هل استنفدت الديمقراطية مقوماتها الشرعية؟ : الاقتصاد، الزعامات القوية، الرقابة.. مفاتيح الحل

هل لاتزال الديمقراطية الليبرالية التعددية أفقا تاريخيا حتميا للمجتمعات الحديثة أم أنها استنفدت ذاتها كآلية للتدبير التشاركي للسلطة ولم تعد تتناسب مع التحولات الراهنة؟
ما أسباب فشل التجارب الديمقراطية في العالم العربي وإلى أحد ترتبط هذه الآلية بالسياقات الثقافية والتاريخية لكل مجتمع على حدة بحيث يصعب تصديرها أو فرضها على مناخات ثقافية وسياسية غير التي نشأت بها؟
تلكم بعض الأسئلة والانشغالات التي حاولت ندوة «عبء الديمقراطية الثقيل: أين الخلاص؟» والتي التأمت يوم السبت في إطار ندوات جامعة المعتمد بن عباد في دورتها 34 ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي 41، مقاربتها بهدف تشخيص مكامن الأزمة ورهاناتها للخروج ببدائل أو تصحيح مسار الديمقراطية، خصوصا في البلدان النامية التي تعثر فيها المسلسل الديمقراطي بعد فترة الاستقلالات الوطنية.

 

 

