أوراق مهاجر … شركة السككك الحديدية الفرنسية تقبل تعويض السككيين المغاربة بعد معركة قضائية طويلة -13-

ترك مونديال روسيا لكرة القدم أجواءً وانطباعا إيجابيا عن الهجرة والمهاجرين بصفة عامة. فقد تألق ابناؤهم او وحاملو الجنسيات المزدوجة بكبريات المنتخبات العالمية، وصنعوا الفرجة بعدد منها ، سواء بالمنتخب الفائز بكاس العالم، والذي لم يتردد عدد كبير من الصحفيين ومنشطي المنتديات الاجتماعية في أن يطلقوا عليه «منتخب افريقيا وفرنسا». وهو تعبير قريب من الواقع. ومن علاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة، منتخب بلجيكا هو الآخر كانت له نفس المواصفات بالإضافة إلى منتخب بريطانيا. وهي المنتخبات التي احتلت المربع الأخير، وكان الاستثناء هو كرواتيا باعتبارها بلدا أوربيا فقيرا في أوربا الوسطى، والذي انفصل عن يوغوسلافيا في السنوات الأخيرة ولا يسمح اقتصاده باستقبال هجرة خارجية.
هذه السنة كانت صعبة فيما يخص أوضاع الهجرة، فقد ارتفع عددهم هذه السنة بسبب استمرار النزاعات المسلحة بالشرق الأوسط وافريقيا، وكذلك استمرار الجفاف ببعض المناطق باسيا وافريقيا، مقابل وضع في اوربا تميز بسيطرة أفكار المحافظة والفاشية ووصول بعضها إلى الحكم كما حصل في إيطاليا والنمسا . صورة السفينة الإنسانية «اكواريوس» التي صدمت العالم سفينة تجوب البحر المتوسط ،محملة بالنساء والأطفال والشباب ، رفضت استقبالها عدة بلدان من القارة العجوز: إيطاليا ، مالطا وفرنسا قبل أن تأخذ الحكومة الاشتراكية باسبانيا مبادرة استقبالها، وتنقذ ماء وجه أوربا.
الهجرة اليوم ظاهرة كونية، ولا يمكننا أن نختار من العولمة فقط السلع ونرفض الإنسان.المغرب بدوره اختار الطريق الصحيح، ورغم أنه مازال بلدا مصدرا للكفاءات البشرية ،فإن اقتصاده اليوم في حاجة إلى بعضها سواء من افريقيا أو آسيا.

 

بعد معركة طويلة أمام القضاء، وإدانة شركة السككك الحديدية الفرنسية بتعويض السككيين المغاربة، تنفس الضحايا الصعداء، لكن أسابيع قليلة على أجواء الفرحة انطلقت معركة أخرى، وكانت مع محاميتهم كليلي دولوكين جوناس، التي جاءت إلى الملف في الساعة الأخيرة من القضية، بسبب التعويضات وكذلك الخلاف مع المستشار القانوني لجمعية السككيين، عبد القادر بندالي، لتسير القضية إلى معركة قضائية جديدة في حال عدم توصل الأطراف الى تفاهم.
هذه القضية، وهذه المعركة الاستثنائية، كانت ذات طابع خاص بالنسبة لي كصحفي مراسل من باريس، والتقيت هؤلاء الشيبانيين في قطاع السكك، وكتبت حول الموضوع في وقت كانت فيه القضية في البداية، وتم طرحها أمام القضاء الادراي، ولم يكن يعرف القضية أحد، ولم يكن الإعلام الفرنسي يهتم بها. أتذكر أنه منذ عشر سنوات اقترحت الموضوع على أحد المنابر الإعلامية الكبيرة بالمغرب، فقال لي أحد المسؤولين، لا يمكننا أن نمرر موضوعا كهذا في النشرة الرئيسية،لقضية لا يعرفها أحد. في الأخير، أقنعت مسؤول التحرير بأهمية هذه المعركة لشيبانيين المغاربة. لكن الأمر تغير في السنوات الأربع الأخيرة، أصبح الموضوع تغطيه أكبر القنوات الفرنسية، لتكتشف وسائل الاعلام المغربية الموضوع بدورها، وتجري وراءه.
ما يدعو إلى السرور، أن هذه المعركة انتهت بشكل إيجابي مثل معركة المنجميين المغاربة بالشمال ونضالهم من أجل المساواة في الحقوق، و المعركة نجحت أمام القضاء رغم أن عددا كبيرا لم يكن يؤمن بها بين السككيين انفسهم.
بعد قرار القضاء الفرنسي بباريس ضد الشركة الوطنية الفرنسية ( سي اين سي ايف) SNCF
لسكك الحديدية وإدانتها بالميز ضد 848 عاملا مغربيا، الذين واجهوا هذه الشركة العملاقة منذ عقود من أجل الحصول على حقوقهم مثل زملائهم الفرنسيين. وقد أعلنت محاميتهم بالصراخ بالمحكمة «انتصرنا» تقول الأستاذة كليلي دولوكين جوناس. وتضيف لقد اعترفت المحكمة بالضرر المعنوي لهؤلاء الشبانيين المغاربة، بعد معركة طويلة بدأت من قضاء الشغل منذ أكثر من عقد من الزمن. والمهم ان المحكة اكدت الحكم الابتدائي الذي يدين الشركة تقول محامية الشيبانيين إلى الصحافة الفرنسية.
هذه المعركة استمرت عقدين،في القضاء الاداري وقضاء الشغل الى محكمة الاستئناف، وجل هؤلاء العمال اليوم هم متقاعدون وبعضهم فارق الحياة. وطالبوا الشركة الفرنسية بالتعويض عن الضرر بعد ان حرمهم مشغلهم من الحقوق فقط لأنهم مغاربة، ووصلت مجموع هذه التعويضات التي يطالبون بها إلى حوالي 628 مليون اورور.
وقد قامت الشركة باستئناف الحكم الصادر ضدها سنة 2015 بالمحكمة الابتدائية والذي اقر آنذاك بتعويض قيمته 170 مليون أورو.
وإذا لم يحدد القضاء الاستئنافي مبلغ الضرر المادي فقد اكد لهم تكبد أضرار معنوية.
وقد وظفت الشركة الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية في إطار اتفاق مع المغرب مع هؤلاء العمال في بداية عقد السبعينات. وكان يبلغ عددهم حوالي ألفي شخص. في إطار احترام القانون الفرنسي والمساواة بين هؤلاء العمال ونظرائهم الفرنسيين، لكن الشركة الفرنسية وظفتهم في اطار عقود جعلتهم يقومون بنفس العمل بل الاعمال الشاقة على الخصوص دون ان يستفيدوا من نفس الحقوق.
وراء هذه الأرقام والقضايا المعروضة اليوم أمام القضاء الفرنسي، قضايا إنسانية ومآسي عائلات، تحصل حاليا على تعويض هزيل ورمزي بعد رحيل معيلها كتعويض عن التقاعد ولا يفي بمستوى العيش بفرنسا، ولا يوازي ما تحصل عليه العائلات الفرنسية التي اشتغل معيلها بنفس العمل وقد مارس نفس الخدمة بشركة السكك الحديدية.
وحسب احد الضحايا الحاج احمد ، كانت الإدانة حول «الميز في تطبيق تعاقد العمل» و»حقوق التقاعد». وحكمت المحكمة بتعويضهم ما بين 150الف اور و230 ألف اور .واستفاد هؤلاء السككيون المغاربة من التعويضات بعد معركة قضائية طويلة دامت اكثر من عشر سنوات.
عدد من الجلسات عقدت أمام قضاء الشغل بباريس مست عدة مجموعات يتابعون الشركة الوطنية لسكك الحديدية الفرنسية بالميز في ملف شائك ومعقد .هذا الملف الذي يمس العديد من المهاجرين الشيوخ الذين طالبوا بحقهم في المساواة ومعاملتهم مثل زملائهم الفرنسيين خاصة انهم قاموا بنفس العمل ونفس الجهد ومنهم من أصبح يتوفر على الجنسية الفرنسية.وقد سبق لمجموعة أخرى أان فازت بهذا الرهان امام القضاء مثل عمال المناجم الفرنسية بالشمال من المغاربة وكذلك قدماء المجندين بالجيش الفرنسي، الذين حصلوا على زيادات في تعويضاتهم رغم أنها لا تضاهي تعويضات زملائهم الفرنسيين.
هؤلاء العمال كانوا ضحية كل اشكال الميز خاصة عدم استفادتهم من كل اشكال الترقية داخل المقاولة وكل الامتيازات التي يمنحها العمل داخل هذه الشركة التابعة للقطاع العمومي الفرنسي.
بعضهم قبل بالمغادرة الطوعية، أي القبول بالبطالة مع الحصول على جزء من الأجر، سي محمد تحدث لي عن هذه التجربة المريرة في انتظار الدخول إلى قاعة المحكمة عن مغادرته للعمل قبل التقاعد، أي فيما يسمى المغادرة الطوعية والحصول على تعويض البطالة وهي مغادرة قام بها العديد من العمال مجبرين بعد أن أانهكتهم السنين الطويلة من العمل ،يقول حول الأمر كانت الشركة تدفعهم وتشجعهم على ذلك بعد ان بدأت المتابعات ضدها من طرف العديد منهم، وبدأ الملف يأخذ بعدا إعلاميا بفرنسا». وأضاف سي محمد « أشعر بالخيانة والسرقة من طرف الشركة المشغلة،وكيف يتقدم زملائي الفرنسيون في مسارهم المهني وتتحسن وضعيتهم في حين أظل انا جامدا في وضعيتي.إذ منذ التحقت سنة 1972 وأنا أقوم بنفس الاعمال الشاقة بل اكثر في ظروف البرد وفصل الشتاء العب بفرنسا .» ويقول حول وضعيته قبل المجيء الى فرنسا «كنت أاعمل في المكتب الوطني لسكك الحديدية بالمغرب. في البداية كنت فرحا بهذا العمل، واعتبرت نفسي محظوضا اكثر من الاخرين الذي بقوا بالبلد ،لكن بعد مرور السنين بدأت أتساءل حول الثمن مقابل ذلك بعيدا عن العائلة والبلد.
في السابق لم أكن أفهم ما يعني الميز. وكنت اعتبر ان الفرنسيين من حقهم تشغيلي كما يحلو لهم».طبعا محمد من الجيل الذي جاء الى فرنسا في بداية عقد السبعينيات، حيث كانت الشركة الفرنسية تبعث موظفيها الى المغرب من أجل اختيار هؤلاء العمال لتشغيلهم بفرنسا.
وحول المغادرة الطوعية، التي اقترحتها الشركة على العديد من العمال المغاربة ، قال الحاج احمد « إنها فخ يقع فيه كل من يقبل ذلك . فهي نوع من الاحالة على البطالة، حيث يستمر العامل في الحصول على 65 في المئة من أجره فقط مما يؤثر على قيمة تعويضات التقاعد فيما بعد، لكن كل الذين قبلون بذلك لم ينتبهوا للأمر.» بعض هؤلاء العمال الذين لم يقبلوا المغادرة الطوعية تم تشغيلهم في الاستقبال داخل محطات القطار، حيث العمل أسهل في انتظار وصولهم إلى سن التقاعد.
والنقابات لم تساندهم في هذه المعركة كما ذكر لنا احد القدماء ورئيس جمعية السككيين الحاج احمد ، باعتبارهم أجانب، كما ان النقابات الكبرى مثل السي جي تي تجنبت ذلك ، كي لا تدخل في خلاف مع اغلبية العمال الفرنسيين الذين لا يهمهم الدفاع عن حقوق الأجانب.
هؤلاء السككيون اليوم تحسنت وضعيتهم، المعنوية والمادية بعد تحقيقهم الانتصار وحصولهم على التعويضات.
الحاج محمد الذي يترأس الجمعية عبر هو الآخر عن اغتباطه للحضور القوي للإعلام الفرنسي. وأضاف « كيف كانت جريدة الاتحاد الاشتراكي هي الوحيدة إلى جانبهم في بداية هذه المعركة منذ 10 سنوات»مؤكدا «عندما أسسنا الجمعية في البداية كان بعض الزملاء يستهزئون منا، ويتساءل بعضهم كيف بإمكاننا متابعة الشركة الوطنية للسكك الحديدية.اليوم، الجميع تغيرت نظرته وانضموا الى المعركة،بل منهم من انخرط في الجمعية التي لا تتوفر على أي ميزانية. لكن يبدو أن الامور تغيرت اليوم، وأصبح الجميع يؤمن بهذه المعركة ويدعم الجمعية».
عبد القادر بندالي، كان دائما موجود الى جانبهم من اجل تقديم الاستشارة وتقوية الجمعية ومساعدة محامي الجمعية، في تحميسهم بمقر النقابة»، بالنسبة له ، هذه المعركة هي معركة شرف بالنسبة لهؤلاء السككيين، ومن اجل الدفاع عن حقوقهم»، هذا الحماس والأمل هو جديد بالنسبة لهؤلاء الشيوخ.عندما رأيتهم منذ عشر سنوات مضت لم يكن أغلبهم يؤمن بهذه المعركة. اليوم الجميع فرح بهذا النصر واسترجاع الحقوق التي كانت ضائعة الضائعة.
نهاية هذا الملف، كانت بئيسة بالنسبة للدفاع والضحايا. بعد الانتصار على شركة السكك الحديدية، فقد تابع جزء من الضحايا المحامية ، واعتبروا تعويضاتها مبالغ فيها،.كما ان المستشار القانوني لهؤلاء الشيبانيين هدد بمتابعة بعضهم لعدم دفعهم المستحقات. واعتبر ان المحامية قامت بالسطو على عمله للدفاع عن هؤلاء الضحايا. وإن عدم الوضوح في التعاقد مع الدفاع الذي تغيير عدة مرات، أدى هو الاخر إلى الارتباك، بالإضافة الى مطالب المستشار القانوني التي كانت كبيرة حسب بعض الضحايا. اليوم تدخل قضية الشيبانيين مسارا جديدا، هو الحرب بين « الاخوة الأعداء» أي الضحايا والدفاع، في انتظار الوصول إلى حل أو أن تقول المحكمة رأيها في هذا التطور الجديد.


الكاتب : يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 16/08/2018