أوراق مهاجر : هل يستفيد المغرب من الكفاءات البشرية المقيمة بالخارج؟

ترك مونديال روسيا لكرة القدم أجواءً وانطباعا إيجابيا عن الهجرة والمهاجرين بصفة عامة. فقد تألق ابناؤهم او وحاملو الجنسيات المزدوجة بكبريات المنتخبات العالمية، وصنعوا الفرجة بعدد منها ، سواء بالمنتخب الفائز بكاس العالم، والذي لم يتردد عدد كبير من الصحفيين ومنشطي المنتديات الاجتماعية في أن يطلقوا عليه «منتخب افريقيا وفرنسا». وهو تعبير قريب من الواقع. ومن علاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة، منتخب بلجيكا هو الآخر كانت له نفس المواصفات بالإضافة إلى منتخب بريطانيا. وهي المنتخبات التي احتلت المربع الأخير، وكان الاستثناء هو كرواتيا باعتبارها بلدا أوربيا فقيرا في أوربا الوسطى، والذي انفصل عن يوغوسلافيا في السنوات الأخيرة ولا يسمح اقتصاده باستقبال هجرة خارجية.
هذه السنة كانت صعبة فيما يخص أوضاع الهجرة، فقد ارتفع عددهم هذه السنة بسبب استمرار النزاعات المسلحة بالشرق الأوسط وافريقيا، وكذلك استمرار الجفاف ببعض المناطق باسيا وافريقيا، مقابل وضع في اوربا تميز بسيطرة أفكار المحافظة والفاشية ووصول بعضها إلى الحكم كما حصل في إيطاليا والنمسا . صورة السفينة الإنسانية «اكواريوس» التي صدمت العالم سفينة تجوب البحر المتوسط ،محملة بالنساء والأطفال والشباب ، رفضت استقبالها عدة بلدان من القارة العجوز: إيطاليا ، مالطا وفرنسا قبل أن تأخذ الحكومة الاشتراكية باسبانيا مبادرة استقبالها، وتنقذ ماء وجه أوربا.
الهجرة اليوم ظاهرة كونية، ولا يمكننا أن نختار من العولمة فقط السلع ونرفض الإنسان.المغرب بدوره اختار الطريق الصحيح، ورغم أنه مازال بلدا مصدرا للكفاءات البشرية ،فإن اقتصاده اليوم في حاجة إلى بعضها سواء من افريقيا أو آسيا.

 

قضية الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج أحد المواضيع الأساسية التي تم التداول فيها في المغرب منذ أول حكومة للتناوب، لكن حتى الآن لم تتم أي دراسة حول حصيلة هذا العمل، وما استفاده المغرب من هذه الكفاءات، وما هي القطاعات التي قد تكون قد استفادت من مغاربة العالم. والاهتمام بهذا الموضوع مازال يشغل المسؤولين بالمغرب.
وقد نظمت هذه السنة وزراة الهجرة المغربية في بداية شهر يونيو ورشة موضوعاتية للخبراء المغاربة المقيمين بفرنسا بمدينة الصخيرات، وكان اللقاء تحت شعار « الابتكار والتكنولوجيات الجديدة : الفرص المتاحة للمغرب «،وتم بالطبع، بشراكة مع شبكة للجمعيات بفرنسا.وهي كلها تشتغل في مجال الابتكار اوالتكنولوجيات الجديدة ، وقد ترأس هذه اللجنة شكيب بوعلو أحد الكفاءات المغربية المقيم بفرنسا، والذي يدرس بمدرسة لمين بباريس وينشط في المجال الجمعوي الذي يخص الكفاءات المغربية المقيمة بهذا البلد، وكان دور هذه اللجنة هو العمل على فرز الكفاءات التي شاركت في هذه الورشة الموضوعاتية من أجل التعرف عليها، وحتى يمكن للبلد الأصلي أن يستفيد منها. هذه العملية وهي التنقيب عن الكفاءات يقول شكيب بوعلو ،الذي لعب دورا أساسيا في تنظيم هذا اللقاء: «هو عمل معقد قمنا به كلجنة، نحن في عالم يشهد منافسة شرسة وقوية من أجل جلب الكفاءات البشرية ذات التكوين العالي في مختلف المجالات، وهي منافسة تتم بين البلدان الصناعية وبلدان الجنوب الصاعدة، وهي حتى الآن في صالح البلدان الغنية حتى اليوم.ويمكننا في هذا الإطار أن نتحدث عن حالة المغرب في هذا المجال، الذي يتوفر على كفاءات كثيرة مغربية أو من أاصل مغربي التي يمكن استقطابها من أجل المشاركة في التنمية الشاملة للبلد الأصلي، ولتحقيق ذلك لا بد من استراتيجية ورؤية في هذا المجال، وسياسة جديدة في هذا المجال.»
طبعا كما يقول هذا الخبير، لا بد من استراتيجية وطنية من أجل الاستفادة من هذه الكفاءات ومن قدراتها، ومعرفة مجال اشتغالها والمجالات التي يمكن أن تفيد فيها. فهل يتوفر المغرب على البنيات التي يمكن أن تفيد في هذا المجال؟
لقاء الصخيرات الذي نظمته الوزراة كان ذلك أحد أهدافه الأساسية «من أجل وضع إطار لتبادل التجارب على عدة محاور استراتيجية من أجل تنمية المغرب. ومن أجل نقل الخبرة و الكفاءات التي أصبحت في الوضع الحالي مسألة أساسية، مغاربة العالم من جهتهم واعون بأهمية الاندماج في التطور الاقتصادي الذي يعرفه المغرب، الذي يوفر إمكانيات كبيرة لتطور والتنمية والحاجة إلى كفاءات جديدة في مجال البحث والتنمية.»
هدف الندوة الأخيرة التي نظمتها الوزارة «هو الاستفادة من دور الكفاءات من أجل خلق دينامية لتطوير المغرب،وذلك عن طريق خلق شراكات مع القطاع العام والخاص. وهو ما يمكنه أن يشجع على بروز جيل جديد من حاملي المشاريع والخبرة ومن مشاريع الاستثمار والتنمية المستدامة.»
وعرفت مدينة الصخيرات بهذه المناسبة «تنظيم جلسة عامة، وموائد مستديرة، وجلسات و مشاركات شفوية، ومداخلات مكتوبة التي تم تدارسها. وكانت خمسة جلسات في هذا اللقاء : الجلسة الأولى حول المعطيات التكنولوجية الرقمية، الجلسة الثانية الطاقة والنجاعة الطاقية والبيئة، الجلسة الثالتة حول البحث والتطوير والتنمية في المغرب،الجلسة الرابعة حول الاستثمار وخلق المقاولات بالمغرب،الجلسة الخامسة حول المدن،الجهات، والمجالات الأرضية لتفعيل المشاريع التنموية بالمغرب».
الكفاءات والمؤهلات البشرية لتنمية أي بلد هي ضرورية من أجل انجاح أي مشروع لسياسة الطاقية. والمغرب له مشاريع كبرى في هذا المجال وهي في حاجة إلى ذلك، وهو يتوفر على وحدات لإنتاج الطاقة الريحية ، وهناك خصاص وحاجة إلى هذا النوع من الطاقة خصوصا في المناطق القروية وأهمية هذه الطاقة كبيرة ، «هي ليست إيكولوجية بالأساس بل اقتصادية.والمغرب الذي ما زالت به بعض المناطق القروية التي لا تتوفر على الطاقة يمكن أن يستفيد من الامتيازات التي تقدمها بعض البلدان في هذا المجال مثل الدانمارك،هولندا والمانيا.وتوجد بالمغرب مناطق توفر رياح كافية مثل منطقة الصويرة والتي يمكن للريح أن يوفر بها 20 في المائة من حاجات الطاقة.بالطبع هذا المجال يتطلب استثمارات كبيرة لكن مصاريف التسيير والمتابعة ليست كبيرة.» المغرب اليوم، قام باستثمارات ضخمة في مجال الطاقة الشمسية يمكن أن توفر جزءا من العجز نظرا لنسبة الشمس التي يتوفر عليها المغرب.والمجهودات في هذا المجال لن تقتصر فقط على تأمين الحاجيات الذاتية للمغرب من الطاقة واستقلاله في هذا المجال بل إنها تساهم في الحفاظ على البيئة والحد من الاحتباس الحراري الذي يهدد البيئة العالمية. المغرب اليوم، في حاجة اكبر كما يقول شكيب بوعلو إلى « تطوير تقنيات الاقتصاد في استعمال الطاقة من خلال تطوير بحوث في مجال ترشيد الطاقة وفعاليتها.» لان الولوج إلى الطاقة هو احد مفاتيح التنمية والتقدم الاقتصادي،الاجتماعي والإنساني،وهي فرصة لتجديد وخلق تكنولوجيات ومشاريع مستقبلية للإعمال.»
وحسب العديد من الخبراء المغاربة في الخارج، فإن «اقتصاد بلد في طور التنمية مثل المغرب، له القدرة والإمكانية أن يضع الانتقال الطاقي في صلب ديناميته من أجل التنمية، دون أن يؤدي تكلفة إعادة شاملة لكل بنيته التحتية المتوفرة حاليا، ويمكنه بذلك ان يصبح رائد عالمي في الانطمة الطاقية الجديدة المبنية على الطاقات المتجددة وعلى نموذج للاستهلاك غير ممركز.»
كما يمكنه «أن يلعب دورا رائدا في مجال الطاقات الجديدة خاصة في مجال الطاقة الشمسية، ويعتبر أرضية خصبة من أجل التجديد في هذا المجال.»
المغرب تنتظره تحديات كبيرة في هذا المجال من أجل خلق شروط ملائمة لهذه الاستثمارات في المجال الطاقي ويمكن في هذا الإطار أن يعول على الكفاءات المغربية في مختلف بلدان العالم من أجل الاستفادة منها في تطوير هذه البنية، وهذا التحول الطاقي الذي ينشده، خاصة ان التحول الطاقي هو رهان تنمية المستقبل، والتوفق على الطاقة بكلفة اقل، هو الذي يمكن أن يطور العديد من القطاعات ويشجع على جلب المقاولات الكبرى والقطاعات التي تحتاج إلى الطاقة مثل السياحة ومختلف الصناعات في مجال الطيران والسيارات وغيرها. فكلفة الطاقة هي أساس تنمية الغد، والمغرب محتاج للسير في هذا الاتجاه وفي الاعتماد على خبرات أبنائه في الخارج.
وهناك قطاعات أخرى يمكن للمغرب أن يستفيد من هذه الخبرات في الخارج ومن تجاربها، وبلدان عديدة مثل الصين وتركيا اعتمدت في إقلاعها الاقتصادي في السنوات الأخيرة على هذه الخبرات بالخارج.


الكاتب : يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 18/08/2018