لهذه الأسباب اختلفت مع السي عبد الرحيم

نعيد نشر الحوار/ السيرة التي سبق نشرها في فبراير 2010.
قضى الحبيب الشرقاوي ستين سنة من العمل الوطني والسياسي، منذ أن انخرط في حزب الاستقلال سنة 1950 وكان قد مضى عليه 18 سنة. وكان طبيعيا أن يلتحق بمدرسة الوطنية لأن والده رحمه لله كان أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، كما كان رحمه لله صديقا لكبار القادة الاستقلاليين وواحدا منهم .. الحبيب الشرقاوي، الذي يعرف الكثير من المناضلين أنه لا يخشى في الحق لومة لائم، والرجل الامين والمتكتم، يفتح قلبه للاتحاد الاشتراكي ليرحل بنا عبر ذكرياته منذ ايام الشهيد المهدي الى مغرب الناس هذا، مرورا بسنوات الجمر وبالمعتقلات وبالاسرار السياسية … وبقضايا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…

 

p قبل انتخابك عضو في المكتب السياسي هل سبق وان اختلفت مع الأخ عبد الرحيم بوعبيد؟
nn كان في ذلك بداية السبعينات بمناسبة خروج الأخ المقاوم سعيد بونعيلات من السجن. استدعاني المرحوم كما استدعى الأخ اليازغي وأخبرنا بموعد الإفراج على الأخ بونعيلات. وكلفني باستقباله بباب السجن المركزي بالقنيطرة، ثم نقله ليستريح بعض الوقت بالرباط ومنه أن أسهر على تنظيم رحلته إلى الدار البيضاء. لم استسغ والأخ اليازعي ذلك. فمقاوم ومناضل من حجم سعيد بونعيلات لابد وأن يحظى باستقبال يليق له. ليلة الافراج عنه قمت بالاتصال بعدد كبير من المناضلين في الأقاليم والذين تقاطروا بأعداد غفيرة الى سجن القنيطرة، وخصصوا للأخ بونعيلات استقبالا رائعا، وتشكل موكب ضخم من السيارات رافقه إلى منزلنا بمارسا، الأمر الذي أحدث ارتباكا كبيرا في حركة السير بالعاصمة.
بمنزل الاستقبال كنت والأخ اليازغي ننتظر وصول الأخ عبد الرحيم بوعبيد وننتظر أيضا رد فعله. التحق بنا الأخ عبد الرحيم وتوجه إلي منتقدا. لم نرد على انتقاده وتحملت أنا و اليازغي مسئولية ما وقع. أشير فقط أن الفضل في الإفراج عن الأخ بونعيلات يرجع إلى المناضل والمقاوم حسن صفي الدين. ذلك أنه في إحدى المناسبات الرسمية، استدعى الملك الراحل عددا من الشخصيات وطُلب منها الحضور باللباس المغربي. حضر الأخ صفي الدين باللباس العصري أو الأروبي. بينما الملك الراحل يتجول بين الضيوف، صادف الأخ صفي الدين وقال له: أين الجلباب ياحسن؟ كان جواب الأخ حسن صفي الدين رحمه لله أنه لن يلبس الجلباب إلا أن يطلق سراح الأخ بونعيلات. فرد عليه الملك: لقد أتعبتني كل مرة بطلبك هذا. بعد ذلك بأشهر غادر الأخ سعيد بونعيلات سجن القنيطرة.

p كنت بلا شك تعرف عددا من رجال المقاومة؟
nn هو كذلك. كنت أعرف المناضل والمقاوم الفذ محمد بنسعيد آيت يدر. وآخرين هم في دار البقاء: حسن صفي الدين، الحاج العربي، ابراهيم تروست، بوشعيب الكالي (الحريري)، العربي الفكيكي، الحسين الخضار، وعمر المسفيوي. ومن الأحياء: الغالي العراقي، الحسين برادة، سعيد بونعيلات، محمد بن الضاهر ومحمد بنحمو. بالنسبة لهذا الأخير فقد سهرت، متطوعا، على أن يتابع أبناءه دراستهم بعد اعتقاله. وكلما التقيت به وبعائلته بعد الإفراج عنه، كان يشير إلي ويقول لأبنائه: هذا هو أبوكم.

p بعدما أصبحت عضو في المكتب السياسي هل اختلفت مع السي عبد الرحيم أو تصادمت معه؟
nn بالفعل، كان ذلك عقب غزو العراق للكويت. ففي اجتماع للمكتب السياسي حول الموضوع اقترح بعض الإخوة إصدار بيان في تأييد للرئيس صدام حسين. طلبت الكلمة، فأكدت أن علينا إصدار بيان عكس ذلك، يطالب صراحة بانسحاب العراق من الكويت. ثارت ثائرة الأخ عبد الرحيم ورفض اقتراحي وبعنف شديد لم أعهده في الرجل.
وصدر البلاغ. ولأن للسي عبد الرحيم رحمه لله خصال حميدة كثيرة وبعد شهرا من هذه المواجهة، أتى المرحوم لمقر الحزب قبل ساعة اجتماع المكتب السياسي .دخل مكتبي وبعدما جلس، اعتذر لي عما صدر عنه في حقي خلال ذلك الاجتماع، معترفا أن رأيي كان هو الرأي الصائب وأنه كان مخطئا في التقدير وفي الموقف أيضا.

p ضعنا في أجواء الاجتماعات الأولى للمكتب السياسي؟
nn مع بداية أول الاجتماعات بدء الخلاف خصوصا مع الأخوين الأموي وعبد المجيد بوزبع. كانت اجتماعات يُخيم عليها التوتر وتدوم لساعات طوال. كانت اجتماعات مرهقة حقا.

p كيف كان الاصطفاف داخل المكتب السياسي ؟
nn اصطف الأعضاء في فريقين اثنين.

p بلا شك عايشت الأيام الأخيرة من حياة الأخ عبد الرحيم بوعبيد؟
nn قبل أشهر من وفاته، توجهت مع الأخ اليازغي لمنزل الراحل لاطلاعه على نص مشروع بيان. فتحت زوجته باب المنزل وعلامات الحزن بادية على محياها، فاضطربنا بعد الشيء. بعد تحية الأخ عبد الرحيم، صارحنا هذا الأخير أنه مصاب بداء السرطان وأنه مقبل على إجراء عملية جراحية في غضون الأيام المقبلة. ودونما شعور، تناول سيجارة بين يديه، قلت له: عليك الآن أن تتجنب التدخين. فرد علي رحمه لله، أبعد خمسين سنة تريدني الآن أن اقلع عن التدخين؟ بعد العملية الجراحية، التي أجريت له بفرنسا، تحسن وضعه الصحي بعض الشيء لكن سرعان ما بدأ يتدهور يوما بعد يوم. الأمر الذي حدا بالأخ عبد الرحيم لإلقاء كلمة وداع مؤثرة في آخر اجتماع للجنة المركزية في نوفمبر 1991.
pقبل هذا التاريخ اقتُرحَ على الأخ عبد الرحيم أن يعين نائبا له لمساعدته في تحمل أعباء الكتابة الأولى..

nnرفض المرحوم عبد الرحيم رفضا باتا تعيين نائب له، لقناعته راسخة لديه أن الأمر يهم المناضلين وعليهم تقع مسئولية اختيار خلف له بعد وفاته.
أشهر قليلة قبل الوفاة فاتحه الأخ محمد الحبابي مرة أخرى بل وعرض عليه مشروع قرار في هذا الشأن. لا أدري ماذا دار بينهما، إلى أن جاء اليوم الذي حمل لي الأخ محمد الحبابي رسالة موقعة من طرف الكاتب الأول، يعين فيها الأخوين عبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي نائبين للكاتب الأول، فسهرت على بعثها لكافة أعضاء اللجنة المركزية .

p وقتها هل فكرت في من سيخلف الأخ عبد الرحيم في الكتابة الأولى للحزب؟
nn قبل 3 أشهر ،على وفاة السي عبد الرحيم، كنت والأخ عبد اليوسفي على موعد لحضور اجتماع المجلس الإقليمي بتطوان.
وفي طريقنا طلبت من الأخ اليوسفي أن يهيئ نفسه لتحمل مسؤولية الكتابة الأولى للحزب نظرا لتدهور الحالة الصحية للأخ عبد الرحيم بوعبيد . لم أتلق منه حينها أي جواب.

p متى وصلك نبأ وفاة السي عبد الرحيم بوعبيد؟
nn يوم وفاته، زرته بمنزله رفقة الأخ اليازغي وودعناه على الساعة العاشرة ليلا وكان في وضع صحي متدهور للغاية. على الساعة الثالثة صباحا اتصل بي الأخ اليازغي يخبرني بوفاة القائد الكبير عبد الرحيم بوعبيد. فورا توجهت إلى منزل الفقيد وتعمدت عدم إخبار المناضلين في الأقاليم إلا ابتداء من الساعة 8 صباحا.
وبقيت هناك انتظر وصول الأخ عبد الرحمان اليوسفي قادما من مدينة «كان».
وصل الأخ اليوسفي اقترحت أن يودع الفقيد ثم بادرت وقلت له أنت من سيأبن الفقيد العزيز. قال إنه لم يهيأ بعد كلمة في الموضوع، فاقترحت عليه أن يذهب للفندق ويعمل على صياغة كلمة التأبين. والحق أنها كانت كلمة في مستوى الحدث وكانت رسالة إلى كافة الاتحاديين. وشيعت جنازة الفقيد في موكب ضخم وبحضور كبير من المواطنين والمناضلين في جو من التأثير عقب فقدان الحزب والمغرب لأحد السياسيين الكبار. رغم أجواء الحزن كنت أفكر مرة أخرى في مرحلة ما بعد رحيل السي عبد الرحيم وتفادي أن يكون هناك فراغ في قيادة الحزب. اجتمعنا كمكتب سياسي بمنزل الأخ محمد الحبابي يوم الأريعاء 15 يناير1992، وطُرحت فيه مسألة الكتابة الأولى ومن سيشغلها. تحفظ البعض، واقترح الأخ الأموي التريث لبعض الوقت وعدم التسرع. شخصيا وإخوان آخرين كنا من الراغبين في حسم الأمر حتى لا يكون هناك فراغ على رأس هرم الحزب. فعلا، وفي ذلك الاجتماع تقرر أن يكون الأخ عبد الرحمان اليوسفي كاتبا أولا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .

p بعد الحسم في مسألة الخلافة والسرعة التي تم بها، راج أنكم بذلك قد قطعتم الطريق أمام أي تدخل من خارج الحزب، القصر الملكي مثلا، سيما وأنه كانت اتصالات غير مباشرة بين الملك والفقيه البصري منذ 1990.
nn شخصيا استبعد أن تكون هناك أي نية للتدخل في شؤون الحزب في تلك الفترة، بل واستحالة مثل ذلك التدخل. هاجسنا كان السهر على أن لا يكون هناك فراغ على رأس الحزب. الصداقة التي كانت تجمعك مع ألأخ عبد الرحمان اليوسفي، ومهمتك في المكتب السياسي مسؤولا عن إدارة ومالية الحزب، ربما جعلتك من أقرب المقربين للكاتب الأول الجديد… بالفعل حصل ذلك.

p حين تولى الأخ اليوسفي مسؤولية الكتابة الأول، هل كان يعرف حقيقة الأوضاع التنظيمية داخل الحزب، نشاطه، علاقاته، الخلافات؟ كان يشير بعجالة لبعض الأمور فقط . هل أفصح لك عن رأيه في عبد الرحيم بوعبيد؟
nn الحقيقة كان يحترم الفقيد عبد الرحيم احتراما كبيرا وكان يناديه أحيانا بالقائد أو بالمعلَم.

p ورث الأخ عبد الرحمان اليوسفي وضعا حزبيا صعبا، كيف تعامل مع هذا الوضع ومع مخلفات المؤتمر الخامس؟
nn في حياة الأخ عبد الرحيم وأثناء اجتماع عقد ببيتي بأكدال اقترح المرحوم أن يتولى الأخ اليازغي مهمة القضايا التنظيمية عوض الأخ نوبير الأموي .فواجه الأخ اليوسفي ذلك الاقتراح بالرفض التام وبعنف. لكن، بعد أن أصبح كاتبا أولا، سيجد نفسه أمام عدة عراقيل من صنع بعض أعضاء المكتب السياسي ومنهم الأخ نوبير الأموي، وخارج المكتب، من طرف الفقيه البصري.

p مثلا؟
nn التصريح الذي أدلى به الأخ الأموي لجريدة «الباييس» الاسبانية. أعتبره عملا مقصودا لخلق مشاكل ومتاعب للأخ اليوسفي.

p قبل هذا التصريح كان إضراب 1990 ومخلفاته، كيف عالج الكاتب ألأول النتائج المترتبة عن ذلك الإضراب؟
nn بخصوص اضراب 1990 حاولنا كمكتب سياسي مع اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أن نقنع ألأخ الأموي بإلغاء قرار الإضراب. وبعد عدة محاولات واجتماعات عقدت بالدار البيضاء لم ننجح في إقناع قيادة المركزيتين. ونُفذ قرار الإضراب وصدرت قرارات طرد في حق العديد من المضربين. من دون شك أن عبد الرحمان اليوسفي واجه عدة قضايا شائكة بعد أن أصبح كاتبا أولا، ومع ذلك استطاع أن يتغلب على العديد من تلك القضايا، واستطاع أيضا أن يعطي نفسا جديدا للحزب.

p استأنفت الاتصالات بين الاتحاد وحزب الاستقلال، ما ذكرياتك عن المذكرة المشتركة للحزبين التي رُفعت للملك سنة 1991؟
nn مذكرة الإصلاحات لسنة 1991 خلفت صدى كبيرا لدى الشعب المغربي، كانت مؤشرا ملموسا لبداية جمع شمل الحركة الوطنية .وقد تلقاها المناضلون في الحزبين بارتياح كبير.
p من كان المبادر الأول؟
nn قيادة حزب الاستقلال هي التي أخذت المبادرة. وعقدت اجتماعات عديدة، وكان الأستاذ امحمد بوستة يلتقي باستمرار بالأخ عبد الرحيم بوعبيد رحمه لله.

p من الناحية السياسية، هل كانت هناك رغبة من طرف الملك دعَمَها الاتحاد والاستقلال، أم كانت قناعة سياسية لدى الحزبيَن فقط؟
nn لا كانت رغبة ملحة من الحزبين للمطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية، أي رغبة من جانب المعارضة لا من جانب الحكم.

p نعود لسنة 1992.استقبل الملك الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي. هل أخبرك هذا الأخير بما دار في ذلك الاستقبال؟
nn أخبرني بما جرى في ذلك اللقاء، وأشار في معرض حديثه، أنه لما كان صحبة الملك صادف ولي العهد -وقتها- بإحدى الممرات. فقدم الملك الأخ عبد الرحمان اليوسفي لولي العهد، كواحد من أكبر المهربين للسلاح سابقا.
بعد ذلك نظم مهرجان الذكرى الأربعينية لوفاة الأخ عبد الرحيم بوعبيد بالدار البيضاء، وعبر الكاتب الأول عن انزعاجه لمستوى الحضور في ذلك المهرجان ….

p المهرجان تميز بحضور شخصيات أجنبية سياسية بارزة منهم عدد من الوزراء الأولين السابقين مثل روكار ووزراء مثل جوبير وحضرها الحسين آيت أحمد من الجزائر وعدد من زعماء الأحزاب المغربية. أما على المستوى الحضور الحزبي فربما وقع خلل في توزيع الدعوات.
nn نعم كان هناك تقصير .

p قبل إنشاء الكتلة الديمقراطية، اتسع التنسيق بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ليشمل أيضا حزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي هل حضرت بعد اجتماعات الأحزاب الأربعة؟
nn شاركت في العديد من هذه الاجتماعات التي كانت تمر في أجواء أخوية. وكانت تتناول العديد من القضايا من بينها العلاقة مع القصر،وقضايا الانتخابات ….وكانت تلك الاجتماعات بمثابة ترتيبات أولية لقيام الكتلة الديمقراطية التي أعلن عنها في ندوة صحافية يوم 17 مايو 1992.

p تلك الاجتماعات كانت مناسبة للقاء وجوه سياسية من جديد؟ مثل الاستاذ امحمد بوستة ..
nn حقيقة أعتبر الاستاذ امحمد يوستة انسانا فريدا من نوعه. إضافة كونه قائد سياسي كان أيضا صاحب نكتة،طبعا على الطريقة المراكشية، كما كان طيبا ووديعا.استرجعت معه بعد الذكريات قبل 25 يناير 1959 واستحضرنا بعضا أسماء الوطنيين الذين كانوا أعضاء في اللجنة التنفيذية وبعض الوقائع قبل الانفصال.

p وماذا عن الأستاذ محمد بنسعيد آيت يدر؟
nn الاستاذ آيت يدر مقاوم ومناضل ،ترك لدي انطباع أنه رجل برغماتي وراديكالي حتى النخاع.

p وعن الاستاذ علي يعتة؟
nn هو مناضل سياسي بامتياز،كان دائم التفكير. كنت قد اتصلت به سنة 1981 لأخبره بنقل ألأخ عبد الرحيم بوعبيد إلى ميسور. وأشير أيضا إلى أن جريدة البيان ،التي كان يديرها، لعبت دورا هاما في ذلك التاريخ ونشرت بيانات تضامنية مع الإتحاد ومع أعضاء المكتب السياسي المعتقلين وأخرى تستنكر اعتقالهم.

p في ابريل 1992،اعتقل الأخ نوبير الأموي الكاتب العام للكونفدرالية وعضو المكتب السياسي. كيف تلقيت الخبر؟
nn علمنا بنبأ اعتقاله، لم نعرف حقيقة أسباب قيامه بذلك التصريح في جريدة أجنبية وفي تلك الظروف. وبقي أمر ما قام به غامضا إلى يومنا هذا. بالطبع ،استنكرنا ونددنا باعتقال الأخ الأموي.
أذكر أنني توجهت ضمن وفد من المكتب السياسي لزيارة أخينا المعتقل بسجن سلا. رفض الأخ الأموي أن يغادر الزنزانة في إشارة واضحة إلى أنه لا يرغب في لقائنا. فانتابني غضب شديد وقررت مغادرة المكان، لكن الأخ اليوسفي أقنعني بالعدول عن قراري فانتظرنا طويلا. وأخيرا التحق بنا الأخ الأموي وكان اللقاء معه قصيرا زمنيا. أثناء المحاكمة صرح الأخ الأموي، أن هذه المحاكمة ستكون حدا فاصلا بينه وبين بعض رفاقه في الدرب.

p في رأيك ماذا كان يقصد بتصريحه هذا؟
nn اعتقد أن الأخ الأموي لم يكن يضع في حسابه انه سيعتقل بعد ذلك الاستجواب أؤكد أن تصريحاته وبعض الأعمال التي قام بها كانت لوضع عراقيل وعقبات أمام المكتب السياسي وخاصة أمام الأخ عبد الرحمان اليوسفي.

p ما قام به الأخ الأموي، هل كان يخدم أجندة معينة أو يخدم جهات أو أفراد؟
nn قيل وقتها أن الأخ الأموي كان يبحث عن لعب دور الزعيم. وكثير من الناس ولحد الساعة مقتنعون أن الأخ الأموي شخصية غامضة، ربما يرجع ذلك لتصريحاته المتناقضة جل الأوقات.

p قدمت مذكرة الإصلاحات الدستورية من قبل الكتلة الديمقراطية وحان موعد الاستفتاء عن الدستور في غشت 1992 . ما موقف الحزب من هذا الدستور؟
nn جرى نقاش حاد داخل اللجنة المركزية وعبر عدد كبير من الأعضاء عن معارضتهم لمشروع الدستور المقترح.

p هل أتى موقف الحزب بعدم المشاركة في ذلك الاستفتاء تحت ضغط الجناح النقابي وضغط الشبيبة الاتحادية؟
nn ضغوط الشبيبة الاتحادية كان هي الأقوى.

p من قبل تناقش أعضاء المكتب السياسي مشروع الدستور واقترحوا على تلك اللجنة التصويت عليه بالإيجاب. أليس كذلك؟
nn في اجتماع المكتب السياسي كانت هناك معارضة قوية من قبل العديد من الأعضاء.
p جرت انتخابات جماعية في شتنبر 92، كيف تم التحضير لهذه الانتخابات من طرف القيادة، سيما بعد مخلفات المؤتمر الخامس ورحيل الأخ عبد الرحيم بوعبيد؟
nn لا أخفي أننا كقيادة واجهتنا صعوبات كثيرة، خصوصا فيما يتعلق بالمنافسة الشديدة على الترشيح، مما جعل اجتماعات المكتب السياسي تمر في أجواء صعبة للغاية، أجواء أرخت بظلالها على مرحلة امتدت إلى فترة التحضير للانتخابات التشريعية التي جرت في أبريل 1993. في هذا الصدد اذكر مثلا أن الأخ القرشاوي رحمه لله كُلف من قبل الأخ الكاتب الأول بالسهر على اختيار المرشحين بمدينة الدار البيضاء، الأمر الذي لم يقبله الأخ الأموي. فتواجه الرجلان داخل اجتماعات المكتب السياسي حول أسماء بعض المقترحين من بينها اسم الأخ سعد لله صالح الذي رفض الأموي ترشيحه. أمام هذا الوضع طلب الأخ القرشاوي إعفاءه من تلك المهمة، ثم قرر التخلي نهائيا عن القيام بها.
p إبان الاستعداد للانتخابات الجماعية سنة 1992، ألم تطرح فكرة الترشيح المشترك بين الاتحاد والاستقلال ؟
nn طرحت الفكرة لكنها وجدت معارضة في الحزبين معا .

p قبل موعد تلك الانتخابات تعهد الملك الراحل، في إحدى خطبه، بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. هل حصل ذلك ؟
nn بالعكس تماما، كانت انتخابات مزورة واستعملت فيها الأموال لشراء الأصوات وبشكل واسع.

p رغم الصعوبات التي واكبت هذه الانتخابات، هل استمر التنسيق بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال؟
nn رغم تلك الظروف لم ينقطع التنسيق بين الحزبين أبدا. نتائج الانتخابات أعطت المرتبة الأولى لحزب الاستقلال.

p هل لمست إشارات لتعرض هذا الحزب لضغوط أو مضايقات صادرة عن وزارة الداخلية؟
nn لا أستبعد أن يكون حزب الاستقلال قد تعرض لضغوط في بعض الأقاليم .ولم نكن كقيادة تتوفر على معلومات دقيقة في هذا الشأن.إن حدوث مثل تلك الضغوط أمر ممكن نظرا لطبيعة النظام في المغرب، فهو يترك لك مسافة معينة للعمل والتحرك وإذا شعر أنك زغت عن الطريق فإنه يتدخل لردعك.

p مارأيك في المرشح المشترك خلال انتخابات 1993؟
nn اعترف أنها كانت تجربة فريدة من نوعها، إذ لم يستطع أي حزب خوضها من قبل.

p كيف دبرتم كقيادة مسألة الترشيح المشترك داخل الحزب ومع حزب الاستقلال؟
nn ساعدني الحظ أن أكون مع الأخوين محمد جسوس وفتح لله ولعلو ضمن الوفد الاتحادي الذي كان يتفاوض مع وفد حزب الاستقلال المُكون من الإخوة محمد السوسي، محمد الوفا وسعد العلمي.ونظرا لرواسب الماضي ولأوضاع بعض الأقاليم، وجدنا صعوبات خلال التفاوض. في هذا الصدد كان إقناع بعض التنظيمات الاتحادية، في بعض الأقاليم، بأهمية الترشيح المشترك أمرا عسيرا جدا. لكن بفضل حنكة وصبر كل من الأخوين امحمد بوستة وعبد الرحمان اليوسفي استطاع الحزبان التغلب على الكثير من الصعاب .فكان أن فاز التحالف بـ 102من مقاعد مجلس النواب.

p بالمناسبة، كيف جاءت فكرة المرشح المشترك؟
nn قد أقول أنها جاءت من الحزبين معا. والحقيقة أن الأمين العام لحزب الاستقلال كان مقتنعا جدا بجدوى المرشح المشترك. هذا التحالف وهذه الدرجة من العمل المشترك، ألم تكن لتثير مخاوف لدى إدريس البصري؟ لم ألمس عند وزير الداخلية مثل هذا الشعور، فالرجل كان مقتنعا انه سيبقى في السلطة إلى الأبد.

p على ذكر إدريس البصري ما ذكرياتك معه؟
nn استعدادا لتنظيم مسيرة التضامن مع الشعب العراقي سنة 1990 ، حضرت مع الأخوين محمد اليازغي والهاشمي بناني رحمه الله لقاء مع إدريس البصري. وكان ذلك اللقاء هو الأول والأخير .

p وماذا أيضا؟
nn ذات مرة، كان إدريس البصري بصدد البحث للاتصال بالأخ عبد الواحد الراضي والذي كان يومها في زيارة لي بمنزلي بأكدال. افترض أن وزير الداخلية مَر أمام منزلي في طريق عودته من منزل بنحربيط، فلاحظ وجود سيارة الأخ عبد الواحد الراضي أمام بيتي. وفي الغد التقيا، فقال له البصري، يوم أمس كنت بمنزل «رجل الجهاز» الحزبي – l’homme de l’appareil -.
(انتهى)


الكاتب : n حواره: م.الخو ـ ع.جماهري

  

بتاريخ : 29/08/2018