الأموي ومولاي عبد الله المستغفر الكاتب العام للنقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين انتقاما منه بسبب مشاركة التجار والمهنيين في الإضراب العام الذي نجح بنسبة 100% حيث شلت الحركة التجارية والاقتصادية بمدينة الدار البيضاء القلب النابض للاقتصاد الوطني.. وبعد هذه الأحداث واجهت النقابة مشاكل تنظيمية بسبب ما جرى ومخلفات أحداث 1981، وضلت حركتها التنظيمية مشلولة حتى سنة 1986، حينما تم عقد المؤتمر الوطني الثاني بعدما تم تجاوز مخلفات سنوات ما بعد 1981، حيث مر المؤتمر في أجواء تعبوية بعد نقاش مسؤول ونقد ذاتي موضوعي وقد أسفرت أشغال المؤتمر عن انتخاب الأخ أحمد أبوه كاتبا عاما للنقابة وانتخاب لجنة إدارية وطنية ومكتب وطني.. بعد اعتقال المرحوم مولاي عبد الله المستغفر سنة 1981، والمكوث بالسجن حتى سنة 1983، خرج رحمه الله من السجن وهو يحمل معه مرضا مزمنا في كليته لم يمهله طويلا، لأنه كان يقوم بعملية تصفية الدم في كليته وتوفي رحمه الله يوم 13 سبتمبر 1983، أثناء انقطاع التيار الكهربائي عن منزله وهو يقوم بعملية تصفية الدم.
ومنذ المؤتمر الوطني سنة 1986 الذي أعاد تجديد الآليات التنظيمية للنقابة، بدأ التفكير جديا في توسيع تنظيمات النقابة لتشمل قطاعات مهنية أخرى كالصناعة التقليدية والمهن الخدماتية ومختلف المهن التجارية والغاية من هذا التوسيع التنظيمي هو عصرنة النقابة وتجديد وسائل عملها للوصول إلى تنظيم نقابي قوي باستطاعته مسايرة التطور وما يجري من تغييرات على المستويين السياسي والاقتصادي، ويجسد استمرار الحركة النقابية المهنية المناضلة بتراكماتها ومبادئها ومواقفها الوطنية الديمقراطية…
ويكفي القول بأن حركية النقابة بعد تجديد آلياتها لم تتوقف رغم بعض الصعوبات المادية التي تعيق السير العادي لتنظيماتها، ورغم أيضا عدم تفرغ مسؤوليها الذين يقومون بعملهم النقابي بدون مقابل وبشكل تطوعي ، حيث نجد أطر النقابة كلها مرتبطة بأعمالها الشخصية مما يعطي صعوبة التفرغ لها، وأن ما يقوم به المسؤولون النقابيون من عمل يتطلب منهم التضحية المستمرة ماديا ومعنويا في غياب تام لأية إعانة أو تمويل من طرف الدولة للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين، كما هو عليه الحال بالنسبة للنقابات العمالية، وهذا حيف كبير في حق النقابة ومسؤوليها لأن الدور التأطيري الذي تقوم به تنظيمات النقابة على المستوى الوطني يستحق دعمها وتقويتها حتى تقوم بدورها التأطيري كاملا بدون مشاكل تذكر.. النقابة تعتمد أساسا على الإمكانيات المتواضعة لمناضليها.
وفي سنة 1990، دعت بعض النقابات العمالية لإضراب عام وطني بعد تماطل الحكومة في تلبية المطالب المادية والمعنوية والمهنية لمختلف الشرائح الاجتماعية وخاصة منها الطبقة العاملة وعموم الموظفين وكذلك مطالب التجار والمهنيين، وقد ساهمت النقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين في إنجاح هذا الإضراب بمشاركة مكثفة لأصحاب المحلات التجارية والمهنية.
وجاء المؤتمر الوطني الثالث الذي أدخل تعديلات على القانون الأساسي للنقابة واتفق المؤتمرون على تغيير اسم النقابة إلى:»النقابة الوطنية للتجار والمهنيين الصغار والمتوسطين»، حتى تتمكن النقابة من توسيع تنظيماتها إلى شرائح مهنية جديدة لم تكن من قبل ممثلة تنظيميا داخل النقابة، وقد تميزت فترة التسعينات بإعداد مذكرات مطلبية أدت إلى فتح حوارات مع الوزارات المعنية كوزارة التجارة، وزارة المالية، وزارة الداخلية.. وقد كانت بعض هذه الحوارات منتجة وأسفرت عن مكاسب مهمة لصالح التجار والمهنيين ولقطاع التجارة الداخلية بصفة عامة، كما أدت هذه الحوارات أيضا إلى مشاركة النقابة في الإعداد للمناظرات الوطنية حول التجارة الداخلية التي أصدر عنها مجموعة من التوصيات المهمة مازالت تنتظر التنفيذ.
المؤتمر الوطني الرابع المنعقد بمدينة طنجة أيام13،12 و 14 مايو كان مؤتمرا ناجحا بكل المقاييس، ساهم في تحول إيجابي في توسيع التنظيم وتطوير آلياته، حيث تم تغيير اسم النقابة مرة أخرى من «النقابة الوطنية للتجار والمهنيين الصغار والمتوسطين» إلى النقابة الوطنية للتجار والمهنيين»، وذلك من أجل فتح المجال أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة ومختلف الحرف المهنية، حيث جاءت تعديلات مهمة في القانون الأساسي للنقابة تسمح بتوسيع آليات تنظيم النقابة على المستويين الإقليمي والمحلي والجهوي.
وبعد الانتخابات البلدية والمهنية والتشريعية سنة 1992 و 1993، تميزت  بحصول النقابة على عدد مهم من الاعضاء المنتخبين في الغرف المهنية على الصعيد الوطني، وقد أفرزت ايضا سنوات  التسعينيات احداثا سياسية هامة جعلت المغرب يتصالح مع ذاته ويقطع مع سلبيات الماضي، وجاء دستور 1996، الذي حظي بقبول واسع من طرف العديد من الهيئات السياسية والنقابية الفاعلة والتي تتمتع بوزن كبير وسط الشعب المغربي وكان ثمار هذا التوافق بين جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله والقوى الوطنية والديمقراطية تأسيس التناوب التوافقي من خلال حكومة التناوب برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي.
ومن الطبيعي أن يكون لهذا الحدث الوطني الكبير انعكاسات هامة على مسيرة وتوجه النقابة الوطنية للتجار والمهنيين بمساهمتها المتميزة، والمشاركة الفعلية في بلورة هذا التوجه إلى عمل ملموس من أجل تفعيل آليات الإنتقال الديمقراطي وخاصة على مستوى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتجارية والمهنية، حيث كانت مشاركة التجار والمهنيين في الاستحقاقات التي أفرزت خلالها صناديق الاقتراع أغلبية حكومة التناوب التوافقي، ومكنت أيضا مجموعة من أطر النقابة ولوج الغرف المهنية من خلال انتخاباتها.
وخلاصة القول، فإن حصاد المكتسبات التي حققتها النقابة الوطنية للتجار والمهنيين على مدار عشرات السنين (أي منذ تأسيسها إلى اليوم)، جاء محصوله مهما بعد فتح باب الحوار مع المكتب الوطني للنقابة من طرف الوزارات المعنية كوزارة الداخلية، وزارة التجارة..وزارة المالية، وأيضا بين التنظيمات النقابية في المدن والأقاليم والسلطات المسؤولة، وذلك بعد توصل هذه الجهات بمذكرات مطلبية عديدة تتضمن مجموعة من المطالب والقضايا التي تهم شرائح مختلفة من التجار والمهنيين، وأن ما تحقق لا يمكن الاستهانة به على مستوى القوانين والتشريعات ومأسسة الحوار الاجتماعي، ويبقى غياب الدعم المادي من طرف الحكومة للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين نقطة غير مفهومة.
وفي الأخير لا بد من بسط هوية النقابة الوطنية للتجار والمهنيين أمام المواطنين والمهنيين من التجار والمهنيين والخدماتيين والحرفيين وأصحاب المقاولات الصغرى والمتوسطة للتعرف أكثر على هذا التنظيم النقابي الوطني التقدمي.
هي منظمة مهنية يمكنها تنظيم وتمثيل قطاع التجارة، قطاع الخدمات، قطاع الصناعة التقليدية والحرفية، قطاع المقاولة الصغرى والمتوسطة، المفتوحة والجامعة للطاقات المهنية الموحدة اقتصاديا واجتماعيا ومعنويا، المنفتحة على الجميع في إطار مؤسس على مبادئ الاحترام المتبادل مع الشركاء والفاعلين بالمؤسسات العمومية (الإدارية والاقتصادية)، وبالمؤسسات المهنية والفرقاء الاجتماعيين (النقابات والجمعيات المهنية) من أجل تأسيس لقواعد الحوار الواضح والهادف البناء، وأيضا من أجل بناء آليات قانونية معقولة ومسؤولة وضرورية حول مستقبل التجار والمهنيين والمستقبل المهني والتجاري والاقتصادي بصفة عامة.
وتعتبر النقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالمغرب قوة مطلبية نشيطة وفاعلة، لأجل: تنمية الفعل النضالي، الاجتماعي والتضماني، و الوطني، وتأطير وتعبئة التجار والمهنيين، وكذا تمثيل منخرطيها والدفاع عن حقوقهم، المهنية، القانونية، الاقتصادية والاجتماعية، المشروعة.
كما تعتبر أيضا قوة اقتراحية بناءة للمساهمة في إرساء بنيات وهياكل قانونية وتنظيمية أحسن وأمتن للمسارات المهنية والتجارية والحرفية، وكذا تنمية النشاط الاقتصادي الوطني، التجاري، الصناعي، الخدماتي والإستهلاكي.
بالإضافة إلى القوة الاجتماعية التعاضدية غايتها تنمية العمل التضامني والتعاوني للفئات الاجتماعية التي تمثلها والرقي بوعي ومدارك منخرطيها الفكرية، الاقتصادية والاجتماعية إلى مستوى أحسن وأفضل.
إن الانخراط في النقابة الوطنية، فضلا عن حق المشاركة المشاعة للجميع في أنشطتها والاستفادة من خدماتها ومجالات وظائفها المتعددة، يمنحك الثقة والأمان، المبنيان على تاريخها النضالي الحافل وعلى حضورها الدائم والمستمر في ساحة الكفاح والمعترك الاجتماعي الوطني وبالتالي على تجربتها الواسعة والطويلة الأمد كلها في خدمة قضايا التجار والمهنيين الصغار والمتوسطين، والضمانة التامة للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمهنية لمنخرطيها، والتأطير والتكوين والتربية على المواطنة الواعية وعلى الشعور بالواجب اتجاه نفسك وغيرك واتجاه مهنتك وعملك تم اتجاه بلدك ووطنك، والرعاية والاندماج في وسط اجتماعي رحب وفي مناخ تضامني وتعاوني شامل، والموقع ضمن الأسرة الواحدة والمكانة داخل مجموع وحدوية المسعى والهدف، واعية بأدوارها مؤمنة وقوية بعدالة قضاياها المشتركة وبصواب حقوقها المشروعة…
-مولاي عبد الله المستغفر الرئيس المؤسس  من مواليد 1933 توفي رحمه الله في شهر شتنبر 1983  ويعتبر مناضلا سياسيا ونقابيا وحقوقيا متميزا رحمه الله وأحسن اليه .
-احمد ابوه ترأس النقابة بعد وفاة الشهيد مولاي عبد الله المستغفر و منذ سنة  1986 وعلى مدار 32سنة كل عطاء وكفاح ونضال واحمد ابوه من مواليد 1948.
-الرئيس الحالي المنتخب في الموتمر الاخير هو نبيل النوري رئيس للنقابة خلفا لاحمد ابوه من مواليد 1965 .


الكاتب : إعداد:مولاي الحسن باجدي

  

بتاريخ : 06/12/2018