من أجل دراهم معدودات : «طالب معاشو».. يوميات كدح قاسية بلا أدنى ضمانات

 

توفر بعض المهن لأصحابها إمكانية تلبية حاجياتهم الأساسية من مأكل ومشرب و تغطية صحية…، في حين تمنح مهن أخرى لمزاوليها فرصة عيش حياة «مرفهة «، إلا أن بعض «الحرف» – إن صح نعتها بذلك – يسعى ممارسوها، أساسا، إلى سد الحد الأدنى من المتطلبات اليومية، لا أقل ولا أكثر. هؤلاء أضحوا ، في السنين الأخيرة، يكابدون الأمرين لتحصيل دراهم معدودات.
من هذه الفئة الكادحة نجد «الحمال» أو «طالب معاشو»، الذي يقضي يومه الطويل ساعيا وراء لقمة العيش، يحمل البضائع والسلع المختلفة الأحجام، كما يحمل معها هم المستقبل غير الآمن. كيف لا وهو يفتقد لأية ضمانة ، سواء تعلق الأمر بتغطية صحية أو اجتماعية، أو تأمين من أي نوع. وهي مهمة شاقة تتمثل إما في نقل السلع على الظهر أو بواسطة عربة يجرها بنفسه.
على مستوى أحياء الدارالبيضاء «الاستراتجية»، اقتصاديا، تعد أزقة منطقتي بنجدية و درب عمر، التي تشهد رواجا كبيرا، منذ سنوات خلت، ملجأ للحمالة من مختلف الأعمار.
«خ.ن» واحد منهم، رب أسرة أربعيني، له ثلاثة أبناء، تظهر على محياه علامات التعب، كشف لنا عن بعض مؤشرات روتينه اليومي المرهق. فهو يتنقل كل صباح على متن سيارة أجرة من الحجم الكبير من «مديونة» إلى «وسط المدينة»، ليبدأ رحلة بحثه اليومي عن «طرف ديال الخبز»، كما يقول، والتي تبقى «حصيلتها» متباينة باعتبار أن «رزق كل يوم مرتبط بكرم صاحب السلعة، علما بأن هناك أياما لا أحصل فيها على ثمن ركوب الطاكسي للعودة إلى البيت مساء».
«ل.ب»، في العقد الخامس من العمر، قدر لنا «طرف ديال الخبز» الذي يحصل عليه بما يتراوح بين 70 إلى 150 درهما في اليوم، مشيرا إلى أن «الحركة» بدرب عمر لم تعد كالسابق نتيجة العديد من المتغيرات.
«خ.ع» شاب ثلاثيني، قربنا من ظروف العمل قائلا إنها مرتبطة بصاحب السلعة التي ينبغي حملها وإيصالها، حيث أكد أن «كل مرة و مع من كيلاقيك لله»، أي «أن هناك من يتعاطف معك ويكون كريما، في وقت يكون آخرون أكثر تشددا وبخلا».
وإجابة عن سؤال متعلق بكيفية الحصول على « فرصة عمل» في ظل كثرة «الحمالة»، أوضح لنا «م.د» أنهم يحاولون تنظيم العملية بتبادل الأدوار، إلا أن الأمر ينقلب أحيانا إلى الصراع و التدافع، خاصة في الفترات التي تكون فيها الحركة قليلة، إلا أن ذلك نادرا ما يحدث، حسب قوله.
هاجس «غموض المستقبل»، الذي يشكل كابوسا بالنسبة لـ «الحمالة»، هو الأمر الذي حدثنا عنه «ي.م»، شاب قادم من إحدى ضواحي العاصمة الاقتصادية، أسر لنا بأنه لا يفكر في المستقبل كثيرا، فالجري وراء سد حاجياته اليومية يلهيه عن الانشغال بالتفكير في المستقبل المجهول، لافتا إلى أنه مازال مترددا في الإقدام على الزواج رغم إصرار والدته، وبرر تردده بالخوف من عدم القدرة على توفير ظروف عيش كريمة للشريكة، مشيرا إلى أنه يقطن في أحد البيوت بحي درب الشرفاء، وأحيانا يعجز عن أداء سومة الكراء، ويضطر لقضاء ساعات من الليل بعيدا عن الحي الذي يقطن فيه ، حتى تنام «مالكة البيت»، واصفا وضعيته بـ «المتعبة».
إن مزاولة مهنة «طالب معاشو» تتطلب جهدا عضليا كبيرا، وتسبب لصاحبها إرهاقا يوميا من غير اليسير تحمله، إلا أن لقمة العيش الحلال تدفع هؤلاء الكادحين للاستيقاظ في الصباح باكرا بهدف البحث عن فرصة للعمل الصعب، والمؤشر على كل معاني القساوة، حيث أكد لنا جل الذين تحدثنا إليهم أنهم يتفادون التفكير كثيرا في المستقبل، حتى لا يسيطر عليهم اليأس والخوف من المجهول، الذي قد تكون له عواقب وخيمة على نفسياتهم، أملين أن يكون المستقبل أكثر رحمة على أبنائهم، وتتاح لهم فرص أخرى تمكنهم من تحقيق تطلعاتهم بعيدا عن وطأة «حمل السلع» وتداعياتها الثقيلة.

«صحافي متدرب»


الكاتب : منصف إدريسي يحياوي

  

بتاريخ : 20/09/2019