يتطرق الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي
) 2002 1998(في مذكراته بعنوان “أحاديث في ما جرى”، إلى قضية الاختطاف الغامضة بباريس عام 1965 للمعارض التاريخي الشهيد المهدي بن بركة والدور “المحوري” للمشتبه به الذي لا يزال حيا العربي الشتوكي.
وكان اليوسفي (94 عاما)، أحد مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع بن بركة، الشاهد الرئيسي في المحاكمة الأولى للمتهمين في اختطاف هذا الأخير.
وانتهت هذه المحاكمة عام 1967 بإدانة العربي الشتوكي بالمؤبد غيابيا، إلى جانب متهمين فرنسيين ومغاربة. لكن المحكمة لم تتوصل لهويته الحقيقية، فبات التعرف عليه مفتاحا مهما لكشف مصير بن بركة الذي لم يتضح حتى اليوم.
كان بن بركة وهو من أبرز وجوه مكافحة الاستعمار، تعرض للاختطاف في 29 اكتوبر 1965 بباريس. ولم يعثر حتى الآن على جثته ومازالت أسرته تتساءل عن مصيره وهوية القتلة وعن مسؤولية السلطات الفرنسية والمغربية وإسرائيل والولايات المتحدة في ذلك.
وكتب اليوسفي في مذكراته، الصادرة مؤخرا في المغرب “إن شخصية العربي الشتوكي محورية (…) والكل يعرف أنه نفسه ميلود التونزي التابع لجهاز الاستخبارات المغربي غير أنه ظل ينكر ذلك”.
وذكر بما حدث أثناء المقابلة التي أجرتها هيئة الإنصاف والمصالحة (عام 2005) مع التونزي، حين “أنكر كل الأعمال المنسوبة إليه، والتي تؤكد كل الدلائل أنه قام بها، ولكنه في الأخير اعترف بحقيقة واحدة، وكانت كافية، وهي أنه كان يسافر بجواز سفر يحمل اسم العربي الشتوكي”.
وكان التونزي بين خمسة مشمولين بمذكرات توقيف دولية أصدرها عام 2007 قاضي التحقيق الفرنسي المكلف بالملف بين 2004 و2013.
والتونزي آخر الأحياء بين المشتبه بتورطهم المباشر في اختطاف الشهيد المهدي بن بركة، بعد وفاة كل من المسؤول السابق في جهاز المخابرات عبد الحق العشعاشي، في 23 سبتمبر 2017، والممرض بوبكر الحسوني في 2 اكتوبر 2015، وكلاهما من المشتبه بهم الرئيسيين.
وكان اليوسفي قد وجه نداء “من صميم القلب إلى الدولة المغربية للكشف عما تعرفه من حقائق هذه الجريمة، ولمطالبة الدول التي شاركت فيها وتم الاختطاف والاغتيال على ترابها الوطني بالكشف عن الحقيقة كاملة”، وذلك خلال حفل في الرباط عام 2015 إحياء للذكرى الخمسين لاختطاف بن بركة.
وحكم في هذه القضية على وزير الداخلية حينها محمد اوفقير غيابيا بالمؤبد في 1967 في محكمة بباريس. كما حكم على أربعة “بلطجية” فرنسيين ورطوا في الاختطاف إضافة إلى المدعو العربي الشتوكي.
وعبر القاضي قبل عامين عن أسفه لتمكن المشتبه به التونزي من العيش “بكل هدوء في الرباط على بعد أمتار قليلة من جادة بن بركة”.
وعاد اليوسفي في مذكراته إلى السياق التاريخي الملتبس لهذا الاختطاف، ليكشف أن التخطيط له بدأ منذ أبريل 1965. وهو نفس الشهر الذي استقبل فيه الملك الحسن الثاني أربعة من رفاق بن بركة، اللاجئ إلى الخارج بعد حكم بإعدامه، وأبدى استغرابه لتأخر عودته إلى المغرب للمشاركة في حكومة وحدة وطنية.
وأوضح اليوسفي الذي كان حاضرا اللقاء “هنا تدخلت، وأخبرت صاحب الجلالة بأن لديه بعض الالتزامات الملحة تتعلق بالتحضير لمؤتمر شعوب القارات الثلاث. وأضفت “لكن، إذا رأى جلالتكم الاستعجال بعودته إلى المغرب، فإني على استعداد أن أسافر لأعود به في أقرب وقت”.
لكن الملك قال “لقد فات الأوان”.
وأضاف إن بن بركة “لم يكن لديه تخوف من الملك، ولكنه لا يثق في بعض الضباط الذين يهيمنون على أمن البلاد، في إشارة إلى الجنرال أوفقير الذي كان وزيرا للداخلية”.
وقاد اليوسفي حكومة التوافق الوطني بعد 33 عاما على المحاولة التي لم يكتب لها النجاح في 1965. واعتبر بذلك أول زعيم معارضة يصل إلى الحكم بشكل توافقي في العالم العربي.
ويخصص حيزا في مذكراته للمخاض الذي سبق ميلاد هذه الحكومة، والعراقيل التي واجهتها طيلة مدة ولايتها ما بين 1998 و2002، وصولا إلى اعتزاله العمل السياسي عام 2003 والتزامه الصمت مذاك.
وهذا ما يعتبر احتجاجا منه على فشل التجربة في تحقيق الانتقال الديمقراطي كما كان مؤملا منها.
وحظي اليوسفي بحفل تكريم بمناسبة إعلان مذكراته مساء الخميس بالرباط، تزامنا مع ذكرى ميلاده الرابع والتسعين، حضره جمهور غفير وشخصيات مغربية وأجنبية مثل رئيس الوزراء الاسباني الاسبق فيليبي غونزاليس والدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر إبراهيمي.
وكان تم توقيف اليوسفي مرتين خلال “سنوات الرصاص” عامي 1960 و1963 وأفرج عنه في 1964 ثم عاش حياة المنفى من 1965 إلى 1981 حين أصبح المعارض العربي الوحيد الذي يتولى رئاسة حكومة “بالتناوب”.
قضية المهدي بن بركة تعود مجددا في مذكرات اليوسفي : الكل يعرف أن العربي الشتوكي هو نفسه ميلود التونزي التابع لجهاز الاستخبارات المغربي
بتاريخ : 12/03/2018
اترك تعليقاً