أَيَظُنُّ ؟!

«- ألو !
– اهلا !
– كيف حالك؟ هل انتَ بخير؟
– بخير… لكني متعب ومريض بعض الشيء…»
بدا صوته غريبا، لكنها عَزَتْ ذلك للتعب، فقد عاد لعمله منذ يومين، بعد أسبوع راحة، كانا يلتقيان خلاله بصفة شبه يومية. بعد لقائهما الأخير، لم يعاود الاتصال بها، ترك لها رسالة نصية تقول إنه اُصيب بالبرد، فقررت اخذ المبادرة والسؤال عنه.
ربما لم تنتبه أو ربما تجاهلت تلك النبرة الباردة في صوته، فقد كانت لا تزال مُنتشِية من لقائهما الماضي، تتذكر تلك النزهة في الأزقة الخالية وتلك الاستراحة عند السيد أنور…
بدات تستفيق من نشوتِها بعدما مر الاسبوع الأول ولم يلتقيا. كان أحيانا يتصل بها ويُواعِدها ؛ لكنه يوم الموعد، لا يُعاود الاتصال. وإن هي اتصلت به يخبرها أنه مُنشغل وأنه سيتصل بها لاحقا. او تجد مكالمة منه في وقت متأخر، وعندما تُهاتِفه يُجيبها بصوت مخمور وهو في جلسة صاخبة مع أصدقائه.
تَعِبَتْ من مُراوغاته واستهتاره، فتوقفت عن السؤال عنه. وإِنْ هاتَفَها أو ترك لها رسالة، تُجيب باقتضاب. وإن اضطرت للاتصال به قصد الاستفسار عن أمر يهمها، تكلمه بطريقة باردة ولا تخوض معه في الأمور الشخصية. وهو يعاملها بالمثل. إن احتاج مساعدة منها، يتصل بها ويطلب ذلك دون مقدمات، فتوافق على مساعدته. يعرض عليها اللقاء قصد التعبير عن امتنانه لها، فتتملص منه بأدب، خوفا من تعرضها لخيبة جديدة.
أدركت من تصرفاته أنه ربما راجع نفسه وقرر الانسحاب قبل التورط معها أكثر. أو ربما لم تُناسِبْهُ جِدِّيَتُها وطريقة تعاطيها للأمور. فهي لم تكن سطحية ولا عابثة، وإِنْ كانت مرحة وتحب حياة الحرية والانطلاق !… أو ربما هو من ذلك النوع غير الناضج من الرجال الذي يشبه الطفل في تصرفاته. يبكي من اجل الحصول على لعبة جديدة. وما أن يحصل عليها، حتى يفقد كل حماس واهتمام بها !
هل عليها إخباره بعدد الدعوات التي تتلقاها للخروج وعدد العروض الجادة للارتباط التي تَفِدُ عليها من المعجبين وترفضها كلها؟! هل سيُفيقُ من غفلتِه إن عَلِمَ بذلك؟… تمنّتْ لو كانت امرأة لَعوباً لِتُلَقنَه درساً! لكنها ضريبة الصدق… فلا يمكنها التلاعب بمشاعر الآخرين فقط لإرضاء غرورها او لتصفية حسابات صغيرة معه !
الشيء الوحيد الذي شفع له عندها هو انه لا يعرفها حق المعرفة… فهي صبورة ومتفهمة. لكنها عندما تحسِم أمرها بالرحيل، فهي لا تعود أبدا !… هذا ما جعلها تُشفِق عليه من صرامتِها وتُعامِلْه بِلين زائِد.
ذات صباح، بعدما تَعذّر لقاؤهما لأكثر من شهرين، تفاجأت بمكالمة هاتفية منه، يسأل عن احوالها ويطلب رؤيتها. بعد ساعتين، كتب لها شيئا مميزا. كانت رسالة نصية مُطوّلةً بالمُقارنة مع رسائله السابقة لها، والتي لم تكن تتعدى كلمتين: «أين أنتِ ؟!».
توقعت ان يتصل بها في الغد، لكنه لم يفعل، فحسِبَتهُ عاد لمُراوغاتِه، وتناست الأمر كليا، وإن على مضض.
بعد يومين، وصلتها رسالة نصية منه تقول: «أنتظرك هذا المساء على الساعة الخامسة امام النادي». اتصلت به لتستفسر عن الأمر، لكنه لم يرد. قررت عدم الذهاب للقائه، وحاولت إشغال نفسها بترتيب بعض الأمور في البيت.
قبل الموعد بنصف ساعة، وصلتها رسالة نصية جديدة منه تقول: « أنا الآن امام النادي، أنتظرك».
غريب!… متى كان يتصل بها للتاكيد على موعد لقائهما؟!… بل هي التي كانت تتصل لترى إن كان لازال يذكر الموعد أو نسيه وسافر مع أصدقائه! … بدأ الفضول يتملّكُها . فما سر هذا التغيير المفاجئ في تصرفاته؟… ولماذا لا يجيب على مكالماتها ويكتفي ببعث الرسائل النصية؟… ما كل هذا الغموض؟
قررت الذهاب للقائه، فهي تعرف ذلك النادي الذي يقضي فيه معظم اوقاته مع شلة أصدقائه. اختارت فستانا جميلا مع حذاء بكعب عال، ووقفت تتأمل صورتها في المرآة… «تُرى كيف ستكون ردة فعله؟ فهو لم يرني متأنقة هكذا من قبل !».
بعد ربع ساعة، وصلت لعين المكان. ركنت سيارتها بجانب الطريق، وسارت مشيا لملاقاته. بدا لها من بعيد بقامته المديدة. كان واقفا هناك ينتظرها. لم تر وجهه، فقد كان يدير بظهره لها. ابتسمت وهي تسرع الخطى نحوه. وكلما اقتربت منه أكثر، إلا واتسعت الابتسامة على وجهها، وعلت دقات قلبها، وتناست كل شكوكها وظنونها… ما احلى الرجوع إليه !


الكاتب : نعيمة السي أعراب

  

بتاريخ : 22/06/2018

أخبار مرتبطة

  رن الهاتف ، كنت في الحمام مستمرئا الدوش الفاتر، تلففت بفوطة، شربت كوبا من محلول عشبة اللويزة، موطئا لنوم

  جلست على شاطئ الحيرة أسكب المعاناة على الورق، وأشكل أمواج الغضب، تطاردها الجروح ويرافقها السؤال واحد يدعي الحضور! على

الحياة التي نحارب من أجلها… الحياة التي نمارسها أمام العلن… والحياة التي نتمنى أن نعيشها… لا علاقة لها بما نعيش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *