أطفال الشوارع بالدار البيضاء .. طفولة مشردة ومصير غامض

وأنت تتجول في شوارع البيضاء، لا بد أن تثير انتباهك الأعداد المقلقة لأطفال ضعيفي البنية، تظهر عليهم علامات الهزال والضعف، رثي الملابس متسخيها، تعلو سحناتهم سمات البؤس و العوز، انتفت من أعينهم براءة الأطفال لتحل محلها نظرات ملؤها الألم والحيرة والغضب نحو مجتمع تنكر لهم ورماهم في لجة المجهول ليصارعوا واقعهم المرير ويواجهوا وحدهم مخاطر الشارع الذي يعج بكل أنواع الظلم و الإقصاء و الإجرام ، إنهم أطفال الشوارع الذين أصبحت أعدادهم تتنامى يوما عن يوم و في كل المدن، فهذه الظاهرة لا تقتصر على مدينة الدارالبيضاء فقط، لكنها منتشرة في جميع المدن والمناطق وفي جميع الدول، تجدهم في الحدائق وفي المحطات الطرقية وقرب المطاعم والإشارات المرورية، يتخذون من البنايات المهجورة والحدائق أمكنة للمبيت و قضاء لياليهم التي تشبه في عتمتها أيامهم التعيسة.
أسباب هذه الظاهرة عديدة و متنوعة، و يبقى أبرزها أولا: مشكل الطلاق، فأغلب هؤلاء الأطفال ينحدرون من أسر انفصل فيها الوالدان مما عرض الأبناء للتشرد والضياع.
ثانيا، الفقر الذي تعاني منه فئة كبيرة من الأسر حيث يعجز الأب، و بسبب راتبه الهزيل أو بطالته، عن تلبية حاجيات أسرته، فتضطر الأسرة إلى دفعهم للعمل بالشارع دون مراعاة سنهم، بحثا عن لقمة عيش.
3- المشاكل الأسرية بين الأب والأم، فالأطفال وبسبب حساسيتهم المفرطة ونفسيتهم الهشة لا يستطيعون تحمل المشاكل و التوتر الذي يتخبط فيها البالغون مما يؤثر سلبا عليهم، فيجدون في الشارع ملجأ لهم.
4- الانقطاع عن الدراسة: تعاني فئة كبيرة من الأطفال من مشاكل دراسية إما بسبب صعوبة التلقي أو فهم الدروس أو بسبب عدم القدرة على توفير اللوازم المدرسية أو صعوبة التأقلم مع المعلمين و التلاميذ في الفصل، مما يدفعهم للهدر المدرسي و بالتالي الانقطاع التدريجي و التام و النهائي عن المدرسة والالتحاق بالشارع لتزجية الوقت الطويل دون رقيب ولا حسيب.
بالإضافة إلى كل هذا هناك أسباب أخرى كالهجرة القروية و النمو الديموغرافي وكذا بعض أشكال العنف الممارس عليهم من طرف الوالدين.
لهذه الأسباب وغيرها تتزايد جحافل الأطفال المشردين و تتزايد أوضاعهم سوءا و تتنامى الانتهاكات الصارخة لحقوقهم وتتفاقم نتائجها الظاهرة للعيان، من انحرافات و جرائم وشذوذ و اغتصاب، فأطفال الشوارع و بسبب الظروف المزرية التي وضعوا فيها يخلعون ثوب البراءة و ينزعون عباءة الطفولة ليرتموا في أحضان الجريمة، فيكونون عصابات هدفها إما السرقة أو السطو أو التسول، يعيشون خارج القانون والمجتمع، كما أنهم يتعرضون للاستغلال الجنسي من أفراد العصابة الأكبر سنا.
وتقسم منظمة اليونيسيف أطفال الشوارع لثلاث فئات: قاطنون في الشارع ممن لا أسر لهم، وعاملون يقضون جل أوقاتهم في البيع المتجول والتسول، ومن يعيشون مع أسرهم الأصلية في الشارع.
وتبعا لهذا التعريف، قدرت الأمم المتحدة عدد أطفال الشوارع بـ 150 مليون طفل أكثر من 30 مليون طفل منهم يعيشون في إفريقيا. وفي العالم العربي يزداد الوضع سوءا نظرا لما تمر به بعض دول المنطقة من حروب وأزمات.أما بالمغرب، وحسب آخر الاحصائيات فإن أكثر من 30000 طفل يعيشون وضعية الشارع ، وهو رقم جد مقلق يلقي بظلاله القاتمة على مستقبل ووضعية هؤلاء.
وبالدارالبيضاء، العصب الاقتصادي للمغرب، يقدر عددهم فيها بأزيد من 7000 طفل، ينتشرون في شوارعها و أزقتها الخلفية، يبيعون مناديل ورقية أو يحترفون حرفة تلميع الأحذية أو يتسولون، أما في مدن أخرى كمراكش و بساحتها الشهيرة فأعدادهم تقدر بالعشرات، يجعلون من السياح الأجانب هدفا لترويج بضائعهم البسيطة وتقديم «خدماتهم» من أجل الحصول على دريهمات قليلة لاقتناء بعض الأنواع من المخدرات، كما يعمدون إلى استنشاق مادة»السيلسيون» التي تمنحهم لقب «شمكار « بامتياز.
هذه الظاهرة الخطيرة تستدعي تظافر جهود المؤسسات الحكومية المعنية، بوضع استراتيجيات ترتكز على الجوانب القانونية والتربوية والاجتماعية، وكذا إعداد برامج ناجعة تقوم على الاهتمام بصحة الأطفال في وضعية شارع وتوفير السكن والملبس خصوصا خلال أيام الشتاء الباردة، مع مساعدة الآباء وأولياء الأمور ذوي الدخل الضعيف أو المنعدم في توفير حاجيات أطفالهم للحيلولة دون تشردهم، بالإضافة إلى مجهودات المجتمع المدني الذي يلعب دورا كبيرا في هذا المجال من خلال عدة جمعيات كجمعية «بيتي» التي تأسست سنة 1997 . والتي تهدف إلى إعادة إدماج الأطفال الذين يعانون من وضعية الشارع والذين تتراوح أعمارهم بين 6و 18 وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا، كما تعمل على تخليصهم من الشوائب و السلوكات المنفرة التي اكتسبوها إبان فترة تشردهم.وهي تتوفر على عدة مراكز لاستقبال الأطفال بمدن مغربية مختلفة.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 20/04/2017

أخبار مرتبطة

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

جيد أن تبحث عن ملاذات في أقاصي نيوزيلندا، لكن، أن تحاول تشييد حضارة جديدة على جزر عائمة، فذاك أفضل! إنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *