«هي تتخيل» لخوان خوسيه مياس

مجموعة قصصية بطلها واحد : «بيسنته أولجادو»، تتكون من 33 قصة، والعامل المشترك الآخر فيها هو حُضور الخيال والهلاوس والحكايات المرحة والهزلية الخيالية والغرائبية، التي تتمثل وتترابط بعمق مع عمق «بيسنته أولجادو» في كل شخصية، وطباعه المختلفة، والمرحة، وتراكيبه المتشعبة والمتباينة في كل مرة.

الخيال هو البطل الآخر، فنجد مياس يمدحه في أول قصّة، والتي تحمل اسم الكتاب، حيث يتحدث عن فتاة لا تتخيل الحياة من دون بيسنته أولجادو، تتخيله في كل مكان، تقوم بالتنقل عبر الدولاب لتسقط في حذاء، أو في مكان آخر، وتستمر في التنقل، تقوم بالتخيل طوال الوقت كحصولها على نوبل لاكتشافها أنّ الحلق والمهبل يتكونان من نفس النسيج، وبالتالي قد تحدث التهابات حلقية في المهبل، والتهابات مهبلية في الحلق، أو أن تضع جواربك في درج دُولابك فتصير في دولاب شخص أخر.
تتحكم في القصة بكاملها فهي تتخيل «أباجورة»، ويمكن أن تضع بدلاً منه “كومدينو”، بإمكانها أيضاً أن تبدل الأشياء وحين تذهب لطبيب نفسي تجعله يتخيل نفسه طبيب أمراض نساء، وتخبره بأن يشخص حالتها لأنها تعاني من التهابات مهبلية، وحين تذهب لطبيب أمراض النساء تخبره بأن يتخيل نفسه طبيب نفسي، وتحدثه بأنها تتخيل بشكل مفرط، تتخيل بأنها تملك عينان مختلفتان في اللون، إحداهما حصلت عليها من «بيسنته».
تدور علاقة حب بينها وبينه، ترسخ علاقات عميقة وجمل نفسيّة جميلة خلال تلك القصة المكونة من 50 صفحة، البطلة ميتة و”بيسنته” يراقبها بحبّ وصمت ويبقى جالسًا معها، ينتظرها لآخر العمر، ورغم كل ذلك فالبطل الخفيّ هو “بيسنته” في تلك القصة التي تمثل معاني الوحدة، والألم، والحب والعديد من المفردات العميقة النفسية بحس فكاهي، وساخر، وخيال يملك من النقاء والجاذبية ما يكفي لسحرك.
تدور القصة في صيغة مونولوج طويل تقوم به البطلة، وتشبه القصة مسرحية طويلة، حيث تتحدث البطلة وتحكي للجمهور وتتخيل نفسها في مكان يشبه خشبة المسرح، كل هذا يجعلنا نرى مونولوج نفسي عميق.
ثم تأتي القصة التي تليها لتسرد لنا مديح في الخيال نفسه، ومعاني رمزية، وعميقة للغاية، تغوص في النفس وتجعلنا نرى الخيال في مواجهة الواقع، وربما الكتاب كله يشكل هذا المعنى .
ترصد القصة الكاتب «بيسنته أولجادو» يبتلع حبوب مسكنة، ويرى شخص خيالي هو «أوليجاريو إكونيا»، ويقوم بكتابة قصة حياته، وهنا تَعلم “لاورا” بإصابته بورم في أسفل ظهره، وتدور علاقة عميقة بينهما، وقصة خيالية شيقة، يمدح فيها مياس الخيال والكتابة ويرصد علاقة بين الإثنين، تمتزج بالهزلية، والسخرية، والضعف الإنساني.
يتحدث عن اقتلاع الجذور وخلق وطن وهمي بديل عن طريق العادات الغريبة، كأن تبدأ غسيل أسنانك بالصف الأيمن، أو أن تنهض على ساقك اليمنى، ثم يتخذ ذلك شكل أكثر خطورة في تأمُله للجانب الآخر من الطريق كعادة يومية، حتى يتخيل امرأة على الجانب الآخر من الطريق يشعر بما تشعر به تلك المرأة، يشعر بابتلال سرواله إذا ابتل خاصتها، أي أنه يشعر بها بجسده كأنها هو، لكنها على الجانب الآخر من الطريق، حتى ينتهي به الأمر لنهاية عجيبة بالغة الرمزية والصعوبة.
كفقدان الإحساس بالواقع، أو فقدان القدرة على معرفة ما هو داخلي وما هو خارجي، وتخيُل الحياة على الجانب الآخر الواقع بالتلفاز، والحياة الخيالية هنا، أو أن تتخيل بأن هناك درج فارغ ولكما وضع شراب أو شيء في موضع ما يصيبه ألم ٌومرض ٌ في ذلك الموضع، وتستمر الخيالات التي تقدم نقد سياسي أحيانًا وساخر من كل شيء في أحيان أخرى، ويشترك الأغلب في صيغة الوحدة التي يمر بها بيسنته وحياته المنعزلة وعاداته الغريبة، فيغوص مياس في الإنسان عن طريق المرح، والسخرية، وجرعات خيال مكثفة.


بتاريخ : 10/08/2019