ما مدى فعالية عقوبات ترامب على «الدول المارقة»؟

بالنسبة لترامب، عندما تصبح إيران غير قادرة على تأمين ما يكفي من دولار ويورو، لن يكون بإمكانها تسديد فواتير حلفائها ودفع رواتبهم وصناعة دعاية موالية لها تساهم في تثبيت أجندتها الإقليمية المناهضة لواشنطن وحلفائها في المنطقة.
ويتقاطع هذا مع جزء كبير من المطالب الـ 12 التي كان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قد رفعها في مايو من العام الماضي حين خرجت بلاده من الاتفاق النووي، والتي ينصب معظمها حول الدور الإقليمي لإيران والممتد من العراق إلى اليمن وفلسطين ولبنان وسوريا.
وبعد مرور ما يقارب عام على خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لا تبدو العقوبات وكأنها غيرت من خارطة التأثير الإيراني في المنطقة.

 

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا لمراسلها آدم تايلور، يقول فيه إن إدارة ترامب جعلت من العقوبات جزءا أساسيا في ذخيرتها للسياسة الخارجية.
ويشير التقرير إلى أن واشنطن وضعت ضغطا اقتصاديا شديدا على بلدان، مثل كوريا الشمالية وإيران، في محاولة للحصول على تنازلات في المفاوضات مع أمريكا، متسائلا عن ما إذا كان هناك أي دليل حقيقي على أن هذا التكتيك ناجع.
ويقول تايلور إنه تبين أن الحكومة الأمريكية ليست متأكدة من ذلك، فبحسب بيان جديد أصدرته لجنة رقابة حكومية هذا الأسبوع، تبين أن الوكالات المتابعة لتطبيق العقوبات تستطيع أن تتابع الآثار الاقتصادية للعقوبات، لكن ليست هناك طريقة لمعرفة إن كانت العقوبات تحقق الهدف منها في تغيير تصرف الجهة المفروض عليها العقوبة.
وتورد الصحيفة نقلا عن المسؤولين من وزارة الخزانة والخارجية والتجارة، قولهم للباحثين من مكتب مساءلة الحكومة، بأن هناك صعوبات عدة في تقييم إن كانت العقوبات تحقق هدفها، بما في ذلك طبيعة التحول في أهداف السياسة الخارجية، وصعوبة فصل آثار العقوبات.
ويجد التقرير أن التقرير الصادر عن هيئة مساءلة الحكومة هذا الأسبوع يبدو متناقضا مع التصريحات التي صدرت عن ترامب وغيره من كبار المسؤولين، فقال ترامب خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي: «اعتقد أن العقوبات تعمل»، وذلك عندما فرض عقوبات إضافية على إيران، وصفها بأنها «الأشد التي تفرض على أي بلد».
ويلفت الكاتب إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو أشار خلال شهر غشت إلى أن العقوبات «حرمت النظام الإيراني من الأموال.. (وهذا يعني) أنها ناجعة «.
وتفيد الصحيفة بأن استخدام إدارة ترامب الواسع للعقوبات كان موضوع جدل، مشيرة إلى أنه مع أن الحكومات الأمريكية كلها في السنوات الأخيرة استخدمت الضغط لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، إلا أن ترامب زاد من ذلك، وفرض عددا من العقوبات على دول، وكان رقما قياسيا من العقوبات المستهدفة على أشخاص وكيانات.
وينوه التقرير إلى أن الناقدين يحتجون بأن استخدام الإدارة للعقوبات عشوائي، فمثلا يبدو أن العقوبات التي استهدفت شركة سفن صينية مؤخرا قد أثرت بغير قصد على السفن التي تحمل النفط الأمريكي.
ويقول تايلور إنه «حتى في أكثر الحالات شهرة فإن العقوبات تكون أحيانا عائقا أكثر منها أداة: فبالرغم من فرض إدارة ترامب عقوبات كبيرة على إيران وكوريا الشمالية، إلا أن إلغاء هذه العقوبات أصبح نقطة خلاف في المفاوضات مع البلدين».
وتذكر الصحيفة أن مكتب مساءلة الحكومة قام بالتدقيق في الأداء، من الفترة ماي 2018 إلى أكتوبر 2019، بما في ذلك إجراء بحث ابتدائي مع الوكالات الحكومية، ومراجعة الدراسات المتوفرة حول فعالية العقوبات، لافتة إلى أن الباحثين وجدوا أن وزارات الخزانة والخارجية والتجارة استخدمت تحليلات من المخابرات لتقدير الأثر الاقتصادي للعقوبات، وقالوا إن هذه العقوبات ساعدت على الحوار بين الوكالات المختلفة، من خلال مجلس الأمن القومي.
ويستدرك التقرير بأن المسؤولين قالوا إن هناك عدة عوامل تجعل قياس فعالية العقوبات مهمة صعبة، وقال التقرير: «قد تقرر أي بلد فرضت عليها عقوبات أن تتوقف عن تصرف ما لعدد من الأسباب قد لا تكون لها علاقة بالعقوبات، أو أي إجراءات أمريكية أخرى»، مشيرا إلى أن العقوبات تفرض بالعادة مع إجراءات دبلوماسية أخرى.
وينقل الكاتب عن تقرير مكتب مساءلة الحكومة، قوله إن المسؤولين قالوا بأن أهداف السياسة الخارجية قد تتغير مع الوقت، وعدم وجود البيانات المتعلقة يجعل من الصعوبة بمكان التوصل إلى تقدير دقيق.
وتشير الصحيفة إلى أن التقرير وجد أن الأبحاث من مصادر خارج الحكومة تشير إلى أن هناك عاملين يزيدان من فعالية العقوبات: إن كانت تلك العقوبات فرضت من خلال مؤسسة دولية مثل الأمم المتحدة، وإن كان هدف العقوبات يعتمد على أمريكا أم لا.
ويلفت التقرير إلى أن أمريكا حققت بعض النجاح في تنسيق عقوبات دولية في ظل الإدارة الحالية، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات التي فرضت على كوريا الشمالية، لكن ترامب تحرك بشكل عام من طرف واحد في العقوبات.
وينوه تايلور إلى أن هذا التكتيك تسبب أحيانا بالخلاف بين أمريكا وحلفائها، مثل الحلفاء الذين بقوا ملتزمين بالاتفاقية النووية مع إيران بعد أن انسحبت إدارة ترامب منها، وأعادت فرض العقوبات.
وتقول الصحيفة إن الإدارة انتقدت لفرضها عقوبات واسعة تشكل تهديدا إنسانيا في بلدان مزعزعة اقتصاديا، مثل إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، وقال تقرير مكتب مساءلة الحكومة إن العقوبات التي تكون لها آثار اقتصادية أكبر عادة ما تترك تداعيات إضافية.
وتختم «واشنطن بوست» تقريرها بالإشارة إلى قول التقرير: «قد تكون للعقوبات آثار غير مقصودة في البلدان المستهدفة، مثل الآثار السلبية على حقوق الإنسان والصحة العامة.. وتظهر بعض الدراسات أنه كلما زادت الآثار الاقتصادية للعقوبات زادت التداعيات غير المقصودة».

