في حضور إدريس لشكر ومحمد بنعبد القادر وعدد من البرلمانيين .. اختتام فعاليات الدورة الثالثة لـ «مهرجان كاف النسور» بإقليم خنيفرة تحت شعار الموروث المحلي في خدمة التنمية

على مشارف اختتام فعاليات الدورة الثالثة ل «مهرجان كاف النسور»، إقليم خنيفرة، تم تنظيم استعراض كرنفالي شعبي تطبعه عدة طقوس تقليدية، في حضور الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، محمد بنعبدالقادر، وعدة مسؤولين إقليميين وشخصيات عسكرية ومدنية ومنتخبة وجمعوية، ورؤساء مصالح، وعدد من البرلمانيين، نبيل صبري، ابتسام مراس، رحاب حنان، محمد ملال، أمينة الطالبي، السعدية بنسهيلي، محمد الحبيب نازومي، إلى جانب رؤساء جماعات قروية، ورئيسي المجلسين البلدي والإقليمي لخنيفرة، ونائب رئيس جهة بني ملال خنيفرة.
فعاليات المهرجان الذي حمل هذه السنة شعار «الموروث المحلي في خدمة التنمية»، وامتد على مدى أربعة أيام، من الخميس 3 ماي إلى الأحد 6 ماي 2018، لم يفت خلاله رئيس الجماعة المنظمة للمهرجان، أحمد الدروسي، الترحيب بالجميع في هذا العرس الإقليمي، مجددا تأكيده على نجاح نسخته الثالثة، وأن جماعته ستواصل التزامها بجعله تقليدا سنويا وتطويره من سنة لأخرى بما يساهم في تحريك عجلة التنمية المطلوبة.
وعلى مشارف ساحة شاسعة محاطة بعشرات الخيام، تفاعل الحاضرون والزوار مع استعراضات رائعة ل 20 فرقة (سربة) من عدة مناطق تابعة لأقاليم خنيفرة وخريبكة وصفرو وغيرها، حيث شكلت لوحات ممتعة من «التبوريدة» في أجواء احتفالية فلكلورية، من خلال الأداء والدقة في العروض الشيقة التي تفاعل معها الجميع كفن من الفنون التراثية المغربية التقليدية التي حافظت على طقوسها المتجذرة في التاريخ العربي والأمازيغي، وذلك في مشاهد حاملة للكثير من دلالات حسن الضيافة وحب السلام وعشق التعايش القبلي.
وكم ازدادت الفرجة روعة في إرفاق عروض «التبوريدة» بمجموعات من «عبيدات الرمى» و»أحيدوس»، التي جاء تمازجها لتشارك ضيوف المهرجان بطقوسها المنبعثة من عمق المجتمع المغربي، في حين تميز الكرنفال بمجموعة من الجرارات التي تم بها استعراض أشهر الحرف المعروفة في المنطقة، ولما تتمتع به المنطقة من تقاليد وأعراف شعبية برعت عدة فتيات ونساء في تجسيدها، وكل ذلك تم في استعراض رافقته جوقة لفرقة نحاسية، قبل تتويج المناسبة بتوزيع شهادات وتذكارات تقديرية على عدد من الضيوف.
وتميزت دورة هذه السنة بندوة علمية، من تنظيم «جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي جماعتي سيدي اعمرو وسيدي لامين»، وتأطير الأستاذ الجامعي المولودي السعيدي، ومشاركة الأستاذين المصطفى فروقي ولحسن شيلاص، ومساهمة محمد بلغزواني عن وكالة التنمية الاجتماعية، حيث انطلق فيها السعيدي من جدلية قطب الموروث وقطب التنمية، وأيهما يؤثر في الآخر؟ إلى جانب علاقة مفهوم التراث بمفهوم الموروث، وما ينتقل شفاهيا بين الأجيال، عن طريق العادة، ليكسب قوته في البقاء، كما لم يفت المحاضر استعراض الممارسات والمعتقدات والتعبيرات الفنية السردية ووعي الإنسان بالكون والطبيعة، وما يتعلق بالموروث المادي واللامادي، ودور ذلك في حياة المجتمعات، ومدى الضرورة إلى إخراج هذا الموروث من الدائرة المغلقة وجعله يتفاعل مع حركية المحيط، قبل انتقال المحاضر إلى تبيان أوجه الاختلاف والتطابق بين مفهومي التنمية البشرية والتنمية المستدامة على ضوء وثائق الأمم المتحدة.
أما لحسن شيلاص فانطلق من تأكيده «أن الموروث المحلي فيه عناصر التنمية وليس هو فقط في خدمة التنمية»، و»أن التنمية هي من صميم ثقافتنا دون أن ننتظر من الخبراء الدوليين شرحها لنا»، قبل تركيزه على الغابة والماء كموروث وثقافة لدى ساكنة المنطقة وعلاقة هذه الساكنة بالجبل و»أزغار»، وتناوله بالتحليل العلمي موضوع الرأسمال اللامادي كطرف أساسي ضمن المقاربة التنموية ورهانات الرفع من الإنتاج والدخل العام، كما تحدث بالتالي عن ملفات أخرى لا تقل عن أراضي الجموع وقبائل «إسرفان» والسدود التلية وغيرها من البنيات التي لها أهميتها في الرفع من القدرات التنموية وضمان العيش الكريم.
وبدوره انطلق المصطفى فروقي، في مداخلته، من حالة المآثر التاريخية ببعض مناطق التوتر، وما تتعرض إليه من هجوم وتخريب، ليختار الدخول من هذا الباب للحديث عن أهمية تأهيل وحماية المآثر المغربية، ومذكرا بخمس اتفاقيات وقع عليها المغرب وتدعو في مجملها إلى تجريم المساس بهذه المآثر، والمحافظة عليها كتراث ثقافي، وإنقاذ اللامادي منها وصيانة تعابيرها، ليتساءل فروقي حول ما حققه المغرب من هذه الاتفاقيات، ومدى التزامه ببنودها، علما بوجود تراث مصنف عالميا بأرشيفات اليونسكو، داعيا إلى انخراط جماعي في المحافظة على هذا التراث، مع ضرورة تحميل المسؤولية للجماعات الترابية في الاهتمام بهذا الملف.
ومن جهته، أكد محمد بلغزواني، من وكالة التنمية الاجتماعية، على «ضرورة تثمين الموروث المحلي كرافعة للتنمية، والالتزام الجدي بين كافة المتدخلين من أجل التنسيق والتفاوض لغاية جعل هذا الموروث أداة للرقي بالتنمية السوسيوثقافية»، وعند فتح باب التدخلات تساءل الحضور حول الجهة التي عليها استغلال وتثمين التراث؟ كيف يمكن الجمع بين المصطلحات والمفاهيم لخدمة هذا التراث والخروج من النظري إلى الفعل؟ ومتى يعلم الجميع بأن التراث هو ملك للبشرية جمعاء وليس لجهة بعينها؟ لماذا توقف التاريخ باسم الموروث وآيت أومالو؟ وغيرها من التساؤلات والطروحات الغنية التي لم يفت البعض منها التطرق لما هو محلي، ومن ذلك ما يتعلق بطائر النسر الذي يزور المنطقة الحاملة لاسم كهف النسور.
ووفق تصريحات المنظمين، فقد سجل مهرجان «كاف النسور» كعادته نجاحا ملحوظا على مستوى عدد زواره من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية والفعاليات المدنية، بالنظر لما شكله من متنفس غير مسبوق بالمنطقة في ربطها بمحيطها الخارجي، وقد تم بشراكة مع عدد من جمعيات المجتمع المدني والفعاليات المحلية، وافتتح بسباق على الطريق، ودوري في كرة القدم بمشاركة فرق أحياء وقبائل مجاورة، ودوري في الكرة الحديدية ومباراة في رماية الصحون، ومسابقات ثقافية وأنشطة بيئية وترفيهية، إلى جانب عملية ختان جماعي، استفاد منها حوالي 140 طفلا ينتمون لأسر معوزة، تم التبرع عليهم بألبسة خاصة ومساعدات اجتماعية وأدوية مجانية، مع تتويج المناسبة بموكب للخيول وطقوس تقليدية فنية.
وتميز المهرجان أيضا بمعارض للصناعة والألبسة التقليدية، الخياطة والنسيج والحدادة والخزف، ثم للمنتوجات المحلية والمواد العطرية، والفسيفساء والرخام، كما كان لجمهور الأطفال فضاءات للألعاب المتنوعة والفقرات الترفيهية والمسرحية، بينما حضر الجانب البيئي من خلال حملة بيئية تحسيسية، وموازاة مع ذلك، عاش سكان المنطقة على إيقاع سهرات فنية عمومية شاركت فيها فرقة تغاريد الروح للأمداح النبوية من مريرت، ومجموعات شعبية وعصرية من خنيفرة وكهف النسور وبني ملال، مثل مجموعة آيت لحسن لفن أحيدوس، مجموعة زكرياء للأغاني الشعبية، مجموعة بوعزى لفن الكمان، مجموعة إعشاقن لأحيدوس وغيرها.
وفي ذات السهرات الفنية، شارك الشاب بلال المغربي من مكناس، ومجموعة أوركسترا فؤاد بن دادة ومجموعة عبيدات الرمى سرب الحمام من بني ملال، ومجموعة كمال العبدي من الدارالبيضاء، في حين شارك في التنشيط «الديدجي» بومبولا من بني ملال، إلى جانب قراءات شعرية أمازيغية لمجموعة إنشادن من إيموزار كندر بإقليم صفرو.
وتخللت السهرات الفنية فواصل لتكريم عدد من الفعاليات المحلية والإقليمية، بينما تم توزيع جوائز وميداليات على المتفوقين في المسابقات الرياضية والثقافية والفنية، وفي خضم فعاليات التظاهرة أيضا، تم الإعلان عن الفائز بالجائزة الكبرى للمحترفين في رماية الصحون، قبل إسدال الستار بتوزيع الشهادات التقديرية على المشاركين.
وتروم هذه التظاهرة الثقافية والفنية، إبراز التنوع الثقافي والتعدد اللغوي لخدمة الموروث الثقافي الشعبي، والاحتفاء بالتراث اللامادي للمنطقة، وإبراز موروثها الثقافي وامتدادها التاريخي، كما هي محطة لربط جسور التواصل والتعايش بين أبناء قبائل المنطقة، وفرصة للأجيال الشابة لتفجير طاقاتها وترسيخ انتمائها لتربة أرضها وتاريخ أسلافها، والتعريف بالمؤهلات التراثية والاقتصادية والسوسيو- ثقافية للمنطقة.


الكاتب : خنيفرة : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 07/05/2018