مهنة مع العنف والجثث

 

إن الإجهاد المهني وتبعاته الصحية، النفسية والعضوية، موضوع لا يتكلم عنه الكثير من الأطباء، وغالبيتهم يجهلون تشخيصه، لأن الطبيب ومنذ القديم يُعتبر بالنسبة للمجتمع هو المعالِج (كسر اللام)، وليس المعالَج ( فتح اللام)، وهو يحاول دائما أن يعطي صورة إيجابية للطبيب المثالي.
والطبيب الشرعي، يتعامل يوميا مع حالات للعنف، في مختلف صوره وأبعاده، ومع الجثث، أي أنه يكون على اتصال وثيق بمشاهد غير طبيعية، يكون لها وقعها عليه. إن الطب الشرعي هو تخصص يُعنى بكل أشكال العنف المادي في حياة الإنسان سواء كان حيا أو ميتا، والطبيب المختص في هذا المجال، في عمله اليومي يستمع إلى عنف المجتمع، عبر روايات الضحايا قبل تحرير الشواهد الطبية والتقارير، مما يجعله يقاوم داخليا ويصارع من أجل عدم الوقوع في الإجهاد المهني وتبعاته…، فضلا عن ردود الأفعال السلبية والحادة للضحايا عندما لا تروقهم التقارير الطبية الشرعية، مما يشنّج العلاقة بين الطبيب والضحية الذي يبحث عن التقارير الأكثر قربًا لمصلحته….
إن العمل في علاقة مع العنف ومع الجثث يؤدي إلى انعكاسات نفسية لا محالة، وبمرور الوقت يصبح الطبيب الشرعي أكثر خوفا داخل المجتمع، وتتغير علاقته بالموت، بالنظر إلى تعدد وتنوع مسبباتها المعروضة عليه، علما بأنه في العديد من الأحيان يصاب على المستوى العاطفي، ويتجلى ذلك في الإحساس بالطاقة السلبية كما يشعر بابتعاد العلاقة مع الآخرين، وقد تصل الحالة إلى فقدان الثقة. تداعيات يكون الطبيب عرضة لها خصوصا في ظل غياب أي مواكبة نفسية، مما يجعله غير قادر على معرفة الأعراض المرتبطة بطبيعة عمله، والظروف المزرية التي يعمل فيها، فتزداد حدّة هذه الأعراض…ومع مرور الوقت يصبح الطبيب غير قادر على القيام بمهامه لأنه يتملكه الخوف وأحيانا الإحساس بالدونية نظرا لثقل المسؤولية وغياب ظروف العمل.
انطلاقا مما سبق يتبيّن، وواقع الحال يؤكد ذلك، على أنه لا توجد مواكبة نفسية، بل لا توجد حتى مواكبة إدارية، لعمل الطبيب الشرعي داخل المستشفيات، علما بأنه يقوم بمهام جسام، طبية وأخرى تتمثل في تقديمه خدمات للعدالة…، وهو ما يجعل عددا من الأطباء الشرعيين يتعرضون لأزمات نفسية دون أن يتم الربط بينها وبين عملهم، وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات نفسية وخيمة، وحده الموظف من يتحمل عبئها، لذا وجب تشخيص هذه الأعراض مبكرا، وتوجد طرق علمية عديدة لذلك (Maslash Burn-out Inventory)، كما يجب مواكبة الأطباء وكل العاملين في ميادين صعبة، والعمل على الاعتراف بها كأمراض مهنية أو علاّت مرتبطة بالشغل، لأن الأصل أن العمل يجب أن يكون مصدر السعادة وليس العكس.
أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب
والصيدلة بمراكش


الكاتب : الدكتور عبد الله دامي

  

بتاريخ : 01/02/2020