هكذا يحصي «مرصد» وزارة الصحة ضحايا فيروس كورنا

لضبط عدد الإصابات المؤكدة وعدد الوفيات في المغرب

أصبح المغاربة على موعد يومي مع طقس مسائي حزين يجعلهم جميعا يضعون أياديهم على قلوبهم خوفا وهلعا؛ ففي كل مساء، يتوجه محمد اليوبي رئيس مديرية الأوبئة بوزارة الصحة في الإفادة الصحفية اليومية للوزارة إلى 36 مليون مغربي ليسرد عليهم عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كوفيد 19، وعدد الوفيات التي تتصاعد على نحو مثير للتساؤل.
وقال محمد اليوبي، أول أمس، إن عدد الوفيات زاد في الأربع والعشرين ساعة الماضية سبع حالات لتصل الوفيات إلى 33 حالة، ووصل عدد الذين تماثلوا للشفاء إلى 15 حالة. فكيف يجري تسجيل الحالات وإحصاء الإصابات؟

 

المرصد الوزاري

يقع التعرف على عدد الأشخاص المصابين بالفيروس، بإحصاء عدد الذين دخلوا المستشفى، وعدد الأشخاص الموجودين حاليًا في العناية المركزة بغرف الإنعاش والموصولين بأجهزة التنفس الاصطناعي، وعدد الأشخاص الذين دخلوا الحجر الصحي في المنازل، وعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم من جراء مضاعفات الإصابة، وعدد الأشخاص الذين تعافوا وعادوا إلى منازلهم، بعد التحقق المختبري من خلو أجسادهم من الفيروس. وبعد ذلك
ويجري تجميع جميع المعلومات، في مرصد أستحدث من أجل هذه الغاية تحت إشراف وزارة الصحة التي تتوصل على نحو مستمر بالبيانات التي تسجلها خدمات الطوارئ بالمستشفيات العمومية وشبكات الحراسة بالمصحات والمراكز الصحية والأطباء الخواص، فضلا عن العمل الأساسي الذي يقوم به معهد باستور بالدار البيضاء ومختبر المعهد الوطني للوقاية من الأنفلونزا والفيروسات بالرباط ومختبر المستشفى العسكري. غير أن عملية تجميع البيانات ما زالت تعترضها بعض الصعوبات، وتحتاج إلى تضافر جهود كل ممثلي الجسم الطبي من أجل بيانات أكثر دقة.
وتشير مصادر طبية إلى أن هذه الأرقام، التي ينقلها إلينا رئيس مديرية الأوبئة، تمثل فقط جزءًا من الواقع الوبائي للبلاد، ذلك أن الاختبارات ليست تلقائية، وأنها محجوزة للأشخاص المشتبه في تعرضهم الفعلي للوباء، أو للمخالطين الذين ثبت احتكاكهم مع بعض الحالات التي تم تأكيد إصابتها. ومع ذلك، فإن المنحى التصاعدي للأرقام يطرح على المغاربة التقيد بالإجراءات الاحترازية، وعلى رأسها العزل المنزلي.

أرقام لإبعاد الأسوأ

وتضيف المصادر نفسها أن الأرقام المسجلة بعيدة عن أن تكون عديمة الفائدة، لأنها تعطينا فكرة عن تطور الوباء، وعن بؤر الإصابة، الأمر الذي بوسعه أن يمكن من حصار انتشار الفيروس وعزله في منطقة واحدة إلى حين القضاء عليه نهائيا. وقد أوضح محمد اليوبي أن نسبة الوفيات في المغرب بهذا الوباء، تصل إلى ستة في المائة وهي “نسبة قريبة من النسبة التي توجد بدول أوربية، وتقل عن النسب في دول أخرى”. كما قال إن “معدل أعمار الوفيات يصل إلى 66 عاما وإن 82 في المئة منهم يعانون من أمراض مزمنة، كالربو، السكري وأمراض القلب والشرايين”.
وبخصوص عامل السن، كشف اليوبي على أن “متوسط السن لدى الحالات المتوفية يقدر ب 66 سنة”. وتوقع أن ترتفع الإصابات في الأسابيع المقبلة، بعد تكثيف إجراء التحاليل المختبرية.
وكان مدير مديرية الأوبئة قد توقع، في بداية انتشار الوباء في المغرب، أن أسوأ سيناريو يمكن أن يعيشه المغرب هو المرحلة الثالثة التي قد يصل فيها عدد المصابين بالفيروس إلى 10 آلاف شخص.
لقد اختار المغرب، منذ البداية التعامل يحزم ووضوح مع الجائحة، وكان سباقا إلى إقرار حزمة من الإجراءات الوقائية والاحترازية للحد من الزحف الفيروسي القاتل. وهو الأمر الذي تمت الإشادة به على المستوى الدولي. بينما ينظر خبراء دوليون إلى بلدان أخرى بعين الشك في الأرقام المعلنة. فقد تساءلت الصحيفة الفرنسية “ليزيكو”، مثلا، عن حقيقة الأرقام المسجلة في الصين (ما يقرب من 3330 حالة وفاة). ونقلت الصحيفة، في تحقيق لها، أن “سكان ووهان في مقاطعة هوبي الصينية، مهد وباء كوفيد 19، لا يؤمنون بالأرقام الرسمية للوفيات”. وأضافت أن “بعض الناس يتحدثون عن حرق الجثث بأقصى سرعة على امتداد عدة أيام”، وأن “آخرون نشروا في حساباتهم على الشبكات الاجتماعية أن عدد التوابيت التي تم إرجاعها تقدر بـ 42000 “.

دول على المحك

لذلك، تتساءل “ليزيكو”: هل عدد ضجايا الفيروس في الصين في الحقيقة هو 3295 قتيلًا ، كما ادعت السلطات أو أكثر من ذلك؟
“هذا الرقم غير محتمل على الإطلاق! يصرح جان ميشيل كونستانتين، نائب الأمين العام للجمعية الفرنسية للتخدير والإنعاش. فالضحايا أكثر من ذلك”، وفق ما نقلته الصحيفة.
في السياق نفسه، أثارت دراسة طبية كندية كانت قد نشرتها صحيفة غارديان البريطانية، منذ أكثر من أسبوعين حالة من الجدل في أوساط النشطاء المصريين على منصات التواصل الاجتماعي، في وقت نفت فيه وزارة الصحة المصرية الدراسة.
وقالت الدراسة التي أجراها مختصون في الأمراض المعدية من جامعة تورونتو الكندية، إن “عدد المصابين بفيروس كورونا في مصر هو على الأرجح أعلى بكثير مما أعلنته السلطات الرسمية”، وقدرت أن عدد المصابين بالفيروس في مصر قد يبلغ 19 ألفا وفقا لبيانات رسمية عن حركة السفر ومعدل المصابين الذين غادروا مصر في الأيام الأخيرة.

مصر في الواجهة

حسب الدراسة الكندية، فإن 97 أجنبيا ممن زاروا مصر منذ منتصف فبراير الماضي ظهرت عليهم أعراض الفيروس، أو أثبتت التحاليل المختبرية إصابتهم به. ومعظم هؤلاء السياح قضوا بعض الوقت على متن بواخر في نهر النيل يعتقد أنها هي مصدر انتشار الفيروس في مدينة الأقصر السياحية جنوبي مصر.
وهذا ما تؤكده، مغربياـ حالات الإصابة بين صفوف العائدين من رحلة نظمتها الجمعية الإسماعيلية لمتقاعدي التعليم بمكناس إلى الديار المصرية يوم 10 مارس (56 متقاعدا إضافة إلى مرشدين اثنين).
غير أن مصدرا مسؤولا بوزارة الصحة المصرية نفى نفيا قاطعا أرقام الإصابات التي أوردتها صحيفتا غارديان ونيويورك تايمز، مشددا على أن القاهرة ليس لديها ما تخفيه، وأن الإعلان عن الحالات يتم بوضوح تام وشفافية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، وأن الأرقام المعلنة من وزارة الصحة هي الأرقام الصحيحة.
وقالت صفحات محلية ومواقع إخبارية مصرية إن “مركز بلقاس بمحافظة الدقهلية يشهد مخاوف من تحوّله إلى بؤرة لفيروس كورونا، بعد تداول قرار بغلق مدرستين لمدة غير محددة، وتوزيع كمامات وكحول مجانا على المواطنين في محاولة للسيطرة على انتشار الفيروس”.
وتنوعت تعليقات النشطاء على مواقع التواصل بشأن الدراسة، إذ إن الفريق المؤيد لها يطالب الحكومة المصرية بمزيد من الشفافية واتخاذ إجراءات طبية ووقائية عاجلة للسيطرة على انتشار المرض بمصر. كما اعتبر هؤلاء أن تدابير مصر الطارئة جاءت متأخرة كثيرا بعد الإجراء المحدود للتحاليل، إضافة إلى سيطرتها المحكمة على إحصاءات العدوى ومناطق انتشارها، وتهديدها بإجراءات قانونية ضد أي شخص “يروج الأخبار الكاذبة أو الشائعات” عن المرض.
وشكك أطباء وصحفيون مصريون في الدراسة مع إقرارهم بغياب الشفافية في مصر، وقالوا إن فريق الدراسة لم يستطع نشرها في أي مجلة علمية، وأن المنهجية التي اعتمد عليها غير دقيقة، لأنها مبنية على تقديرات إحصائية وليست معلومات ميدانية.
قال الكاتب ديفد هيرست إن “فيروس كورونا المستجد ينتشر في مصر، سواء أنكرت السلطات ذلك أم لا”.
وأضاف في مقاله، الذي نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني، أن الكثير من الحكومات كافحت للتأقلم مع حقيقة تفشي فيروس كورونا، وأن ردّ فعل مصر في بداية تفشي المرض تمثل في إرسال وزيرة الصحة هالة زايد إلى الصين تضامنا مع شعبها.
وأكد أن الحالة الوحيدة التي أُعلن عنها في مصر، قبل التسليم بانتشار الوباء، تمثلت في مواطن صيني اكتشفت إصابته لدى وصوله مطار القاهرة، ثم غادر المستشفى في مارس.
وذكر الكاتب أن ما لا يقل عن 97 أجنبيا زاروا مصر منذ منتصف فبراير الماضي ظهرت عليهم أعراض الفيروس أو ثبتت إصابتهم به، لذلك كان أخصائيو الأمراض المعدية من جامعة تورنتو يشككون في التفاوت بين المعدلات الحقيقية المقدمة من قبل السلطات الرسمية ومعدلات الإصابة المحتملة.
ووفقا للكاتب فقد قدر العلماء الكنديون باستخدام بيانات المسافرين والرحلات الجوية ومعدلات الإصابة، أن تفشي المرض في مصر يبلغ حوالي 19310 حالة، مؤكدين أنه “من المرجح أن لدى مصر عبئا كبيرا من حالات فيروس كورونا التي لم يجر الإبلاغ عنها، ومن المحتمل أن تساعد زيادة القدرة السريرية للصحة العامة في تحديد الحالات وعلاجها”.
وأضاف عندما أبلغت مراسلة صحيفة غارديان البريطانية بالقاهرة روث مايكلسون عن حقائق متعلقة بكورونا في مصر، ونشر رئيس مكتب صحيفة نيويورك تايمز “ديكلان والش” تغريدة حول هذا الشأن، أعلنت السلطات إلغاءها تصريح الصحافة الخاص بمايكلسون، واتهمتها بـ”السلوك العدواني المتكرر والمتعمد”، في حين اتهمت والش بارتكاب”انتهاكات مهنية”.
وقال الكاتب إن “المصابين بالفيروس بمصر يعانون في صمت لأن عليهم عدم الكشف عن إصابتهم بالفيروس، فعلى سبيل المثال هددت قوات الأمن المحلية أحد المصابين الذي ذهب إلى المستشفى في مدينة في دلتا النيل بأنه إذا أعلن أنه مصاب بالفيروس فستُعاقب عائلته”.

الهاجس الاقتصادي

أفاد الكاتب بأن تفشي كورونا على السفينة السياحية “سارة ايه”، التي كشفت الاختبارات أن 44 من أفراد طاقمها وركابها كانوا حاملين للفيروس، أدى إلى انتشار الفوضى والرعب في الأقصر، مما دفع الفرق الطبية للقدوم إلى المدينة من القاهرة وقنا، وزيارة ردهات ومطاعم الفنادق في المنطقة لإجراء اختبارات عشوائية للعمال والضيوف.
وتطرق الكاتب إلى أن سبب الخوف من تفشي جائحة كورونا في مصر هو أنها تخشى أن يتدهور قطاع السياحة في البلاد، الذي بلغت إيراداته 12.57 مليار دولار العام الماضي، حيث شهدت إيراداته انخفاضا في البداية بعد الانتفاضة الشعبية يوم 25 يناير 2011 ثم مرة أخرى في عام 2015 عندما أُسقطت طائرة الركاب الروسية.
وختم مقال بأنه “يتعين على المجتمع الدولي، إذا كان مثل هذا المفهوم ما زال موجودًا، أن ينظر حقًا فيما يحدث بمصر، لأن تفشي الفيروس سيدمر الاقتصاد وسيحطم السياحة ويضعف الاقتصاد العالمي، علاوة على ذلك، سيضعف الفيروس اقتصاد الخليج، حيث يوجد في المملكة العربية السعودية وحدها مليونا عامل مصري”.


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 02/04/2020