في ذكرى القائد عبد الرحيم بوعبيد ذكرياتٌ  تصِرّ على الاستقرار…وعدم العبور…

هي من بين ذكرياتي الجميلة التي تُمْسِكُني، وتمنحني قوة نكران الذات… وقوة التّشَبٌّث بمبادئ سامية تشبعتُ بها عبر لقاءاتي برجالات هذا الوطن… وكم أنا مُمْتنٌّ لوالدي الذي منحني هاته الهدايا الجميلة من حيثُ لا يعلم…

فتحت عيني في منزل خطّ فيه الشهيد عمر بنجلون التقرير الإيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي…
في ذات المنزل استقبلتُ أعمامي الحقيقيين «كما كان يحلو للوالد أن يُسميهم» مولاي عبد الله ابراهيم، بنسعيد أيت يدر، عبد الرحمن اليوسفي، علي يعتة… وزُرتُ…ابراهام السرفاتي في السجن المركزي وفي كلّ مناسبة كان يحثني في حضورهم على السير على نهجهم.. رغم اختلافهم.. وعلى جعلهم النبراس الذي يضيئ المسير.. وأنا المراهق الثائر كنتُ حائرا.. استقبل ما يقوله والدي…بعديد أسئلة حيرتني حينها.. وفهمت كنهها فيما بعد ..
في الذكرى السابعة والعشرين لرحيل القائد المتميز الكبير ورجل الدولة السي عبد الرحيم بوعبيد، حضرتني تلك الدروس، وحضرتني كذلك ذكرى أول لقاء مباشر لي مع القائد، وكان بالمنزل السالف الذكر قبل 49 سنة، أخذني بين يديه وضمّني  بحرارة حين أخبره والدي بأنني أُرافقه في زياراته لمعتقلي مراكش…وقال لن نلتقي كثيرا، يا توفيق، ولكن ستكون صديقي.. والتقينا مباشرة مرة أخرى بعد عقد من الزمن بمنزلنا بمناسبة تنسيقه وهيئة المحامين إبان التحضير لجلسات محاكمة معتقلي الشهيد عمر بنجلون.. كان المنزل غاصا بكل أصناف الحقوقيين الدوليين منهم والمحليين.. اغتنم الفرصة مرة أخرى واختلى بي، ربّت على كتفي.. وهمس «أنت مناضل على كل الجبهات…».
عند اعتقاله زرته، مع الوالد طبعا، بسجن لعلو…ابتسم وهو يراني وقال…» ألم أقل لك إننا سنكون أصدقاء؟».
بعد ذلك زرته بمنزله، وكانت زيارة تركت بصمتها…كان الوالد قد طلب مني لزوم السيارة إلى حين عودته من لقاء سريع مع عبد الرحيم…دقائق بعد دخوله سمعت نقرا على النافذة.. وحين رفعت عيني وجدت القائد يؤنبني على البقاء بباب المنزل صائحا «في هاته لا تستمع للآسفي. ألم أقل  لك إننا أصدقاء؟» أخذني إلى داخل المنزل الذي كان به رجال دولة يقام لهم ولا يُقعد وأجلسني إلى جواره…كنت محرجا، وكان منتبها لإحراجي…وكان يحدثهم وكأن على رؤوسهم الطير…صوته كان هادئا جدا.. يجعلك تصيخ السمع.. لتلقّي الرسائل.. وكانت كلها تحثُّ على تجميع كل القوى من أجل التصدي للجماعات التي تخرب هذا الوطن…
عبد الرحيم كان إنسانيا…وكان يعرف جيدا مدى قرب الوالد ولقاءه مع كل الحساسيات، ولهذا كان يحثه على البقاء قريبا من كل المناضلين الغاضبين خصوصا والعمل على التجميع…وكان الدرس الذي علق بذاكرتي… أنا الطفل، والمراهق فاليافع الشاب… والكهل كذلك..
ووجدت الجواب في رجع الذكرى عن سؤالي عن الطاقة التي تملكتني وأنا أنخرط في إنجاح لمّة إنسانية حضّر لها، بحماس ونكران ذات قلّ نظيره، شيوخٌ وكهولٌ نهلوا من نفس المدرسة…مدرسة التلاحم والتصاهر والحفاظ على المبادئ السامية …وافهم معنى الإشارات /الدروس التي تشبعتها من ذلك القائد…ومن ذلك الوالد كذلك
على روحك الرحمة السي عبد الرحيم…سأزور قبرك في ذكرى رحيلك…وسأشد بحرارة، دون حساب، على أيدي كل من ينهل من قيمك…وسأحفظ ذكراك…وأعمل على تخليد قيمك السامية في معيشي اليومي


الكاتب : توفيق الوديع

  

بتاريخ : 08/01/2019

أخبار مرتبطة

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

جيد أن تبحث عن ملاذات في أقاصي نيوزيلندا، لكن، أن تحاول تشييد حضارة جديدة على جزر عائمة، فذاك أفضل! إنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *