كل ما قاله عمر بنجلون عن الاستفتاء والتحالف الجزائر الإسباني والموقف الرسمي

 موقفنا من استرجاع الصحراء موقف جدي لايسمح بأي تهاون مهما كانت أسبابه ومقاصده

 

لم يتردد الشهيد عمر في الدفاع عن القضية الوطنية، قضية الصحراء، رغم التوتر السائد آنذاك، في منتصف السبعينيات بين الدولة والاتحاد، ولم يضع الشهيد عمر بنجلون هذه القضية في ميزان الصراع أو ضمن معادلة التأزيم، لقد كان واضحا كعادته، ولما جاء الفقيد الكبير عبد الرحيم بوعبيد لزيارته في السجن بالقنيطرة، وكان وقتها معتقلا ضمن من اعتقلوا في ملف أحداث مولاي بوعزة الشهيرة وسأله عن موقفه من عرض سياسي من طرف الدولة يقوم بموجبه عبد الرحيم برحلة للدفاع عن مغربية الصحراء لم يتردد في الدفع بالايجاب، بل إن عمر، رحمه الله، واصل نفس الموقف ودافع عنه عند خروجه من السجن، ولهذا كتب الشهيد « لسنا هنا في حاجة إلى التذكير بأننا لبينا نداء الواجب منذ أول وهلة، وبدون تردد، وأننا ساهمنا بآرائنا وبتحركاتنا وبرصيدنا في الداخل والخارج، من أجل استرجاع صحرائنا المحتلة، إيمانا منا بأن القضية هي قضية المغرب كله، قضية الأجيال السالفة واللاحقة، القضية التي يجب أن نتجاوز فيها جميع الاعتبارات والاختلافات المذهبية». هذا الموقف، كان يميز فيه بين الوطني الجامع وبين التدبير الرسمي، بين الأحقية الوطنية الثابتة و»الاجتهاد» الديبلوماسي، لذلك قال الشهيد عمر بنجلون « هذا لايعني أننا سنصفق دوما لموقف الجهاز المسير، ولا لحركات وسكنات الحكومة، إن رأينا في هذه القضية المقدسة، وفي غيرها من القضايا الوطنية الأخرى، رأي واضح، وموقفنا منها موقف جدي لايسمح بأي تهاون مهما كانت أسبابه ومقاصده، ولذلك، فإذا كنا قد جندنا أنفسنا للدفاع عن قضيتنا والمساهمة الجدية في خدمتها بإبداء الرأي وتقديم الاقتراحات، فإننا نرى أنه من حقنا، بل من واجبنا تتبع تطورات القضية بكل انتباه وحذر، وعدم التردد في التنبيه إلى مواطن الضعف، والتشهير بمكامن النقص والتنديد بالمواقف التي يطبعها التردد أوالإهمال».
ومن منطلق الربط الدائم والجدلي الذي ميز فكر عمر رحمه الله عن الديموقراطية في معركة التحرير·· «لأننا لانرى أي تناقض أو تعارض بين التعبئة الفعلية والحقيقية من أجل تحرير الأرض، وبين المطالبة بإرساء أسس الديمقراطية الفعلية والحقيقية في هذه البلاد، بل إننا بالعكس من ذلك، نرى في الديمقراطية الفعلية والحقيقية الوسيلة الوحيدة التي بإمكانها أن تخلق الشروط الذاتية والموضوعية للنضال المرير الذي نحن مطالبون به، النضال من أجل استرجاع أرضنا وتحرير اقتصادنا وسياستنا وتشييد صرح مستقبلنا، تلك هي نظرتنا إلى الأمور، النظرة الشاملة التي يمليها علينا الارتباط الموضوعي القائم بين مختلف قضايانا الوطنية، الارتباط الجدلي الذي لايسمح بعزل الجزء عن الكل، ولا بمعالجة الكل معالجة مجردة وكأنه لا أجزاء له، إنه نفس الموقف الصريح والواضح الذي عبر عنه مؤتمرنا الاستثنائي حينما ربط ربطا جدليا محكما بين التحرير والديمقراطية والاشتراكية «.
ولا يوجد الآن شك في صواب النظرة التي ميزت عمر وحزب الاتحاد آنذاك وأصبحت قيمة الديموقراطية من القيم الأساسية في بناء الحصانة الوطنية والقوة الديبلوماسية في الوقت الراهن، لقد اعتبر الشهيد عمر أن الاستفتاء «كذبة» واعتبرها « أسطورة ومغالطة· إنها مغالطة لايمكن إلا أن تكون متعمدة بالنسبة لكل من يعرف الصحراء ووضعيتها ووضعية سكانها، إنها كذبة مهما كان موضوع «الاستفتاء» المزعوم أو الاسئلة التي قد يتم عليها التصويت، نعم هناك المشكل الأول المتعلق بالسلطة التي قد تشرف فعليا على هذا الاستفتاء وتحضيره وتهييء ظروفه .. مشكلة تفترض أنه قد يمكن حلها وتجاوزها بحيث لم يبق إلا المشكل الثاني الذي يتعلق بهوية سكان الصحراء ومقاييس تحديد هوية المقترعين، وهنا تبدأ المشكلة الأساسية والناتجة عن طبيعة السكان الرحل الذين يتجولون عبر جميع الحدود الموجودة في المنطقة والذين منعوا من هذا التجول وأصبحوا لاجئين وراء «الحدود» مع المغرب أوالجزائر أو موريتانيا، فهل مقياس الاقتراع هو أوراق التعريف التي سلمتها إسبانيا إلى حد الآن أوالتي قد تسلمها من الآن فصاعدا، وفي هذه الحالة قد يكون المستعمر الإسباني هو المتحكم في تحديد «شعب الصحراء»، واللاجئون هل يمكن أن نتصور بأن اسبانيا قد تقبل عن طواعية تسليمهم أوراقها الرسمية؟
وإذا كانت هذه «التصفية للاستعمار» قد لا يقبل الاعتراف لإسبانيا بتحديد مقاييسها، فماذا قد يكون الأمر ومن هذا الذي سوف يحدد مقياس حق الاقتراع؟ إن كل «قطر معين» سوف يدفع بالرحل الموجودين على ترابه للدخول إلى الصحراء في وقت الاقتراع للتصويت على الحل الذي يناسبه، وهذا ما يعرفه كل «طرف معني» الشيء الذي يفترض من أول وهلة التفاوض والتشاور في المقاييس، وبالتالي في تحديد مصير الصحراء، هذه هي الحقيقة، وهذا هو المنطلق الذي لايستعمل فكرة الاستفتاء إلا مغالطة من أجل فرض هذا التشاور، هذا التفاوض وهذه المساومة من أول وهلة··· وهذه هي بالضبط الاستراتيجية الجزائرية بحيث تضع تقرير المصير وفكرة الاستفتاء مع العلم أنها فكرة غير قابلة للتطبيق؟»
وبعد ست سنوات على اغتيال الشهيد عمر دخل القادة الاتحاديون السجن سنة 1981 وعلى رأسهم الفقيد عبد الرحيم بوعبيد بعد أن صرخ أمام المحكمة «رب السجن أحب إلي من التفريط في حبة من وطني» وتأكد الخطأ الذي نبه إليه الشهيد قبل ذلك بسنوات.
وفي باب التواطؤ بين الجزائر وإسبانيا، حلل الشهيد ما عاد اليوم موقفا شبه ثابت في استراتيجية المنطقة من تحالف مدريد والجزائر:» إن الأمور الآن واضحة تماما، فعلى الشعب المغربي، وعلى الرأي العام الإفريقي والدولي أن يعرف الحقيقة، حقيقة تواطؤ الجزائر مع اسبانيا، واتفاقهما معا على إفشال مساعي المغرب في الميدان الدبلوماسي وفي المحافل الدولية من أجل استرجاع أراضيه وتحقيق وحدة ترابه».
وقد شهدنا بعد 11 شتنبر وبعد أزمة جزيرة ليلى كيف انحازت الجزائر إلى أطروحة مدريد وكيف عملت كل واحدة منها على دعم الأخرى في مجلس الأمن حتى أصبح المغرب يواجه عاصمتين اثنتين للبوليزاريو في المنطقة!
وكان الشهيد على حق أيضا، كعادة كل الشهداء.


بتاريخ : 06/11/2018

أخبار مرتبطة

بمشاركة 1500 عارض من 70 بلدا تتقدمهم إسبانيا كضيف شرف   انطلقت أمس بساحة صهريج السواني بمكناس فعاليات دورة 2024

يرى خالد السراج، عميد كلية الطب والصيدلة بوجدة، أن ما تم تحقيقه اليوم بالنسبة للمسار التكويني الممهد لممارسة مهنة الطب،

بكثير من الانشغال، عبّر الأستاذ سعيد المتوكل، وهو يلتقي «الاتحاد الاشتراكي» حين إنجاز هذا الملف، عما يؤرق باله ويختلج صدره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *