‭‬التوفيق‭ ‬يعيد‭ ‬تعريف‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بالسوسيولوجي‭ ‬الألماني‭ ‬ماكس‭ ‬فيبير‮…‬ ‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬الدرس‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬الدروس‭ ‬الرمضانية‭ ‬

‬استحضر‭ ‬وزير‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬أحمد‭ ‬التوفيق‭ ‬المجهودات‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬للألماني‭ ‬ومؤسس‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الحديث‭ ‬ماكس‭ ‬فيبر‭ ‬لإعادة‭ ‬تعريف‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وفي‭ ‬علاقته‭ ‬باستثمار‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬التنمية‭.‬
وكان‭ ‬التوفيق‭ ‬قد‭ ‬ألقى‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬الدرس‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬الرمضانية‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ “‬استثمار‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬التنمية‭”‬،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭ “‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬تأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وتؤمنون‭ ‬بالله‭”.‬
وفي‭ ‬المحور‭ ‬المتعلق‭ ‬بـ‭ “‬البحث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬القيم‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬خارج‭ ‬سياق‭ ‬الإسلام‭”‬،‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬ماكس‭ ‬فيبير‭ ‬أعاد‭ ‬بأطروحته‭ ‬المنشورة‭ ‬عام‭ ‬1905‭ ‬حول‭ “‬الرأسمالية‭ ‬والأخلاق‭ ‬البروتستانية‭”‬،‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬حيث‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬التفسيرات‭ ‬الدينية‭ ‬لطائفة‭ ‬البروتستانت‭ ‬قد‭ ‬تحكمت‭ ‬في‭ ‬سلوكاتهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بخصوص‭ ‬الادخار‭ ‬والاستثمار‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬الألماني‭ ‬إرنست‭ ‬طرولتش‭ ‬مؤسس‭ ‬السوسيولوجيا‭ ‬الدينية،‭ ‬أغنى‭ ‬وعدل‭ ‬أطروحة‭ ‬فيبير‭ ‬وبين‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬عند‭ ‬ثنائية‭ ‬البروتستانت‭ ‬والكاثوليك،‭ ‬بل‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬ديانات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬وأزمنة‭ ‬مختلفة‭.‬
وفي‭ ‬مستهل‭ ‬هذا‭ ‬الدرس‭ ‬الافتتاحي‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬الدروس‭ ‬الحسنية‭ ‬الرمضانية،‭ ‬الذي‭ ‬ترأسه‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬مرفوقا‭ ‬بولي‭ ‬العهد‭ ‬الأمير‭ ‬مولاي‭ ‬الحسن،‭ ‬والأمير‭ ‬مولاي‭ ‬رشيد،‭ ‬والأمير‭ ‬مولاي‭ ‬إسماعيل،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬بالقصر‭ ‬الملكي‭ ‬بالرباط،‭ ‬أوضح‭ ‬التوفيق‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬الدين‭ ‬بالأخلاق‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬بالنظر‭ ‬الفلسفي‭ ‬المتشكك،‭ ‬لأن‭ ‬الدراسات‭ ‬الحديثة‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬الديانات‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬الكتب‭ ‬المنزلة،‭ ‬لها‭ ‬مرجعيتها‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬أصل‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬القصد‭ ‬بقيم‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وفي‭ ‬السنة‭ ‬الصحيحة‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬وأخلاق،‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬الفهم‭ ‬الغالب‭ ‬عند‭ ‬الجمهور‭.‬
وبين‭ ‬المحاضر‭ ‬مدلول‭ ‬مصطلحي‭ “‬التنمية‭” ‬و‭”‬النموذج‭” ‬الواردين‭ ‬في‭ ‬عنوان‭ ‬الدرس،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬التنمية،‭ ‬كما‭ ‬نستعمله‭ ‬اليوم‭ ‬بمعنى‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬المختلفة،‭ ‬أموالا‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬فمعناه‭ ‬متضمن‭ ‬في‭ ‬التزكية،‭ ‬ولكن‭ ‬التزكية‭ ‬تزيد‭ ‬عنه‭ ‬بمعنى‭ ‬الطهارة،‭ ‬وتعني‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬المال‭ ‬سلامة‭ ‬وجه‭ ‬اكتسابه‭ ‬وصواب‭ ‬وجه‭ ‬إنفاقه‭. ‬أما‭ ‬مصطلح‭ “‬النموذج‭” ‬فالكلام‭ ‬عنه‭ ‬مبرر‭ ‬من‭ ‬وجوه،‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬اعتقاد‭ ‬أهله‭ ‬نموذج‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته،‭ ‬لكمالة‭ ‬وتوافق‭ ‬عناصره،‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬فأسلوب‭ ‬العيش‭ ‬الذي‭ ‬يقترحه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬نموذجيا‭.‬
وأشار‭ ‬التوفيق،‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬تناوله‭ ‬للمحور‭ ‬الأول‭ ‬المتعلق‭ ‬بـ‭ “‬مستند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬بنموذج‭ ‬التنمية‭”‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬مصطلح‭ ‬معبر‭ ‬عن‭ ‬النموذجية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأمة‭ ‬بشروطها‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ “‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬تأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وتؤمنون‭ ‬بالله‭”‬،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬المعروف‭ ‬هنا،‭ ‬وبقراءة‭ ‬عصرنا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصدق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأعمال‭ ‬المؤطرة‭ ‬بالقوانين‭ ‬والتأسيسات‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬الجماعة‭ ‬لصالحها،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تناقض‭ ‬حكما‭ ‬قطعيا‭ ‬في‭ ‬الشرع،‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بأن‭ ‬الجمهور‭ ‬يقابله‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالأغلبية‭.‬
وحسب‭ ‬المحاضر،‭ ‬فإن‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬مفهوم‭ ‬عظيم‭ ‬جاء‭ ‬ليؤسس‭ ‬حياة‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬اليقظة‭ ‬الدائمة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القيام‭ ‬على‭ ‬البناء‭ ‬المستدام،‭ ‬وعلى‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المعالجة‭ ‬المستمرة‭ ‬لأنواع‭ ‬الفساد،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬فوتوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬فرصة‭ ‬الاستفادة‭ ‬التاريخية‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التوجيه‭ ‬لأسباب،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الخصوص،‭ ‬عدم‭ ‬التدبر‭ ‬الكافي‭ ‬لسنن‭ ‬الكون،‭ ‬ومنها‭ ‬سنن‭ ‬التاريخ،‭ ‬وعدم‭ ‬توفر‭ ‬الشروط‭ ‬المادية‭ ‬المتوفرة‭ ‬اليوم‭ ‬لتفعيل‭ ‬وازع‭ ‬السلطان،‭ ‬أي‭ ‬سلطة‭ ‬القانون‭.‬
ويمكن‭ ‬القول‭ ‬‮-‬يضيف‭ ‬التوفيق‮-‬‭ ‬إن‭ ‬الآية‭ ‬بحدودها‭ ‬أوعناصرها‭ ‬ترسم‭ ‬نظاما‭ ‬جماعيا‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬نموذجا،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬منافسة‭ ‬الأمم‭ ‬الخيرية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬غاية‭ ‬النموذج،‭ ‬وإنها‭ ‬تضع‭ ‬لذلك‭ ‬النموذج‭ ‬شروطا‭ ‬تلتزم‭ ‬بها‭ ‬الأمة،‭ ‬لا‭ ‬لمجرد‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬الخيرية‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬بل‭ ‬بقصد‭ ‬الاقتداء‭ ‬الذي‭ ‬يتطلبه‭ ‬العالم‮.‬‭ ‬فشروط‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬تهم‭ ‬الإطار‭ ‬الذي‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬التدبير‭ ‬السياسي،‭ ‬إنه‭ ‬نموذج‭ ‬مفترض‭ ‬يقتضي‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬البناء‭ ‬والإصلاح‭.‬
وفي‭ ‬المحور‭ ‬الثاني‭ ‬المتعلق‭ ‬بـ‭ “‬النموذج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬المؤسس‭ ‬وما‭ ‬بعده‭”‬،‭ ‬أوضح‭ ‬المحاضر‭ ‬أن‭ ‬آلية‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬تحيل‭ ‬على‭ ‬صرح‭ ‬شامخ‭ ‬من‭ ‬أخلاق‭ ‬القرآن،‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬الأحكام‭ ‬والقواعد‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الواجبات‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬والجزاءات،‭ ‬ودعامته‭ ‬توجهات‭ ‬تتعلق‭ ‬بالدوافع‭ ‬والنوايا‭ ‬والاجتهادات،‭ ‬تشمل‭ ‬الفرد‭ ‬والعائلة‭ ‬والجماعة،‭ ‬كما‭ ‬تشمل‭ ‬الأخلاق‭ ‬والتصرفات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التزامات‭ ‬الدولة‭.‬
وحسب‭ ‬التوفيق،‭ ‬فإن‭ ‬التاريخ‭ ‬يخبرنا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬اشتغلت‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬النبوي،‭ ‬لقوة‭ ‬الوازع،‭ ‬أي‭ ‬بفضل‭ ‬التأثير‭ ‬القوي‭ ‬للجملة‭ ‬التي‭ ‬بعث‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وهي‭ ‬تلاوة‭ ‬الآيات‭ ‬والتزكية‭ ‬وتعليم‭ ‬الكتاب‭ ‬والحكمة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬تفعيل‭ ‬هذه‭ ‬الدينامية‭ ‬عرف‭ ‬تعثرا‭ ‬بعد‭ ‬العهد‭ ‬النبوي‭.‬
وهنا،‭ ‬أبرز‭ ‬المحاضر‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يقر‭ ‬الملكية،‭ ‬ولا‭ ‬يتعرض‭ ‬على‭ ‬التفاوت،‭ ‬ولا‭ ‬يثني‭ ‬على‭ ‬المترفين‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬كافرين‭ ‬بالنعمة،‭ ‬يرضى‭ ‬عن‭ ‬الفعالية‭ ‬التجارية‭ ‬ويستنكر‭ ‬الغش‭ ‬والخداع،‭ ‬يحرم‭ ‬استغلال‭ ‬ضعف‭ ‬الناس‭ ‬بمضاعفة‭ ‬فوائد‭ ‬القروض،‭ ‬يحض‭ ‬على‭ ‬الزكاة‭ ‬كوجه‭ ‬لتثمير‭ ‬الأموال‭ ‬وإسعاف‭ ‬المعوزين‮.‬‭ ‬أما‭ ‬نصوص‭ ‬السنة‭ ‬فقد‭ ‬ورد‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الملكية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬محدودا‭ ‬لبعض‭ ‬الاعتبارات،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬فيه‭ ‬تحريم‭ ‬الغرر‭ ‬والربح‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الصدفة،‭ ‬ومنع‭ ‬الاحتكار‭ ‬وبيع‭ ‬الجزاف‭.‬
وبصفة‭ ‬عامة،‭ ‬فالأحكام‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬التكويني،‭ ‬تصور‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬بلغه‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وتقبلته‭ ‬فئات‭ ‬وشرائح‭ ‬اجتماعية‭ ‬في‭ ‬عصره،‭ ‬إنه‭ ‬نموذج‭ ‬كوني‭ ‬شكل‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬للبشرية،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬التاريخ‭ ‬ليصدق‭ ‬كونيته‭ ‬عندما‭ ‬قامت‭ ‬بأوروبا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬اعتراضات‭ ‬على‭ ‬امتيازات‭ ‬ناشئة‭ ‬عن‭ ‬التبعية‭ ‬لطبقة‭ ‬معينة،‭ ‬وتبلورت‭ ‬صياغة‭ ‬هذه‭ ‬الاعتراضات‭ ‬في‭ ‬الاحتجاج‭ ‬على‭ ‬الامتيازات‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬تملك‭ ‬وسائل‭ ‬الإنتاج‭.‬
وقد‭ ‬ذهب‭ ‬الدارسون‭ ‬المعاصرون‭ ‬‮-‬حسب‭ ‬التوفيق‭ ‬‮-‬‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬الإسلامي‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬نجاعة‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬عولمة‭ ‬الاقتصادات‭ ‬ضعيفة،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬مؤسسات‭ ‬قانونية‭ ‬رسمية،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬عرف‭ ‬قيام‭ ‬مؤسسات‭ ‬سياسية‭ ‬وتدبيرية‭ ‬كثيرة،‭ ‬أشهرها‭ ‬القضاء‭ ‬والحسبة،‭ ‬أما‭ ‬الجماعات،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬فقد‭ ‬وضعت‭ ‬لنفسها‭ ‬ضوابط‭ ‬ترسخ‭ ‬المعروف‭ ‬المرجعي‭ ‬للتعامل‭ ‬ولفض‭ ‬النزاعات‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن،‭ ‬حيث‭ ‬يسمى‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المعروف‭ ‬عندنا‭ ‬بالعمل‭ ‬أو‭ “‬أزرف‭”.‬
وفي‭ ‬المحور‭ ‬المتعلق‭ ‬بـ‭ “‬البحث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬القيم‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬خارج‭ ‬سياق‭ ‬الإسلام‭”‬،‭ ‬أبرز‭ ‬المحاضر‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬الفلسفي‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬والذي‭ ‬امتد‭ ‬عبر‭ ‬أربعة‭ ‬قرون،‭ ‬انتهى‭ ‬موضوعيا،‭ ‬وبقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المرجعية،‭ ‬إلى‭ ‬مضمون‭ ‬الآية‭ ‬القرآنية‭ ‬في‭ ‬توقف‭ ‬إصلاح‭ ‬الجماعة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬أمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬ونهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬تتبناه‭ ‬الجماعة‭ ‬لغاية‭ ‬طلب‭ ‬الحق‭ ‬والعدل‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬الأخيرين‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬قد‭ ‬ذهب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬ليبرالي،‭ ‬بفلسفة‭ ‬جوهرها‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬اكتساب‭ ‬المال‭ ‬وترويجه‭ ‬ستعود‭ ‬بالنفع‭ ‬على‭ ‬الجميع‭.‬
وسجل‭ ‬التوفيق‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬واكبه‭ ‬استفحال‭ ‬تيارات‭ ‬فكرية‭ ‬مادية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬وبين‭ ‬التدبير‭ ‬العمومي‭ ‬للحياة،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬ثروة‭ ‬الأمم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬لغة‭ ‬الأرقام،‭ ‬وظهر‭ ‬وكأن‭ ‬السلوك‭ ‬الاقتصادي‭ ‬عقلاني‭ ‬محض‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬فيه‭ ‬المعتقدات‭. ‬
وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬الرائدين‭ ‬فيبير‭ ‬وطرولتش،‭ ‬لم‭ ‬يتجدد‭ ‬الاقتناع‭ ‬عند‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬بأن‭ ‬الدين،‭ ‬باعتباره‭ ‬العامل‭ ‬المهيكل‭ ‬الأول‭ ‬للثقافة،‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬هائل‭ ‬في‭ ‬آليات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬الأبحاث‭ ‬الميدانية‭ ‬توالت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬عبر‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬وأبرزت‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬ديانة‭ ‬غير‭ ‬مواتية‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬ثقافة‭ ‬فردانية‭ ‬بالكامل‭ ‬ولا‭ ‬جمعوية‭ ‬بالكامل،‭ ‬وأن‭ ‬التحاليل‭ ‬الميدانية‭ ‬تظهر‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬يستمر،‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬منبعا‭ ‬للخير‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تمكين‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬التناغم‭ ‬والتلاؤم‭ ‬حول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النقط‭ ‬المتقاسمة‭ ‬داخل‭ ‬الجماعة‭.‬
وبخصوص‭ ‬المحور‭ ‬الرابع‭ “‬آفاق‭ ‬استثمار‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬التنمية‭”‬،‭ ‬سجل‭ ‬التوفيق‭ ‬أن‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬استثمار‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬التنمية‭ ‬أمران‭ ‬متلازمان،‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬ثروة‭ ‬الأمة‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الفقر،‭ ‬مبرزا‭ ‬أن‭ ‬المقصود‭ ‬بالاستثمار‭ ‬هنا‭ ‬التزام‭ ‬الفاعلين‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬بمقتضى‭ ‬القيم‭ ‬المندرجة‭ ‬في‭ ‬الواجبات،‭ ‬ثم‭ ‬بتلك‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المندوبات،‭ ‬متسائلا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‮:‬‭ ‬من‭ ‬يتعين‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بهذا‭ ‬الاستثمار؟
وبعد‭ ‬أن‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬إعمال‭ ‬المعروف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجماعة‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬المؤسسات،‭ ‬أوضح‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الإمارة،‭ ‬أي‭ ‬الدولة،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬يرجع‭ ‬إليها‭ ‬الدور‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬استثمار‭ ‬قيم‭ ‬الدين،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬صاحبة‭ ‬الاختصاص‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجماعة‭.‬
وسجل‭ ‬أن‭ ‬الفكرة‭ ‬السائدة‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬حول‭ ‬مركزية‭ ‬دور‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬أبانت‭ ‬عن‭ ‬محدوديتها،‭ ‬إذ‭ ‬تبين‭ ‬ضعف‭ ‬التزام‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬لأن‭ ‬الأفراد‭ ‬محكومون‭ ‬بظروف‭ ‬البيئة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وللدولة‭ ‬وسائل‭ ‬ليست‭ ‬لغيرها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬القانون‭ ‬المناسب،‭ ‬وفي‭ ‬التصرف‭ ‬لخلق‭ ‬البيئة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المناسبة‭ ‬للتدين‭ ‬العام‭.‬
واعتبر‭ ‬أن‭ ‬المنتدبين‭ ‬الفعليين‭ ‬لتقوية‭ ‬الوزاع‭ ‬بالحكمة‭ ‬والموعظة‭ ‬الحسنة‭ ‬هم‭ ‬أصناف‭ ‬من‭ ‬المربين،‭ ‬الشرط‭ ‬فيهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قدوة‭ ‬مؤثرين‭ ‬بالقول‭ ‬والفعل،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بأمانة‭ ‬التبليغ،‭ ‬ويحرصون‭ ‬على‭ ‬إقناع‭ ‬الفرد‭ ‬بمصلحته‭ ‬دون‭ ‬إعدام‭ ‬حريته‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬شرط‭ ‬صحة‭ ‬عبادته،‭ ‬وينتظر‭ ‬من‭ ‬تدخلاتهم‭ ‬أن‭ ‬تجيب‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬العادية‭ ‬وأن‭ ‬تعالج‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية،‭ ‬أولها‭ ‬الشرح‭ ‬بأن‭ ‬وجوه‭ ‬صرف‭ ‬الزكاة‭ ‬هي‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬القرآن،‭ ‬ومقاصدها‭ ‬اجتماعية،‭ ‬بينما‭ ‬يؤدي‭ ‬الناس‭ ‬الضرائب‭ ‬مقابل‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬تنجزها‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الجماعات،‭ ‬فالضريبة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬حق‭ ‬يتعين‭ ‬الامتثال‭ ‬له‭.‬
وأكد‭ ‬المحاضر‭ ‬أن‭ ‬ثاني‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬قيام‭ ‬العلماء‭ ‬بإبراز‭ ‬التأثير‭ ‬المدمر‭ ‬للرشوة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬بحيث‭ ‬يتوجب‭ ‬اعتبارها‭ ‬منكرا‭ ‬من‭ ‬المناكر‭ ‬الكبرى،‭ ‬فيما‭ ‬الثالثة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬العلماء‭ ‬القيام‭ ‬بشرح‭ ‬ظاهرة‭ ‬الربا‭ ‬شرحا‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬وبيان‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬الموضوعي‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬معين‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬اقتصاد‭ ‬ذلك‭ ‬البلد،‭ ‬بتقريب‭ ‬الشقة‭ ‬بين‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭.‬
وأبرز‭ ‬أنه‭ ‬يشارك‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬مسؤولية‭ ‬التبليغ‭ ‬والإقناع،‭ ‬أصناف‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬التزكية‭ ‬الروحية،‭ ‬ومتدخلون‭ ‬آخرون،‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬والمعلمون‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والإعلاميون،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬المرجع‭ ‬في‭ ‬تقاسم‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬هو‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬أوله‭ “‬كلكم‭ ‬راع‭ ‬وكل‭ ‬راع‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬رعيته‭”.‬
وبخصوص‭ ‬أبرز‭ ‬العائدات‭ ‬المادية‭ ‬للأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬فهي‭ ‬مرتبطة‭ ‬‮-‬يقول‭ ‬التوفيق‮-‬‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي،‭ ‬بالوقاية‭ ‬وبتجنب‭ ‬التبذير‭ ‬أي‭ ‬بالتدخل‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬المنكر‭ ‬على‭ ‬الجماعة،‭ ‬مشددا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬بينما‭ ‬تؤدي‭ ‬الإمارة‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬إعمال‭ ‬المعروف‭ ‬بواسطة‭ ‬القانون‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الاجتهادات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يناقض‭ ‬أحكام‭ ‬الدين‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬اجتهاد‭ ‬فيها،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬اصطناع‭ ‬المعروف‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬مخافة‭ ‬الله،‭ ‬أي‭ ‬بدافع‭ ‬الوازع‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬إرادة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الخوف‭ ‬والرجاء،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬يصب‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬صيانة‭ ‬الفرد‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أمانة‭ ‬إلهية‭ ‬عنده،‭ ‬لايحاسبه‭ ‬عليها‭ ‬قانون‭.‬
وفي‭ ‬معرض‭ ‬تطرقه‭ ‬للمحور‭ ‬الخامس‭ “‬التدين‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬النمو‭ ‬ونموذج‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬الدين‭”‬،‭ ‬فقابل‭ ‬التوفيق‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬المسلمين‭ ‬بين‭ ‬وجهي‭ ‬الموضوع،‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قيمه‭ ‬والتنمية‭ ‬من‭ ‬نموذجها‭ ‬المأمول،‭ ‬بحيث‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬والعشرين‭ ‬استيقظوا‭ ‬على‭ ‬انحطاطهم‭ ‬المادي‭ ‬أمام‭ ‬الغرب،‭ ‬مضيفا‭ ‬أنه‭ ‬بينما‭ ‬ظل‭ ‬سوادهم‭ ‬الأعظم‭ ‬لا‭ ‬يقبلون‭ ‬الواقع‭ ‬الرهيب‭ ‬ولا‭ ‬يفهمون‭ ‬أسباب‭ ‬نزوله‭ ‬بهم،‭ ‬أخذ‭ ‬بعض‭ ‬النبهاء‭ ‬منهم‭ ‬يتساءلون،‭ ‬ومن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المفكر‭ ‬شكيب‭ ‬أرسلان‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬لماذا‭ ‬تأخر‭ ‬المسلمون‭ ‬ولماذا‭ ‬تقدم‭ ‬غيرهم؟‭”.‬
وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬استنتج‭ ‬كغيره،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬من‭ ‬تأخر‭ ‬للمسلمين‭ ‬ترتب‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬الأخذ‭ ‬بسنن‭ ‬الكون‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬السعي‭ ‬والاجتهاد،‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المبين،‭ ‬وعن‭ ‬تفشي‭ ‬الجهل‭ ‬وقلة‭ ‬العلماء‭ ‬المؤثرين‭ ‬وعن‭ ‬جمود‭ ‬العقول‭ ‬على‭ ‬القديم‭ ‬ليخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العلة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬التأخر‭ ‬هي‭ ‬فساد‭ ‬الأخلاق،‭ “‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬تقع‭ ‬مسؤوليته‭ ‬على‭ ‬المتدينين‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬الدين‭”.‬
وأكد‭ ‬التوفيق‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬هو‭ ‬البرنامج‭ ‬والتدين‭ ‬هو‭ ‬التنفيذ،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬فهم‭ ‬سديد‭ ‬يسانده‭ ‬الإجماع،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬العلماء‭ ‬قرروا‭ ‬أن‭ ‬آية‭ ‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستشهد‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الإجماع،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تأخر‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬السياسي‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬المادي،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬توفير‭ ‬شروط‭ ‬العمل‭ ‬بالدين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الجماعة‭ “‬وهي‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬النموذجية‭”.‬
وقال‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مؤشرا‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬الأمرين‭ ‬أو‭ ‬عليهما‭ ‬معا،‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬شروط‭ ‬التدين‭ ‬والضعف‭ ‬في‭ ‬نجاعة‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬منابر‭ ‬الدين،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬لا‭ ‬يعيق‭ ‬تنمية‭ ‬معينة‭ ‬ولكن‭ ‬ضعف‭ ‬التنمية‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬التدين‭.‬
وأوضح‭ ‬التوفيق‭ ‬أنه،‭ ‬وفي‭ ‬المملكة‭ ‬الشريفة،‭ ‬فالبرنامج‭ ‬المؤسس‭ ‬للبيعة‭ ‬الشريفة‭ ‬برنامج‭ ‬جامع‭ ‬للرأسمال‭ ‬اللامادي‭ ‬القابل‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬نموذج‭ ‬تنمية‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الثروة،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العلماء‭ ‬المسلمين‭ ‬اعتبروا‭ ‬أن‭ ‬الإمامة‭ ‬العظمى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تضطلع‭ ‬بمهمات‭ ‬سموها‭ ‬كليات‭ ‬الشرع‭ ‬الخمس،‭ ‬وهي‭ ‬حفظ‭ ‬الدين‭ ‬وحفظ‭ ‬النفس‭ ‬وحفظ‭ ‬العقل‭ ‬وحفظ‭ ‬المال‭ ‬وحفظ‭ ‬العرض،‭ ‬ويجب‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬وحدة‭ ‬شاملة‭.‬
ويتعين‭ ‬‮-‬حسب‭ ‬المحاضر‮-‬‭ ‬اعتبار‭ ‬حفظ‭ ‬المال‭ ‬بمعنى‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العنصر‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬تنموي‭ ‬تسهم‭ ‬فيه‭ ‬قيم‭ ‬الدين،‭ ‬ويأتي‭ ‬بعده‭ ‬حفظ‭ ‬العقل‭ ‬لأن‭ ‬الناس‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تلتزم‭ ‬بالأخلاق‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬فإن‭ ‬نفوسهم‭ ‬تطمئن‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬وجود‭ ‬فرص‭ ‬الاستحقاق‭.‬
وأوضح‭ ‬أن‭ ‬سداد‭ ‬سياسة‭ ‬الإمامة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬بيعة‭ ‬ترعى‭ ‬كليات‭ ‬الشرع‭ ‬يتجلي‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬أوراش‭ ‬البناء‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف،‭ ‬وإقامة‭ ‬مؤسسات‭ ‬الإصلاح‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬النهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬ووضع‭ ‬أمانة‭ ‬تبليغ‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬العلماء،‭ ‬ورعاية‭ ‬أحوال‭ ‬المحتاجين‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وإعطاء‭ ‬الإشارات‭ ‬للميسورين‭ ‬لبسط‭ ‬اليد‭ ‬بالتضامن،‭ ‬وهي‭ ‬مؤشرات‭ ‬لتحقيق‭ ‬نموذج‭ ‬تنمية‭ ‬يستلهم‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬توجهات‭ ‬قيمية‭ ‬وهي‭ ‬حفظ‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬طهارته‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬وجه‭ ‬الاكتساب،‭ ‬وحفظ‭ ‬التدين‭ ‬من‭ ‬الفتنة‭ ‬بحسن‭ ‬التبليغ‭ ‬وحفظ‭ ‬الكرامة،‭ ‬وفتح‭ ‬آفاق‭ ‬تربية‭ ‬تخدم‭ ‬حسن‭ ‬استعمال‭ ‬المال‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي،‭ ‬ووضع‭ ‬حياة‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬مسلك‭ ‬تربوي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬الاعتدال‭.‬
وأوضح‭ ‬أن‭ ‬الأساليب‭ ‬التقنية‭ ‬لوضع‭ ‬مقاولات‭ ‬وتنميتها‭ ‬هي‭ ‬متداولة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬وضع‭ ‬نموذج‭ ‬تنمية‭ ‬جذاب‭ ‬للمقاولات‭ ‬هو‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬بلد‭ ‬طيب‭ ‬المعيشة‭ ‬لأهله،‭ ‬ويزيد‭ ‬تميزا‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بالقيم‭ ‬التي‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتوزيع‭ ‬والاستعمال،‭ ‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬تكرر‭ ‬الوعد‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬سمونا‭ ‬في‭ ‬التدين،‭ ‬لا‭ ‬بمجرد‭ ‬انتمائنا‭ ‬للدين‭.‬
وخلص‭ ‬التوفيق‭ ‬إلى‭ ‬القول،‭ ‬إنه‭ ‬عندما‭ ‬نزل‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ “‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭” ‬فهمه‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬بعده‭ ‬الإنساني،‭ ‬باعتبار‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إصلاح،‭ ‬فقالوا‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الطبري‮:‬‭ ‬خير‭ ‬الناس‭ ‬معناه‭ “‬خير‭ ‬الناس‭ ‬للناس‭”‬،‭ ‬فأنعم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬غاية‭ ‬مثلى‭ ‬لكل‭ ‬نموذج‭ ‬تنمية‭ ‬تستثمر‭ ‬فيه‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭.‬


بتاريخ : 13/05/2019