وعي اللعبة الإشهارية

لا يمكن اعتبار الإشهار علما ولا فنا، بحكم عدم خضوعه لقوانين وضوابط صارمة .

إن للخطاب الإشهاري سلطة تجعله متحكما بزمام الأمور، سلطة تثيرنا وتستهوينا وتغير قيمنا ونظرتنا للأمور وللعالم ، فهو خالق للأذواق ومخضعها له، إذ تتحدد لغة الخطاب في ضوء العلاقة بين المرسل والمرسل إليه ، يشترك فيها الأول إيجابيا بوصفه بادئا بالاتصال ، والثاني سلبيا بوصفه مستقبلا .
كيف ينجح الإشهار في إقناع المتلقي باقتناء المنتوج ؟
وكيف يتشكل الوعي باللعبة الإشهارية لدى المتلقي ؟
حسب رولان بارت فإننا « مخدوعون ونخدع باستمرار، علينا أن نعرف كيف نخدع « ، وحيث إن جوهر الإشهار هو الوعود ، عن طريق انتقاء الوعد المناسب الذي سوف يتحقق للمستهلك من جراء شرائه للمنتج، وذلك من خلال مخاطبة المتلقي بعبارات تنشد كسب ثقته واحترامه، وعبارات تثير اهتمامه إلى تميز البضاعة أو المنتج وجودتها ودقة صنعها، ثم يبدأ بدغدغة الرغبات الكامنة والصريحة واستثارة الهواجس ومخاطبة المشاعر لاستنفار المتلقي للشراء أو لتنمية رغبته في ذلك .
يسعى الإشهار لتعطيل الآليات العقلية للمتلقي، في ما يخص تمييز الأشياء ونقدها وتبين إيجابياتها وسلبياتها، لكي يقنعه باقتناء المنتج، فهو يشتغل على اللاشعور ليبني إرساليته وخطابه، حيث يعمد الى استنفار طاقات انفعالية داخلية هي التي تشكل الممر الضروري للوصول إلى لاشعور المستهلك .
يقول برنار كاتولا : « الإشهار بطبيعته متفائل، ويعبر عن دينامية وفرح لا يضاهيه فيهما أحد، يقدم لنا أشخاصا سعداء ويتمتعون بصحة جيدة ، وأذكياء يعيشون في جنة استهلاك «، إذ يروم أن يكون جذابا ومغريا، يقودك على بساط الحلم إلى شراء المنتج، كما يبحث في الكلمات عن جرسها وسهولتها في النطق والتداول.
فصياغة الإشهار باللغة الفرنسية مثلا موجهة إلى شريحة تعلن عن انتمائها إلى الحداثة، ولو شكليا، وهي عادة الطبقات العليا وبعض الطبقات المتوسطة، كما يعد ارتباط نساء هذه الفئة من المجتمع بالسلعة المفضلة لديها ارتباطا عالميا، بحيث تتباهى بالسلعة الأجنبية، وتحضر المرأة أيضا في صور الإشهار بحسب نوعية المنتج الموضوع للعرض، ووظيفته وموقعه من دائرة الاستهلاك اليومي المختلفة، فيتوجه الخطاب حينذاك إلى مغازلة مخيال المتلقي وإثارة غرائزه، لأن المنتج يشبع حاجات المتعة.
يعمل الخطاب الإشهاري بازدواجية تأثير / إقناع ، فهو يخاطب العواطف وليس العقل، كما يقوم بتشكيل سنن ذهني يدخل العقول ويكون له، تبعا، طريقة في الرؤية والتفكير تتعارض مع الفكر النقدي، ومن هنا ينبع الوفاء لبعض السلع.

أنا أستهلك منتوجا معينا لأقدم نفسي للآخرين بطريقة معينة .

يستثمر الإشهار المعطيات الثقافية والسوسيوثقافية لصياغة الهوية الحضارية للمستهلك، فيغدو تلقي المستهلك للخطاب الإشهاري تلقيا لهويته هو، فالمستهلك ينسج خيوط هويته وفقا للأبعاد الثقافية والإيديولوجية التي يعكسها مكونا هذا الخطاب : مكون لغوي (النص) ومكون أيقوني (الصورة) ، فتتشكل الإرسالية بتفاعل ما هو لغوي مع ما هو بصري ، فالمكتوب يوجه البصري، إذ إن كل خطاب إشهاري يكون بنية الصورة التي ترمز بمنتهى الذكاء إلى ما تعبر عنه .
تتكون آليات الإشهار من أربعة عناصر : جلب الانتباه – إثارة الاهتمام – تحقيق الرغبة – تحقيق
Attention – Intérêt – Désir – Achat التي ترمز إلى (A ,I,D,A) ، وهذا ما يعرف بالشراء.
إن الإشهاري يتقن لعبة المعلن والمضمر، حيث يوظف الأسلوب الإستعاري الذي يحيل إلى الغموض والإيحاء، غير مكتف بسرد مزايا المنتوج الفعلية والحقيقية، فالإشهار كما يقول سعيد بنكراد لا يقدم منتوجا يصلح لشيء واحد فقط ، أي حافيا عاريا، وإنما يقدم سياقا قيميا ، يصفي الإشهار الجسد لكي يستعمله في بيع المنتج ، فالجسد واجهة اجتماعية وثقافية، كما أن علاقة الناس بأجسادهم تعكس نمط علاقاتهم بالأشياء المحيطة بهم .


الكاتب : مريم الجنيوي

  

بتاريخ : 21/01/2020