كنت في تونس الجديدة عندما أشعل نجل الرئيس فتيل أزمة بين القائد السبسي والشاهد .. 9

في صبيحة، قبل يوم من مجيئنا، انشغلت بالسؤال السياسي، كانت نورة معي على قهوة الصباح،تداولنا موضوع المشهد الحزبي وتداعياته في تونس الجديد، وتوقفنا عند واقع حركة النهضة، ونداء تونس، وضع اليسار بعد ثورة الياسمين التي لم تنتج إلا حالات التردي عندما خيم الظلام على الخضراء.

 

في صبيحة، قبل يوم من مجيئنا، انشغلت بالسؤال السياسي، كانت نورة معي على قهوة الصباح،تداولنا موضوع المشهد الحزبي وتداعياته في تونس الجديد، وتوقفنا عند واقع حركة النهضة، ونداء تونس، وضع اليسار بعد ثورة الياسمين التي لم تنتج إلا حالات التردي عندما خيم الظلام على الخضراء.
اقترحت نورة أمام ضبابية المشهد، أن نحرك هواتفنا طالبين أرقام أصدقائنا من المشهد الحزبي لتوضيح بعض معالمه، ومن أجل تعميق السؤال حول هذا المشهد الحزبي.كنا نهاتف أرقاما لا ترد وأخرى ردت بعد تكرار المحاولة.
كانت الأجوبة جد متقاربة مع ماقاله صديقنا رشيد الذي بدا لي أنه دقيق في تحليلاته عندما وصف المشهد « بعدم التوازن خاصة في ظل تمادي ظاهرة السياحة الحزبية، وعدم الاستقرار داخل الكتل النيابية في مجلس نواب الشعب، مؤكدا كما ذهب الكثيرون، أن انتخابات 2014 أفرزت مشهدا حزبيا غير متوازن وهجين خاصة بعد انتصار حزبي «حركة نداء تونس» في المرتبة الأولى، وحركة النهضة في المرتبة الثانية بغالبية مقاعد مجلس النواب، في المقابل أحزاب أخرى لها تمثيلية ضعيفة.وقال صديقي المنتقد لوضع اليسار، كما أكدت ذلك آراء أخرى ، أن الأزمة السياسية داخل حزب نداء تونس وانقسامه إلى عدة أحزاب أثر جدا على المشهد الحزبي الذي بدا في البداية يشهد التوافق بين الرئيس الباجي قايد السبسي بحزبه المنتصر نداء تونس وراشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة.
وأكد أصدقائي فيما رأيت أنه مشترك في الرأي بينهم أن الأزمة السياسية ظهرت بعد تواصل الانقسام وحلول أزمة القيادة والزعامة داخل حزب نداء تونس، والإطاحة بحكومة الحبيب الصيد ، كما أن الانقسام داخل حركة نداء تونس أفرز كتلة نيابية جديدة تحمل اسم مشروع تونس بقيادة محسن مرزوق وتعيين يوسف الشاهد رئيسا للحكومة . وأكد محاوري أن حركة نداء تونس حافظت على الرئاسات الثلاث اي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ورئاسة الحكومة، ولكن الصراع على قيادة حزب حركة نداء تونس وسيطرة نجل الرئيس السبسي، أشعل فتيل أزمة بين الشاهد رئيس الحكومة وحافظ قايد السبسي، فتكونت كتلة نيابية جديدة تحمل اسم االائتلاف الوطني، وبالتالي تغير المشهد السياسي الذي أفرزته انتخابات 2014، فأصبحت حركة النهضة في المرتبة الأولى وكتلة الائتلاف الوطني في المرتبة الثانية وتأتي حركة نداء تونس وكتلة المشروع بعدهم ثم كتلة الجبهة الشعبية وهي تمثل اليسار والكتلة الديمقراطية وهذا التغيير –يقول محاوري- جعل الشاهد يتحالف مع كتلة النهضة والائتلاف الوطني والمشروع وتم تعيين حكومة جديدة في حين أصبحت الكتلة المنتصرة نداء تونس في المعارضة في المقابل التمثيلية الضعيفة للأحزاب الدستورية واليسار والأحزاب التقدمية الوسطية يجعلها في وضع الملاحظ والمعارض دون التأثير على تغيير الشأن العام السياسي والاقتصادي في البلاد.
وعن حركة النهضة، يرى صديقي، أنها المنتصر الدائم خاصة لحفاظها على تماسكها وهيكلتها وعدم الانقسام داخلها رغم تراجعها الكبير في الانتخابات البلدية و تقدمها، يكمن في الإحراز على كتلة نيابية هي بمثابة، المرتبة الأولى في البرلمان، ناهيك عن أن النهضة هي الحزب المنتصر في البلديات، وتأتي في صدارة الحركة لقوة هيكلتها وتنظيمها واستغلالها للأزمات الداخلية لخصومها، وكذلك تشتت الأحزاب في المعارضة وضعف تمثيليتها.
واستفادت الحركة من توافقها مع حركة نداء تونس وفي مرحلة لاحقة تحالفت مع رئيس الحكومة وحفاظت بذلك على حقائب وزارية أساسية.
وفي سؤالي عن الآفاق، قال صديقي اليساري الذي بدا جد صريح في تناوله للمشهد، أن الآفاق التي تبدو أن البلاد قادمة على أزمة سياسية خانقة خاصة وأن رئيس الجمهورية غير موافق على التعديل الوزاري الجديد وانتهاء التحالف والتوافق مع النهضة والأزمة الاقتصادية الحادة خاصة تواصل الديون الخارجية وإنذار باندلاع فتيل أزمة بين اتحاد الشغل والحكومة على خلفية تردي الوضع المعيشي وتراجع المقدرة الشرائية للتونسيين، وهي أزمة عامة للبلاد لايمكن حلها الا بالتوافق والحوار من جديد وانتظار انتخابات 2019 أو انتخابات مبكرة، وهي مسألة مستبعدة، وذلك لعدم جاهزية الأحزاب لها.
ويبدو المشهد الحزبي جد معقد في تحالفاته، فلا اليمين يمينٌ ولا اليسار يسار، واختفت كل معالم التوجهات الإيديولوجية حتى حركة النهضة تلونت وتنازلت عن مجموعة من قناعاتها المحافظة جدا، مبررة ذلك باعتبارات لا يمكنها أن تقنعك، وهي تنتقل بسرعة البرق من فضائها التقليداني إلى فضاءات حرية المرأة مرة وحرية المثليين مرة أخرى، فيما تراه صديقتي نورة أنه واقع صادم للتونسيين الذين دعموا النهضة وقدسوا قياداتها، حتى أصبحت في زمن مضى، لا تسمع إلا حركة النهضة في الأزقة والدروب، تجمع ورود الياسمين وتضعها في بنكها الانتخابي في صندوق مكنها من إحراز المقاعد الأولى محليا ووطنيا، وظلت بذلك الأحزاب الأخرى ومنها اليسار التونسي يبحث عن الأسباب التي جعلت هذه الحركة تستفيد من ثورة التونسيين ضد نظام بنعلي في الوقت الذي لم تساهم في هذه الثورة، الشيء الذي يسجل ركوبا واضحا وصريحا على قضايا الحرية والكرامة والعدالة كمطالب مشروعة للشعب التونسي….لنا عودة.


الكاتب : بديعة الراضي

  

بتاريخ : 16/11/2018