مسؤولون في التعليم، القضاء، الأمن، والمجلس العلمي يناقشون في خنيفرة تقوية مجتمع المواطنة والتربية على القيم والسلوك المدني

 

أوصى المشاركون في ندوة «مدرسة المواطنة والتربية على القيم»، التي نظمتها مديرية التربية الوطنية في خنيفرة، ب «التأكيد على ضرورة انطلاق أعمال الندوة من المؤسسات التعليمية ثم المديريات فالأكاديميات والوزارة الوصية»، «تفعيل الأندية التربوية ودعمها ماديا وتحديد الحيز الزمني لأنشطتها، ومأسستها، وتثمين أعمالها من خلال التقاسم وتحفيز المؤطرين والمتعلمات والمتعلمين»، «المواكبة وتكثيف الدورات التكوينية لفائدة منشطي الأندية خاصة خلايا الإنصات وتعيين مختصين داخل المؤسسات التعليمية»، مع «تفعيل دور المكتبات المدرسية وتعيين قيمين عليها»، و»ربط الجسور بين الوسط المدرسي ومحيطه»، والعمل على تأطير جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ لإعدادها من أجل الانخراط في دعم أنشطة الحياة المدرسية.
وفي ذات السياق، أوصى المشاركون ب «توسيع تجربة مؤسسة الإبداع الفني والأدبي بجعل جميع المؤسسات التعليمية فضاء للإبداع»، واتخاذ «الإطار المرجعي للتشبيك الموضوعاتي بين الأكاديميات في الأعمال الفنية والأدبية والثقافية من خلال المهرجانات الوطنية»، مع «تنظيم مسابقات إقليمية للتحفيز على العطاء وتخصيص جوائز تحفيزية»، كما أوصوا ب «تتبع المتعلمات والمتعلمين، بناء على معطيات دقيقة (الوضعية الاجتماعية، المادية، النفسية…) في إطار استشراف الأزمات، بشراكة مع جميع المتدخلين لتمنيعهم ضد السلوكيات اللامدنية»، و»تجسير العلاقات بين المؤسسات وجميع الشركاء، خاصة الأسرة، بإرساء قنوات تواصل كدفتر التواصل وجمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ»، علاوة على التشديد على ضرورة تحصين المؤسسة التعليمية ضد جميع التجاذبات السياسية والدينية سواء على مستوى الشركاء أو المتدخلين.
ولم يفت المشاركين في الندوة الدعوة إلى «تفعيل تجربة المراصد الجهوية والإقليمية (خلايا اليقظة والإنصات)، ودعمها بمختصين في مختلف المجالات ذات الصلة بالأزمات سواء بالنسبة للمتعلمات والمتعلمين أو الأطر التربوية»، و»تخليق الحياة الأسرية ومراعاة متطلبات مراحل نمو المتعلمات والمتعلمين (المصاحبة)، وتفعيل دور الأسرة في خلق تصورات وانطباعات إيجابية حول المدرسات والمدرسين»، والعمل على «رد الاعتبار للمدرسة العمومية من خلال تثمين أدوار الفاعلين التربويين» مع تدبير قنوات تواصل بين هيئة التدريس، والمتعلمات والمتعلمين، في إطار أنشطة ولقاءات لخلق مناخ مدرسي قوامه العلاقة الجيدة والرغبة والاستعداد كشرط أساسي لتنزيل منظومة القيم.
وجاءت التوصيات من خلال ورشتين تم تنظيمهما على هامش الندوة، وشارك فيها أساتذة ومديرون ومؤطرون تربويون وفاعلون جمعويون وحقوقيون، الأولى، من تأطير ذ. عبد الإله مسوس، في موضوع «دور الحياة المدرسية في ترسيخ المواطنة والتربية على القيم في المؤسسات التعليمية»، والثانية، من تأطير ذ. لحسن هبوت، في موضوع «دور الأسرة والشركاء في ترسيخ المواطنة والسلوك المدني في المؤسسات التعليمية»، حيث تمت تلاوة التوصيات من طرف الأستاذين حوسى جبور ولحسن رهوان، ليسدل الستار على أشغال الندوة، التي جرى تنظيمها من باب تنزيل مقررات الندوة الوطنية التي استضافتها «الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة بني ملال خنيفرة»، خلال دجنبر 2018، في إطار مقتضيات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح.