يعتبر الأستاذ الجامعي والكاتب الموريتاني عبد الله ولد باه، أن مسار الديمقراطية اليوم وما تشهده من انحسار أمام نماذج وتعبيرات أخرى تولت مهمة تمثيل المواطن ، يقتضي الحديث عن رهانين أساسيين هما:
1- الانفصام الحاصل بين الجانب المعياري المتعلق بالقيم ومنها الديمقراطية، والجانب الإجرائي المسطري المتعلق بالآلية الانتخابية والمنافسة السياسية بعد أن أصبحت هذه الآلية تفرز نتائج عكس المأمول منها ،بفعل تغلغل الفساد ووصول التيارات الشعبوية الى الحكم كنتيجة لترسيخ مقترب الديمقراطية.
2- الانفصام الثاني، كما حدده ولد باه، يشمل القنوات الوسيطة أي الأحزاب والنقابات والهيئات المنتخبة والمؤسسات الدستورية الحاضنة للتعدد السياسي، بما فيها القوى السياسية التقليدية بيمينها ويسارها التي انهارت لتتحول الانتخابات في ظل هذا المشهد الى شكل من أشكال التمرد والانتفاضات، ولم تعد فرصة لحسم الشرعيات السياسية وهو ما يشكل أحد مآزق الديمقراطية اليوم.
وفي تشريحه لأسباب هذه الأزمة عربيا، أشار ولده باه الى أن الاحزاب العربية منذ نشأتها تنازعها توجهان: أحدهما تحرري (الوفد بمصر، الاستقلال بالمغرب، جبهة التحرير بالجزائر) ويواجه اليوم تراجعا مريعا رغم كونه جزءا من تاريخ ولم يعد بالتالي قوة دافعة للسياسة ببلدانه ، وثانيهما قومي انجرف وراء الشعارات والأحلام العروبية، فكانت النتيجة أن القاعدة السياسية لم تعد تنتج قوة سياسية فاعلة ما فسح المجال لصعود أحزاب الإسلام السياسي التي استفادت من جو الديمقراطية للوصول الى مراكز القرار قبل أن تعمل على تقويض هذه الآلية.
عيوب ونقائص الديمقراطية اليوم لا يعتبرها الكاتب الموريتاني مبررا للبحث عن بدائل لها، لكونها ربحت مبدأ الشرعية وتبقى مسألة الخيارات العملية لحمايتها قابلة للتطوير، مقترحا في هذا الإطار لتصحيح مسارها العمل على تطويرها عبر المساهمة الجماعية في النقاش من منظور حمايتها لأنها النظام الأكثر قدرة، إلى الآن، على إدارة المشاكل في إطار إدارة التنوع بين المجتمع والسلطة وبين المواطنين أنفسهم، وهو النقاش التي يتعين أن يبدأ من داخل الأحزاب نفسها التي أصابها الوهن بفعل الممارسات الداخلية التي أخلت بمفهوم الحزب كتنظيم قوي، وذلك عبر إعادة النظر في الحياة الحزبية وإشراك المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي، بتحويله إلى قوة اقتراحية مساهمة في صنع القرار ومراقبة لتنفيذه ، وهو الدور الذي لن يتأتي لهذا المكون في غياب وعي ديمقراطي وحقوقي يعتبر الحقوق هبات من الدولة في العالم العربي، العالم الذي لاتزال فكرة الديمقراطية به كما جاء في تدخل مصطفى نعمان وزير الخارجية اليمني سابقا، فكرة ناشئة والحريات الممنوحة هي في حقيقتها مزايا يتحكم فيها الهاجس الأمني، وقد تغلف بقبول الانتخابات وحرية الصحافة وبعض المنظمات التي تشتغل في المجال الحقوقي لكنها في العمق تسير في ركاب السلطة، بل تنبري للدفاع عنها أحيانا في يعرف بـ»المعارضة المستأنسة»، مستخلصا في الاخير أن التجارب العربية الديمقراطية لم تكن وليد حاجة داخلية بقدر ما كنت انصياعا لإملاءات خارجية وتجنبا للضغوط وهو ما أدى الى فشلها.
لايرتبط فشل الديمقراطية بالبلدان النامية بالمناخ والسياق الثقافي أو الاجتماعي لهذه البلدان حسب خورخي أباركا سفير البيرو بالمغرب سابقا، بقدر ما يرتبط بالفشل في إقرار عدالة اجتماعية تستجيب لحاجيات المواطن وهو فشل ساهمت فيه القيادات غير المناسبة التي تولت إدارة الشأن العام، تتساوى في ذلك الزعامات الأوربية والإفريقية والعربية وهو ما يفسر مثلا اندحار الأحزاب التقليدية بأوربا مقابل صعود الأصوات اليمينية المتطرفة، داعيا في هذا الاطار الى ابتكار آليات ونظم جديدة أكثر نجاعة وأولها الزعامات القوية التي تؤمن بالديمقراطية كمشروع وبالعدالة الاجتماعية كهدف أسمى.
وإذا كان وضع الديمقراطية في أوربا والعالم العربي قد آل الى الباب المسدود مرحليا، فإن الديمقراطية بإفريقيا ليست بأحسن حالا خاصة في قارة تعيش على صفيح ساخن منذ استقلال بلدانها. استقلال لم يكن فرصة لإرساء ديمقراطية حقيقية تقطع مع ممارسات الكولونيالية واستنزاف خيرات وموارد الدول، بل كان بداية عهد تركيز السلطة عبر نظام الحزب الواحد واستنساخ التجارب الأوربية في مجال حفظ الأمن، كما يرى برنار مومبي وزير خارجية تنزانيا سابقا ، مضيفا أن هذه القيادات كانت عسكرية في معظمها حتى أواسط التسعينات، وكانت مجرد منفذة للإملاءات الخارجية ومنها فرض الديمقراطية المشروطة بتقديم المساعدات والدعم لقارة كانت لاتزال في مرحلة إعادة البناء لحظتها.
ولأن هذه الدول لم تعتمد الديمقراطية خيارا استراتيجيا نابعا من إرادة وطنية واعية برهاناته، ولا تدرجت في إنضاج شروطه الداخلية، فقد كان الفشل مآل هذه الآلية المفروضة بل تحول الى عنصر آخر من عناصر التوتر والأزمات، في ظل الصراعات والحروب الأهلية التي كانت في كثير منها بسبب نتائج الانتخابات وما جرته على هذه القارة من ويلات التهجير والنزوح وتدفق اللاجئين الى البلدان المجاورة.


الكاتب : أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 24/06/2019

أخبار مرتبطة

743 عارضا يقدمون أكثر من 100 ألف كتاب و3 ملايين نسخة 56 في المائة من الإصدارات برسم 2023/2024   أكد

تحت شعار «الكتابة والزمن» افتتحت مساء الأربعاء 17 أبريل 2024، فعاليات الدورة الرابعة للمعرض المغاربي للكتاب «آداب مغاربية» الذي تنظمه

الأستاذ الدكتور يوسف تيبس من مواليد فاس. أستاذ المنطق والفلسفة المعاصرة بشعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز ورئيسا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *