هل حقا عمارة «برنار» بمكناس آيلة للسقوط؟

 

إننا نطرح هذا السؤال، وبهذه الصيغة، وهدفنا هو محاولة استجلاء بعض الحقيقة حول وضعية هذه العمارة التي يبدو، من خلال بعض المعطيات (أو على الأقل، هذا ما يُشتَم من تسلسل الأحداث)، أن للفساد الإداري والمالي والاقتصادي والأخلاقي والسياسي، يدا طولى في التطورات التي عرفها هذا الملف، آخرها دعاوى الإفراغ اعتمادا على قرار الهدم الذي أصدره رئيس جماعة مكناس.
ومن الخيوط التي يمكن تتبعها لمحاولة رصد بعض ملامح الفساد، هو التحرك المشبوه للبعض من أجل تكسير وحدة سكان العمارة. وقد نتج عن هذا التحرك المشبوه، وضعيتان متناقضتان، بحيث تحولت وضيعة بعض السكان إلى مأساة اجتماعية وإنسانية حقيقية؛ فيما جعل منها البعض الآخر مصدر ربح مادي(وبحسب ما يروج حول الفرق في المبالغ المقبوضة، فإن المسألة تبدو مرتبطة برأس الزبون، كما يقال).
لقد تشابكت الخيوط وتضاربت المصالح وتباينت المواقف في هذه النازلة بسبب تعدد الأطراف المتدخلة في الموضوع؛ فمن جهة، هناك الأوقاف والسلطة المحلية وشركة “أسيما” وجماعة مكناس؛ ومن جهة أخرى، هناك السكان وأصحاب المكاتب والمحلات التجارية.
كيف بدأت الحكاية، والأصح المأساة؟ لقد اكترت أسيما الطابق السفلي وقبو العمارة من وزارة الأوقاف لإقامة مركز تجاري. ولما بدأت الأشغال، سقط جزء من سقف القبو؛ وهو سقف مضاف ولا علاقة له بالبناء الأصلي (أو السقف الأصلي؛ أي “الضالة”)، حسب ما هو متداول.
وعلى إثر ذلك، انعقد اجتماع بولاية جهة مكناس – تافيلالت (سابقا) برئاسة الكاتب العام للولاية؛ وذلك بتاريخ 24 دجبر 2013. وقد صرح، في هذا الاجتماع، السيد ممثل المختبر العمومي للدراسات والتجارب (LPEE) بأن سبب الانهيار يعود إلى خطأ تقني، ارتكبته الشركة
وتجدر الإشارة إلى أن الملف مر بمخاضات متعددة ومازال يراوح مكانه. فرغم ما جاء في رد السيد وزير الأوقاف، جوابا عن سؤال كتابي في الموضوع من نائبة برلمانية، بتاريخ 28 غشت 2014، من أن “مصالح الوزارة بصدد التنسيق مع شركة أسيما، مكترية أسفل العمارة التي تسببت في تصدع العمارة خلال أشغال إحداث مركزها التجاري، التي ستتولى أشغال التقوية وفق كناش الشروط المعد لهذا الغرض، وإرجاع الساكنة إلى مساكنهم”. وكان جواب ناظر أوقاف مكناس على يد وسيط المملكة بتاريخ 13 غشت 2014 لممثلة الساكنة المتضررة، يتضمن نفس المحتوى.وإلى اليوم، والملف قد دخل في سنته الخامسة، فلا أشغال التقوية قد أنجزت ولا السكان قد رجعوا إلى منازلهم؛ في حين جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ ذلك التاريخ.
لقد تعددت الضغوطات والمناورات والإغراءات والمساومات؛ بل وصل الأمر إلى التهديدات في حق من لم ينصع لأوامر السلطة، كما حصل مع الأستاذة ماجدة يامني ومن بقي معها من السكان المتضررين؛ حيث تم منعها، وإلى اليوم، حسب ما صرحت به، من تفقد أغراضها في شقتها وأخذ وثائقها الشخصية من قبيل كناش الحالة المدنية، مثلا.
بل وصل الأمر بالكاتب العام السابق للولاية إلى رفض تنفيذ قرار رئيس المحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 31 /07/2014، القاضي بالسماح للمتضررين بمعاينة منازلهم بعد السرقات المفتعلة بتاريخ 26/07/2014.
وقد تحدثت المعنية في فقرة من رسالة لها، توصلت بها باعتباري كاتبا إقليميا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، طلبا للدعم والمساندة، عن “أُسر تقطن عمارة برنار منذ أزيد من 50 سنة ومنذ أن كانت في ملكية صاحبها الأصلي ‘هنري برنار’ وقبل أن تعود الملكية إلى الأوقاف سنة 1976، [وقد] تعرضنا لشتى أنواع الحيف من طرف نظارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمكناس بمباركة السلطة المحلية بمكناس [وعانينا] من تشريد ممنهج وترويع وسب وشتم وحرمان من ولوج الشقق ومنع من اقتناء بعض الأغراض الضروية…”.
وتبرز الأحداث أن المساومات والإغراءات قد نجحت في تمزيق لحمة الساكنة التي قضت أسابيع في الاعتصام والوقفات الاحتجاجية. وتُحمِّل الأستاذة ماجدة يامني(النائبة عن الساكنة المتضررة وممثلة “تنسيقية السبت الأسود لعمارة برنار بمكناس) المسؤولية الأولى، في التخاذل الذي حصل تجاه قضيتهم وفي التفكك الذي لحق تجمعهم، إلى مكتب جمعية سكان عمارة برنار، الجمعية التي كانت تقوم فيها بمهمة الكاتب العام؛ وقد استقالت منها في يناير 2014 رفقة 3 عضوات من مكتبها بعدما بدا لهن انحراف الجمعية عن هدفها الذي أنشئت من أجله، ألا وهو تمثيل الساكنة والدفاع عن مصالحها. وأكتفي بهذه الإشارة لأن ما تحكيه الأستاذة ماجدة يامني، في هذه النقطة بالذات، كثير وكثير جدا، سواء في العلاقة مع السلطة أو مع السكان.
ومن مستجدات هده القضية، إصدار رئيس جماعة مكناس بتاريخ 10 غشت 2017 قرارا بالهدم يحمل رقم 61، أشَّر عليه عامل عمالة مكناس، بالإضافة إلى رئيس الجماعة. واعتمادا على هذا القرار، شرعت أوقاف مكناس في رفع دعاوى الإفراغ؛ والهدف، هو فسخ العقدة الكرائية بين الأوقاف والساكنة بصفة نهائية !
ويظهر جليا من هذا التطور، أن وراء الأكمة ما وراءها؛ وقد تكون العملية كلها تحايل لحرمان المتضررين من حقوقهم، وعلى رأسها العودة إلى مساكنهم، سواء تم الاكتفاء بتقوية العمارة أو تم هدمها وإعادة بنائها؛ ذلك أن فسخ العقدة الكرائية بقرار الإفراغ، يعني حرمانهم من الحق الذي من أجله رفضوا كل التهديدات وكل الإغراءات؛  في حين أن هذا الحق، أي الحق في العودة إلى السكنى، يضمنه القانون بعد أن يصير الهدم وإعادة بناء العمارة من جديد أمرا واقعا ضدا على أي محاولة للتدليس المُضارِبة.
وتشكك الرسالة التي أشرت إليها آنفا في “زعم رئيس جماعة مكناس أن [قراره] مبني على خبرة صادرة عن المختبر العمومي للدراسات والتجارب (LPEE) ومؤرخة بـ 25 /01/2016 دون موافاتنا بتقرير الخبرة المزعومة(…)”؛ مضيفة أنه “قد سبق لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ونظارتها بمكناس أن صرحتا اعتمادا على تقارير خبرة منجزة من طرف أسيما تكلف بها نفس المختبر (LPEE) خلصت في محطة سابقة في 2014 أن العمارة قابلة للإصلاح بدعم الأعمدة والأساس في جزء من العمارة وأنها ليست آيلة للسقوط مما قد يستوجب الهدم كما زعم رئيس الجماعة”.
ومن حق المتضررين أن يشكوا ويشككوا في خلفيات مثل هذا القرار ويشككوا في وجود الخبرة المعتمد عليها، ما داموا لم يتوصلوا بتقرير عنها حتى يطالبوا بخبرة مضادة، كما يسمح بذلك القانون. وما يزكي تخوف هؤلاء المتضررين، هو موقع العمارة؛ فهي موجودة بوسط المدينة الجديدة بمكناس وفي موقع مغري (توجد على واجهتي شارع نهرو وشارع الجيش الملكي)؛ مما قد يكون أسال لعاب لوبي العقار الذي لا يقيم وزنا للموروث العمراني بالمدينة.
وعلى كل، فالمتشبثون بحقهم في العودة إلى مساكنهم، قد لجؤوا إلى القضاء طلبا للإنصاف. ونحن إذ نجدد دعمنا المبدئي للمتضررين، نعلن، من جهة، ارتياحنا واطمئنانا على الملف من ناحية دفاع المتضررين؛ ومن جهة أخرى، نعلن ثقتنا في قدرة قضائنا على تفكيك خيوط هذا الملف من أجل الوصول إلى الحقيقة التي يحاول البعض طمس معالمها.


الكاتب : محمد إنفي

  

بتاريخ : 16/04/2018