ندوة «مدرسة المواطنة والتربية على القيم» افتتحت بكلمة للمدير الاقليمي للتربية الوطنية، ذ. فؤاد باديس، أوضح من خلالها أبعاد الندوة في طرح الأسئلة الضرورية وتوفير الإجابات الكافية ل «تحسين شروط ممارسة المواطنة الكاملة والنهوض بالسلوك المدني للأفراد، كمسؤولية مجتمعية متقاسمة تتولاها المنظومة التعليمية إلى جانب الأسرة ووسائل الإعلام»، مذكرا بما للمدرسة من دور في النهوض بالسلوك المدني واحترام النظام والقانون، وبنصوص الميثاق الوطني والرؤية الاستراتيجية، في رافعتها الثامنة عشر، التي «جعلت من قيم الديمقراطية والمواطنة، ومن التشبع بأخلاقيات المساواة والتسامح والاختلاف، خيارا أساسيا»، داعيا عموم المتدخلين والفاعلين إلى الانخراط في ترسيخ حياة مدرسية تضمن تنشئة اجتماعية سليمة وتضطلع بما يكفي من الوظائف والأدوار الفاعلة.
وأكد المدير الإقليمي أن الندوة تعقد في ظرفية «يسائل فيها المجتمع المغربي نفسه، وليس المدرسة فقط، حول قيم التسامح والخير والجمال وقبول الآخر ومناهضة العنف والتطرف»، وحول «الحق في الحياة ونبذ العنف والإرهاب»، ولاشك أن المدرسة المغربية، يضيف المدير الإقليمي، «مطالبة اليوم بتحصين النشء وتمكينه من حسن التعامل مع الوسائط وشبكات المواقع الاجتماعية»، مشددا على أن «أية استراتيجية لبناء مدرسة المواطنة لابد أن تجعل من عنصر التحسيس منطلقا، ومن المقاربة التشاركية مقاربة تضع التلميذ والأستاذ والإطار الإداري في مركز الاهتمام» من خلال الاستماع الفعال وضمان جودة الخدمات.
وبدوره، استعمل رئيس مصلحة الشؤون التربوية والحياة المدرسية، ذ. سيدي محمد النوري، الشاشة الضوئية، في استعراض المرجعيات المعتمدة لترسيخ القيم ومجتمع المواطنة، بدء من الرسائل الملكية، الدستور المغربي، الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030، والمواثيق الدولية، لينتقل إلى استعراض المبادئ الأساسية على مستوى المسؤولية المشتركة وترجمة حق الافراد والجماعات، والمحطات الأساسية في مجال التربية على المواطنة، مع موجز لحصيلة الوزارة في هذا الشأن، وآليات وفضاءات إدماج ثقافة المواطنة، ثم مشروع ميثاق المواطنة والمحطات الموضوعة لإرسائها والانتظارات المطلوبة في كسب رهان التحديات.
ومن جهته، انطلق وكيل الملك لدى ابتدائية خنيفرة، ذ. عبدالرحيم الشارف، من أهمية مبادرة الندوة في العمل التربوي وربط جسور التعاون بين مختلف الفاعلين والمتدخلين بهدف ترسيخ منظومة التربية والمواطنة والسلوك المدني، وإذكاء الوعي بالحقوق والواجبات، انطلاقا من «الدور الأساس الذي تضطلع به المدرسة من حيث تأهيل المتعلم في علاقته بالتربية فور انتقاله من نواة الأسرة إلى فضاء المدرسة»، في حين لم يفت المسؤول القضائي التركيز على ما بات يعنيه دور التربية والتعليم في خضم إشكاليات الواقع، بدء من الصورة والانفجار الرقمي، حيث «لم تعد المدرسة بمنآي عن المحيط الكوني، والجميع يراهن على هذه المدرسة في الاستجابة للقيم والتطور الاجتماعي والسلوك المدني»، بينما تطرق أيضا لإشكاليات اجتماعية لا تقل عن مواليد خارج رباط الزواج، وما ينتج عن الاختلافات الأسرية والهدر المدرسي.
ولم يفت المتدخل ربط ذلك بانتظارات النيابة العامة باعتبارها «طرفا معنيا يولي أهمية خاصة لواقع الناشئة، خصوصا منها التي تعاني الهشاشة والوضعية الصعبة، أو من ضحايا العنف وأطفال الشوارع»، حيث دعت الضرورة أمام ذلك لإحداث لجن تعقد اجتماعات دورية، وتضم في تشكيلاتها نخبة من المسؤولين القضائيين والفاعلين الجمعويين، في حين جرى إنشاء خليتين، منها واحدة تقوم بمهامها بمحيط المؤسسات التعليمية لمراقبة كل ما قد يشكل تهديدا للمتمدرس الذي تجتهد النيابة العامة للاعتراف بشخصيته القانونية، بالموازاة مع تنظيم حملات وقائية بمشاركة السلطات المعنية، والتنسيق مع دور الطالب والطالبة لإيواء الأطفال في وضعية صعبة، مع البحث عن بدائل أثناء العطل المدرسية التي تغلق فيها هذه الدور أبوابها.
أما رئيس المجلس العلمي، د. المصطفى زمهنى، فانطلق من «قيمة المواطنة والتربية على القيم في حياتنا اليومية ووجودنا الانساني، كأصل وضرورة بعيدا عن الترقيع»، وبعد إشارته لما قاله بعض الفلاسفة والعلماء في هذا الشأن، دعا إلى تقوية عمل المؤسسات وإسهام الجميع من أجل «الإيمان التام بالتكامل المعرفي والعلمي كأساس للنجاح وترسيخ إنسانية الانسان»، وأيضا للعودة إلى الأصل فينا من خلال مثل «الحجر الذي كلما ألقيناه في السماء عاد إلى أصله وموطنه بقوة»، ولم يفت المتدخل الإشارة للشراكة التي تربط مجلسه بمديرية التعليم لغاية التربية على القيم والمواطنة، من منطلق «عدم وجود أي تعارض بين القيم التي يدعو لها العقل العلمي والتي يدعو لها النص الديني»، حسب قوله.
كما تقدم ممثل الأمن الوطني، ذ. الشريف جمجمي، باستعراض مفصل لما دأبت عليه مديرية الأمن من «انفتاح على الوسط المدرسي، وما جندته من امكانيات لوجيستيكية وبشرية لتنفيذ تعليمات المديرية العامة»، إلى جانب ما تمت مواكبته في إطار «التعبئة فيما يتعلق بظواهر العنف والمخدرات، ومبادئ حماية الناشئة من الظواهر المفزعة»، حيث لم يفت المتدخل إبراز التدابير والورشات والحملات التي تقوم بها مديريته بالمؤسسات التعليمية لأجل الوقاية من حوادث السير ومخاطر المخدرات، وحماية هذه المؤسسات من تسيب الغرباء والتحرش الجنسي.
ومن خلال الشراكات الموقعة بين مديرية الأمن والتربية والتعليم، أشار ممثل الأمن إلى عملية إحداث خلايا بالوسط المدرسي «تسهر على حملات وورشات تهم ترسيخ المواطنة في الحياة اليومية، ونبذ العنف المدرسي وشغب الملاعب»، كما توقف لاستعراض ما تقوم به مديريته العامة أيضا أمام تسارع وتيرة التكنولوجيا الرقمية، وذلك من خلال رصد الجرائم الالكترونية ومخاطر الاستعمال غير السليم للشبكة العنكبوتية.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 09/03/2019