يتمتع بحنكة دبلوماسي حولت تعدد روافد الجاليات إلى قواسم مشتركة لتعزيز التعايش : حسن العموري مغربي أبهر العاهل الهولندي وليام ألكسندر

اختار حسن العموري المنحدر من مدينة فاس، حيث تلقى تعليمه بين أسوارها العتيقة، أن يستقر بمدينة أمرسفورت، التي احتفل العاهل الهولندي وليام ألكسندر رفقة زوجته ماكسيما وبناته كاترينا ـ أماليا، أليكسيا وأريان وأفراد العائلة الملكية بزيارتها بمناسبة عيد ميلاده الـ52. فقد التحق العموري بالأراضي المنخفضة سنة 1986 من القرن الماضي وسنه لم يكن يتجاوز الـ20 سنة، غايته استكمال دراسته فكانت محطته الأولى العاصمة الاقتصادية أمستردام التي التحق بجامعتها، ثم حبه للعلم قاده إلى مواصلة تحصيله في مجال التسيير والتدبير الإداري، إذ ولج أكاديمية الإدارة ليحصل منها على دبلوم فتح له الباب للاشتغال في مؤسسات حكومية محلية

 

قادت حسن العموري قصة حب انتهت بالزواج وأثمرت طفلين بعد حوالي عقد من الزمن قضاها في مدينة أتريخت، إلى مدينة أمرسفورت الواقعة في مقاطعة أتريخت وتمتد على ضفة نهر «إيم»، ويعيش فيها حوالي 160 ألف مواطن، بحثا عن فضاء أرحب وأكثر صفاء للإبداع في مدينة لاتزال تحتفظ بطابع العصور الوسطى يمكن لزائرها الاستمتاع بقنواتها المائية المتعددة، وبناياتها المتفردة الهندسة والمعمار.
غطت نفحات أصوله الفاسية مدينة أمرسفورت، فنقش طموحه حجرها وصخرها، الذي يشكل استثناء في هولندا، إنه حسن العموري، المبدع المغربي، ابن العاصمة العلمية للمغرب حيث ولد وترعرع وتلقى تعليمه وتلمس بها أولى خطواته في عالم الفن والثقافة، الذي كان أحد مجالات اهتمامه باعتباره نافذة على العالم، فقد كان مثل أبناء جيله، بالموازاة مع تحصيله الأكاديمي، من محبي التردد على دور الشباب والمعاهد الأجنبية، التي توفر عرضا فنيا وثقافيا يطفئ ظمأه، ويغني رصيده المعرفي، ويكون له الفضل في تكوين شخصيته المتفتحة.
لم يكن الاهتمام بالشأن الفني والثقافي عنده مجرد هواية لقضاء وقت الفراغ أو موضة للتباهي، وإنما شكل الإبداع الفني والقضايا الثقافية بالنسبة لحسن العموري انشغالا أساسيا وضرورة، ستفرضان على حسن العموري الهولندي من أصل مغربي أن يحمل معه في حقائبه نحو الديار الهولندية حبه وشغفه بالفن والموسيقى العالمية، وسيستمر في التردد على المسارح خاصة المحلية، بالموازاة مع متابعته لمساره الدراسي.
يقول حسن، الذي كان له ميول تلقائي نحو الاهتمام بكل ما هو فني وثقافي منذ شبابه: «إن المسارح المحلية، الصغيرة، وعلى العكس من مثيلتها الوطنية الكبيرة، تمنح الأشخاص فرصة للتقارب وتحقيق التواصل ما بين الجمهور المتلقي، وتمكن من تبادل وجهات النظر وكثيرا ما تكون حافزا لانبثاق أفكار لإنجاز مشاريع فنية وثقافية مشتركة في المستقبل من الأيام».
انتبه هذا المغربي، الذي بصم على مسار عصامي موسوم بالتحدي والرغبة في تحقيق الذات والنجاح وسط مجتمع أصبح جزءا منه، يتألم لألمه، ويفرح لفرحه، (انتبه) منذ البدايات إلى شح العروض الفنية على اختلاف ألوانها التي من شأنها أن تجسد التعددية في المجتمع الهولندي، وتعكس التنوع الذي من المفروض أن يوفره العرض الثقافي والفني في الأراضي المنخفضة. ويبرز حسن العموري أن العرض الفني والثقافي وبرمجتهما لا تعكسان بشكل جلي هذا الحضور المتعدد والمتنوع للجاليات التي تعيش في الديار الهولندية عامة، ومدينة أمرسفورت بشكل خاص، مشيرا إلى أن البرمجة الفنية والثقافية لم تكن تغري الجاليات المقيمة في هولندا، ولم تنجح بالرغم من الجهد المبذول على مستوى الشكل والمضمون في استقطابهم بشكل جيد، وعزا ذلك إلى غياب برمجة منتظمة على امتداد السنة الثقافية في جل المسارح و دور الثقافة في الأراضي المنخفضة، تسمح للجاليات بولوج متواصل لعرض ثقافي متنوع ومتعدد.
هكذا، عوض توجيه سهام النقد، انخرط حسن العموري في تطوير المنتوج الثقافي والفني بتقديم المشورة، كواحد من ساكنة مدينة أمرسفورت والمتطوعين في مجال الفعل الفني والثقافي، لمديري المسارح المحلية بغاية مشتركة: تجويد العرض الفني والثقافي بشكل يسمح بتحقيق المساواة ويساهم في تعزيز دمقرطة الولوج إلى الفن عبر برمجة تأخذ بعين الاعتبار المساواة، بالإضافة إلى العمل على بحث سبل التواصل مع الجاليات تأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها و متطلباتها لأجل بلوع هدف «المسرح للجميع»، ليس فقط للهولنديين، والمساعدة على جلب الجاليات المتعددة إلى مقاعد المسارح الهولندية بشكل عام والمدينة بشكل خاص.
بعد أن راكم تجربة كبيرة على مستوى الاستشارة في المجال الثقافي والفني، وأيضا في ما يتعلق بالبرمجة وصناعة وتطوير المحتوى الفني والثقافي الذي يراعي التعدد والتنوع، ويعكس بعده العالمي مع المحافظة على مسحته المحلية، اختار حسن العموري، أن ينشئ مؤسسة دار الثقافات العالمية والفن والإبداع «أرتيكانزا» (ArteGanza) التي كانت بمثابة منطلقه الحقيقي لتطوير محتوى فني أكثر رحابة وعالمية يسع الجميع، يروم نشر الثقافة والفن في بعديهما الكوني في قالب محلي، عبر برمجة أنشطة، على طول السنة، بتعاون مع شركاء محليين ووطنيين وعالميين.
«لقد أصبحت مؤسسة «أرتيكانزا» (ArteGanza) فاعلا منافسا في المجال الثقافي والفني محليا ووطنيا، وتمكنت بفضل جودة عروضها وخدماتها، أن تجد لنفسها موطئ قدم بين الفاعلين الفنيين والثقافيين في الأراضي المنخفضة، الأمر الذي حدا بالعديد من الشركاء إلى التعامل مع المؤسسة ومصاحبتها في تحقيق مشاريعها الفنية والثقافية» التي يوثقها موقعها الإلكتروني www.arteganza.com ، يقول حسن العموري، وهو يستعرض جملة من النجاحات التي حققتها مؤسسة «أرتيكانزا» في دعم التعددية والتنوع من خلال الفعل الثقافي والفني.
لقد تمكنت مؤسسة «أرتيكانزا» (ArteGanza)، خلال العشرية الأخيرة، من بلوغ التعددية والتنوع، سواء على مستوى المنتوج الثقافي والفني أو على مستوى الحضور الجماهيري، ويقول رئيسها حسن العموري: «اشتغلنا منذ تأسيس المؤسسة على بلورة تصور يروم خلق جسر تواصل ما بين الثقافات عبر مشروع فني تعددي ومتنوع لأجل تقريب الثقافة والفن العالميين إلى الجمهور الهولندي، بما فيه الجاليات التي تقيم في الأراضي المنخفضة، بالإضافة إلى إبراز ثقافات وفنون أخرى تشكل جزءا من الفسيفساء الفني والثقافي الهولندي، غير أنها ليست مرئية بالشكل الذي يبرز قيمتها. فكانت الوصفة بسيطة، يوضح حسن العموري، «الاهتمام بجمالية الفوارق والاختلافات، وتحويلها إلى فعل إيجابي وقوة إبداعية توحد كل الجاليات رغم تعدد روافدها، مستعينا بمثال حقول الورود الهولندية التي يرسم تنوع ألوان زهورها وتعدد أشكالها لوحة مزهرية تسر الناظر، مستحضرا في ذات الآن الزربية المغربية التي يكمن جمال وحدتها في اختلاف تفاصيل ألوانها وأشكالها.
إن حسن العموري الذي أصبحت مدينة أمرسفورت جزءا لا يتجزأ منه، وشكل مجال التدبير العمومي واحدا من اهتماماته فيها، يعتبر واحدا من خبراء المدينة الذين يبحثون الحلول المثلى لإشكاليات الإدارة الإلكترونية والتهيئة الحضرية، وتدبير الفضاءات العمومية التي تأخذ بعين الاعتبار الحضور المتعدد للجاليات، كما أنه أول مغربي في هولندا يعمل على استثمار الفضاء العمومي لأجل تنظيم مهرجانات فنية وعروض موسيقية، والترويج لها في فضاءات عامة مفتوحة، جاعلا من ناصيات وساحات مدينة أمرسفورت، ركحا وخشبة لإشعاع الإبداع الفني والثقافي ليبدع أسلوبا غير مسبوق للترويج للثقافات والفنون العالمية في قالب يستحضر التعددية والتنوع خلال الإعداد للسياسات العمومية المحلية عبر تخصيص حصة «كوطا» لها تمكنها من الحضور على أرض الواقع بشكل جلي يسمح للجميع، دون حواجز ولا فوارق، بالاستمتاع بها عبر عروض فنية وثقافية.
إن حسن العموري، الذي نذر نفسه لخدمة التنوع والتعددية عبر النافذة الفنية والثقافية، قد تواترت مشاريعه وتناسلت وكانت جلها فضاءات المدينة مسرحا لها، وكانت قاعات للعروض في مدن أخرى تستضيف فعالياتها، إلى أن أصبح يلقب بـ»رائد التنوع والتعددية» بمدينة أمرسفورت، وتحول إلى مرجع لا محيد عنه في هذا المجال، وسفيرا فوق العادة للفن والثقافة في مدينته.. يتمتع بحنكة الدبلوماسي في الدفاع والترويج للأفكار التي تجعل من الاختلافات السلبية قواسم مشتركة إيجابية.
آمن حسن العموري برسالة نبيلة ألا وهي خدمة التعدد الثقافي والتنوع الفني على الأراضي الهولندية، وقد أثمر إيمانه هذا و عمله المتواصل، فتوج برسم لوحة بدفق بشري من مشارب ثقافية وفنية عالمية كانت محط إعجاب العاهل الهولندي وليام ألكسندر وزوجته ماكسيما وأطفالهما خلال زيارتهم لمدينة أمرسفورت بمناسبة الاحتفال بذكرى عيد ميلاده الـ52.
لقد انبهر العاهل الهولندي وليام ألكسندر باللوحة الإبداعية التي جعلت من التعددية والتنوع التي تزخر بها هولندا أبرز توابلها، وقبلهم أبهرت الفكرة عمدة المدينة لوكاس بولسيوس، فهي مشروع قل نظيره، وإبداع على شكل لوحة مفعمة بالحياة والحركة ضمت وجوها من 132 جنسية، نساء ورجالا، لوحة أنجزها سكان المدينة من أصول متعددة وروافد متنوعة، اختتمت جماليتها بعد أيام بدعوة المواطنين الـ200 الذين آمنوا بالفكرة وأنجزوها في مهرجان للحرية في الـ5 من ماي المنصرم أياما بعد الاحتفال بعيد الملك في الـ27 من شهر أبريل الماضي.
كانت رغبة حسن العموري، تجاوز الخطأ الذي وقعت فيه المدينة خلال احتفالها بذكراها الـ750، حيث تم الاحتفال بذكرى التأسيس في غياب الإشارة إلى الجاليات التي تعتبر مكونا أساسيا للنسيج الديمغرافي للمدينة، ودون استحضار للتنوع والتعدد اللذين يعتبران رمزا لمدينة تؤمن بقيم التسامح وتساعد على الاندماج، فكان حسن العموري رفقة المغربي عزيز البكاوي المبدع والمصمم العالمي، سفيرين لتحقيق فكرة تجسد التنوع والتسامح الذي تعكس قاعدة المجتمع تجلياته الواضحة في هرمها. وكيف لا، والعاهل الهولندي وليام ألكسندر هو ثمرة زواج ألماني ـ هولندي، وبناتهما من زواج هولندي ـ أرجنتيني. فكانت الفكرة إبداع لوحة تجعل من جمالية الفوارق أرضية لها تتمتع بظل سيدة اسمها الحرية وعنوانها الوطن، يسع الجميع رغم الاختلافات الثقافية، تتوشح بالعلم الهولندي وترسل نسائم الحرية نحو الجميع وتشمل بظلالها الطويلة مواطنين من جاليات متعددة من أصول مختلفة تعكسها ألوان وأشكال لباسهم التقليدي، يحيل على كل بلد وجنسيته، كعنوان لتعدد ثقافي وتنوع عرقي يعيش في حضن دافئ ظل بيتا حاضنا للمهاجرين من أوربا و خارجها.
بعد وصوله إلى حيث الجنسيات الـ132 ترسم بألوان لباسها وسحنات وجوهها لوحة فنية، لم يتردد العاهل الهولندي وليام ألكسندر في التعبير عن إعجابه بالفكرة. فكان تعليق جلالته، أن المحافظة على هذا التعدد والتنوع هو ما يشغل باله ويعتبر همه اليومي، يقول حسن العموري، الذي لا يتردد في التأكيد له على أن جمالية الأراضي المنخفضة تكمن في تعدد جنسياتها التي تعيش في سلم ووئام رغم اختلاف أصولها.
انتهت زيارة العاهل وليام ألكسندر إلى مدينة أمرسفورت، لتبدأ رحلة الألف ميل نحو استكمال ورش التنوع الفني والتعدد الثقافي كإحدى ركائز العيش المشترك في أكثر من مدينة، بخطوة بُلورت لتصبح مشروع بلد بأكمله. فتحولت فكرة حسن العموري، الذي تمكن من أن يحقق التفاف 132 جنسية حول سيدة بلباس وطني ترمز إلى تمثال الحرية، إلى نموذج يحتذى به لإبراز التنوع الذي تزخر به هولندا، وهو الأمر الذي دفع بوزارة الشؤون الاجتماعية الهولندية، بتنسيق مع عمدية أمرسفورت، وحسن العموري، إلى تدارس كيفية تعميم الفكرة بأساليب متعددة ومتنوعة تحافظ على كنهها، لتحتضن مدينة أمرسفورت الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الجاري اجتماعا ضم 355 عمدة لأجل اعتماد ميثاق مشترك للتعددية والتنوع على مستوى العرض الفني والثقافي والبرمجة، يعكس التنوع ويضمن حصة الجاليات فيها.


الكاتب : أمرسفورت(هولندا): يوسف هناني

  

بتاريخ : 10/10/2019