العقوبات الأمريكية على إيران

تريد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجفيف منابع العملات الصعبة التي تحصل عليها إيران، فتذهب بشكل مباشر نحو النفط، النبع الرئيس الذي يغذي خزينة طهران بما تحتاجه لتصنع تأثيرا ممتدا ومثيرا للجدل في منطقة الشرق الأوسط.
بالنسبة لترامب، عندما تصبح إيران غير قادرة على تأمين ما يكفي من دولار ويورو، لن يكون بإمكانها تسديد فواتير حلفائها ودفع رواتبهم وصناعة دعاية موالية لها تساهم في تثبيت أجندتها الإقليمية المناهضة لواشنطن وحلفائها في المنطقة.
ويتقاطع هذا مع جزء كبير من المطالب الـ 12 التي كان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قد رفعها في مايو من العام الماضي حين خرجت بلاده من الاتفاق النووي، والتي ينصب معظمها حول الدور الإقليمي لإيران والممتد من العراق إلى اليمن وفلسطين ولبنان وسوريا.
وبعد مرور ما يقارب عام على خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لا تبدو العقوبات وكأنها غيرت من خارطة التأثير الإيراني في المنطقة.
على الرغم من أنه يصح القول إنها أثرت بشكل كبير على اقتصاد إيران وعلى تحويلاتها لحلفائها في المنطقة، تحديدا حزب الله في لبنان والفصائل الفلسطينية، لكن الأثر الذي كان يبحث عنه ترامب لم يقع وأصبحت الحاجة أكبر لتشديد الخناق وإن كان هذا على حساب بعض حلفاء واشنطن في العالم.
ولهذا كان القرار بإلغاء الإعفاءات من شراء النفط الإيراني التي أعطتها واشنطن لثماني دول هي، الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا واليونان وإيطاليا وتايوان.

«تجاوب تدريجي»

وبررت الولايات المتحدة قرارها بفتح المجال أمام هذه الدول للبحث عن بدائل عن النفط الإيراني، لا سيما تلك التي تجد صعوبات في ذلك ككوريا الجنوبية واليابان والهند.
ولم ترغب دول أخرى كاليونان وإيطاليا وتايوان بالاستفادة من الإعفاءات وقررت قطع الشراء فورا, بينما اعترضت كل من الصين وتركيا.
ولم يكن الأمر يشكل تحديا طالما أن الإعفاءات ممنوحة، لكن سحبها وضع إيران والدول المعنية وسوق النفط أمام أسئلة الالتزام والاعتراض والالتفاف.
وقبل أن يتحرك السوق على وقع النقص الذي يمكن أن ينشأ، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات تؤكدان بعد الترحيب بالقرار أنهما ستغطيان أي نقص قد يقع وهو ما أكّد عليه البيت الأبيض.
وجددت تركيا والصين الإعتراض وأعلنتا أنهما ستستمران بشراء النفط الإيراني.
وبينما أطلقت أنقرة وطهران آلية لتأكيد استمرار عمليات الاستيراد والتصدير لم يتضح بعد ما إذا كانت الصين ستكتفي بالاعتراض أم انها قد تطوّر اعتراضها إلى زيادة الاستيراد مع وجود آلية جاهزة للدفع بالعملات المحلية.
وفي حين تعوّل واشنطن على تجاوب تدريجي من بكين مع الإجراءات الأمريكية لما يمكن أن تتركه من تأثيرات كبيرة عليها، لا تبدو الصين حتى اللحظة معنية بالحسم سلبا أم إيجابا بشكل عملي، لكن ما جرى لمسه خلال الأشهر الماضية كان تفاوتاً في كميات النفط الإيراني المستوردة.
وقد يكون لهذا الأمر علاقة برغبة الصين في الحصول على ثمن أفضل من إيران، ليس فقط على مستوى النفط بل في صورة فرص اقتصادية أخرى داخل إيران قد تكون بكين مهتمة بها.
وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل الهواجس المتبادلة بين البلدين، إذ أن شركة النفط الوطنية الصينية كانت فازت بعدة عقود لاصلاح وإدامة حقول نفطية في إيران بينها ازادغان الجنوبي غربي محافظة خوزستان في العام 2009، لكن طهران ألغت العقد في العام 2014 بسبب ما وصفته بعدم التزام الطرف الصيني بتعهداته.
وقد تعزز استثمارات المؤسسات الصينية في الولايات المتحدة التردد الصيني في زيادة كمية النفط المستوردة من إيران التي تراجعت بعد العقوبات الأمريكية بنسبة الربع، و ما يرسم مسافة واضحة بين الموقف السياسي والسياسة العملية في العلاقة بين بكين وطهران.
ورفعت الهند بدورها مستوى وارداتها النفطية من إيران قبل الإعلان الأمريكي لتصل الى 7 مليون برميل في الشهر، بزيادة 35% عن المعتاد لتعويض النقص اللاحق، وهي وإن وضعت مع إيران آلية خاصة إلا أنها تسعى لتحييد نفسها عن لائحة الدول المستفزة لترامب مع ملاحظة مصالحها التي تبدو حتى اللحظة مرتبطة بالنفط الإيراني.
فطهران تعطي نيودلهي مهلة 60 يوما للتسديد وتأمينا مجانيا على الشحن كما أن تعرفة الشحن منخفضة، ولا يمكن أن نتجاهل مشروع ميناء تشابهار جنوبي إيران على المحيط الهندي الذي يشترك البلدان في بنائه، وهو بالمناسبة معفي من العقوبات.

«نظرية الاقتصاد المقاوم»

أمام ما تقدّم، لا يبدو أن الهدف الأمريكي المعلن وهو تصفير مبيعات النفط الإيراني ممكن في الظروف الحالية، رغم كل الضغط الذي يمكن أن يتسبب به على طهران. بيد أنه في الوقت نفسه ستكون له تأثيرات واضحة على سياسة إيران النفطية وبنية الإقتصاد الإيراني والذي يتجه عاما بعد عام لتخفيف الاعتماد على النفط مقابل صادرات أخرى.
في ميزانية 2019 /2020 كانت نسبة الواردات النفطية من مجمل الواردات أقل مِن ثلاثين بالمئة لكنها لا تزال بعيدة بنسبة 12% عن معدل 15% الذي يجب أن تصل إليه بحسب توصيات خطة التنمية الوطنية السادسة.
وكانت النسبة تراجعت تدريجيا خلال السنوات الماضية بِناء على ما يعرف في إيران بنظرية الاقتصاد المقاوم والتي أطلقها المرشد آية الله علي خامنئي وهي بجزء منها تقوم على إنهاء الاعتماد على النفط وتعزيز الاكتفاء الذاتي وصناعة نموذج اقتصادي يمكنه الاستمرار تحت الضغوطات الخارجية.
لكن تطبيق نظرية الاقتصاد المقاوم بالكامل كما ينظّر لها خامنئي، وهو ما ستؤدي إليه ضغوطات ترامب تدريجيا، سيعني أن إيران ستصبح أكثر انفصالا عن دائرة الاقتصاد العالمي، إلا ضمن استثناءات وستطوّر مع الوقت قدرة ذاتية على مواجهة إجراءات خارجية مشابهة.
بالتالي، ومع افتراض تمكّن إيران من الصمود لعام ونصف آخر تحت العقوبات ومواءمة ظروفها معها، فهي ستتكيف بالحد الأدنى كما فعلت مع عقوبات سابقة، لكن الخبر السيء عندها سيكون أن ظروف الإتفاق النووي في العام 2015 قد لا تعود ملاءمة لها في المستقبل، تحديدا مع تحول الاتفاق في الظروف الحالية إلى عبء ثقيل على الداعمين لمساره بسبب العجز عن دعم مساره والانعكاسات السلبية للعقوبات.
ويسير الصراع بين طهران والولايات المتحدة على الاتفاق النووي بموازاة اشتباك داخلي إيراني حول جدوى التفاوض مع الغرب بشكل عام وعقد اتفاقيات معه.
وسيتجلى هذا الاشتباك بشكل أكبر في عناوين الانتخابات العامة الإيرانية والتي ستجري بداية العام القادم، ويدون شك في نتائجها التي ستحدد من سيفوز بأغلبية البرلمان قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في صيف 2021.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 15/10/2019