أمينة السوسي: زوجي لم يندم يوما على نضاله ولا على مساره

ندوة تكريمية لرسم معالم صورة الإذاعي الراحل خالد مشبال في معرض الكتاب والنشر بالدار البيضاء

كانت قاعة «القاهرة» المتواجدة في فضاء معرض الدارالبيضاء، صباح يوم الثلاثاء 13 فبراير الماضي، مسرحا لندوة تكريمية للإعلامي خالد مشبال.
الجلسة، التي نظمت في إطار الدورة الرابعة والعشرين للمعرض الدولي للكتاب والنشر، حاولت أن ترسم بورتريها عن شخصية هذا الإذاعي والناشر والمنتج والمهتم بالثقافة، الذي توفي بطنجة في شهر غشت الماضي بعد صراع طويل مع المرض، وأن تستحضر ذاكرته للوقوف على مختلف المحطات التي ناضل فيها، من خلال شهادات جاءت على لسان ضيوفها والمتمثلين في كل من زوجته الإذاعية الشهيرة أمينة السوسي والباحث في ميدان الإعلام عبد الوهاب الرامي وابن طنجة الزبير بن بوشتى، الأستاذ المسرحي، فضلا عن مسيرها الصحفي والكاتب لحسن العسبي، الذين أدلوا بكلماتهم كل من زاويته ونوعية علاقته به، بالرغم من التقائهم حول العديد من النقط التي ترسم معالمه.
وقد تمكنت الندوة من إلقاء الضوء على المحطات المختلفة التي بصمها هذا «المناضل»،على حد قولهم جميعا، والوقوف على مسار خالد مشبال ابن تطوان وسليل مدرسة أعلام من منطقة الشمال، أعلام كان لهم دور كبير في تاريخ المغرب، ثقافيا و سياسيا و فكريا، وهي المدرسة التي جعلت الفقيد يسعى إلى ترسيخ مبادئها في المغرب على العموم ومنطقة الشمال التي ينتمي إليها على الخصوص.
وبينت الندوة عدة جوانب أثرت فيه وتفاعل معها وهي التي جعلت منه خالد مشبال الذي نعرفه، على الصعيد الوطني والعربي،على السواء، يقول لحسن العسبي، واسترسل هذا الأخير في شرح فكرته معتبرا بأن الراحل ينتمي إلى مرحلة مهمة وصعبة في تاريخ المغرب والتي صنعها مغاربة الشمال من خلال مقاومتهم للاحتلال الإسباني، إذ احتضنت ثورة الريف التي قادها عبد الكريم الخطابي، كما ارتبط بالقيم الفكرية التي تنتمي لها هاته المقاومة خاصة وأنه اشتغل في الديوان الصحفي لعبد الكريم الخطابي، بالإضافة إلى أنه ابن مدينة تطوان الحاملة لقيم إبداعية وثقافية و…والتي مهدت أيضا لتأسيس الصحافة في المغرب قبل أن تنتقل هاته الأخيرة لمختلف المدن كالرباط وفاس، حيث إن مشبال، في رأيه، ومن الناحية التربوية والسلوكية والخُلقية، وريث مدرسة الإعلاميين المهدي بنونة، مؤسس وكالة المغرب العربي للأنباء، وعبد الخالق الطوريس، الكاتب والناشط الصحفي، وهما الاثنان ينتميان للجيل الذي كانت له الريادة في انتشار أساليب جديدة في ممارسة الحياة، وأردف العسبي في تدخله أن خالد مشبال تميز بكونه متعدد اللغات حيث كان يتقن العربية والفرنسية والإسبانية، فضلا عن أنه قام برحلة شاقة على الأقدام سنة 1952 من المغرب إلى القاهرة وهو لم يتجاوز بعد سن السادسة عشرة، رحلة جعلته يحتك بتجارب متعددة استطاعت أن تغني وتوسع آفاقه ورؤيته للوقائع و للأحداث.
الثقافة والفن وتشجيع شباب منطقة الشمال كانت من جملة الاهتمامات التي ترك خالد مشبال بصماته فيها، وهذا ما أكده الزبير بن بوشتى، الكاتب المسرحي المزداد سنة 1964 بطنجة الذي قدمه العسبي كذاكرة لهاته المدينة لمعرفته بتفاصيل شخوص المنطقة، وقدم شهادته مصرحا بأنه يعتبر علاقته بالفقيد عائلية، قبل كل شيء، لأنه منذ طفولته الأولى وهو يواكب، من خلال نقاشات والديه في المنزل، تفاصيل أحداث «القايدة طامو» السلسلة التي أنتجها خالد مشبال وكانت تذاع في بداية الستينيات، ليتعرف عليه شخصيا سنوات بعد ذلك في دار الشباب عندما نودي لإجراء «كاستينغ» هو وعبد السلام خلوفي وآخرون للمشاركة في برنامج «للثقافة أخبار» الذي كان يقدمه المرحوم على أمواج إذاعة طنجة، وارتبط به أكثر في ما بعد، وذكَّر بن بوشتى بنبرة افتخار، بالموقف النبيل للراحل عندما دعمه خلال إصداره لأول مؤلف له «الحقيقة والصقيع» حيث تبناه كما تبنى العديد من الأسماء الإبداعية للمنطقة أمثال سعيد كوبريت ونزهة بنادي وعبد اللطيف بن يحيى وغيرهم ..وهي ميزة كان يتمتع بها الفقيد واتفق عليها جميع المتدخلين ، إذ أن بيته كان قبلة للجميع، بل كان الإجماع أيضا حول كون إذاعة طنجة، في فترته، أصبحت نموذجا يقتدى به، فقد كان له الفضل في خلق «أنتلجنسيا» في المنطقة بفضل استضافته، في عدة برامج، للعديد من المثقفين، وطرحه رفقة العاملين معه لمواضيع لم تطرح من قبل، كما كان «دينامو» مدينة طنجة، بحيث حرك الاعتصامات وخطط لبعضها وكتب عنها في عدة منابر كما كان من مشجعي الإعلام الجهوي، فنضاله على عدة واجهات دفعه أيضا إلى تأسيس نقابة الصحافة بطنجة وأن يصبح رئيسا لها، زيادة على تحمله مسؤولية اتحاد كتاب المغرب هناك، وكان يدعم المسرح وكافح حتى آخر أيام حياته من أجل تأسيس المهرجان الثقافي بالمدينة.
الجانب الإعلامي تطرق له عبد الوهاب الرامي، من زاويته كباحث في هذا الميدان، وارتأى أن يسلط الضوء على صفات الباحث والمربي والمؤطر في مجال الإعلام، والتي كان يتصف بها خالد مشبال، محاولا من هذا المنطلق أن يرصد أشياء مهمة في مساره لتكون نبراسا للجيل الجديد الذي يحتاج إلى ذلك في وقتنا الراهن، ثم وقف على عدة نقاط تستجيب للصفات التي يجب توفرها في الإعلامي المتميز، وقال إن خالد مشبال لم يكن من أولئك الذين يهتمون بتدوير الأشياء المتلاشية، بل كان مجدِّدا، وتوفر قيد حياته على الجرأة في اتخاذه لمواقفه والدفاع عنها كما تميز بالنزاهة و الصدق والمؤازرة وبدفاعه عن حرية التعبير، وهي من بين البنود التي يجب أن يحترمها الصحفي، ثم إنه كان لديه إيمان بمشروع الصحفي الحاضن، فقد نزل بالثقافة من برجها العاجي وهو بذلك رام الوصول إلى المتعلمين وليس إلى المثقفين، كما كان يجمع بين العمق الثقافي والحس السياسي بالإضافة إلى أنه، بحكم احتكاكه بالعظماء، شكل حلقة بين المثقف والإعلامي بالرغم من أنه، حسب اعتقاد المتدخل، انتصر للدور الفكري للإعلامي وهو شيء مهم جدا، مع العلم أن دور الإعلامي، يضيف الرامي، هو فكري، فالصحفي يجب أن يكون على تماس مع الفكر وإلا هوى من عليائه، كما أن الفكر يجب أن يكون مشاعا وليس مخصصا لطبقة معينة وإلا سيعزل عن الواقع، واستخلص كذلك بأن خالد مشبال كان ينهج سياسة القرب في تعامله مع المواطنين، بحيث كان يرتاد الأسواق الأسبوعية، كما بنى صداقات مع التجار البسطاء، وكانت له لقاءات كثيفة مع الأصدقاء في المقهى، ومن جهة أخرى فقد كانت برامجه تخلق تفاعلا كبيرا مع المستمعين، وخير مثال على ذلك كمية الاتصالات والرسائل التي كانت إذاعة طنجة تتلقاها.
وتم تسليط الضوء كذلك على خالد مشبال، الناشر الذي سعى من خلال مشروع «شراع» إلى خلق كتاب الجيب بثمن لا يتعدى 10 دراهم، رغبة منه في إيصال الكتاب لكل قارئ وتعميم الثقافة، وهو يعتبر مشروعا تأسيسيا، وقد نجح في تحقيق أرقام قياسية على مستوى المبيعات خلال التسعينيات، التي كانت آليات النشر في حقبتها معطوبة، ومن أسباب نجاحه هذا، استخدامه لطرق ذكية، بحيث كان يشرف على المبيعات حتى في الأسواق الأسبوعية،على حد قول العسبي، وهذا يدل على أن نسبة القراءة يمكنها أن ترتفع من خلال سياسة ناجعة، فالقارئ المغربي متعطش للإطلاع على الكتب حين تتوفر له وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج بأن هناك سياسة مخطط لها لعدم تسهيل ذلك.
رفيقة درب خالد مشبال، الإعلامية المغربية المعروفة، أمينة السوسي، حاولت، بكل تلقائيتها، تقريب صورته داخل المنزل، حيث صرحت، أثناء حديثها المؤثر عن زوجها الراحل، بأنها لم تفقده وأن الراحل ليس بالغائب الحاضر بل هو الحاضر دوما، استرسلت بعد ذلك في الحديث قائلة إنها مهما تعددت اللقاءات والندوات حول خالد مشبال فإنها لا تمل من الحديث عن هذا الزوج الذي عاشت معه ما يناهز ستين سنة وبأنها ستجد دائما ما تقوله عنه، وأضافت أنها ربطتها به علاقة فريدة من نوعها، إذ عند ارتباطهما كانت لهما قناعة و قرار عقلي بأنهما سيتزوجان بشريكة ثالثة وهي مهنتهما، ارتباط اعتادا مناداته ب»الثالوث المقدس»، كما أنها شراكة لم يتذمرا منها يوما، وأكدت بأنه عندما تسأله هل هاته «الشْريكة» ستتجود علينا يوما بعطائها» يرد قائلا «بل نحن من سنطعمها و نلبسها و نتكفل بها»، وتضيف زوجة الراحل بأنه لم يندم يوما على نضاله و لا على مساره، حتى في الفترات العصيبة التي مر منها، حيث كان يصرح لها دائما بأنه إذا تخلى عن تلك المبادئ فكما لو أنه تخلى عن دينه.
في منزله وبين أسرته، تقول أمينة السوسي، كان مشبال يختلف عما يكون عليه أثناء مزاولته لأنشطته العملية بحيث يخرج الطفل الذي في دواخله، يلهو معها ومع أبنائه ويناديها في غالبية الأوقات ب»ماما»، كما أضافت بأنه كان يهوى الإطلاع على الجرائد التي كان يقتنيها قبل دخوله المنزل وكذلك مشاهدة التلفاز الذي يشعله طيلة اليوم متنقلا من قناة لأخرى فضلا عن الكتابة التي تجعله ينتجا رزما من المسودات صبيحة كل يوم دون استثناء، لقد كان ينبوعا متدفقا للعديد من الأفكار التي ترجمت لبرامج مختلفة، وهذا ما أكدته رفيقة دربه في المهنة كما في الحياة عندما صرحت بأنه كان سباقا لعدة منجزات في عالم الإعلام إذ أنه كان ينفرد بالأفكار التي أنتجها في الإذاعة، مؤكدة أنه كان له تصور عام لما يجب أن يكون عليه الميدان الإعلامي في المغرب، مشددة على أن مسودة قديمة تحافظ عليها تِؤرخ لهذا التصور.
واسترسلت أمينة السوسي في بوحها عن زوجها الغائب الحاضر بأنه كان يهوى أيضا الذهاب للأسواق الأسبوعية أيام الآحاد والخميس من كل أسبوع، بالإضافة إلى أن مهنيته و حرصه على الكمال كانت تدفعه إلى تصحيح المقالة وإعادة تصحيحها حتى يتأكد من جودتها، وعن مشروعه «شراع» صرحت السوسي بأنه كان يستهدف الأحياء الهامشية في التوزيع، وكان كثير الأفكار وسباقا إلى خلقها، مثل فكرة «مكتبة في كل مقهى» والتي كان هو المبادر لها مثلها مثل فكرة تزيين الأحياء و التي أصبحت الآن مشاعة وتعطى على إثرها جوائز، لو أطال الله في عمره لأنتج أفكارا أخرى، تؤكد زوجته دائما، قبل أن تختم كلمتها بقولها: «هو لم يكن زوجي بل سكني».
وفي ختام هذه الجلسة التكريمية دعا لحسن العسبي إلى ضرورة التفكير، بشكل جدي، في خلق «مؤسسة خالد مشبال».


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 19/02/2018