قصص أقصر من لباسها

 

أخبرني الفقيه ذات يوم أن الكذب يسقط الأنف. ومع إيماني المطلق بما ينطق به لسانه المقدس، وخوفي من فقدان العضو الذي أحشره في كل شيء، كذبتُ عليه عندما سألني عن اتمامي حفظ سورة «الفلق». لمدة أسبوع، كنت أتحسس كل صباح أنفي قبل مغادرة فراشي. وبعد ذلك، بدأت أراقب أنف الفقيه أيضا، لابد أن يسقط أنف أحدنا.
***
كانت جدتي تغني مباشرة بعد الانتهاء من الصلاة فوق السجادة. لطالما حاولت التدخل، لأصحح الأمر، لكنها كانت تبعدني بجملة واحدة: «قرأنكم أولاد اليوم ماشي فحال قرأنا… قرأنكم ماسخ…». عندما أشاهدُ ما حولي من أحداث، أعترف أن كلام جدتي العفوي منطقي ربما، قرأننا لم نفهم منه إلا الدم، لقد مسخناه.
***
كانت المرأة في الدوار عندما تضيق بها السبل تصرخ رافعة يديها للسماء: «الله يأخذ الحق…والى مخداش ليا الحق نشك فيه». ولم يكن يكفرها أحد أو يهدر دمها.
***
على غير العادة لم أستطع اكمال البيضة المقلية في زيت الزيتون، بالرغم من أنني أحبها، بسبب رائحة كريهة تنبعث من المقلاة. أخبرتني والدتي أن الدجاجة تذهب هذه الأيام إلى ديك الجيران. بالرغم من أن الرائحة نتنة إلا أنني استطعت أن أتعرف عليها، نفس الرائحة التي كنت أشمها في حبيبتي السابقة قبل الفراق بقليل: «رائحة الخيانة».
***
عندما أعلن «التعالوكس» موت مولود أثانه، فرحنا كثيرا لأننا كنا نعتقد أن الدحش سيشبه أحدنا. لكن الغريب أن سي المعطي، المتزوج بأربع نساء، اختفى قبل الوضع بقليل. من المستبعد أن يكون الشخص الذي لاذ بالفرار ذات ليلة مقمرة كنا نتلصص لنختلي بها. عندما ذهبنا لنسأل فقيه الدوار، لأنه يهز الخط ويستطيع الاطلاع على الغيب، وجدناه قد اختفى أيضا. كم كان الدوار محظوظا أنه لم يكن بيننا نبي لينطق الدحش الميت.
***
عندما مات «على الفحل» بكت كل نساء القرية والأتن (الحمارات) وصديقي الذي يشتغل إمام مسجد في الخليج.
***
دعت على جارتنا الشمطاء عندما وجدتني أغوص في رضاب ابنتها حتى الثمالة، بصوتها البشع: «الله يعطيك الكوليرا». ولأنني لم أكن أرتكب سوى جريمة الحب، استجيب الدعاء بشكل رومانسي، فأصبت بلعنة الكتابة بالكوليرا.
أمر غريب يحدث كلما كلمت إحداهن على الهاتف، أسمع صوت دعاء أمي دون أن أتبين فحواه. أمس قررت التركيز معها أكثر من صوت الفتاة على الهاتف، لقد كانت تردد: «يا ربي تلصق فيه». أمي فقدت الأمل في الطرق السلمية لتزويجي وأصبحت تناشد الفضيحة لتزويجي.
***
مات جدي ولم أشعر بشيء إلا عندما شاهدت جدتي تبكي وتقول: «لمن خليتيني؟». كأن نجما مات داخل صدري والتهمني. أحرقت بعدها كل كتب الحب، وقررت ألا أستعمل الكلمة منذ تلك اللحظة.
***
جلس بجانبي في المقهى شخص حسن الهندام، يبدو أنه مثقف، تبادلنا أطراف الحديث حول مواضيع مختلفة. وجه لوما عنيفا للصوص المال العام والمفسدين بصفة عامة. بعد انصرافه، أردت دفع حساب النادل لأغادر أيضا، فإذا بي أتفاجأ أن الشاب الأنيق أخبر النادل أن قهوته على حسابي ليتهرب من الدفع.
***
أخبرتني أمي أن من ينام دون غسل أسنانه تستمتع الجنيات بتقبيله ليلا. عندما كبرت وقسمت العزوبية ظهري، أصبحت أتعمد النوم بفمي مملوء بالطعام، لعلني أحظى بقبلة من جنية. ربما اقتربت من ذلك، أمس وجدت جرذا ميتا بجانبي بعدما أخذ قبلة من فمي.
***
أبحث كل يوم بين الجرائد الالكترونية عن الجعران الذي أدخلت شوكة في دبره عندما كنت أحاول القيام بأول تجربة علمية في حياتي. أعرف أنه يستطيع تحقيق الشهرة كما استطاع جر علبة عود الثقاب، وأومن أنه سيصعد الى «الطوندونس» كجعران مثلي.
***
عضني كلب عندما كنت صغيرا، لم تكن والدتي تؤمن بالطب بسبب الحالة المادية للأسرة فاكتفت بالدعاء. أجمعت الآراء في الدوار أنني سأتوفى بعد أيام بداء الكلب باعتبار الكلب مسعورا. وبعد أسبوع، مات الكلب بداء البشر.
***
تعلمت قراءة الساعة حتى قبل أن أعرف الأرقام، كنت لازلت أنظر إلى الرقم ثمانية كصفر يضع حزاما على خصره. عندما تدخل «فاضمة» إلى المسيد، حاملة ما لذ وطاب للفقيه الجشع، أعرف أنها الثانية عشرة وقت الاستراحة. عندما تأتي «فوزية» لتكتب «السبوب» لزوجها نكون قد أمرنا بقراءة القرآن جهرا، كي لا يسمع المارة حوارهما، فأعرف أنها حوالي الثالثة. وعندما تأتي «يامنة» المتبرجة (سامحنا الله)، أكون على يقين أنها ساعة الحرية، حتى لو جاءت في الصباح الباكر.
***
في البداية أسقطت حافظة نقودي مليئة، بعدها أسقطت اسم حبيبتي، ثم أسقطت أسماء أصدقائي. استمرت العملية إلى أن أسقطت اسمي، ولم أتذكر بعدها أنني أسقطت شيئا يوما ما.
كنا في الدوار نتشابه، وحتى الجيل الذي تلانا كان كذلك، ربما دعوة فقيه المسجد أن يجعلنا الله إخوة كل جمعة كانت أقوى من جينات أبائنا. لكن عندما مات فقيه الدوار أصبح كل مولود يشبه والده بالرغم من أن الفقيه الجديد حافظ على نفس الدعاء.


الكاتب : عبد الجليل ولد حموية

  

بتاريخ : 19/07/2019