نتائج الانتخابات البرلمانیة الدنماركیة وانعكاسها على القضیة الوطنیة

يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬رياح‭ ‬التغيير‭ ‬اليساري‭ ‬قد‭ ‬هبت‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬ميز‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬الدنمارك‭ ‬هو‭ ‬اكتساح‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار،‭ ‬بقوة،‭ ‬للخريطة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬ستتحكم‭ ‬في‭ ‬دواليب‭ ‬الدولة،‭ ‬وكذا‭ ‬المشاركة‭ ‬المكثفة‭ ‬للأجانب‭ ‬عكس‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬واندحار‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬حزب‭ ‬الشعب‭ ‬الدنماركي‭ ‬اليميني،‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬مواقف‭ ‬مناصرة‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬ولكنه‭ ‬حزب‭ ‬معادي‭ ‬للمهاجرين‭ ‬والمسلمين،‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬احتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬السابقة‭ ‬بـ37‭ ‬مقعدا‭ ‬لكنه‭ ‬حصل‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬16‭ ‬مقعدا‭ ‬فقط‭ ‬بحيث‭ ‬فقد‭ ‬21‭ ‬مقعدا،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬مقعدهم‭ ‬النائب‭ ‬المثير‭ ‬للجدل‭ ‬والحاقد‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ “‬مارتين‭ ‬هنركسين‭” ‬الذي‭ ‬ترأس‭ ‬وفد‭ ‬النواب‭ ‬البرلمانيين‭ ‬الذي‭ ‬زار‭ ‬المغرب‭.‬
ولعل‭ ‬المفاجأة‭ ‬التي‭ ‬انتظرها‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬الدنمارك‭ ‬هي‭ ‬فشل‭ “‬راسموس‭ ‬بالودان‭” ‬في‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬الناخبين‭ ‬الدنماركيين‭ ‬بعد‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تخول‭ ‬له‭ ‬دخول‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭. ‬هذا،‭ ‬وصوت‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬الدنمارك،‭ ‬بكثافة،‭ ‬لصالح‭ ‬حزب‭ “‬رادكال‭ ‬فنسترا‭” ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬مواقفه‭ ‬تجاه‭ ‬ملف‭ ‬الهجرة‭ ‬وسياستها‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬وتمسك‭ ‬بوعوده‭ ‬لمعارضة‭ ‬سياسة‭ ‬رئيسة‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭.‬
‭ ‬حزب‭ “‬الرادكال‭ ‬فنسترا‭” ‬حصل‭ ‬على‭ ‬16‭ ‬مقعدا‭ ‬بخلاف‭ ‬الانتخابات‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬فيها‭ ‬8‭ ‬مقاعد،‭ ‬وموقفه‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬معتدل‭ ‬وهو‭ ‬مع‭ ‬حل‭ ‬متوافق‭ ‬عليه‭ ‬وفق‭ ‬القرارات‭ ‬الأممية،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لحزب‭ ‬القائمة‭ ‬الموحدة‭ ‬فهو‭ ‬يساري‭ ‬راديكالي‭ ‬فقد‭ ‬مقعدا‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬الانتخابات‭ ‬السابقة‭ ‬وحصل‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬13مقعدا،‭ ‬وهو‭ ‬يتبنى‭ ‬أطروحة‭ ‬الانفصال،‭ ‬ومناهض‭ ‬لسياسة‭ “‬ميتا‭ ‬فردريكسن‭” ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬سياسة‭ ‬الهجرة‭ ‬واللجوء،‭ ‬أما‭ ‬حزب‭ ‬الشعب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الذي‭ ‬أقنع‭ ‬الناخبين‭ ‬الدنماركيين‭ ‬بالتصويت‭ ‬عليه‭ ‬فقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬16‭ ‬مقعدا،‭ ‬وهو‭ ‬حزب‭ ‬منحاز‭ ‬للخصوم‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭.‬
إذن‭ ‬فأحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬التي‭ ‬استقبلتها‭ ‬الملكة‭ ‬وافقت‭ ‬على‭ ‬تعيين‭ “‬ميتا‭ ‬فردريكسن‭” ‬كرئيسة‭ ‬للحكومة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬مشاوراتها‭ ‬لمحاولة‭ ‬إيجاد‭ ‬صيغة‭ ‬للتوافق‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬ملف‭ ‬المهاجرين‭ ‬واللاجئين،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬رياح‭ ‬التغيير‭ ‬اليساري‭ ‬التي‭ ‬هبت‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬انعكاس‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬انشغلت‭ ‬بتأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬داخل‭ ‬النسيج‭ ‬الجمعوي،‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬تطاحنا‭ ‬كبيرا‭ ‬أثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬وتكاثف‭ ‬الجهود‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الإكراهات‭ ‬الكبيرة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬السفيرة‭ ‬ومنذ‭ ‬التحاقها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬ولا‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬مكونات‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬التي‭ ‬ستشكل‭ ‬الحكومة،‭ ‬لذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬عمله‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬حضور‭ ‬مكثف‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬الموازية‭ ‬لتدارك‭ ‬ضعف‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الرسمية،‭ ‬وهي‭ ‬رسالة‭ ‬موجهة‭ ‬بالخصوص‭ ‬لأحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬المغربية‭ ‬وبالخصوص‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬الذي‭ ‬تربطه‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والذي‭ ‬حضر‭ ‬عدة‭ ‬مؤتمرات‭ ‬نظمها‭.‬
‬وكانت‭ ‬مشاركة‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الجالية‭ ‬العربية‭ ‬والمسلمة،‭ ‬قوية‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خطورة‭ ‬تأثير‭ ‬الخطاب‭ ‬العنصري‭ ‬عليهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مشاركة‭ ‬المهاجرين‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬تعكس‭ ‬صورة‭ ‬حقيقية‭ ‬عن‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬الاندماج‭ ‬وتشكيل‭ ‬لوبي‭ ‬مؤثر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأحزاب،‭ ‬وقد‭ ‬أبانوا‭ ‬بالفعل‭ ‬عن‭ ‬رغبتهم‭ ‬لمقاومة‭ ‬كل‭ ‬فكر‭ ‬سلبي‭ ‬وهدام‭ ‬وارد‭ ‬من‭ ‬المشرق‭…‬


الكاتب : كوبنهاكن‭:‬ حيمري‭ ‬البشير‭ ‬

  

بتاريخ : 12/06/2019