مدخل لدراسة تاريخ الزعامات المحلية بالجنوب المغربي 16 : مفهوم المخزن

 

تسعى هذه المقالات التي ستنشر في عمود فسحة رمضان إلى التعريف ببعض رجالات الجنوب المغربي ممن لقبوا بالزعماء المحلين بحكم ادوارهم الطلائعية التي مارسوها إلى جانب المخزن بشكل مساند او مناوئ أو بطريقة تحكمها الحيطة والحذر البليغين، وقبل التطرق إلى سيرة ومناقب هؤلاء لابد من وضع القارئ في سياق سيمكنه من تتبع واستيعاب هذه الحلقات اليومية لهذا اقترح في الحلقات الأولى مايلي:

يعتبر لفظ المخزن من المفاهيم التاريخية التي يكتنفها الغموض واللبس، وقد عرف تبعا لهوى الباحثين، ومنهم من وظفه تبعا لمواقفه التي يراد بها شيء آخر غير البحث التاريخي ومع ذلك، فهناك اتفاق على مدلوله اللغوي فهو يفيد الخزن ومنه جمع الضرائب، وهو إشارة كذلك إلى المكان الذي كانت تجبى فيها الضرائب الشرعية الموجهة إلى بيت مال المسلمين. وحسب المؤرخ المغربي «عمر آفا» فإن المصطلح استخدم منذ القرن الثاني الهجري في دولة تونس زمن حكم « إبراهيم بن الأغلب» الذي إتخذ مخزنا للأموال ليدل الاصطلاح في بداياته الأولى على الجانب المالي. وسيعرف هذا المفهوم تطورا ملحوظا في المغرب ، إذ أصبح يدل على كيان الدولة كلها. وحسب الموسوعة الإسلامية فهناك تداخل بين كلمة بيت المال والمخزن ومع تزايد الضرائب أصبحت دار المخزن لا تعبر عن مكان جمع وخزن الأموال فقط، بل أصبحت تعبر عن السلطة المركزية بأسرها. أنظر بخصوص هذه النقطة : (Auguste Bernard, Le Maroc, paris1930, p: 240-241
إذن انتقال هذا المفهوم إلى الجهاز الإداري وما رسخه في المتخيل الشعبي من حمولات اجتماعية وسياسية مرتبط بدولة المغرب، ويمكن الجزم على أن المفهوم ترسخ وتجذر في بنيات المجتمع المغربي منذ العهد الموحدي وبالتالي هذه الدولة يرجع لها الفضل في هيكلة وتنظيم هذا الجهاز.. (كلاوي محمد، المجتمع والسلطة ،الدار البيضاء،1995، هامش 104 صفحة، ص : 41)
يمكن التميز بين ثلاثة نظريات لتعريف المخزن يمكن تفصيلها فيما يلي : (مخزن القبيلة – المخزن الزاوية – المخزن السلطان أو الشريف) بالنسبة لمخزن القبيلة، سيظهر المخزن كأداة لابد منها لفض النزاع بين الرحل والمستقرين فهو بهذا المعنى خرج من سلطة القبيلة وبالتالي نعث المخزن بالقبيلة، ففي المصادر نجد عبارة المخزن المرابطي والمخزن الموحدي…ومن بين منظري هذا الاتجاه نجد في مقدمتهم هنري طيراس الذي إستند إلى نظرية إبن خلدون. أما نظرية مخزن الزوايا فقد دشنت من طرف فريق عوض القبيلة بالزاوية واعتبرها النواة الأولى للمخزن المغربي، في حين أن مخزن الشريف أو السلطان مرتبط بظهور الدولة السعدية، ونظرا لأن سلاطينها كانوا شرفاء فقد ملأوا الفراغ السياسي فعوض أن تقوم الدولة بناء على العصبية القبيلية فقد اصبحت مرتبطة بالمعطى الجينيالوجي (النسب النبوي الشريف) .
( رشيدة بكاج ، القبيلة، الزاوية والمخزن ،دبلوم الدراسات العليا، رسالة مرقونة بكلية الآداب الرباط/1994-1995، ص،170.)
(بوشنتوف عبد اللطيف، العالم والسلطان: دراسة في انتقال الحكم ومقومات المشروعية، العهد السعدي الأول، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، سلسلة أطروحات ورسائل، الطبعة الأولى،1425هـ/2004، صص : 45-47.)

 

 


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 24/05/2019

أخبار مرتبطة

ليست الدار البيضاء مجرد مدينة أو حاضرة من الحواضر العادية، بل هي حكاية من حكايات هذا الزمن..مستمرة في المكان والزمان…

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *